الفصل الأول : بداية اللعنة

58K 1.4K 320
                                    

²²/¹⁰/²⁰²⁰  ¹⁰:⁴⁰

"كن حذرا و أنت تقطف وردة بأشواك مسمومة "

باب ضخم يلامس عنان السماء بهيبته ينتصب أمامه بشموخ .. باب مزخرف بنقوش ساحرة تسرب من ثقب قفله نور يكاد يغشي البصر بسطوعه .. لينفتح على مصراعيه فجأة و دون أي مجهود كاشفا عما وراءه .. كانت الجنة .. و كان ذلك الباب باب الجنة !!
جنة خضراء ذات أسوار عالية .. جمال سرمدي و ماء ذو بريق ساحر ..
و كان النداء .. صوت تردد صداه مخترقا زقزقات الطير و أناشيد الحوريات ..
"ميران .. "
التفت باحثا عن مناديه
"أنا هنا .. بانتظارك "
نظر حوله تائها و قلبه قد بدأ يتقافز لسبب مجهول .. و وقعت عيناه عليها .. كانت وردة .. وردة مميزة عن مثيلاتها بألوانها الزاهية و برائحة المسك التي عبقت من بتلاتها الندية
"تعال إلي"
التمعت عيناه ببريق انبهار و تسارعت نبضات قلبه أكثر فأكثر

"سبحان الله "
همس مأخوذا بسحرها

"أقطفني"
تردد الصوت بين حنايا روحه مجددا .. فامتدت يده تلبي نداء الجمال و الرقة .. أصابعه صرخت تريد امتلاك ذلك السحر .. ذلك البهاء و تلك الوردة العذراء التي لم ينعم بعبقها أحد غيره ..
و قطفها .. لتحل اللعنة و تتحول أناشيد الحوريات الى زغاريد شنيعة البؤس .. و الجنة السرمدية الى جحيم مستعر .. و الوردة التي انغرست أشواكها في أصابعه حتى أدمتها إلى رماد تناثر مع رياح عاصفة النيران .. قبل أن يصرخ و هو يحس بنفسه يسقط في هاوية لا قرار لها .. سقوط انتهى قبل الإرتطام باستيقاظه !

شهق مفزوعا و هو يفتح عينيه على وسعهما متفرسا في سقف غرفته المألوف ثم رفع يده يناظرها بتوهان قبل أن يأخذ نفسا عميقا و يستعيد هدوءه شيئا فشيئا .. انقلب على بطنه متنهدا بإرهاق فقابلته الساعة الحائطية و هي تشير الى الساعة السابعة صباحا .. لا زال الوقت مبكرا لكن ...
"- أخي .. استيقظ يا أخي أمي بإنتظارك على الفطور "
دفن رأسه في الوسادة متأففا بتعب و حسرة قبل أن يهتف :
"- حسنا أنا قادم "
نهض من سريره بتثاقل .. لم يستغرق نومه سوى ساعتين و ها هو يكاد يفقد وعيه من الارهاق لكن أمه العزيزة لا تفهم هذا ! القواعد هي القواعد .. حتى و لو كان بكرها و وحيدها فهو لا يمكن أن يخل بقواعد قصر أصلان العريق !!
أخذ حماما سريعا ثم ارتدى بدلته الأنيقة و تعطر ليغادر غرفته على عجل يتقي انزعاج أمه .. نزل درجات السلم بخطوات واثقة ثم تقدم نحو تلك السفرة الباذخة التي نصبت في منتصف الفناء الضخم .. لمحها ميران جالسة على رأس الطاولة و منهمكة في توبيخ أخته الصغيرة ليبتسم بيأس من حالتها المعتادة و يقول بمودة و هو يقترب منها ملتقطا يدها و مقبلا اياها باحترام :
"- صباح الخير .. من أغضب السلطانة الجميلة يا ترى ؟ "
ابتسمت أمه لمرآه على الفور و ربتت على يده قائلة بفخر :
"- صباح الخير يا روح السلطانة .. متى عدت ؟"
"- منذ ساعات فقط .. مررت على الجامع لصلاة الفجر قبلا"
قال و هو يتخذ مكانه على الطاولة بجانب والدته التي أمطرته بوابل من الدعوات قبل أن تقع عيناها على ابنتها فتثور أعصابها مجددا و تعود لبرطمتها :
"- بخصوص من أغضبني .. فهي أختك الطائشة التي لا تترك ذلك الهاتف البائس من يديها و كأنه ملتصق بهما !! "
نظر ميران لأخته الصغرى نظرات عابثة بينما تقول هي مدافعة بعد أن وضعت الهاتف على الطاولة :
"- انها العطلة الصيفية يا أمي .. ألا يكفي أنني ممنوعة من الخروج من القصر و كأنني سجينة ؟؟ و تريدين حرماني من هاتفي الحبيب أيضا "
التمعت عينا أمها بغضب و همت بالرد الا ان ميران تدارك الموقف و هتف مقاطعا اياها :
"- حسنا يا دجلة .. لا تتحدثي مع والدتك بهذه النبرة يا روح أخيكِ حسنا ؟؟ ثم لا تغضبي .. أخاك موجود و سيأخذك الى حيث تطلبين .."
ابتسمت دجلة بحماس لتقول الأم بتساؤل :
"- و العمل ؟؟ "
باشر ميران طعامه و قال متنهدا بتعب:
"- سآخذ إجازة لبضعة أيام .. لقد تعبت كثيرا هذه الفترة و كأن كل نساء إزنك قررن الولادة في نفس الشهر !! "
"- انها مخلفات الأعراس المكثفة التي حدثت الصيف الماضي "
"-دجلة !! تأدبي !!! "
زجرتها أمها بصرامة فانكمشت الفتاة ذات السادسة عشر عاما و عدلت نظاراتها الطبية بارتباك ثم تابعت طعامها بصمت ..
نظر ميران لوالدته بعمق .. السيدة "حكمت أصلان بيه" .. زوجة الراحل "علي أصلان بيه" و أم أولاده .. المرأة الحديدية التي نشأت و أنشأت أولاده على أحكام الدين و قواعد الأخلاق و أصول الأعراف .. إلا أن هذه القواعد .. كانت تصبح خانقة أحيانا !!
"- هل سمعت الأخبار التي يتم تداولها يا أخي ؟ "
رفع ميران عينيه نحو دجلة بفضول كما هو الحال مع والدته فالتمعت عينا الفتاة الزرقاوتان بحماس طفولي و قالت :
"- يقال أن قبيلة من الغجر قد حلوا على أراضينا و استقروا بالضاحية بالقرب من الغابة الشمالية "
قطب ميران حاجبيه بدهشة مشوبة بقليل من الاستهانة بعقل أخته الصغير الساذج لتقول حكمت بحكمة استمدتها من اسمها :
"- خرافات لا يصدقها عقل .. و هل بقي غجر في زماننا هذا ؟؟ "
اتسعت عينا دجلة بحماس حقيقي و أمها تشاركها الحوار لأول مرة فسارعت لتثبت لها صحة كلامها و هي تفتح هاتفها و ترفعه لهما هاتفة بحماس مبالغ فيه :
"- إنهم حقيقيون يا أمي .. حتى أنظري كل مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن جماعة الغجر الذين هجروا حيهم القصديري البائس بعد أن طردتهم الدولة منه قسرا و قامت بهدمه "
هم ميران بمتابعة طعامه بلا اهتمام لكن نبرة أمه الساخطة أجفلته :
"- هذا ما كان ينقصنا !! نجاسة و انحلال على أراضينا !! أستغفر الله العظيم و أتوب إليه "
توترت الأجواء من حولهم أكثر .. دائما ما تكون والدتهما عصبية بشكل مفرط حينما يتعلق الموضوع بالدين و بالأصول .. السيدة حكمت أصلان بيه نشأت طفلة لشيخ تركي ملتزم وقور و أم عربية .. لقنها والداها تعاليم دينها بحذافيرها .. و هي لقنتها لأولادها بدورها ..

لعنة الغجرية (مكتملة)|| The Curse Of The Gypsyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن