الفصل 28: وتينان بسهم واحد

21.9K 826 510
                                    


بخطيئة تدنّست... و بعشقك تطهّرت...
يا من آمنت... و بروحي توطّنت..
من أجلك عشت... من أجلك هلكت...
🏹🫀

خلاص بعيد.. أب عنيد،  و المطر ينادي...
قلب مفطور، زرع مغمور، و وهنت الأيادي...
بقلب مكلوم... و فؤاد مفصوم... فتك بظهره المهشوم و كيانه المهزوم ما بين حبيبة غاشية... و طفلة غافية... رفع رأسه ليحدّق بلهفة ملوّعة إلى مدخل المستشفى الذي بدا له بعيد المنال طيلة تلك الليلة العاصفة... فتمتم بهمسات شكر خاشعة و شدّد قبضتيه حول المقود قبل أن يتحرّك بالسّيّارة باندفاع واجف و يتوقّف بها بصخب أمام باب الطّوارئ هاتفاً بوصب مرتاع:

"- ساعدوني! نقّالة الى هنا بسرعة!"

اندلعت بعض الحركة في المكان استجابة لهديره الوحشي مفزعا بعض الممرّضين و بعض المرضى الذين توجّسوا من هيأته المزرية الهمجيّة التي فقدت كلّ معالم التحضّر، و كانوا ليخالوه رجل غاب بلا مأوى لولا تلك السّيّارة الفاخرة التي اندفع عن مقعد قيادتها بطيش و قد كانت تبدو هي الأخرى مزرية و موحلة كصاحبها تماما... صاحبها بمظهره المدمّر كمن خاض حرباً شعواء تركته هائماً لسنين طويلة... ببنطاله المتسخ بالوحل و لطخ من الدم... و بشعره الأشعث الثائر... وعينيه الداكنتين اللتان تمدّدت حدقتاهما بذعر دفين فبدا في تلك اللحظة فاقدا للسيطرة على نفسه بشكل كلي ممّا جعل بعضهم يوقن أنّ ليلته لم تكن سهلة حتما!

"- زوجتي...ابنتي.. انهما بحاجة للإسعاف الآن.. الآن!!!!!"

جلجل بخبل و هو يدور حول السّيّارة ليقتلع بابها الخلفيّ فتتراءى له تلك المغيّبة عن الحياة، و بصرخته المدوية تلك نجح باستحضار إحدى الممرضات التي هرعت إليه لتفزع ملامحها و هي تتبيّن هويّته ثمّ تنقلّ بصرها بينه و بين ما حوته السّيارة بداخلها لتهتف بدورها بأحدهم باضطراب:

"- أحتاج إلى نقالة على وجه السرعة!!"

هبّ ينتشل ريّان من المقعد بلهفة شطرت قلبه حين ارتخى رأسها الشاحب ليقع على صدره المكلوم الذي انكتم بحشرجة معذّبة شرخت صوته:

"- ريّان لقد وصلنا، افتحي عينيكِ حبيبتي لقد نجونا!"

سلخها عنه ليضعها على النّقالة ما أن وضعها المسعفون أمامه، ليهرع لاقتلاع الباب الأماميّ هذه المرّة، و يميل برهبة ليلتقط بذراعين مرتجفين جسدا صغيرا صامتا مستترا بين طيّات سترته فيضمّه لصدره بعجز فَجَعَ ملامحه و هو يتلمّس الوجه الورديّ النّائم بأنامله المرتعدة علّه يتحسّس فيه أثرا للحياة!

"- ربّاه! ميران!؟ ما الذي حدث بنيّ؟!!"

اصطدم بالرّجل المسنّ ذي التّقاسيم المفزوعة التي شمل بها هيأته الرّثّة، ملابسه الموحلة البالية و يديه الدّاميتين اللتان تحتضنان اللفّة الصّغيرة بحمائيّة ضارية و استماتة معذّبة فبدا لعيني الطبيب في أعتى حالات ضعفه، و لم يبد أيّ ردة فعل تشير بسماعه بما سأله فكاد يعيد سؤاله لولا أنّ تغضّن وجه ميران بقلّة حيلة و حرقة لظى بها صوته و هو يهمس مستنجدا:

لعنة الغجرية (مكتملة)|| The Curse Of The Gypsyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن