لقرائة الفصل الاوله يمكنكم زياره جروب روايات ريما معتوق على الفيس بوك أو تحميل الرواية منها، للينك الجروب👇🏻https://www.facebook.com/groups/1910543432650537/?ref=share_group_link
الفصل العشرون
الجميع يتحدث عن آلَام الولادة، البعض قال أنها تصنف كأصعب ألم بعد الحرق، والبعض الآخر شبهها بتكسير كل عظام الجسد مرة واحدة، بل وصل الأمر بأن قال البعض بأن آلامها تعادل بتر إصبع دون مخدر.
الكل يتغنى بتلك الآلام التي ينتج عنها مخلوق رائع يُنسي المرأة كل ما عانت، بل إن معظم الأمهات يكررن التجربة عن طيب خاطر دون التوقف لدقيقة للتفكير في ذلك الألم.
لكن ماذا عن آلام فقدان الطفل، ذلك الذي تحملت من أجله شهور الحمل وساعات الولادة الصعبة، ذلك الذي سهرت معه الليالي لترضعه أو لأنه وقت ظهور سن تؤلم، ذلك الذي فرحت عندما نطق أول حرف، عندما خطى أولى خطواته، الذي كانت تقضي ساعات تعلمه كيف يستخدم النونيه وكادت أن تقيم الأفراح عندما تعلمها، أشياء كثيرة تافهة فعلتها معه لن يشعر بها إلا هي، والآن، ودون أي مقدمات يخبرونها بأنه رحل، لن يعود، لن تسمعه يناديها طالبًا إفطاره، لن يتشاجر مع أخيه على من عليه الدور في مشاهدة فيلمه الكرتوني المفضل، لن تأخذه للعلاج الطبيعي الذي تعرف جيدًا بأنه لن يفيد حالته، هي فقط تفعل ذلك لأنها تشعر بتأنيب الضمير تجاهه.
سعد اسم على مسمى، لم تكن تحلم بأن تنجب وهي التي تزوجت بعد أن تعدت الثلاثين، بعد زواج شقيقتها الصغرى، كانت أمها تنشر في كل مكان بأنها حزينة لأن ابنتها الصغرى تزوجت أولًا، فهي الأجمل، وبالتالي أصبحت فرصتها هي أقل! أصبحت علكة تلوكها ألسنة نساء العائلة بل ورجالها أيضًا، وكلٌ ينظر لها بشفقه عند حضورها خطبة أو زفاف أحد أقاربها، مع الكلمات التي تلاك على الألسنة في ظاهرها مجاملة وفي باطنها معايرة، حتى أنها توقفت عن حضور أي من تلك المناسبات، ركزت في الدراسة والعمل، واقتنعت بأنها لن تتزوج كما قالت أمها، لا يهم، تستطيع العيش دون حب، دون أطفال، دون رجل يشعرها بأنوثتها
حتى يحيى لم تلاحظ نظراته لها ولا تلميحاته، ربما لم تصدق بأن يعجب بها، فهو تقريبًا في نفس عُمرها ربما يكبرها بسنة فقط، شاب خلوق ذو مستقبل، وسيم من عائلة محترمة، لماذا ينظر لها؟ إصراره عليها، تمسكه بها، بل إنه قرر المضي في الزواج رغم تدهور حالة والدها المادية بسبب دخوله في صفقة مشبوهة وتحذيرها هي شخصيًا بأنها قد لا تستطيع الإنجاب، بسب تقدمها بالعُمر، تذكر رده، بل تردده على نفسها كل صباح، أنتِ كل مُناي، لا أريد أطفال إلا إذا كنتِ أنتِ والدتهم.
حفل زفاف تم في أضيق الحدود، رغم ذلك كانت تحلق من السعادة، لم تحظى بأي شيء قد تحظي به عروس جديدة ولا حتى ملابس جديدة غالية، فضلت أن تدخر كل قرش في الشركة التي أنشأها سامي ويحيى، بعد وفاة والدهم وخسارتهم لكل أموالهم، حتى حملها بسعد لم تخبر به أحد، ليس خوفًا من الحسد بل لأنها لم تصدق في البداية، وفضلت بأن تحتفظ بالأمر حتى تتأكد، أخفته حينها حتى عن يحيى.
جاء سعد وكان مجيئه فاتحة خير على الكل، يوم مولده وقعت الشركة أكبر عقد لها، لذلك سمي بسعد، وتوالت بعدها نجاحاتهم، وكأن السعادة استكثرت نفسها عليها؛ فلم تمضي عدة أشهر إلا وقد أصيب سعد بحمى غريبة، يومان وهي تحاول معه بالكمادات وخافضات الحرارة، دون فائدة وللأسف كانت إجازة نهاية الاسبوع ولم تجد طبيبه الخاص، فقررت التوجه لمستشفى الأطفال، وهنا كانت الصدمة...
سعد مصاب بكسر مضاعف في عظم الفخذ، كما أنه يعاني خلل في التنفس ويوجد ألياف في أنفه دليل على محاولة الخنق ربما بمنشفة أو وسادة! لم تصدق ما سمعت، لا بد بأن الطبيب يهذي، تذكر نظرة الطبيب لها، لو كنا في بلد آخر لطالبت بأخذ الطفل منكِ.
سألت أمها عن ما حدث فقد كان معها قبل ارتفاع حرارته، لم تتلقى إجابة شافية، كالعادة قلبت الأدوار وجعلتها تعتذر منها لأنها شكت بها، عندما حان وقت مشي سعد لم يستطع وهنا ظهرت المشكلة الأخرى، بسبب ما حدث لن يستطع المشي بشكل طبيعي إلا لو أجرى جراحة دقيقة في الخارج، تكلفتها باهظة جدًا!
رغم أن أعمالهم ازدهرت إلا أنهم لم يكونوا يملكون المبلغ المطلوب نقدًا، وهنا اضطرت أن تطلب المبلغ من والدتها، كان الرد صاعقًا!
- لقد وصلنا.
قطع ذكرياتها صوت يحيى وهو يصف السيارة أمام السجن حيث تقبع سما.
بنبرة لا زالت تحمل الحزن رغم محاولته أن يداريه بحزمه، سأل يحي:
- هل أنتِ متأكدة من رغبتك في رؤيتها؟ أفضل أن لا تفعلي فهي لن تجلب لكِ سوى الألم.
لم تجبه، فقد نظرت له بوجه خالي من التعبير ثم فتحت الباب ونزلت.
****
عندما أخبرها الحارس بأن هناك زائرة تريد مقابلتها، قفز قلبها فرحًا، لا بد أنها والدتها، إذن فقد أثمر تهديدها، ستخرجها من القضية، ولن يتخلى عنها وسام، لكن كيف استطاعت فعلها بتلك السرعة، فلم يمر سوى يومان!
ابتسمت بتهكم، إنها سميحة الديب، تستطيع فعل أي شيء تُريدُه!
دخلت وهي تبتسم، فهي متأكدة بأنها ستخرج فورًا من هذه الورطة، لتجد سمر أمامها، صرخته باستنكار:
- أنتِ ماذا تفعلين هنا؟! أين أمي؟
احتل الفزع كيانها، وشحب وجهها فورًا، هل يعني ذلك بأن أمها قررت التخلي عنها؟ هل باعتها؟ لا لن تسمح لها، سوف تشعل النار في الكل لن تدع أحد يهنأ، بما أن أمها فضلت أخويها عليها، فستجعلها تدفع الثمن غاليًا.
******
"التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"
حكمة توارثها الأجيال وطبقوها، والنتيجة امرأة في مقتبل العُمر لا تسمح لقلبها بأن يجور على عقلها.
منذ نعومة أظافرها وهي تسمع جدتها تؤنب والدتها على استلامها التام لمصيرها، تلعنُ الحب وما جلبه عليهم من حزن وخزي وبعد؛ خسرت أبنائها بسبب حب أهوج، انتهى بأن خطف ابنها البكر من أبنائه وزوجته؛ أنتِ ضعيفة لأنكِ تحبيه، قوي قلبك لا تستلمي له، يجب أن يعرف بأنكِ تستطيعين الاستغناء عنه، وغيرها من الكلمات التي ألقتها جدتها على مسامعها لوالدتها، التي استسلمت لمصيرها ورضيت بأن تكون مفعول به لا فاعل، لم تطالب بحقها يومًا، لم تعترض على هجره لها، لم تتذمر من المسؤولية التي رماها على عاتقها، بل أدت واجبها على أكمل وجه، عندما ضاق بهم الحال لسبب لم تكن تعرفه، طلبت أن تذهب إلى إخوتها، هنا فقط انقلب عليها وهددها بأخذ أطفالها معه إذا فكرت فقط في إبعادهم عنه، وكأنه كان يأبه لهم، منذ ذلك اليوم لم ترى والدها إلا بعد وفاة والدتها التي ذبلت قبل أوانها، ماتت لأن قلبها انكسر؛ هكذا قالت لها جدتها التي لحقتها بعد أشهر حزنًا عليها، فقد أحبتها كابنتها فعلًا، ربما أكثر من ابنها الذي أنجبته.
هذا ما تعلمته فرح، هذا ما نُقِشَ على روحها، حتى حب سراج لم يُزله، ربما قام بزحزحته قليلًا، لكنه كَمِنَ بداخلها، يكفي أنها خانت أمها وجدتها وأحبت قريب عدوتهم.
تذكر نظرات إياد لها وهي تقول لها دون أن ينطق لسانه:
-كيف تجرئين على ذلك؟ هل نسيتِ؟!
لم تنسى لكنه تخلل داخلها، عرف الطريق إلى قلبها رغم كل الأسلاك الشائكة، عانق روحها المشوهة.
رغم ادعائها بعدم الاهتمام وربما النفور منه، لكنه لم ييأس يومًا منها، قبل زواجهما أو بعده، لن تنكر الآن بأنها تعشقه، نعم هي من أبعده، هو خانها! هنا انتهت قصتهما، لكنها لن تتركه الآن، ليس وهو في أشد أوقاته ضعفًا.
أنهت إجراءات الوصول وخرجت لتجد ساجي في انتظارها، هو الوحيد الذي أجاب على اتصالاتها، لتخبره بموعد وصولها، ركبت السيارة وقبل أن يتحرك التفت لها ساجي وقد ظهر على وجهه علامات الارهاق، واضح بأنه لم ينم منذ عدة أيام، منظره أخافها نوعًا ما، هل القضية كبيرة إلى هذه الدرجة؟
قطع تفكيرها بصوت رزين حاول أن لا يظهر من خلاله كل ما يعتريه من قلق:
- فرح هناك أمران يجب أن نتحدث بهما قبل أن آخذك إلى سراج.
نظرت له بتركيز دون أن تنطق فتابع:
- أولًا، لا أريد أن يعلم أحد بوضع غسق، حتى سراج وأبي، ولا تسألي عن السبب، ثانيًا، سراج ليس بالسجن، لقد خرج، ما حدث هو...
نظف حلقه وتريث قليلًا فما سيقوله ليس بالهين أبدًا خصوصًا في الوضع القائم بينهما.
تكلمت بصوت مرتفع نوعًا ما في غير صبر:
- لا تقلق لن أخبر أحد عن غسق، أصلًا هي قالت نفس الكلام، رغم أني لا أعرف ما هو السر وراء ما فعلتما.
سكتت قليلًا ثم أردفت:
- ما دام ليس في السجن لماذا لا يرد عليَّ إياد أو أيهم؟ هل هو بخير؟
خرج صوتها قلقًا دون إرادة منها.
أخذ نفسًا وأجابها بهدوء:
- لا تقلقي هو بخير، القصة أنه تم إيقافه في المطار بسب بلاغ من مروان زوج سابين.
عقدت حاجبها فهي لم تستوعب بعد ما دخل مروان في قضية المزرعة من أساسه، فهم ساجي ما جال بخاطرها، أجاب وهو يشغل السيارة وينطلق إلى منزل سراج:
- لقد اتهمه مروان بالزنا مع زوجته وأرفق فيديو لهما معًا، كما استخدم نفوذه لاستخراج أمر غير قانوني يمنع سراج من السفر، لذلك خرج سراج دون كفالة بعد التحقيق معه.
طوال الطريق إلى المنزل وهي تسأل وتحقق، لم تسكت أبدًا، يا إلهي كيف يعيش معها أخي المسكين؟!
هذا ما جال في عقل ساجي وهو يستمع لها.
- أخيرًا وصلنا.
قالها بصوت عالٍ، لتلتفت له فرح وقد عقدت يديها وترغب في الرد عليه، فهو لم يجب على أي من تساؤلاتها بل تجاهلها تمامًا؛ لكنه أسرع ونزل من السيارة كأن شبح يطارده.
دخل ساجي خلفه فرح ثم البواب يحمل حقيبتها، ليجدوا سراج الذي اندفع يحضن فرح، لم تمانع هي بل كادت أن تبادله العناق.
لولا صوت سليم:
- حمدًا لله على سلامتك فرح، أرجو أن تكوني أفضل الآن هل رأيتِ غسق؟ كيف حالها بعد ما حدث؟
لم يخفى عليها نبرة الحزن في صوته ولا نظرات ساجي المحذرة، ابتعدت عن سراج الذي تمسك بيدها ليجلس بقربها على الأريكة الواسعة.
بصوت يخفي ما بداخلها من تخبط أجابت:
- هي أفضل حالًا تبعت سلامها إلي الجميع.
التفتت لسراج:
- ماذا حدث؟ أريد أن أعرف كل شيء دون كذب هذه المرة.
******
رغم أن جلسة العلاج كانت منذ يومين إلا أن سارة لازالت متوعكة وتشعر بالتعب، فقد انقطعت عن الجلسات لمدة لابأس بها، فكانت هذه الجلسة كأنها الأولى لها؛ تحاملت على نفسها وطلبت من عُمر أن يقلها إلى الطبيب النفسي، تحتاج أن تتحدث معه بشدة.
دخلت فور وصولها فقد علم طبيبها بحالتها بعد أن هاتفه عُمر، عكس كل مرة لم تستغرق الكثير من الوقت لتبدأ في حديثها، أخرجت تنهيدة عميقة:
- كيف تخبر أكثر شخص تحبه بِأنكَ ملوث؟ بِأنهُ يستحق أحدًا أفضل منك؛ أعرف بأنِي أظلم عُمر معي، هو يستحق امرأة كاملة.
سكتت لتنظر إلى نافذتها المفضلة؛ لتتابع من دون أن تبعد أنظارها عن النافذة:
- أحيانًا أخشى أنهُ بعد موتي لن يتزوج ويرزق بأطفال، أعرف مقدار حبه لي. دون ملاحظة في مذكرته وهو يسألها:
- لماذا أنتِ خائفة من ذلك؟ معظم النساء يتمنين رجل مخلص حتى بعد الموت.
حركت أنظارها إليه برتابة:
- عُمر تحمل مالا يتحمله رجل عادي؛ كما أنني لست المرأة المميزة التي تستحق هكذا تضحية.
رأت تساؤل في عينيه ولم ترغب في إجابته، لتقول بنبرة خالية من المشاعر:
- أمي مريضة، طلبت حضوري لرؤيتها أخي أخبر عُمر.
وضع القلم من يده وعدل من جلسته؛ فهذه أول مرة تتحدث بها عن أمها، أو أحد من أفراد عائلتها:
- هل لديكِ إخوة؟ لم أكن أعرف!
عادت تنظر إلى النافذة؛ لتجيب بهدوء مماثل لهدوئه:
- اثنين، إخوتي من أبي.
- والدك متزوج من امرأتين؟
نظرت له وقد توقعت أن ترى في عينيه نظرة اشمئزاز، ورفض لما فعله والدها؛ لكنها صدمت بأن وجهه لا يحمل أي تعبير! هو حقًا طبيب بارع لا يخرج ما بداخله.
- أمي الثانية؛ تزوجها أبي بعد وفاة زوجته الأولى، خالتي.
حسنًا لقد ظهر عليه بعض التأثر:
- بعد وفاة خالتي بمرض السرطان.
ابتسامة هازئة ظهرت على شفتيها لثواني.
- يبدو أن المرض وراثي في عائلتي.
ارتشفت قليلًا من الماء:
-أين وصلنا ؟ آه تذكرت، اقترحت جدتي على أبي أن يتزوج أمي فهي قاربت الأربعين دون زواج، كما أنها كانت دائمة التردد على منزل شقيقتها قبل وفاتها وأولادها اعتادوا عليها، لم يكن إخوتي صغار في السن، الكبير قارب الثامنة عشر والصغير في الخامسة عشر، لذلك وافق أبي والباقي تعرفه.
- في الحقيقة لا أعرف شيئًا عن والدتك! هل أنجبت والدتك أطفال غيرك؟ لماذا أنتِ بعيدة عن أهلك؟ هناك عدة أسئلة لا أعرف إجابتها!
نظرت إلى ساعة الحائط ثم وقفت تستعد للمغادرة وهي تقول:
- لقد انتهى وقت الجلسة، ربما في الجلسة المقبلة أخبرك بالمزيد، إلى اللقاء.
خرجت دون أن تنتظر رده، أما هو كان سعيدًا، أخيرًا استطاع أن يفتح بابًا نحو الصندوق الأسود.
******
يضرب كيس الملاكمة الخاص بالتدريب وهو يتخيله وجه زوجته، تلك الغبية، أفسدت علية صفقة مضمونة بسبب حقدها الدفين، ضربة قوية أخرى جعلت الكيس يهتز بقوة فتوقف عن لكمه؛ وضع يده على ركبته ولهث بشدة، بينما العرق يسيل من جبهته ويحرق عينيه، مسح على وجهه ثم توجهه لينعم بالاستحمام؛ وهو يخطط كيف سيخرج من تلك المشكلة؟ الشيء الجيد الوحيد أنه لم يتورط في القضية، حتى عند سؤاله عن المزرعة وملكيتها صدقوا الإجابة، فهي حسب الورق الرسمي لا تعود له، هو فقط قام باستئجارها لغرض الترفيه عن زوجته وأبنائه؛ لكن تبقى مشكلة سما وارتباطه بها، فهو دائمًا يقوم بوضع صورهم على صفحته الخاصة لمواقع التواصل الشهير، يردفها بكلمات غزل وعشق لها ولأبنائها، لتلميع صورته ليس إلا، كذلك ليجذب أكبر عدد ممكن من الضحايا؛
فالمغفلات يصدقن بأنه عاشق لأسرته ويرغبن برجل مثله.
صورته يجب أن تكون براقة نظيفة لا غبار عليها، فهذا مهم جدًا لديه، ليس فقط ليغذي نرجسيته، بل ليغطي على أعماله القذرة، فالعمل القذر يحتاج إلى سمعة نظيفه ليستمر.
رنين هاتفه برقم من الخارج يحفظه عن ظهر قلب أخبره أنه أصبح مهدد بسبب القضية، يجب أن يتصرف بسرعة وينهى المسألة، سما يجب أن تخرج الآن وبعدها ...
ابتسامة شرسة ارتسمت على شفتيه فما توصل له عقلة أفضل علاج لإنهاء المشكلة وتنظيف سمعته.
******
بعد جدال طويل وافق ساجي أن تحضر فرح معه لقائه مع سابين، التي أحضرتها روبي إلى منزله بأمر منه، بعد خروجها من مركز الشرطة.
طلب من إياد أن يأتي مع فرح، فهو يعرف لسانها وعصبيتها جيدًا؛ دخلت فرح مع إياد، تعلو وجهها علامات التحفز، حك ساجي رأسه وهو يفكر: انتهى الحوار قبل أن يبدأ حتى.
جلست دون حتى أن تلقي عليه السلام، أما إياد فقد اقترب من ساجي يحييه ثم أعطاه بعض الأوراق الخاصة بالقضية، لم ينهي قراءة الأوراق حتى نزلت روبي ومن خلفها سابين، لم تكن سابين التي يعرفونها، فقد تخلت عن زينتها ليظهر وجهها الطبيعي، أنف كبير نوعًا ما لم يلاحظ أحد كبره بفضل أدوات المكياج، عينان منتفختان من إثر البكاء إلا أن رموشها لازالت كثيفة رغم صغر عينيها، حتى شفتيها لم تكن بالحجم الكبير ذاته، كل ذلك لاحظه إياد الذي شعر ناحيتها بالشفقة على عكس المتوقع، لكنه كتم إحساسه بداخله، واقترب من شقيقته كي لا تتهور، فقد وقفت من مكانها وتخصرت استعدادًا للمواجهة القادمة، جلست روبين وبجانبها سابين دون أن تنظر إلى أحد أو حتى تلقي التحية عليهم.
تقدمت فرح منها إلا أن ساجي قطع عليها الطريق وهو يسال سابين بنبرة هادئة:
- هلا أخبرتنا ما حدث بالتفصيل من فضلك؟
رفعت سابين رأسها لتلتقي عينيها بِخاصته في غير تصديق، وهي تفكر هل يمزح؟ هل يريدني أن أعترف بإغواء أخيه؟ ألهذا قام بإخراجي من السجن وجلب فرح هنا! يريد أن يذلني ليرضيها؟
قرأ عينيها وما تفكر به؛ فتابع سريعًا ليصحح فكرتها:
- أقصد كيف تم القبض عليكِ؟ الأدلة غير كافية، كما أن الفيديو تم العبث به، ولا يوجد شهود، إذن كيف استطاع زوجك أن يحبسك؟
زفرت في راحة نوعًا ما، على الأقل نواياه ليست سيئة تمامًا:
- مروان له أقارب يعملون في مناصب كبيرة، من خلالهم استطاع أن يصدر أمر القبض عليَّ، على أمل أن أعترف على سراج.
ترقرقت الدموع في عينيها:
- ساومني إذا اعترفت بأن سراج أقام معي علاقة كاملة سوف يتنازل عن القضية، المهم أن أعترف عليه، تخيل يريد تلويث سمعتي من أجل انتقام عقيم.
نزلت دموعها وهي تضيف:
- بل زاد من وقاحته بِأن يساومني على نصيبي في الشركة مقابل أن لا يرسل الفيديو دون تشفير إلى أبي.
علت شهقاتها وقامت بدفن وجهها بين يديها وهي تبكي، أعطتها روبين علبة المناديل لتمسح وجهها وهي تقول بغل:
- لا تبكي هو لا يستحق دموعكِ، أنت الغبية كيف لم تتأكدي من وجود كاميرات في شقتك ألم تتعلمي من قصت....
قطعت كلامها، فقد تذكرت أين هي ومع من؟ تغير وجهها بشكل ملحوظ، رطبت شفتيها ثم ذهبت الى المطبخ متعذرة بأنها ستجلب شيئًا يهدئ من روع صديقتها، كل ذلك وفرح واقفة تشاهد وهي تغلي، لا تصدق دموع سابين ولا يعنيها كذب روبين، وما زاد من غضبها هو شقيقها الذي اقترب من سابين يعطيها ماء ويحثها على الهدوء، أبعدت إياد الذي يقف أمام سابين لتقف هي مكانه، وبصوت يحمل غضب العالم:
- اسمعي يا رقيقة الأخلاق أنتِ، لا يهمني المعتوه زوجك ولا أقاربه ولا حتى الفيديو الذي يملكه، ما يهمني هو زوجي، أنتِ من كنتِ تجرين وراءه، هل تعقدين بأني غافلة عن تحرشك به؟ أو محاولاتك السافرِة للإيقاع به في حبائلك، أقسم بالله إن لم تخرجي زوجي من تلك المسألة، سوف أخرجكِ أنا من الحياة هل تفهمين؟ كانت تلوح بيديها وهي تحدثها وكادت أن تخنقها في جملتها الأخيرة، حتى أبعدها إياد عنها بالقوة، وهو يصيح بها:
- اهدئي قليلًا طريقتك هذه لن تفيد بشيء، ألا ترين بأنها منهارة.
أبعدت يديه عنها:
- منهارة! من هي المنهارة؟ هل تصدق تمثيلها، اسمع أنا لا يهمني سوى إخراج زوجي من تلك الورطة، أما هي فلتذهب إلى الجحيم.
ارتفع حاجباه حتى كادا أن يلتصقا بمقدمة شعره:
- زوجك! قلتي هذه الكلمة خلال نصف ساعة أكثر مما قلتها طوال حياتك معه. مالت شفتاه بابتسامة هازئة وهو يتابع:
- منذ متى تكنين هذا الحب لسراج؟ ألم ترفضيه عندما تقدم لكِ عدة مرات؟ ألم تتركيه وتذهبي إلى غسق؟ ماذا حدث الآن؟ أم هي الغيرة فقط، ممنوع اقتراب أي امرأة بقرب رجلك؟
عقدت ذراعيها:
- أنت قلتها رجلي، زوجي، هو كذلك، نعم رفضته لأنه طلبني من عمته، رغم حبي له رفضته حتى عرف خطأه، وطلبني من أخي وليس تلك الخائنة، نعم ذهبت إلى غسق وتركته بعد خطيئته، ما كنت سأرجع لولا معرفتي بما حدث له، ولعلمك الخاص لن أعود له بعد أن يخرج من القضية، لكني لن أتركه الآن وأنا أعرف بأنه بريء، لن أتركه يتعذب لوحده، سراج ليس سيء، أخطأ وسيدفع الثمن، لكنه ليس زاني ولن يسجن بتهمة شرف أبدًا، اسمع إياد لن أتخلى عن زوجي شئت أم أبيت.
يا إلهي إنها نسخه من أمي، نسخة معدلة، لديها احترام أكثر لنفسها، لديها كرامة، لكنها نسخة منها، تمامًا مثلها، لن تتخلى عن زوجها مها فعل، ابتسم إياد وهو ينظر إلى أخته والشرر يتطاير من عينيها:
- حسنًا تعرفين أني دائمًا في ظهرك فقط أرجوكِ التزمي الصمت إذا كنتِ فعلًا تريدين مصلحة سراج، إن لم تستطيعي السيطرة على لسانك من الأفضل أن تذهبي إلى البيت.
لم تجاوب، تعرف أنه محق، أسلوبها لن يفيد الان، يجب أن تحتمل صديقة الزعافة لعلها تجد طريقة لتبرئة سراج.
- لم يحتاج إلى كلام، سكوتها أخبره بأنها ستلتزم بكلامه، رغم شكه بها إلا أنه قرر المحاولة، فهي امرأة عاشقة تحاول إنقاذ زوجها.
في نفس الوقت عند ساجي وسابين، بمجرد أن أخذ إياد فرح، التفت ساجي لها ليسأل بنبرة هادئة عكس ما يدور داخله من ضجيج:
- ها قد أصبحنا لوحدنا هلا أطلعتني على ما حدث بالتفصيل؟
رغم حرجها منه فهي رغم كل ما فعلته، طالما حافظت على صورتها أمام الكل خصوصًا أبناء عائلة القاسم، ابتلعت ريقها وأبعدت عينيها:
- أنا ومروان على خلاف منذ مدة طويلة، بسبب خيانته التي أصبحت علنية.
لمحة الاستهزاء ظهرت على وجهه بشكل بسمة ونظره، فسارعت لتكمل لعله يفهمها:
- منذ البداية وأنا أعلم من هو مروان وأعرف جميع علاقته النسائية، لكني توقعت أن تتوقف بعد الزواج، في البداية لم أهتم بما يفعل، طالما أنه بعيد عني ولا يضر بسمعة أهلي، لكنه تمادى كثيرًا، لم يعد يكتفي برحلاته خارج البلاد للخيانة، بل وصلت به الجرأة بأن يحضر عاهرات معه إلى الحفلات الرسمية للشركة، أمام الجميع، كأنه يتحداني أو يتعمد إهانتِي.
رفعت ناظريها لتلاقي خاصته:
- لا تقل لي بأنك لم تسمع عن مروان هارون ومغامراته في منزل حماه؟
لم يجبها ساجي، ولم يظهر على ملامحة أي تعبير، فقط ألقى نظرة على إياد وفرح ليفهم إياد بأنه يرغب في إبعاد فرح التي رفضت الذهاب، فقد جلست بمقعد بعيد نسبيًا عن سابين وبقربها إياد ليكبح جماحها إذا تهورت، أما روبين فقد عادت لتجلس بالقرب من ساجي، فهي خائفة من أن يكون قد لاحظ كلامها الذي كادت أن تفضح به نفسها سابقًا.
تابعت سابين بعد أن شربت القليل من الماء ليرطب حلقها الجاف:
- كنت قررت أن انفصل عنه، وأخذت شقة منفصلة منذ عدة أشهر، فقط إجراءات فض الشراكة هي التي عطلت الطلاق، لأني أملك الحصة الأكبر في الشركة ولأن مروان ضيع معظم إرثه على مزاجه من النساء، فقد اشترى أبي معظم أملاكه وكتبها بإسمي، حتي نصيبه في الشركة قام برهنه لأخي.
أخذت نفسًا عميقا وأكملت وهي تفرك يديها:
- ساومني على الطلاق وافقت بأن أتنازل عن المنزل وأعطيه مبلغ كبير من حسابي الشخصي، أما الأملاك لا أستطيع، رغم أنها باسمي لكن أبي المتحكم بها حتى الشركة أنا موظفة بها بدرجة شريكة، أبي هو من يقرر كل الصفقات والأعمال، لا أستطيع أن أفعل شيء من وراءه حتى وإن رغبت.
قاطعتها فرح وقد ملت من حديثها:
- وما دخلنا نحن في قصتك تلك؟ أنتِ قررتِ بأن تتطلقي من مروان، لماذا تورطي سراج معكِ؟
شد إياد على ذراعها، فسكتّ مرغمه عنها وهي تزفر في حنق.
في حرج بالغ أجابت:
- أنا معجبة بسراج منذ أن أخبرتني روبي عن أبناء عائلة القاسم القفل.
ارتفع حاجبي ساجي وشهقت روبين وهي تضع يديها على فمها.
اشتعلت وجنتيها بحمرة غريبة عليها، لم تتعود بأن تخجل منذُ أن كانت مراهقة:
- لم أقصد المعنى السيء.
نظره من ساجي جعلتها تتراجع عن ما ستقوله، آخر شيء يريده بأن تؤذي زوجة شقيقة بكلامها عنه، تململت في جلستها ثم تابعت:
- تعرف أن مروان وسراج بينهما عداوة قديمة، لا أعرف سببها، كل ما أعرف أن مروان لا يطيق سراج، وأنا استغليت ذلك لأثير غيرة مروان، كما آني معجبة بسراج منذ مدة...
كادت فرح أن تفتك بها لولا أن كبلها إياد بكلتا ذراعيه، واضعًا إحدى يديه على فمها حتى لا تنطق.
أكملت دون أن تعير اهتمام لثورة فرح، أو ربما لأنها تستحق بأن تنعتها بأسوأ الصفات:
- بعد أن أخذني مروان من منزل المزرعة، قام بضربي وإهانتِي، أخبرته باني سأقول لأبي كل شيء فهو من يجيد التصرف معه، اتصلت بروبين لكنها لم تستمع لي، قالت بأن لديها مشكلة يجب حلها، فقمت بالاتصال بسراج والباقي تعرفه.
هبت روبين من مكانها في غضب:
-لا تكذبي عليَّ، أنا لم أخبركِ شيئًا، أنتِ من أردتِ أن تلتقي بسراج منذ البداية وهو جاء إليك يلهث وأنتِ وجدتها فرصة لكسر أنف فرح بعد ما فعلته بك!
هنا لم تستطع فرح صبرًا، خصوصًا مع سماع صوت روبين الذي ينخر الأذن بالنسبة لها:
- من تلك التي تكسر أنفي يا فزاعة المزارع؟ اسمعي جيدًا ليست فرح بلال من يكسر أنفها أو تذل، سواء أنتِ أو صديقتك لستما نساء في نظري أصلًا كي أقلل من قيمتي وأفكر بأن أتحدى إحداكما، مقشة وعديمة الأخلاق وفي الآخر تظن أنها نساء هذا ما كان ينقصنا.
شهقت روبين وهي تستمع لها، لم تصدق أنها لازالت بنفس القوة وسلاطة اللسان، توقعت بأن يكسرها ما حدث، هي حتى لم تتأثر، يا إلهي ما تلك الفرح؟
قبل أن ترد وجدت ساجي يجرها من يدها ناحية فرح التي تفاجأت هي الأخرى من حركته ليدفعها برفق أمامه ناحية الغرفة المغلقة آخر الرواق، أدخلهما وأغلق الباب خلفه:
- اسمعاني جيدًا نحن هنا لنجد حل لمشكله سراج، إذا لم تلزما الصمت لأقسم بأن أقفل الباب عليكما ليوم كامل.
جحظت عيني فرح وروبين، فكلاهما لا تطيق الأخرى، كانت فرح أول من نطق:
- حسنًا لن أتكلم أعدك.
وافقتها روبين بهز رأسها دون كلام.
أما ساجي فلم يكن واثق في فرح بالذات:
- فرح أنا لست سراج ولا إياد، لن أمرر لكِ أي حركة أو كلمة أخرى.
التوى فمها في استهزاء:
- أعرف رقة مشاعرك ومراعاتك جيدًا، غسق أكبر دليل على ذلك.
ألقت جملتها وخرجت من أمامه، غير آبهة بما سببته له من ألم، هو يعرف بأنها محقة تمامًا، لن يدع تلك الكمات تنال منه، خرج خلفها تتبعه روبين.
تابعت سابين كلامها دون أن تهتم لمغادرة ساجي أو عودته:
- في البداية طلب مني مروان بأن أتهم سراج بالاعتداء عليَّ، وأني لم أكن في وعي، فقد استطاع تغير التسجيل ليظهر سراج بأنه من بدأ المحاولة وليس العكس، رفضت بالطبع، فأنا لا أريد فضائح لأهلي.
انهالت دموعها وهي تذكر كلامه الوقح معها:
- لكني فوجئت بالقبض عليَّ، جاءني بالسجن ليخبرني بأنه سيرسل المقطع إلى أبي ويفضحني إذا لم أتهم سراج.
قاطعها إياد بتوجس:
- لماذا لم تتهمي سراج، هل تحبينه لتلك الدرجة؟
توجهت أنظار الجميع إليه في استنكار بما فيها هي، كان أكثرهم لومًا فرح.
أجابته بسرعة كأنها تنفي عن نفسها تهمة لسبب ما:
- لا طبعًا، بل لكي لا أتورط أكثر.
ابتلعت ريقها وأردفت:
- مروان مخادع أعرف بأنه لن يتوقف عند ذلك، هو يريد فضحي، بل يريد كسر أبي لأنه أخذ أملاكه، اعترافي على سراج من السهل تبين كذبه، إذن أنا أورط نفسي أكثر.
زاد بكائها وهي تتابع:
- أنا فقط خائفة على أهلي لا يستحقون تلك الفضيحة.
لم تعد قادرة على كتم شهقاتها فتركت العنان لتخرج ما بداخلها من ألم وحسرة وندم على ما اقترفته في حق نفسها ومن تحب.
أخذتها روبين إلى أحد الغرف لترتاح بناء على طلب ساجي.
أما فرح فلم تستطع أن تحتمل أكثر فبمجرد ذهاب روبين وسابين انفجرت بهم:
- هل لي أن أعرف ماذا تفعل تلك الأفعى هنا؟ ولماذا تهتم بها؟ لا يهمني إذا عرف والدها أم لا، القضية ضد سراج أصلًا ضعيفة لماذا تساعدها؟
بنفس الهدوء أجابها: معكِ حق القضية أصلًا ستقفل دون حتى تدخل منا، لكنها سمعة سراج هي التي نحاول انقاذها، خصوصًا وهناك قضية أخرى أكبر وأكثر خطورة، هو المتهم الرئيسي بها، إذا لم نوقف تسريب التسجيل ستتم محاكمة سراج دون حتى وجود أدلة كافيه.
رسم بيده شكل خطوط عريضة وهو يتابع:
- الطبيب ورجل الأعمال الذي تسبب في مقتل الكثير يلهو مع نساء متزوجات،
سراج القاسم يلهو مع المتزوجات ويتسبب في تسمم الأطفال، هذه ستكون عناوين صفحات السوشيال ميديا، وسراج سيتم تقديمه كبش فداء ليهدأ الناس.
فتحت فرح فمها وهي تستمع إليه، فلم تكن ترى المشكلة من هذه الزاوية، ربما هو محق، بصوت حاولت أن يكون حازم:
- وكيف ستحل تلك المعضلة؟ مروان لن يقوم بتسليمك التسجيل، لماذا لا نبلغ شرطة الانترنت ليقوموا بعملهم؟
- لأن التسجيل أصلًا مقدم من مروان، وهو الآن بحوزة الشرطة، حتى إذا قامت سابين باتهامه، ليس لديها دليل، كلمته ضد كلمتها، لا فائدة إذن.
حك إياد رأسه وهو يفكر:
- أعتقد أنه يجب أن نحصل على التسجيل الأساسي، هكذا نستطيع أن نخفيه او نعرف لمن قام بإرساله ذلك التافه، لكن كيف تلك هي المشكلة؟
قفزت فرح من مكانها تهتف:
- غسق، هي التي تستطيع فعل ذلك، فقط أعطوها رقم مروان وهي تستطيع اختراقه وحذف كل شيء.
أجابها إياد وهو لا يصدقها تمامًا:
- هل أنتِ متأكدة، أعرف إنكِ تحبي غسق، لكن المسألة أكبر من...
قاطعته في حزم:
- أنا متأكدة من غسق، هل نسيت من الذي أنقذك عندما مسحت ملفات الشركة؟ كانت ترمقه بنظره ذات مغزى.
قاطع جدالهما ساجي:
- ماذا عن صحتها، هل تستطيع أن تفعلها دون أن تتعب نفسها، أعرف أن الأمر يستغرق وقت طويل.
بتهكم واضح جدًا في نبرتها:
- لا داعي للقلق الزائد، هي بخير كما أن آدم يستطيع مساعدتها، فهو لا يتركها أبدًا.
قالت آخر جملة ببطء، فهي تعرف كره ساجي له، لن تجد فرص أفضل لتغيظه حتى لو قليلًا.
أما ساجي فقد اشتعلت النيران بداخله، يعلم بأن آدم يعمل مع غسق بطريقة غير مباشرة، لكن كلام فرح يدل على أن علاقتهما قوية، ماذا سيفعل الآن، لا يستطيع أن يعترض أو يتفوه بكلمة، ليحصد ما زرعته يداه.
لم يخفى على إياد كل الذي يجول بعقل ساجي، هو يعرفه أكثر من نفسه، لن يتركه لأفكاره كثيرًا:
- معكِ حق فرح، سأتصل بغسق لتبدأ في المهمة منذ الآن، لن نضيع دقيقة من وقتنا.
التفت إلى ساجي الذي غرق في أفكاره:
- ساجي سآخذ معي سابين لمكان آمن، يجب أن تتحدث مع غسق لتفهم منها وأنت خذ فرح وروبين إلى بيت المزرعة.
هز رأسه بعلامة موافق، رغم معرفته أن الطريق إلى المزرعة لن يكون هين مع وجود قطبي المشاكل معه.
******
في شقة بإحدى المدن الجديدة جلست سابين بعد أن هدأت، وجود إياد معها أعطاها راحة غريبة، ربما لأنه لم ينظر لها بازدراء مثل الباقيين، أو لأنها تعرف بأن معرفتها به لن تطول كثيرًا.
فتح إياد جهازه اللوحي واتصل بغسق، أجابته فورًا، فقد بعثت لها فرح رسالة تخبرها ما حدث وما المطلوب منها، بدأت فورًا عملها بعد أن أخذت المعلومات اللازمة من سابين.
أقفلت واتصلت بآدم ليجيبها فورًا:
- آهلا آدم، أعذرني أعرف أن الوقت مبكر، احتاجك في خدمة مهمة وصعبة.
لم يعد يهتم بإخفاء نبرة الحب في صوته:
- غسق عزيزتي، تعتذرين على إنك جعلتي يومي يشرق من أوله، أنا تحت أمرك في أي طلب.
لم تستسغ غزله، لكنها لم ترد أن تعاتبه الآن، شرحت له ما تريده منه باختصار، رغم سعادته بمكالمتها، إلا أنه شعر بخيبة أمل من طلبها، لازالت تهتم لتلك العائلة، حسنًا لن يتكلم لأن المهم أنها لجأت له عند حاجتها.
****
منذ وفاة طفلتها وهي تقبع في غرفتها، لا تصدق بأنها قامت بتغسيلها وألبستها الكفن، بدلًا عن ثوب الزفاف، أو التخرج، أليس من المفترض أن يدفن الأبناء أبنائهم، لماذا يحدث العكس معها؟ لم تعد تشعر بشيء من كثرة الألم.
دخلت سميحة عليها الغرفة وقد قررت بأنها من ستساعدها في مسعاها، اقتربت منها حتى نظرت لها هبة:
- هبه ابنتي ما تفعلينه لا يفيد في شيء، ملاك عند خالقها، يجب أن تهتمي بالأحياء.
نظرت لها هبة لتقول بصوت حاولت أن لا يخرج باكي:
- معكِ حق، بجب أن أحاول من أجل ابنتي ومن أجل سامي أيضًا.
كانت ترغب في إنهاء الحديث فقط، لن تحاول فهي تلوم نفسها وتحملها ذنب ما حدث، لكن سميحة ظنت أنها تعني ما تقول فقررت استغلال الموقف لصالحها.
- هبة أنتِ أم، وقد جربتِ معنى فقدان الابن، لن ترضي بأن أفقد أنا أيضًا ابنتي ويفقد أبنائها أمهم.
تابعت دون ان تلاحظ اتساع عيني هبة في صدمة ولا وقوف سامي أمام الباب يستمع لأمه وهي تستغل حزن زوجته الثكلى:
- أريدك بأن تشهدي بأن سما كانت معانا وليس كما قال الأطفال، لابد وأنهم مرتبكون، لماذا تقوم سما بقتل سعد أو ملاك؟ الموضوع قضاء وقدر لا غير، هلا فعلت ذلك من أجلي؟ ألست في مكانة أمك رحمها الله؟
جاءها صوت سامي الذي بدا مثل الرعد في أذنها من شدة علوه وغضبه:
- تريدينها أن تبرأ المجرمة ابنتك وتقولين إنكِ في مكانة أمها، إي أم أنتِ ولم تحسي بعذابها، أي أم وأنتِ تستغلين ألمها لتخرجي سما من سجنها، ألن تكفي عن ظلمك؟ إلى متى سندفع ثمن دلالك لابنتك؟ يا إلهي أكاد أصدق بأنك لست أمي الحقيقية.
- بل صدق، التفت الجميع ليجدوا سمر تقف خلفهم يسندها يحيى وقد كسى وجهها تعابير كره لم يروها سابقًا:
- هذه المرأة ليست أمي، هذه المرأة قامت بكسر فخذ سعد وهو لم يتعدى الشهور لأنها ملت من صراخه، بل وحاولت كتم أنفاسه، تذكر حادثة سعد القديمة، هي من تسببت بها وبكل وقاحة اتهمتني بأني مقصرة في حقه ولا أستحق أن أنجب، هل تذكرين ذلك سميحة هانم؟
شحب وجه سميحة حتى حاكى الموتى، كيف عرفت سمر؟ من أخبرها؟ لا يمكن بأن تكون سما! المهلة لم تنقضي بعد!
أكملت سمر وهي تقترب منها:
- ليس فقط تسببتِ في إعاقته، بل رفضتِ المساهمة في علاجه بحجة أن لا مال لديكِ، السيدة سميحة تملك وديعه في البنك تقدر بملايين الجنيهات، ورثتها وكذبت علينا بأنها أعطتها لسما.
نظرت لسامي الذي بدا مذهولًا بما يسمع من حقًائق، يعرف أمه، لكنه لم يتصور أن تكون بهذا السوء.
- تذكر عندما كنا ننحت في الصخر لنخرج أبي من القضية، ولم تحرك هي إصبع لإنقاذه، تذكر عندما عملنا ليل نهار وهي تتذمر من ضيق الشقة وقلة المال، وعندما حاولنا أخذ قرض من البنك ورفضت حتى أن تدخل معنا في دفع الأقساط رغم أنها طالبت بحصة في الشركة.
- كانت تملك المال كل ذلك الوقت!
بنظرة أم حقيقية فقدت فلذة كبدها قالت:
- أمي ماتت يوم ولادتي أنتِ لست أمي.
أسرع يحيى يدعمها قبل أن تقع فقد لاحظ اهتزازها:
- سامي سآخذ زوجتي وابني ونرحل من هنا، لن نبقى يومًا واحد في نفس المكان مع السيدة سميحة، إذا أردت شراء المنزل فهو لك وإلا سأبيعه.
تحرك دون أن ينتظر إجابته، المهم عنده زوجته وابنة المتبقي لن يفرط بهما مهما كان السبب.
أما سامي لم يستطع التحمل، فقد وقع أرضًا من هول ما سمعه، حتى لم يستطع أن يواجه أمه أو يتهمها بشيء، أسرعت هبة تضمه إليها بقوة، كأنه ابنها وليس زوجها، ربما ما حدث يخرجها من صومعتها، هي فقدت ابنه، أما هو فقد ابنه وأم وربما أخت أيضًا.
*****
ارتفع رنين هاتف وسام فأجابه بسرعة:
- ها، بشر ماذا حدث عندك؟
أجابه المحامي الداهية، الذي استعان به ليخرج سما من سجنها:
- تمامًا كما أمرت، وجدت ثغرة في إجراءات القبض والتحقيق، تخرجها منها.
- أريدها أن تخرج لعدم كفاية الأدلة وليس براءة.
بابتسامة الشيطان أجابه المحامي:
- أعرف، فقط خطأ بسيط يجعل القضية غير مكتملة، يمكن فتحها في أي وقت آخر.
تنهد في سعادة:
- ممتاز انتظر حتى يتم تحوليها إلى المحاكمة ثم ابدأ في الاجراءات.
أغلق الهاتف وهو في حاله انتشاء تامة، هكذا كسب الجولة، أخرجها وفي نفس الوقت تكون تحت رحمته أكثر، الآن انتهت قصة سما، ليركز في روبين، يجب أن تنفذ ما اتفقا عليه وإلا...
******
يتبع