على حب فاطِمة_١٠
عام كامل مرّ منذ تسلّم الشيخ محمد لإمامة مسجد "أم السادات" كما تمت تسميته ، شهر محرم يطل من جديد والشيخ يستعد لموسم مختلف بعد أن عرفه أغلب أهل المدينة وأحبّوه وعرفوا خلقه وتواضعه.
وبالمقابل كانت غُفران تتهيأ بشوق لما سيطرحه الشيخ محمد بعد أن" استشفّت" بعض الاخبار من حيدر.
سلسلة من حلَقات البحث المشوّقه دونت غُفران كل حرف منها في سجل خاص، كيف لا والشيخ يتحدث عن الربط بين إمام الزمان والحُسين عليهما السلام.
كانت تجلس في حديقة المنزل غير آبهةً بالبرد ، سجّلت بعض الأسئلة والملاحَظات بغية اعطاءِها لحيدر حتى يوصلها الى الشيخ محمد ليُجيب عنها، والطريف انها تَفاجأت برد الشيخ على اسئِلتها مباشرة على المِنبر في اليوم التالي.
بعد إدراكِها ومعرفتها بسيدة النِساء زينَب وفي يوم عاشوراء الثورة ، قررت بدء ثورتها، ورفعت شِعار لارِضا لمخلوق بسخَط الخالِق.
أجابتها والدتها بصفعةٍ مدويّة وجهتها لقلبها وليس لوجهها ، هكذا ظنًت الست شهلاء ، عندما قالت لابنتها بأستِعلاء:
_لن أعارضكِ،لكن اعدكِ أنكِ ستأتيني نادِمة يوماً ، ولن ينفعكِ هذا القماش الذي خنقتِ نفسكِ به.
ولما رأتها زاد تمسكها بحجابِها أكثر ، نطقت من خلف حُجُب الغفله التي غلّفت قلبها:
_لم أتوقع انكِ ستكونين بهذا التخلّف يوماً، وأنا أؤكد لكِ، ستندمين.تنفست الصعداء بعد أن تركتها والدتها وسالت دموعها واحتضنت الحجاب الذي أهدتها اياه رُقيّة ، على الأقل شعرت بقليلٍ من الحرية .
انتهى يوم الخميس بزخة من الأمطار، كانت تهم بغلق مظلتها بعد أن دلَفت داخل منزلها لتصطدم بشيء لم يكُن بالحُسبان .
رفعت رأسها ، لتراه بضخامة جثّته ، ولحيته الطويلة التي ضيّعت ملامح وجهه ماجعلها تتعرّف عليه بصعوبة:
_ياسر؟!
ردّ بغلظه:
_اهلا بك ياغُفران.
لم يعطها المجال كي تتحدث ، وسرعان ماقال بنفس الإسلوب
_لاتبقي بالباب هكذا، ادخلي الى الداخل.صعدت الى غرفتها بعد ان سلّمت على عمها وعائلته الذين حلّوا ضيوفا عليهم لأيام على غير عادتهم ، وبعد أسبوعاً فقط تحققّ حدسها ، فقد تقدّم عمها بطلب يدها من والدها الذي وافق دون تردد وكذلك والدتها ،خاب ظنّها فبعد عاصفة التغيير التي تفجّرت في وجدانها ، أصبحت لها تطلّعات مختلفه ،لكن لابأس لايوجد أفضل من ياسر فهي على الأقل تعرفه جيداً فقد أمضَيا جزءاً من طفولتهما معاً ، صحيح انه تغير الان ولم يعد ياسر الذي تعرفه لكن لابأس.
كانت والدة ياسر تتأمل وجه غُفران ، زوجة ابنها المستقبليّة ، فبادرتها بابتسامه:
_عزيزتي أقترح ان تبدأي بالتحضيرات فليس أمامكِ سوى اسبوع على عقد القرآن.ولأول مرّة اعترضت:
_ماذا؟!..لكننا لانزال في شهر المحرّم ياعمّة ، لن أقبل باجراء العقد إلا بعد انتهاء الشهر.رمقتها والدتها بنضرة من طرف عينها، بينما امتعضَت أم ياسر وأجابت:
_قولي هذا لياسر فالشأن شانه والأمر بيده.
أربعينيّة سيّد الشهداء تقترب وهؤلاء يريدون إقامة حفل خطوبه، ولكن يبدو انه لامفر فياسر لايُمكن التفاهُم معه ووالدها لايقول غير كلمة نعم لكل أمر يقوله ياسر ووالده!.
لم تُفلح محاولات غُفران ولاتوسلاتها لإرجاء موعد العقد ، اذ يبدو ان ياسر كان مستعجلاً جداً وعازما على مايريده.
قامت الست شهلاء بالتحضيرات على أتم وجه، بدلت اثاث المنزل، سَتائر جديدة، كانت غُفران تنظر الى مايحدث بعدم رِضا ،لكن ليس بيدها سوى الاستسلام للأمر الواقع.
اليوم هو الأثنين والعائلة مجتمعه ، أخوات ياسر يصفقن ويغنينَ، وياسر الذي لم تسمع منه سوى كلمة " سلام عليكم" ولم ترَ غير وجهه الغاضِب طيلة فترة وجوده يجلس في صالة المنزل يشاهد التلفاز لوحده، أحرجتها لمياء بقولها
_ياسر يجلس لوحده في الصالة، مارأيكِ أن تأخذي له كأساً من العصير؟
ضحكت والدتها بينما أيدت أم ياسر كلام إبنتَها ،ولم تجد بُدّاً من التَنفيذ، دخلت الى الصالة وليتها لم تدخل،كان يقف أمام الشباك وهو يتحدّث عبر الهاتف ، اخترقت سمعها كلمات غامضة ومُريبة:
_ألم أخبرك أن تعتمد عليّ؟تعرف أنني لم أفشل في اتمام أي عملية من قبل.
ومضى يكمل حواره مع الطرف الآخر:
_أنا أعرف كيف ومتى أستهدفهم ، عدد الضحايا كبير في كل مرة
ثم تمتم بصوتٍ أشبه بالهمس
_آه فقط لو أستطيع تفيذ عملية في كربلاء ، ههههه أعدك اني لن أبقي لهم باقية.كلماته الأخيرة جعلتها تشهق وتتراجع الى الوراء ،أنسحبت قبل أن تفقد السيطرة فتسقط صينية العصير من بين يديها ، حمدت ربّها انها كانت تقف خلفه فلم يحسّ بوجودها.
هل هو يمزح؟
عن أي عمليّة يتحدث ؟
قفزت من سريرها وداهمت عقلها جملة واحدة "ياسر ارهابي!"
هذا هو التفسير الوحيد والمنطقي لتصرفاته وللحيَته المخيفه ولعدم اهتمامه لشهر محرّم.
انه يحلم باستهداف كربلاء، يستحيل ان تكون زوجته!