جلست رنيم على مقعد في المقهى كعادتها ، تنتظر زبوناً جديداً . كانت تعمل بشكل مؤقت كمعالجة نفسية في المقهى ، نوع من انواع الخدمات الغريبة التي يتميز بها المكان عن غيره.
كان مكاناً بامكانك الذهاب اليه متى اردت لتجد فيه من يسمعك ، ينصحك ، او حتى يقرر لك فيما لم تستطع فيه اتخاذ قرار.
صاحبة المقهى سمر و هي ابنة خالة رنيم كانت قد اتت بهذه الفكرة الفريدة من نوعها ، و من خلالها اكتسب مقهاها الكثير من الزبائن الجدد . ليس الامر و كأنهم جميعا ارادوا ان يقضوا وقتا مع المعالجة النفسية بل معرفة ان لديهم خيارا و امكانية التحدث مع مختص متى ارادوا ، الفكرة نفسها كانت تجذبهم .
خلال ما يقرب العام جلست رنيم بهدوء و اتزان في نفس الطاوة كل يوم . قابلت انواعا شتى من الناس . من ربات البيوت الى رجال الاعمال و قابلتها اخبار و حكايات منها الممل ومنها الذي لا يصدق .
البعض كان يقصدها لحل مشكلة ، واخر يريد ان يغير من نفسه . كان هنالك من سألها مرة ان تنصت دون تعليق كما لو انه لم يكن موجودا ولم يكن يروي تجاربه المروعة التي حدثت له و هو في الجيش. و مرة اخرى امرأة بدت للناظرين جذابة و راقية بينما ماحكته لرنيم جعلها تدرك كم ان المظاهر خادعة.
و هكذا خلال العام قابلت رنيم كل انواع الناس و تفاجأت بقصص لو لم تسمعها باذنيها لفكرت انها مستحيلة . لكن لا احد و لن يكون هناك احد بمثل ظلام ذلك الرجل .تابعت النظر عبر الجدران الزجاجية للمحل نحو الخارج تشاهد المارة بهدوء . انعكاس صورتها على البلور كان لامرأة في العشرينيات من عمرها وجه ابيض وخصلات صغيرة مبعثرة من شعرها قد افلتت من حجابها الصوفي الازرق الموضوع بلطف حول وجهها ، عينيها كانتا مغرورقتين وسواد ينم عن ارق طويل يلاحق صاحبة العينين المرهقتين من الحياة ، لكنها بدت صامدة . طريقة جلوسها الواثقة ،حركاتها وايماءتها كانت تنطق قوة . لم تكن رنيم امرأة عادية .
بعينيها الثاقبتين رصدت نيرمين تخرج من الحانة التي امامهم ، وتتجه كعادتها نحو الزقاق الخلفي لتدخن.
كانت قد زارتها نيرمين مرة او مرتين لتتكلم معها عن مشاكل المضايقات اللامنتهية التي تواجهها كنادلة في بار. لكن ما لم تكن تعلمه نيرمين هو ان شرا من نوع آخر كان يطاردها .
رنيم بقوة الملاحظة التي تميزت بها لاحظت ان رجلا مريبا اخذ مؤخرا يتقرب من نيرمين. لم تشعر بالراحة له رغم ان وجهه كان يختبئ بحذر وراء ملابس الشتاء الثقيلة التي كان يرتديها فإنها كانت تشعر بطاقة سلبية مخيفة تنبعث منه.
عندما سألت نيرمين عنه اخبرتها انه زبون للمحل لطيف على غير العادة . لذلك رنيم قد تركت الامر دون تمحيص.الساعة التاسعة الا ربعاً اتت سمر الى رنيم و هي تشعر ببعض الغرابة لكنها استجمعت شجاعتها لتطلب من رنيم توزيع بعض منشورات الاعلان للمقهى في الارجاء.
نظرت رنيم الى سمر تريد الاعتراض لكن سمر توسلت اليها قائلة انها لا تستطيع تحمل تكلفة شخص اخر ليقوم بذلك و ان موظفيها مشغولين عداها .
و اخذت تسرد شكواها عن صعوباتها المادية و ضغوطات ادارة عمل بمفردها. لم تنتظر رنيم سمر لتنتهي فالنتيجة كانت واحدة و هو ابتزازها لتعمل كموزعة للمنشورات .
اخذت الاعلانات الورقية بغلظة من سمر و توجهت نحو الخارج .
كان الجو صاقع البرودة و عوضا عن توزيع الاعلانات بنشاط توجهت رنيم نحو احدى الزوايا و اخذت تعطي بهدوء من اراد ان يأخذ من يدها.
مر الوقت بسلام حتى رأت نيرمين تخرج و هي مترنحة من الحانة . كانت الفتاة تبدو في مزاج جيد و حين تكلمت معها وجدت انها قد شربت بعض كؤوس من النبيذ مع بعض الزبائن . رنيم نصحت الفتاة الشابة ان تتوقف عن العيش بطيش و تحذر اكثر . لكن الفتاة هزت رأسه كمجاملة و غادرت . لم تستطع رنيم ان لا تلاحظ الرجل المتوشح للسواد يلحق بعد مدة قصيرة بنيرمين .
ظلت متوجسة رنيم طوال تلك الليلة.
لمحت عينيه اللتين ألتقتا بعينيها للحظة او اثنتين، كمية الظلام فيهما اشعر رنيم بالقشعريرة . لم يخف عليها وسامة ملامحه رغم ان معظمها تغطى بشاله الصوفي الملفوف حول عنقه و يواري جزءا كبيرا من وجهه .
أنت تقرأ
قاتلي و حبيبي ( مكتملة)
Romansaامرأة بماضٍ أليم تلتقي برجل مجرم ، هي كمعالجة نفسية تستطيع ان ترى خلاله ، تتدخل في حياته و تكاد تفقد حياتها لتسحب ذاك الرجل من ان ينحدر ليصبح قاتلاً.