4

320 38 0
                                    

على حب فاطِمة_٤

كانت غُفران قد اغلقت كتابها للتو قبل أن يرن هاتِفها صارخاً بأغنيتها المفضّلة ، دندنَت معها قليلا ،ثم رفعت السمّاعه
_هلاو ، نعم لقد أنهيت المادّة للتو، وفجأة صرخت ماذا!

ثم وجّهت نظرها الى ساعة الجِدار لتصطدم عيناها السوداوان بعقاربها التي كانت تُشير الى الرابِعة فجراً، تماما كما أخبرتها صديقتها.

ضربت جبينها بخفّة ثم عادت تتحدث عبر الهاتف
_لقد ظننت انها العاشرة مساءاً، ههه ، حسنا الى اللقاء.

أزاحت الكتب عن سريرها واستعدت لِتنام فليس لديها سوى ساعتين قبل أن يحين موعد ذهابها الى الجامِعة.

دفنَت نفسها تحت اللحاف الوثير ، وخبئت رأسها جيداً ، فشهر "فبراير" قد هجم بقوة هذه السنة.

لم تكد عيناها تغفو بعد، حتى تسرّب الى سمعها صوتٌ لم تألفه كثيراً، لم تعتد سماعه إلا في عزاء أحدهم.

(ولاتقفُ مالَيسَ لكَ بهِ علمٌ إن السمعَ والبَصَر والفؤادَ كُلُ أولئك كان عنهُ مسؤولاً..)
كانت الآيات تتهادى الى مسامعها بذلك الصوت الشجي، الذي بدا قريباً جداً.

أبعدت الغطاء عن وجهها ، وبقيت في سريرها تستمِع بتأمّل.

تُرى من أين يقدم هذا الصوت الذي تفتقده مدينتها العامِرة بأسواقها ، الخاوية من ذكر ربّها؟

أما محمد فقد أنهى تلاوة القرآن ،ثم قبّله ونهض ليضعه في مَكانه ، ثوانِ قليله ويدخل وقت الأذان ، تقدّم من المنبر ، أغمض عينيه ووضع سبابتيه في أذنيه ، ودعا بكلّ قلبه " اللهم بحق وليّك  علي بن أبي طالب ، أجعل أذاني يخترق كل منزلٍ، وكل قلب"

ثم بدأ بترتيل أنشودة الحُب الألهيه
الله أكبر الله أكبر
خاسر من لا يتعطّر سمعه بتلك الكلمات العبِقه، أحقاً أن هناك من يسمعها خمس مرات يومياً ولايستشعر حلاوتها.؟

إنسابت فقرات الأذان تِباعاً الى أذن غُفران أو فلنقُل الى "قلبها"

وعرضت من بين ذكرياتها ذِكرى عميقة لاتزال تحفر في ذكرياتها.

كانت تقف بباب الصالة تشاهد رفيقتها رقيّة وهي ترتدي ذاك الإيزار الأبيض وتقف الى جانب والدتها ، لمحتها والدة رُقيّة فأشارت لها بيدها تدعوها للدخول:

_غُفران، أدخلي ياعزيزتي لمَ تقفين هناك؟
_جئت لكي ألعب مع رُقيّة.

_الآن هو وقت الصلاة وستلعبان لاحقاً ، غُفران هل تودين الصلاة معنا.
هزّت رأسها ببراءة.

ووقفت بجانبهن لتؤدي ثلاث ركعات بأتم وجه.
قالت رُقيّة بسرور وهي تقف استعداداً لأداء صلاة العشاء
_هيّا ياغفران قومي لنكمل الصلاة.

ردّت وهي تفرك يديها ببعضهما:
_كلا يجب أن اعود الى المنزل أخبرتني ماما أن لااتأخر.

ودّعت رُقيّة وقبل أن تصل الى الباب قالت لها والدة رُقيّة التي رافقتها الى الخارج:

_غُفران ، بُنيتي لقد تجاوزتِ التاسعه ، لايجوز ان تخرجي هكذا دون حِجاب.
_لاأعلم ولكني لاأملك واحداً.

ابتسمت لها :
_لاتقلقي سأعطيك أحد حجابات رُقيّة ، وأخبري والدتكِ لتشتري لكِ المزيد.

لقد كانت تبدو كأميرة بذلك الحِجاب الأبيض الجميل، الذي لم يدُم على رأسها طويلاً ، فسرعان ما أبعدته والدتها عنها وقالت بغضب:
_ماهذه الخِرقه ، من ألبسكِ إيّاها؟

_إنها والدة رُقيّة ، لقد قالت...
_لاشأن لكِ بما تقول، هي تريد إفساد تسريحتكِ الجميله، لاتسمحي لها بذلك مجدداً ، أفهمتِ؟

عادت الى واقعها مع انتهاء ترنيمة الأذان الملائكيّه، تنهدت بحيرة فهي لاتعلم ماهو الصحيح في هذا الزمن الصاخب .

وسوست لها نفسها الأمّارة بالسوء ، مالكِ ولهذا الكلام ، انسي تلك الأفكار فأنتِ متحررة ولاتخنقين نفسكِ بذلك الغطاء الخانق.

عادت لتنام وهي متأكّدة من شي واحد فقط، انها لم تعد تقتنع بأفعال والدتها وكلامها أبداً.

على حُب فاطِمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن