الفصل الثاني عشر : لا تذهبي

24.9K 1.1K 190
                                    

²⁹/⁰¹/²⁰²¹ ²¹:⁰⁰

"عليل القلب أنا .. عليلك أنتِ أنا"

"-أنا لا أحبه .. و الله لا أحبه .. لقد كذبت عليك"
أغمض عينيه يحاول استيعاب حرارة ذلك القيد الساخن الذي التف حول جذعه و كاد يطبق على أنفاسه التي أصبحت مؤلمة ..
التفت إليها فاصطدم بنظرات عينيها المهتزتين .. كانت ترتجف .. لكن ليس بقدر ارتجافه الذي اكتنف خلاياه ما ان وقعت سياط كلماتها على أسماعه .. و ها هي تقع مرة أخرى .. و بدل ان تخفف من حرقة السوط الأول .. زادته تأججا ..
حسم أمره و أمسك يدها متراجعا عن الهرب .. ليس و هي تتشبث به هكذا !! ليس و هما يقفان على منصة مسرح و الكل متفرج !
"-تعالي"
سحبها خلفه خاطا طريق العودة فزفرت بارتياح و هي تركض وراءه مجارية خطواته العريضة ..
اختفت ابتسامة حكمت و اختها و شحب وجه نيفين عندما التقت عيناها بشكل خاطف بعيني ريان العدوانتين .. و لوهلة تذكرت موقفا مشابها .. عندما سحبها ميران خلفه هكذا ليلة الحناء و ظن الجميع أنه سيعاقبها على انحلالها .. الا أنها كانت الشاهدة الوحيدة على هذا العقاب !
"- أيتها الهمجية الحقيرة"
هست كالأفعى و هي تلتقط حقيبتها و تغادر القصر بأكمله نحو عملها .. بينما ناظرتها شورى بتشف لتتبادل هي و دجلة نظرات ظافرة قبل ان تنسحب دجلة نحو مدرستها بمزاج رائق ..

اقتحم الغرفة ثائرا .. جاذبا اياها حتى أضحت أمامه لاهثة بأنفاس متسارعة و عينين لامعتين ببهجة كان هو غافلا عنها .. بهجة لأنه لم يغادر
"-هل تعلمين معنى أن يسمع الرجل زوجته تعبر عن اشتياقها للرجل الذي يعشقها ؟"
و انطفأت بهجتها مع صرخته التي اخترقت قلبها كسهم من نار ..
"-إنه يعشقك .. الوغد اللعين يعشقك و أنت على علم بهذا "
تلجلجت أمام هجومه العاتي و تناثر تماسكها على أعتاب اللهب الأخضر الذي استعر في عينيه .. كان يبدو همجيا .. لكن محقا .. هي لطالما كانت على علم بعشق ايبك المستتر لها .. و لم يكن يشكل لها الوضع ازعاجا .. حتى هذه اللحظة !
ارتباكها أثار جنونه .. اساسا هو جن منذ أن سمع اسم ذلك الوغد ينطق بلسانها مجددا مقترنا بالاشتياق .. فاشتدت عروقه و احتقن وجهه بغضب همجي و هو يصرخ :
"-تعلمين أنه يعشقك و يروقك هذا ! يروقك ان تكوني محط الأنظار و القلوب !! أليس كذلك ؟"
و فلتخسأ رجولته ان كان سيسمح لها بأن تكون محط نظر غير انظاره .. و قلب غير قلبه !!
"-ماذا دهاك ؟ لا تصرخ علي !!"
صراخه عليها أجج تخبطها أكثر فصرخت بدورها تستنجد بالعاطفة و الاحتواء اللذين اختبآ خلف نيران غضبه النادر..
قبض على ذراعيها ساحبا اياها نحوه بشكل أجفلها ليهس في وجهها بوحشية آمرا:
"-لا تشتاقي إليه"
"-إنه ابن خالتي"
"-و أنتِ زوجتي !! "
هدر بتملك جاعلا قلبها يختض بشكل أرعب خلاياها فتفجرت فيها عاطفة عنيفة جعلتها تتحرر منه دافعة صدره بعنف و جنون جعل خصلات شعرها تتساقط على وجهها بينما تصرخ :
"-قلت لك لا أحبه !!! "
"-لكنه يحبك ! "
هتف بقهر و غيرة مجنونة .. كاد ينسى .. كاد ينسى أن هناك رجلا آخر يشاركه حبها يقف معه على نفس الأرض .. لكنها ذكرته .. و ما أمرّ طعم الغيرة عندما يأتي ما بعد الاعتراف ! اعترافه لنفسه بأنه عاشق حتى لرجفة عينيها !
وقفت أمام رياح ثورته كشجرة عارية الأغصان .. اوراقها سقطت بنسماته .. و حصونها دقت بمطارقه .. فأضحت مجرد طفلة كل ما تخشاه هو أن تفقد ملاذها و ملجأها
"-ليس بيدي !! "
همست بإنكسار فخمدت عيناه
"-ليس بيدي .. ليس بيدي انه يحبني .. كما لم يكن بيدي عندما فقدت ملكية جسدي .. و لم يكن بيدي حينما ارتديت فستان عرسي منك بعد ان خلعت الكفن .. و كما لم يكن بيدي عندما حُبِست في قصرك .. و عندما فقدت مقاييد مشاعري و وجدت نفسي من امرأة متعطشة لقتلك الى حمقاء تحتضنك من الخلف صارخة بأنها لا تعشق ابن خالتها المتيم"
أدفاق من حرارة اعترت جسده و داعبته رغبة بحبسها .. لا بين جدران قصره هذه المرة.. بل بين جدران صدره .. حيث لا يتيّم بها سوى قلبه هو فقط !
"-أين كان هذا المتيّم حين ارتديتِ الكفن ؟ أين كان حين وقعتِ في فخ وحش بشري لا يرحم ؟"
لا يحق لها أن تدعوه بالمتيم .. فلا متيم بها غيره !!
سُحِبت الحياة من عينيها و أحست بقبضة وهمية تقبض على عنقها بغصة أوجعت حلقها .. و أدرك هو أنه أعادها بكلماته لمستنقع الذكريات !! فتسرب إليه ندم نخر قلبه بقسوة
"-ألأنه يحبني تشتعل كل هذه النيران في عينيك ؟"
أردفت بإرتعاش فاشتعلت نيران عينيه أكثر تمنحها الجواب خائنة لصمته ..
"-تلك الليلة ...عندما قبلتني .. هل تتذكر ماذا قلت ؟ قلت لي أنتِ ملكي"
رفرف قلبه و احتقن وجهه بلفحات الذكرى ..لحظة تذوّقها ! لحظة اكتشف أن الزمن يمكن ان يتوقف و أن الانتشاء ليس حكرا على المخمورين !
"-لم اتراجع عما قلته و لا انوي التراجع"
نفث هادرا بحرارة ملتقطا مرفقها ساحبا اياها اليه .. هي ملكه .. هذا هو العدل .. ان تكون ملكه مقابل امتلاكها لقلبه !!
نظرت لأصابعه المتشبثة بذراعها .. ثم تنقلت بنظراتها لعينيه القادحتين .. لترتفع صرخة روحها الصامتة .. و تنتفض محررة ذراعها منه و تهتف بحرقة :
"-أنا لست ملكك يا ميران أصلان بيه.. لست ملكك .. أتعلم لماذا ؟؟ لأنني لست ملك نفسي حتى ! انا مجرد جثة .. وعاء فارغ من الروح .. لست ملكك و لن أكون .. "
اختض جانبه الأيسر و نزفت روحه بينما تتابع فتح سراديب روحها و تقشير ضمادات جروح لم تجف بعد :
"-ألم تكن تحاول طيلة الفترة الماضية اقناعي ببراءتك ؟ عاديت جدي و واجهت عائلتك من أجلي .. عالجت جروحي قبل جروحك التي فتحتها بنفسي .. احتويتني في الليلة التي تستيقظ فيها مخاوفي و منحتني أحلاما وردية حرصت على جعلها حقيقية ما أن بزغت الشمس .. علمتني كيف أطير دون أجنحة .. "
همست بنبرة تثقل مع كل جملة بعاطفة أعنف .. و اغرورقت عيناها المتعلقتان بعينيه الغائمتين لترتسم على شفتيها شبه ابتسامة بينما تهمس
"- اشتريت لي المثلجات"
"-توقفي"
همس مهتاج الأنفاس عاجزا عن تحمل اللوعة التي شابت صوتها
"-جعلتني أهمس بأوجاعي"
"-ريان"
"-أخبرتني أنني خلقت من ضلعك .. و دعوتني بحوائي"
ارتج كيانه و مادت به الأرض و خالجته العبرة !! كانت مستيقظة! باغتته و كانت قادرة على رؤية عشقها الكامن في قلبه من خلال نوافذه التي يفتحها خلال نومها فقط !
خار فؤاده و أطبق عينيه يسترد أنفاسه التي تبعثرت فتابعت لا ترحم اختلاجه :
"-عقدت على خصري شريط العذرية الأحمر .. بعد أن لطخت خماري بدمائك التي أرقتها بسكيني و القيت به تحت اقدام والدتك و جدتك حتى لا تحني رأسي أمامهما و حتى تصون عنفواني المعطوب .. ثم دققت المسمار الأخير في تابوت كرهي .. و سطعت على عشيرتي بشمسك التي لا تغيب .. منحتهم النور و ستمنحهم ملاجئا ذات أسقف لا تقطر بقطرات أمطار الشتاء"
اعترته رغبة بضمها تجلت في اللوعة التي شابت صوته و هو ينطق اسمها متوسلا .. متوسلا ألا تجلده أكثر بهذا الضعف الذي يقرؤه من نبرة صوتها و من لمعة عينيها
"-لقد سلبتني كرهي يا ميران أصلان بيه .. وفيت بوعدك .. لكنك حولتني من أنثى تتخذ من الكره قوتا .. الى شبح روح باهتة لا تدري من المجرم الذي زهقها من جسدها "
و انتهت محاكمته .. و ختمت حورية الجنة ختمها على براءته أخيرا !!
"- توقفي عن جَلدي"
التفت أصابعه على ذراعيها
"-أنا مقتولة و قاتلي مجهول"
"-أنا سأحييكِ"
همس بلوعة
"-هل تغار من أيبك ؟"
أردفت تقاطعه هادرة بحرقة جلية فتلجلج و ساوره الغضب من سماع ذلك الاسم منطوقا بلسانها مجددا فحرر جسدها نافثا بثورة
"-أجل تغار .. تغار على زوجتك كأي رجل محافظ ذو أصول شرقية .. تراه غريما في سباق أنا خط نهايته ..لكن لا تتعب نفسك .. لا تتعبا نفسيكما .. هناك من تجاوز الخط قبل أن يبدأ السباق حتى .. "
"-توقفي"
هدر يتوسلها الرحمة للمرة الأخيرة
"-أحدهم سبقك إلي قبل أن يفعل أيبك"
"-يكفي !!! "
هدر بجنون جعله يرتعش كوحش حبيس انفلت من عقاله ليلتقط احدى تحفها الخزفية و يهشمها على الجدار بهمجية لكنها لم تجفل بل ختمت وابل رصاصاتها بالرصاصة الأخيرة :
"- لن تكون الأول أبدا !! "
ضم قبضته بعنف مهتاج الأنفاس غارقا بين كسور عينيها .. قبل ان تتركز نظراته على شظايا التحفة الخزفية المحطمة .. ثم يختزن عبراته و يوليها ظهره مغادرا جارا حطامه خلفه .. حطام رجولته التي دهستها بواقعية كلماتها .. كلمات كوته و رجمت قلبه بحجارة من جمر .. لن يكون الأول أبدا .. سبقه ابن خالتها و أحبها قبله .. و سبقه ذئب بشري و قتلها قبل أن يحييها هو بحبه ..
و على قدر العشق يكون حرق الغيرة بليغا !
تهالكت على الاريكة مهتاجة الأنفاس مختضة بعنف بينما تحررت دموعها ما أن غادر .. رفعت يدها تحتضن قلبها مستنفر الخفقات ..
"-كفاك تقلبا "
همست بلوعة ..
"- ماذا فعلت بي ؟ ماذا فعلت بي أيها الشيخ ؟"
أجهشت تسكب بعض الآلام من قدح آلامها الذي امتلأ و فاض .. أجهشت كاسرة عقدها مع الحيرة .. مخرسة أصوات عقلها التي كانت تدينه .. اليوم هو برّأ نفسه .. وضع اللمسة الأخيرة صاقلا جوهرة براءته التي كانت هي عمياء عنها بسبب غبار نقمتها السوداء ..

لعنة الغجرية (مكتملة)|| The Curse Of The Gypsyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن