ادعي لي.

93 5 10
                                    

كتب آدم ذات مرة في تشرين زوجته الراحلة..ما يأتي في هذا النص المشتاق:

كيف حالك تشريني..؟كيف حالك عشقي وشغفي ونصيبي وقدري..

لازلت يا امرأة لم تستسلم يوما للاحزان انام على صوت انفاسك الذي لا زال يعيش منذ سنوات طوال في عقلي وفي قلبي..وحتى في صوت انفاسي.
قال لي الكثير بانني ذبلت في بعدك..وانا سعيد بذلك..فما هو افضل من ان اك صادقا ووفيا..

قلت لك ذات يوم ان كنتي تذكرين اثناء جلوسك في فراش ابيض في احدى غرف المشافي الباردة وقد ارتميت في حضنك ابكي شجنا وذعرا..بانني ادركت اخيرا مدى سقمي اذ تخيلت بعادك..هل تدركين انتي الان اثناء انتظارك لدخول جنة الجبار عما كنت اتحدث..؟
اتدركين الان بينما انتي منتظرة ليوم تدخلين فيه لجنات النعيم من حيث تشائين من الابواب..بما كنت اشعر..؟
كيف هنت عليك يا حبيبتي لتهجريني شر هجران؟
ماذا كنت تعتقدين..؟
بما كنتي تؤمنين؟

ان كنت تعتقدين بانني ساعيش ولن اتذكرك الا في بعض الاحيان..
فكلا..انني الان لا انساك حتى بين يدي الله..واثناء دعائي لنفسي ولولدي..ولكن قبل كل ذلك اثناء دعائي لك..مع اني على يقين بانك في امان بين يدي الله اخيرا..

اتعلمين..مع كل هذا الحزن والاشتياق..وبالرغم من جميع خياراتي الكامنة في زوارق ورقية هشة حاولت النجاة والهروب من بين شطان عيناك..ولم تستطع حتى الان فعل ذلك.
انا مبتهج رغم حزني لراحتك وسكونك وامانك بين يدي ربك الذي لم ولن انسى ادعيتك التي كنتي تدعين لكي تحصلي على رضاه..وكأنما كان رضاه امنية ان تحققت..حينها تدركين بانني كنت اقول امين بعد كل حرف تتفوهين به.
حسنا لا تخافي علي كثيرا سأتوقف عن الحزن لاجل عيناك ولا اعدك بانني سانجح..ولكن الا تلاحظين بأن الشجن والمشقة هما اساس وجدنا واحد اهم اهم اركانه؟
الم تستنتجي بعد انني اكاد اكون منفيا رغم معرفة الجميع لي..فقط لانك بعيدة..بعيدة جدا..في سماء واسعة..لم يطلها البشر بعد؟
الم تستنتجي ازاء رؤيتك لي اتعذب في بعادك انني كنت اتعذب اكثر في قربك..؟
ليس لان قربك قدر غير محمود..بل لانه قدر لا تؤصد عليه صناديق التبريد لاحميه وان كان مؤقتا من نار تحاوطه من كل الاتجاهات وتنهش جوهره المضيء الصادق البريء نهشا..بهدف محوه من على وجه البسيطة..كي يغدو محفوظا بين مداسات الغيوم وبين مسافات النجوم وفي بتلات ورود وزهور الجنة...
اجل انا سعيد بذلك بعدما ادركت مدى امان حبنا في تلك الاماكن..بل انني اكاد اكون طائرا من فرط فرحي..ولكن هذا الطائر مكسور الجناح..فحتى وان طار وعلى..كان ذلك بسبب مساعدة ابنه له..لرغبته في تخفيف حزن ابيه عندما يتذكر امه وعندما ينظر في عيناه الخضراء اللامعة..الشبيهة لعيناها..
حسنا اعلم انك كنتي تظنين بعد ولادته انها زرقاء كأبي الا انها تحولت لخضراء داكنة كخاصتك جميلتي..اترين عوض الله ما اجمله؟!

بالحديث عن عوض الله..الن تخبريني حقا..من اي ابواب الجنة قررتي الدخول ملاكي؟
هل من باب الصلاة لكثرة ما صليتي امام عيناي وانا شاهد من بعد الله على ذلك..ام من باب التوبة..فيا كثر توبتك لله عن حبي وعودتك لي بأمر منه عز وجل..؟
اتعلمين من الممكن انك اخترتي باب الجهاد..فلكم جاهدتي حبيبتي في سبيل الله غير مكرهة لكي تبقي على قيد الحياة وتكوني بجانب ابنك..اثناء مرضك..الذي ازهقت روحك بسببه في النهاية..
او قد تكوني اخترتي باب الايمن..فقد يشفع لك رسولنا الكريم عن عذابي الذي عشت ازاء ذهابك ابدا..
او من الممكن ان تكوني قد اخترتي باب الريان..فلكم كنتي متحمسة للصيام في صغرك..ولكم كنتي تحبينه في شبابك..
ام انك ايا اصدق المتصدقين وانقاهم قد اخترتي باب الصدقة..؟
لكن على الاغلب قد قررتي اختيار الباب الذي لطالما تمنيت الدخول منه في يوم تشخص فيه الابصار وتبيض وتسود فيه وجوه..وهو باب الكاظمين الغيظ..فيا الله يال عظمتك لرضاك عنهم..ولتطييب خاطرهم..بآيات كريمة لم اك اشفى واياك الا بها.

اشتاق لك زوجتي..اشتاق لك صغيرتي..اشتاق لك حبيبتي..اشتاق لعيناك يا امرأتي..واشتاق لرائحتك جميلتي وحسنائي..
احبك..بعد كل هذه السنين..احبك في الشك وفي اليقين..احبك عندما اتذكر كيف كنتي تبكين..وكيف كنتي تضحكين وكيف كنتي تحزنين..
احبك في كل زاوية من زوايا بيتنا القديم..احبك فوق فراشنا المهجور من بعدك..احبك في مطبخنا الذي يشتاق لرائحة الذ ما كنتي تطبخين..
احبك في غرفة الملابس..وعلى الشرفة امام امواج البحر في مدينة شرم الشيخ..احبك في الاسكندرية وفي القاهرة وفي مرسى مطروح..
احبك في فرنسا وفي كاليفورنيا..احبك في واشنطن وفي مصر وفي فلسطين..احبك في بلاد الشام وبلاد الفراعنة..احبك في كل مكان وزمان وبلاد وقرن وسنة..
احبك في كل شهر واسبوع ويوم وساعة وثانية وجزء منها..
احبك كما كنت واكثر..احبك كما كنت وفيا واوفى..احبك كما كنت رقيقا وارق..وصادقا واصدق..ورحيما وارحم..وحبيبا وعاشقا ومتيما وهائما وبغيا..واكثر.
احبك كما كنت افعل في صغري وفي مراهقتي وفي شبابي واربعينياتي وخمسيناتي والان في شيخوختي..
احبك يا ابنتي ويا عشيقتي برضا الله..احبك يا امرأة لم تك امرأة من قبل مثلها ابدا..ولن تكون..
احبك يا ام يشتاق لها ابنها في كل حين ويتمنى وجودها..
احبك يا صديقة تنتظر صديقاتها ان تظهر لهن من العدم يوما..
احبك يا اختا لازال اخاها يبكي على بعادها..ولازلن اخواتها ينتحبن لفراقها..
احبك يا ابنة تندم امها في عقدها التاسع على كل لحظة ابتعدت فيها عنها..
احبك يا عمة ويا خالة ويا ابنة عم..يتمنى اقربائها لو انهم قضوا معها وقت اكثر..
احبك يا حفيدة كان جدها يكاد يموت حزنا لفراقها بعدما رأى فيها حبيبته لوفاتها بنفس الطريقة..
احبك في كل ثانية تمر..احبك واحبك واحبك..والف احبك ولو بعد مليون عام من الان..

اشتقت لك..اشتقت لك حقا..ووعدا وحزنا وحبا ووجدا ورضا وبكاء وحيرة..ادعي لي بان اكون بجانبك يوم القيامة ارجوك مفتخرا باختياري لزوجتي في وجود الحور العين.
ادعي لي..ادعي لي يا حبيبتي..فلا زلت احبك والله شاهد على ما اقول.

حبيبك..آدم.

🎉 لقد انتهيت من قراءة {ذكرى تشرين} 🎉
{ذكرى تشرين}حيث تعيش القصص. اكتشف الآن