الفصل الخامس عشر : اِضطرام

34.3K 1.4K 1K
                                    

⁰⁹/⁰³/²⁰²¹ ¹⁷:¹⁵

" اِضطَرمَتْ روحكَ بلهفة الاقترانِ ما خَمدَت .. و اقترنْنّا .. لكنك اِنمحقتَ يا قمري .. "
.
.
.
.
.
.

قفل باب عالٍ و طفلة تبكي .. براءة مُراقة و دموع رقراقة ..
وهم و جحيم .. بينهما بوابة نُصِبت كما لو أنها سدّ ذو القرنين .. منيعة جائرة .. قوية عتيدة ظالمة لكل رقة .. و رقتها لم تكن استثناءً !

صرخات و رجع كنعيق الغربان .. مستقبل غامض بلا أمان .. ظلال تتراقص من تحت فرجة البوابة العتيدة .. لا تدري إن كان صاحبها صديقا حميما أم عدوّا غريما ..
غطت أذنيها فازداد الطنين .. كما لو أن سربا من الدبابير اجتاح رأسها من الداخل كما اجتاحتها تلك الخيالات الضبابية .. ليست وحدها !! بل ربما .. هي وحدها مع مخاوفها .. و ثالثهما شر ...
"- افتحي الباب !! "
تصلها الصرخات آمرة .. واضحة .. فيتحرك رأسها بهزة رافضة عاجزة .. فقفل الباب قد لامس عنان السماء بإرتفاعه .. و وقفت هي أمامه .. طفلة صغيرة ببيجامة وردية مطبعة بالأحمر المدنّس !!و من خلفها باب موارب لغرفة حَوَت بداخلها جثة هامدة لجسدٍ حبيبٍ راحل .. تنعاه الزهور فتذبل .. و يودّعه الكون فتمسك عصافيره عن التغريد .. و تحنّ هي لأنفاسه .. كما تحنّ الشّاة المساقة للذبح لصغيرها .. جسد هامد و بارد برودة صقيعية .. ألبستها دماؤه رداء الحداد ذو حرقة أبدية .. يكوي جسدها الغض بِسُمّه .. و يطبق على تلابيب روحها بِوَجدِه ..
"- افتحي الباب يا ابنتي ستموتين !"
"- لا !! اخرس .. اخرس "
انقشعت الذكرى الحمراء و انبثقت السوداء مظلمة مريرة .. خلعت رداء الحداد الأحمر و ضلّت عارية بعنق منحور و قدر مسحور .. ترى نفسها بجعة مكسورة الجناحين بالقرب من بحيرة الموت .. و قد تعثرت بحجارة ملعونة فوقعت فريسة للغيلان .. أضخمهم غول بشري يقتات على براءة العذراوات بعد كل احتفال .. فيمتص أنوثتهن ليَجبُر بها ذكورية متصدعة .. مهتزة متعطشة للجور و الحيف ..
شهقت تسمح للآلئ مقلتيها بالإنتحار .. و اختل كونها و مادت بها الأرض .. عندما اهتز الباب ذو القفل المرتفع بدفعة من الغول .. فارتعشت .. و لفّت ذراعيها حول جسدها المحموم .. تحتمي بدفئ سترة سوداء عطرة .. و تناظر الباب بعينين جامدتين ماطرتين تنتظر أن تتكوم أخشابه على الأرض في أية لحظة
"- هل تسمعينني ؟؟ هل أنتِ هناك ؟؟ "
"- ارحل .. ارحل فقط .. لا تؤذيني "
همست ترتجف كمحكومة بالإعدام أمام المشنقة
"- افتحي الباب يا ابنتي "
"- لا !! "
صرخت برعب تلوّنت به تقاسيم وجهها الشاحب الذي بدأت تهجره الحياة .. قبل أن تشهق مجفلة من ضربة أخرى تصدع لها القفل
"- ليس هذه المرة .. ليس مرة أخرى "
همست بهستيرية و قد بدأ الظلام يخترق نور عينيها .. و ما بين النور و النور كانت تتبين طريقها نحو المطبخ حيث استلّت سكينا قبضت عليها بأصابعها كما لو أنها الحياة .. لكن توقها للحياة كان هباءً .. فقد تناثرت ذرات الهواء .. و استفحل بها الدوار و تشتت تركيزها فانقطعت صلتها بالواقع و هامت كما لو أنّ الزّمن مسّه الخبل .. لكنها استطاعت تبيّن صوت تحطم الباب المدوّي .. يسبق صوت خطوات ثقيلة دعست على ما تبقى لها من قوّة .. فشظف صدرها .. و لانت قدماها .. و خرّت على ركبتيها تصارع عدوا وهميا شنّ حربه على رئتيها .. و شهقت تتعلق بقبس نفس ضئيل باهت .. ثم التقت عيناها بالسقف الخشبي الذي بدا بعيدا .. لكنه سرعان ما طفق يقترب .. ثم أظلم الكون ..

لعنة الغجرية (مكتملة)|| The Curse Of The Gypsyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن