لايك من فضلكم🌹
الفصل التاسع والعشرون
بعد أن عرف خبر ولادة غسق، قام بإرسال رسالة إلى زهراء، مضى وقت ولم يتحدث معها، كبريائه يرفض أن يعتذر لها، رغم معرفته بأنه أخطأ في حقها، رغم اشتياقه لها حد الظمأ، لم يعتد على غيابها فهي لم تغب عنه منذ أن تعرف عليها، حتى في سفراتها كانا دائمًا على اتصال، يخبرها بكل تفاصيل حياته تهون عليه، فترة زواجه وطلاقة وحتى ابنه الذي لا يعرف كيف كان سيتواصل معه لولاها، زهراء هي من ساعدت في كل ذلك، هي من جعلته يتقرب منه، بل لن يبالغ إذا قال بأنها من جعلته يحبه ويصبح أبًا له، بل هي التي قامت بتعليمه العربية لينطق بها أفضل منه، أحمد، دودي كما يناديه الجميع، هو الأب الروحي لزهراء؛ قد تكون غسق حبيبته لكن زهراء أكثر من ذلك هي نصفه الآخر ربما، المكملة له رغم اختلافهما وجموحها، لا أكثر، هي رفيقه، رفيقة دربه، نعم تلك هي التسميه التي تليق بها؛ يذكر بأنه سأل جده مره عن جدته فقد أصابها الزهايمر قبل أن توافيها المنية، كان دائمًا يستغرب كيف يعاملها بكل حب، يتقبل منها نسيانها له، بل يذكرها بكل ما مضى، أحيانًا يتقبل مزاجها المتقلب نتيجة فقدان ذاكرتها، لم يشتكي يومًا منها ولم يقم بوضعها في إحدى الدور المختصة بحالتها بالرغم أن العاملين بها أكفاء وقادرين على التعامل مع حالتها بطريقة أفضل منه.
كانت إجابة جده دائمًا نفسها بنفس البسمة:
- إنها رفيقة دربي لا أستطيع أن أكمل من غيرها، لا يبدأ صباحي إلا عندما تتحرك رموشها كي أرى أجمل عينين في الوجود.
مع العلم بأن جدته كانت فقدت بصرها، لكنه ظل على حبها وقد توفى بعد وفاتها بيوم واحد فقط.
توجه إلى المستشفى وهو يدعو الله بأن يجدها هناك، ها قد استجاب الله لدعواته، فقد وجدها أمامه بالفعل، دخلت معه إلى المصعد، لم يكونا لوحدهما فقد كان المصعد ممتلئ للأسف، استطاع أن يقترب منها.
دنا منها وقد ظهرت السعادة على كامل وجهه ونبرة صوته بالطبع:
- اشتقت إليكِ زهرتي.
لم تهتز لها شعرة، بل كأنها لم تسمعه من الأساس، ظلت تنظر إلى لوحة المفاتِح إلى أن فُتح الباب على الطابق المنشود، خرجت دون أن تلتفت ورائها تبحث عن غرفة غسق لكنها وجدتها فارغة، أخبرتها الممرضة أن غسق عند أطفالها يمكن أن تنتظرها، لكن لحاق آدم بها جعلها ترفض وتّتجه إلى مكان غسق.
أما آدم فقد توقع ردة فعلها، هو أكثر من يعرفها ويعرف كبريائها، بالطبع لن تغفر له من كلمة ولا حتى اعتذار، صحيح بأنهما لم يتشاجرا بتلك الطريقة من قبل، معظم خلافاتهما كانت تتركز حول ابنه، هي حتى لا ترقى لدرجة الخلافات، بل انتقادات، ملاحظات، أوامر تعطيها له وربما تعليمات إذا أراد أن يصيغها بطريقة أجمل، عن كيفية تعامله معها، حل خلاف مع والدته، وغيرها من الأمور التي لا تنتهي، لم تغضب منه أبدًا، ولم يجرحها يوما، وعندما فعل لم يكن حرجًا سطحيًا يشفى بسهولة، بل طعنها وقد تحتاج طعنته إلى جراح ماهر حتى يلتئم الجرح.
ظل يمشي ورائها وهو عاقد العزم على مصالحتها حتى وإن انفجرت فيه وقذفته بأفظع الشتائم، دخلت إلى إحدى الغرف، خمن بأنها لغسق، أسرع يدخل خلفها لكنها خرجت بنفس السرعة لتسير في تجاه إحدى الممرات، دون أن يفكر تبعها كان كل تركيزه عليها هي فقط، حتى أنه لم يلاحظ وقوف ساجي وغسق على مسافة منه حتى توقفت هي فجأة أراد أن يستغل الفرصة ليتحدث معها، لكن صوت غسق العالي جمده مكانه.
لا يعرف بالضبط ما هو شعوره عند استماعه لغسق وهي تؤكد بأنها ستتزوجه، جزء كبير منه سعيد جدًا لقد حارب لقرابة الخمس سنوات في سبيل ذلك، بل ما هو أفضل بأنها تخبر ساجي في وجهه، هل هناك ما هو أجمل؟ ها قد رد إليه القلم عندما ذهب ليخطبها منه أول مرة، شعوره عندما طرده ساجي وطلب منه عدم الاقتراب منها، الآن هو لن يقترب منها بل سيمتلكها كلها؛ لمعت عينيه في انتصار ونشوة لم يشعر بها من عقد مضى.
اقترب من غسق يرفع كفها لشفتيه مقبلًا إياه في تملك أشعل النار في عيني ساجي؛ لكنه لم يهتم بل اهتم بحبه الحقيقي:
- حمدًا لله على سلامتك غسق، لا تخافي على أطفالك فهذه المستشفى هي الأفضل، لا تقلقي لن أتركِك أو أترك الصغار بعد الآن.
تجمدت غسق لم تكن تتوقع بأنه سيسمع كلامها، هي لم تعني حرفًا منه، بل كانت مجرد كلمات لتؤلم بها ساجي، لم تكن قد قررت الموافقة على عرض آدم في السابق، فقط قررت التفكير، والآن بعد أن أنجبت أطفالها بالطبع لن تفعل ليست في حاله ذهنية أو جسدية تسمح لها بالدخول في علاقة جديدة ما بالك بالزواج؟! يا لها من ورطة كيف ستخرج منها الآن.
أما زهراء فقد شعرت بكلمات غسق كسكين مسنون يخترق ضلوعها ليشق قلبها إلى نصفين.
****
تعددت زيارتها إلى منزل والدتها، بناءً على طلب وسام بالطبع، المنزل كان في حي راقي لكن معظم المنازل تم هدمها وبناء عمارات مرتفعة مكانها، لم يتبقى إلا بعض منازل عتيقة لم يستطع المقاولون إغراء أصحابها بالمال كي يبيعوها، كما اشتهرت تلك المنطقة رغم رقيها بكثرة أولاد الشوارع بها من الباعة الجائلين إلى المتسولين أو يعملون في وظائف لا تناسب أعمارهم أو بنيتهم الجسدية؛ مهمتها محدده أن تقوم بالتقاط الصور لهم، من جميع الجهات أعطاها كاميرا حديثه لتفعل ذلك، بعد أن تحضر الصور يقوم باختيار عدد منهم لتقوم بتصوريهم فيديو ثم يقع الاختيار على المناسب منهم؛ إلى هنا تنتهى مهمتها، هي لا تريد أن تعرف ماذا يفعل بالصور أو حتى بالأطفال الذين يختارهم، رغم شكوكها الكثيرة خصوصًا وقد عرفت بالصدفة بأنه يجري لهم فحوصات طبية كاملة، ويبقيهم في المزرعة التي ادعى بأنها ليست ملكه!
مؤخرًا بدأ قلبها يخبرها بأن ما يفعله ليس قانوني، بل ليس إنساني، ومنذ متى أصبحت هي إنسانية؟ هل نسيت قتلها لطفلين عاجزين فقط كي تحرق قلب شقيقتها، يا إلهي هل سيرد لها في أبناءها؟ لا، لا يمكن الوضع مختلف، هي لم تقصد ذلك كما أن سعد لم يكن ليعيش كثير بأي حال، وملك فتاة مزعجة، لقد وفرت على أخيها مراهقة متعبه جدًا معها، هو الآن محظوظ لديه فتاة واحدة زوجته صغيرة تستطيع إنجاب الصبي له وماذا يريد من كثرة البنات؟
هذا ما كانت تسكت به ضميرها إذا أنبها يومًا، لا يهم كل ما مضى يجب أن تركز في القادم، هذه المرة وسام يريد فتيات فقد حدد لها العُمر أقل من أثني عشر عامًا، كيف ستعرف بالضبط كم يبلغن! تذكرت ابنة الجنايني لابد من أنها تعرف أعمار الفتيات حسنًا هي من ستساعدها إذن؛ خرجت تبحت عنها فلم تجدها.
وجدت والدتها تجلس في الحديقة تحتسي قهوتها وهي شاردة، ضيقت عينها وهي تفكر، ربما هذا وقت مناسب لتسحب منها بعض المعلومات.
جلست في الكرسي القريب منها وهي تبتسم لها ثم قالت بنبرة عادية جدًا:
- هل سمعتي لقد سافر طليق غسق إليها، ربما يريد أن يعيدها لذمته، فقد عرفت بأن شركته خسرت الكثير في البورصة.
ظهر على وجه سميحة عدم الفهم:
- وما دخلها هي إذا خسرت شركته أم لا، أعني كيف يكون هذا سببًا كي يعيدها لذمته؟
تابعت بنفس البراءة المصطنعة:
- لست متأكدة تمامًا، كل ما أعرفه أنها تملك الكثير من المال لأنها باعت حصتها في الشركة بعد الطلاق وسافرت ربما يريد إعادة الأموال، كما تعرفين فهذه أولًا وأخيرًا أموال القاسم، من أين لغسق بهذا المبلغ لتكون شريكة لهم؟ لا تنسي بأنها جاءتهم من دون مال بل دون حتى حقيبة ملابسها بعد موت خالي وزوجته.
شعرت بقبضة تعتصر قلبها بشدة لتدميه، عندما ذكرت سما الحادث، كيف طاوعها قلبها، ليتها توقفت عند ذلك الحادث، يا إلهي كم هي مكللة بالذنوب.
لاحظت سما شرودها والذي زاد مؤخرًا:
- أمي أين ذهبتِ؟
نفضت سميحة رأسها كأنها تنفض الذكريات البعيدة عنه:
- أنا هنا حبيبتي كنت أدعي لأخي رحمه الله.
- لم تقولي لي كيف تعرف على ابنة القاسم؟ أعني أنا أعرف بأن بين جدي رحمه الله ووالدها مشاكل في العمل كما سمعت بأن فجر بالذات لم تكن ذات علاقات إذن كيف استطاع خالي الوصول اليها؟
فجأة تحولت عيناها إلى اللون الأحمر وأصبح صدرها يعلو ويهبط بدرجة ملحوظة وصرخت في غضب:
- وما دخلك أنتِ في الموضوع من الأساس، ما حدث قد مضى عليه زمن بل دُفن تحت التراب، لماذا تريدين النبش فيه؟
عادت بكرسيها إلى الوراء تحرك الأزرار كي تعود إلى المنزل وهي تأمرها بالمغادرة فورًا بطريقة جعلت سما تشك بأن هناك قصة كبيرة وراء الموضوع لابد بأن أمها متورطة بها.
****
منذ حديث والدتها مع مُنى وهي تتجنبها، بل تقسم بأنها باتت تخشاها، حتى أنها لم تعد تسألها عن خروجها المتكرر في أوقات متأخرة، استقلت سيارتها متجهة إلى مزرعة وسام، بعد فترة ليست طويلة دخلت إلى المنزل فهي تملك مفتاح الباب بالطبع كما أن البواب يعرفها جيدًا فلم يعترض طريقها؛ وجدت الأنوار مغلقة، تكهنت بأن وسام لم يأتي بعد قامت بإضاءة المكان وتوجهت إلى المكتب، أشعلت الحاسوب الإلكتروني وقامت بفتح الصفحة الخاصة بعمله عن طريق متصفح آمن، قرأت الرسائل الواردة وردت على بعضها، كما تفحصت بعض الأعمال هنا وهناك، وجدت أن العمل سيأخذ منها وقت طويل لذلك قررت بأن تعد كوب من القهوة وتعود لتكملة الباقي، اتجهت إلى المطبخ لتسمع صوت يأتي من غرفة النوم، أنين خافت مع بعض الصراخ، اتجهت لغرفة النوم لتجد وسام مع فتاه هناك؛ انكمشت الفتاة على نفسها في رعب، وغطت وجهها بيديها، أما وسام ابتسم في خبث وهو يستلقي على ظهره واضعًا يديه أسفل رأسه وقد كان يلهث وهو يخبرها بصوت تملأه الرغبة:
- اخلعي عنكِ ملابسك وانضمي إلينا روبي، اشتقت لتلك الأيام.
لم تعره أي اهتمام كانت تنظر إلى الفتاة، ركزت في ملامحها ثم فتحت عينيها على اتساعها وهي تقترب منها بسرعة، وضعت يدها أسفل فكها ورفعت وجهها إليها وهي تسأل في اهتمام حقيقي.
- كم تبلغين من العُمر أخبريني دون كذب؟
كانت عينيها تشع شررًا مما جعل الفتاة تجاوب في خوف:
-عشرين.
صرخت بها روبين بشدة لدرجة جعلت جسد الفتاة يرتعش:
- قلت لا تكذبي.
بصوت خفيض مرتعش أجابت:
- ستة عشر.
ظهر التقزز على ملامح روبين:
- قاصر! ألم تشبع من العاهرات كي تغتصب قاصر.
زفر في ملل واستقام يرتدي بنطاله في نزق:
- من يسمعك يعتقد بأنكِ عفيفة، كفي عن لعب هذا الدور روبي فهو لا يليق بكِ، هل نسيتِ ماضيكِ دعيني أذكرك إذن، ليو كان يبلغ السادسة عشر لا لم يتعدى الخامسة عشر عندما بدأتي في ممارسة المجون معه، أم تريدين أن اسميه اغتصاب؟
احتقن وجهها وخرجت مسرعة من الغرفة قاصدة مغادرة المنزل بأكمله لكن وسام أوقفها بصوت صارم:
- إلى أين تظنين نفسك ذاهبة بعد أن أفسدتِ عليَّ ليلتي؟ تعالي إلى المكتب لدينا عمل كثير.
تبعته مضطرة إلى المكتب دون أن تنطق بحرف.
جلس وسام خلف المكتب يتابع ما فعلت روبين ويكمل تصفح الرسائل في هدوء قاتل، يقلب في جهازه يبحث عن التسجيل الخاص بها، منذ أن تعرف على روبين وقد قرر إخضاعها له، فقد وجد لديها كل المميزات التي تساعده في عمله، فهي لا تهتم بمعتقدات بالية ولا تتمسك بمبادئ سوى سعادتها ومتعتها فقط، ما وقف أمامه هو أن شخصيتها قوية، ليس من السهل إخضاعها، لم تسحر بوسامته، ولا باسم عائلته؛ حاول معها جميع الألاعيب ولم يستطع، حتى عرف كيف يجعلها ذليلة له؛ علاقاتها المتعددة لا بد بأنها تتضمن رجال متزوجين، هذا ما كان يبحث عنه وهو يراقبها مالم يتوقعه أبدًا بأن يكون لها علاقة بمراهق، هنا وجد ضالته، راقبها عن كثب بل قام بزراعة كاميرات في منزلها عندما لم يفلح الأمر معه قام بتسهيل حصولها على كوخ بعيد عن المدينة، فهو يعرف حذرها من مرافقة ليو بالذات، لأنه أصغر من السن القانوني وهذا يجعلها مجرمة في نظر القانون الفرنسي.
قام بوضع كاميرات في جميع أنحاء الكوخ واستطاع الحصول على مبتغاه، ما زاد الأمر متعة هو أنهما احتفلا بعيد ميلاد ليو السادس عشر، إذن هي لن تستطيع إنكار معرفتها بعُمره الحقيقي، هنا استطاع إخضاعها له وأصبحت شريكته في أعماله القذرة والسرير بالطبع؛ منذ ذلك اليوم وهو يحرز تقدمًا في أعماله القذرة بطريقة يحسد عليها، كما ضم الكثير لمنظمته، وأصبح عضو مهم فيها، اقترحت عليه روبين ضم سابين له، لكنه رفض لأنها تتمتع بنزعة دينية وأخلاقية، رغم ضعفها إلا أنها قد تسبب لهم مشاكل كثيرة عندما تتعمق في عمله، كما أنها على العكس من روبي تخاف جدًا من عائلتها؛ كما أنه لا يصدق أن اقتراح روبين من باب مصلحة العمل فقط.
اما روبين فكانت مثل من يجلس على صفيح ساخن، لا تعرف ماذا يفكر أو يفعل وراء الشاشة اللعينة، فقررت أن تتكلم هي:
- كيف سترسل الشحنة الجديدة؟ لقد تم إيقاف عمل شركة الشحن الخاصة بشركة القاسم، كذلك الشركة التي تم إنشائها باسم زوجتك لم تعمل منذ مدة.
دون أن ينظر اليها أو حتى يزيح نظره عن شاشة الحاسب الآلي:
- ماذا عن شركة والدك؟ لازالت تعمل حسب علمي، سوف أشحن من خلالها هذه المرة.
شعرت بكتلة تسد مجرى التنفس عندها، سعلت أكثر من مرة لتجلى حلقها، أجابته وهي تحاول التنفس بطريقة طبيعية:
- تعرف بأن العمل لا يسير على ما يرام منذ مرض أبي، حتى الأسهم التي اشترها ساجي لم تعد على الشركة بأي نفع على العكس تمامًا....
قاطعها بصوت حاد:
- اصمتي لا أريد كلام كثير دون فائدة، هل لي أن أعرف ماذا فعلتِ منذ زواجك من ساجي حتى الآن؟ لم تنجحي في توريطه مع الشركاء الذين أرادوا الاستيلاء على شركة القاسم، ولا حتى جلبتي لي أوراق أصول الممتلكات وحسابات البنوك، بل هو من قام ببيع أكثر من نصف الشركة إلى غسق وجزء لأيهم ونحن نتفرج عليهم، حتى المصنع رغم كل ما فعلته أنا لازال قائم وسراج خارج السجن، تعرفين ماذا يعني ذلك؟ بأن سمعته لم تضر تمامًا ولن يقوموا ببيعه أو حتى خسارته وإيقاف العمل به، أنتِ حتى لم تنجحي في الحمل منه؟ هل تعرفين أين هو زوجك العزيز الآن؟ إنه عند غسق لابد بأنه يرغب في ردها كي يسترجع المال الذي كسبته من وراءه وأنتِ هنا تعطيني محاضرة أخلاقية عن من ومن لا يجب أن أضاجع.
كان صوته العالي جعل جسدها يقشعر خوفًا، لم تملك جواب شافي له بحثت في عقلها عن أي شيء قد يهدئ من روعه لكنها لم تجد أو ربما الخوف شل قدرتها على التفكير.
- اسمعيني روبين جيدًا.
رفعت عينيها لها عندما نطق بتلك الجملة تصغي له في اهتمام واضح.
-عليكِ أن تجدي أصول الأملاك أو على الأقل أريد عنوان غسق في الخارج لن يضيع مني كل شيء تفهمين.
هزت رأسها موافقه ثم استقامت لتذهب وتنفذ أوامره بسرعة.
أما هو فقد أكمل ما يفعله ثم أغلق الجهاز وذهب إلى غرفة النوم ليجد الفتاة قد نامت أيقظها وأكمل ليلته الماجنة دون أن يعلم بأن هناك من يرصد تحركاته هو ومن معه.
****
بعد أن جاءته المكالمة انتقل فورا إلى المستشفى حيث أخذها إخوتها، بعد وصوله عرف ما حدث باختصار لم يقل له إخوتها بأنها كانت ضحية لمفترس انتهك طفولتها، ولم يسأل هو عن ذلك، كل ما يهمه أن تكون بخير، بعد يومين خرجت من المستشفى إلى المطار رأسًا لم تكن تستطيع تحمل المزيد من أي شيء، خصوصا وقد عرفت بولادة غسق، لم يضغط عليها شقيقيها، بل كانا في منتهى التفهم، كذلك زوجاتهما، كل ما فعلوه هو الاعتذار لها، ووعدها بأنهم دائمًا في صفها، كذلك أخبرها شقيقها عادل بأنه سيكون عندها فورًا لو أن عُمر قام بمضايقتها بسبب القضية أو التلميح بشيء.
لم تشعر يومًا بالحب والأمان كما شعرت به في تلك اللحظة قبل صعودها إلى الطائرة، هل رضي الله عنها فعلًا، دائمًا كانت تشعر بأنها مذنبة لذلك يكرهها الجميع كما أخبرتها أمها، حتى عندما أصيبت بالسرطان كانت تظنه تكفير عن الذنوب، حتى سمعت مرة شيخ يقول بأنه هبة وليس عقاب، وأن الله يختبر عباده به، فالمرض ليس عقاب بل اختبار لقدرة المؤمن على التحمل والصبر؛ يا إلهي كم هو الفرق بين قدومها إلى الوطن والآن فقد كانت خائفة وكارهة لكل شيء وها هي الآن تودع شقيقيها وهي سعيدة جدًا، وعُمر يمسك بيدها، حسنًا هي ليست متأكدة من موقفه بعد أن يعرف الحقيقة، خصوصا وأن شقيقها قدم البلاغ فعلًا لابد بأنه تم القبض على خالها كما أنها كتبت مقالات كثير عن الحادث بعضها سلمتها لجريدتها القديمة والبعض الآخر ستنشرها بعد وصولها على الجرائد الإلكترونية.
انتهيا من إجراءات السفر وصعدا إلى الطائرة، كل ذلك ولم يتحدث عُمر معها بالكثير، تشعر بالرعب ماذا لو؟
أخذت منوم كي لا تصاب بالغثيان فطول الرحلة يتعبها، وصلا بعد عشر ساعات تقريبًا، فقد حرص عُمر بأن تكون رحلة مباشرة حتى لا تتعب كثيرًا، انقضى ذلك اليوم على نفس الحال دون كلام كثير من كلاهما.
باليوم التالي استيقظت عند العصر تقريبًا ولم تجد عُمر، ذلك أصابها بإحباط، حاولت النهوض لتجد بأن النعاس لازال يدغدغ عينيها، فقررت أن تستحم حمامًا باردًا عله يبعث بها النشاط، يجب أن تذهب لزيارة غسق في أسرع وقت.
خرجت وارتدت ملابس الخروج واتجهت الى الباب لتسمع صوت يناديها من الخلف.
- إلى أين سارة؟ تعالى وكلي شيئًا، فأنا أتضور جوعا منذ ساعتين أو أكثر.
دون أن تدري فقزت تتعلق برقبته وتقبله برقة قبل أن تقول:
- اشتقت لك يا عُمري.
رفع حاجبيه ثم خفضهما ببطء:
- كان يجب أن نسافر منذ مده كي أرى كل هذا الشوق في عينيكِ، تعرفين ربما علينا تأجيل الإفطار فهناك وجبة أشهى أرغب في تناولها.
أطلقت ضحكة رائقة وهي تتعلق برقبته:
- حسنًا سأزور غسق لاحقًا.
وضع يده أسفل قدميها ليحملها لغرفة النوم وهو يجيب بخبث:
- بل إلى الغد، فأنا جائع جدًا.
لم تعترض عليه فهي جائعة أكثر منه لجرعة سعادة تستحقها.
****
مر يومين على حديثهما العقيم، لا يصدقها، هي لا تستطيع أن تعيش مع رجل غيره، رغم كل ما حدث منه يثق بحبها له، غسق لا تحبه بل تعشقه، تتنفسه، حسنًا لابد بأنها كلمة في لحظه غضب وآدم حاول استغلالها كالعادة، حسنًا لا بأس فليتركها عدة أيام فهي ستعود إليه مثل كل مرة، متأكد من ذلك.
- ساجي كيف حالك الآن؟
جاءه صوت زهراء ليلتفت لها، لم يتذكرها فورًا، فابتسمت له، مدت يدها وهي تقول مبتسمة:
- زهراء صديقة غسق وآدم هل تذكرني؟
صافحها في احترام وهو يجيب:
- نعم تذكرت أهلًا سيدة زهراء كيف حالك؟
أطلقت ضحكة وهي تكرر كلامه:
- سيدة! لا أذكر آخر شخص أطلق على لقب سيدة، شكرًا لك.
انحنت بحركة مسرحية وهي تمسك بتنورتها، لم يستطع إلا أن يبتسم لها.
اتجها معًا إلى غرفة غسق فقد نُقل الأطفال لها كي تقوم بإرضاعهما بعد أن تحسنت حالتهما.
طرقت الباب ثم فتحت جزء بسيط منه وأدخلت رأسها لتتأكد من أنها محتشمة قبل أن تدلف وساجي خلفها.
وجدت آدم بالداخل يجلس مقابل سرير غسق كذلك ممرضة تقوم بقياس ضغط غسق وتتأكد من صحتها، تجاهلته كالعادة، أما ساجي فقد شعر بأن صعقه كهربائية سرت في جسده عندما رأى آدم يجلس بأريحية مع زوجته وأبنائه، لكنه قرر أن يلبس قناع البرود ولا يظهر شيئًا مما يجول في خاطره.
اقتربت زهراء تسلم على غسق ثم انحنت تقبل الأطفال برقة شديدة:
- يا إلهي كم هما جميلان، لا أصدق، إنهما صغار جدًا مثل الدمى.
فتح تيم عينيه الصغيرتين وتطلع إلى زهراء كأنه يحاول معرفة هويتها، نظرت له زهراء بتركيز ثم اتسعت ابتسامتها، التفتت إلى ساجي تهتف به:
- تعال بسرعة لترى هذا الصغير يا إلهي كم يشبهك، لا أصدق نفس لون العينين حتى الشعر لم أرى في حياتي طفل لديه شعر كثيف شديد السواد هكذا.
شعر آدم بالغضب الشديد، فهو يحاول تجاهل الشبه الشديد بين أطفال غسق وساجي، حتى أنه لم يقم بحمل أي منهما بحجة أنهما صغار جدًا، لكنه قرر انتهاز الفرصة لكي يشاكس زهراء.
اقترب منها وهو يبتسم في مشاكسة:
- يبدوا بأن فرح محقة يجب أن نخاف من عينك قد تحسدين الطفلين.
رغم ضيقها منه لكنها تجاهلته مره أخرى وهي تستأذن من ساجي كي تحمل الأطفال؛ حملت الصغير بعد أن وافق بالطبع وجلست تناغي الصغير بحب ظاهر.
أما غسق فلم يعجبها تصرف زهراء، بأي حق تأخذ الإذن من ساجي، ماذا تعني بتلك الحركة، هل هي تناكف آدم وترغب في إثارة غيرته؟ حسنًا يبدو أن فرح محقة علاقتهما أكبر من مجرد صداقة.
قطع تفكيرها صوت الممرضة وهي تخبرها بأنها أصبحت أفضل ويمكنها الخروج من المستشفى في الغد.
- جيد لقد جهزت بيت صغير لكِ وللأطفال يمكن الانتقال إليه فورًا، فقد نقلت كل أغراضك وأغراض الصغرين له بعد أن سلمت الشقة لصاحبها.
كان ساجي بتحدث بطريقته المعتادة في إلقاء الأوامر دون حتى أخذ رأيها بالأمر، ليس كأنها من ستسكن به مع أطفالها، ازداد الغضب بداخلها وشعرت بأنها ستنفجر بأي لحظة به.
قبل أن تجيبه بالإجابة التي تضعه في مكانه المناسب كان صوت آدم هو من سبقها:
- ومن سمح لك بهذا ساجي؟ غسق خطيبتي وقريبًا سنتزوج، لا نحتاج شيء منك، أنا أكثر من قادر على توفير منزل لها ولي.
لم يخفى على ساجي نبرة التملك في صوت آدم، ولا كونه أسقط ولديه من حديثه كأن لا وجود لهم.
- ومن الذي يجب أن يسمح لي أنت؟ لا أعرف سبب وجودك هنا أنت مجرد شخص تعمل لدي، لديك صلة قرابة بعيدة بزوجتي فقط لا غير، تريدني أن آخذ رأيك في أمر يخص زوجتي وأطفالي!
قاطعه آدم وقد ظهر عرقه نابضًا من شدة الغضب:
- ليست زوجتك لقد طلقتها.
كان صوته عالي أقرب إلى الصراخ مما جعل الصغيرين ينفجران في بكاء حار، جعل غسق تستقيم من فراشها وتتجه إلى تيم تحمله من فراشها وتعود لسريره، ثم قالت من بين أسنانها في غضب بصوت منخفض:
-هلا خفضت صوتك لقد أفزعت الأطفال.
شعر آدم كأنها صفعته بكلامها، خصوصًا أن ابتسامة متشفية ارتسمت على شفتي ساجي، كانت زهراء أول من لاحظ التغير على وجه آدم وعرفت ما أصابه، كم ودت بأن تحتضنه علها تخفف عنه حرج اللحظة لكنها لم تفعل بالطبع.
فُتح الباب بقوة لتدخل تالين تجر عربة بيد واحدة من الواضح أن بها طعام ومن خلفها حكيم يحمل ابنهما.
توجهت ناحية غسق وقد أخذت منها الرضيع تعيده لمهده:
- ضعي عنكِ الطفل الآن واجلسي للتغذي جيدًا، أحضرت لكِ دجاج مسلوق وحلبه مطبوخة تساعدك في در الحليب، كما أحضرت زيت خاص للشعر يجب أن تضعيه على شعرك وتربطيه جيدًا حتى تنتهي من النفاس، هيا لكي تأكلي.
اتسعت عيني غسق وهي تسمع كلامها غير مصدقة، أما ساجي فقد اقترب منها وهو يدنو من وجهها كأنه يتأكد من أنها شقيقته ثم قال وهو يتلمس وجهها ليتأكد بأنها لا تلبس قناع خفي:
- بسم الله الرحمن الرحيم من أنتِ وماذا فعلتي بشقيقتي؟
قلبت عينيها في ضجر:
- هذه أنا ساجي كف عن حركاتك تلك؛ غسق نفساء ويجب أن تتغذي جيدًا لذلك أحضرت الدجاج أما الحلبة فهي تدر الحليب وهي بالكاد ترضع الصغرين.
- فهمنا هذا ماذا عن ذلك المسحوق الغريب وربط الشعر، لم أسمع به في حياتي.
عندما أنجبت الصغير قامت والدة صديقتي من المغرب العربي بوضعها على رأسي لمدة أربعين يوما، قالت بأنها من عادات النفاس عندها لتحمى النفساء من الصداع.
رفع حاجبه ببطء:
- أنجبتِ ونفساء!
تخصرت وهي تجيب في حدة:
- نعم أنجبت كان عُمره ساعات عندما أخذته، لن أسمح لأحد بأن يقول غير ذلك.
كانت تتكلم وهي تصوب يدها نحوه كأنها تهدده، فاحتضنها وقبل رأسها كي لا يزداد غضبها.
- ابنك ونصف وهل قلت غير ذلك كله إلا غضبك تالي.
لطالما كانت تالين الأقرب لساجي، كان دوما يدللها كطفلة صغيرة، حتى عندما قررت الزواج من حكيم وقف معها، وعندما تبين عقمها لم يتكلم عكس والده وسراج لم يهدد زوجها ولم يتدخل في الموضوع أبدًا، ذلك دومًا كان مصدر تساؤل لغسق، والآن عرفت بأنه يعلم بأمر التبني إذن بينهما اتصال وهي لا تدري، منذ متى وهي تعلم عنه شيء من خصوصياته.
- غسق هل أنتِ بخير؟
رفعت نظرها لتطالع تالين وزهراء وهما تتحدثان معها، من الواضح بأنها شردت لبرهة من الزمن:
- أنا بخير أعتذر لم اسمع ما قلتما.
أجابت زهراء وهي تبتسم حاملة أحد الرضع:
- كيف تستطيعين التفرق بينهما؟ابتسمت لها بحب صافي يشع من عينيها:
- هذا الذي تحملينه تيام أما الذي ينام في المهد هو تيم.
عقدت زهراء حاجبيها، بينما أخرجت تالين الطعام ووضعته على الطاولة المخصصة للممرضة وقربته من غسق التي رفضت أن تأكل الدجاج:
- لا أريد تالين لقد عدت نباتية هاتي الحلبة سوف أشربها.
أصرت عليها تالين:
-أي نباتية لقد رأيتك تأكلين خروفًا كاملًا في حملك لا تدعي الآن بأنكِ تقرفين من اللحم.
- لست اقرف ولكنه قرار كنت اتخذته منذ الطفولة، فترة حملي لم أستطع أن أقاوم بسبب الوحم الآن الأمر اختلف، لن آكل لحم هذا قرار.
- اعتبري نفسك لازلتِ حاملًا ، فقد ولدتي مبكرًا هيا غسق يجب أن تتغذي.
كانت تتجادل مع تالين بينما ساجي ينظر لها والألم يزحف إلى قلبه، هل حقًا كانت تأكل اللحم في فترة حملها؟ هو أصلًا لا يعرف سبب تمنعها عن أكل اللحم، كان يعتقد بأنها تكرهه، يا إلهي هناك الكثير لا يعرفه عنها، لا بأس لديه كل العُمر ليفعل ذلك.
تدخلت زهراء لتقطع الحوار العقيم بين غسق وتالين:
- حسنًا لم تجيبي كيف تستطيعين التفرقة بينهما؟
هزت كتفيها وقالت ببساطة:
- تيام لديه عيني أمي بنفس الزرقة، أما تيم أخذ عيني ساجي هذا الفرق بينهما.
هل هناك شيء مؤلم أكثر قد تتفوه به، لم يقدر على التحمل فاندفع خارج الغرفة دون حتى أن يودع أحد، الوحيدة التي كانت تتابعه بقلبها قبل عينيها هي زهراء، لذلك وضعت الصغير واستأذنت تركض خلفه.
لم يبتعد كثيرًا عندما خرجت هي، فقد دخلت المصعد معه، لم يحتج أن يقول ما شعر به، كل شيء واضح على ملامحه.
أخذت نفسًا وقررت أن تتكلم معه برغم قرارها السابق بمقاطعته:
- إذا أردت أن تكمل مع غسق يجب أن تتقبل أطفالها من ساجي قبل أن تتقبلها هي، وإلا أتركها من الآن.
لم تترك له الفرصة كي يجيب اندفعت خارج المصعد بمجرد أن فُتح وتركته يزن كلامها في رأسه.
أما في غرقة غسق، ابتسم ساجي ملأ شدقيه وجلس يداعب ابن تالين ويتحدث مع زوجها تارة، بينما تالين تحاول جعل غسق تأكل الدجاج.
قام ساجي يقترب من سرير غسق بعد ان أعطى الصغير لحكيم:
- تالين أخبرني حكيم بأنكما ستنتقلان هنا قريبًا؟
- نعم لقد تقدم بطلب النقل بعد أن عرف بحمل غسق والآن جاءت الموافقة بعد اسبوعين سيتم انتقالنا.
- لا داعي لذلك أخبرت حكيم بأن غسق ستعود معي للبلاد بعد أن ننتهي من بعض مشاكل العمل ربما شهرين أو ثلاثة.
كان يتحدث عنها وكأنها ليست موجودة، قرر ونفذ لا يهم موافقتها، هو حتى لم يطلب منها الرجوع له، إلى هذه الدرجة هي رخيصة لديه، رأيها لا يهم، هو واثق بأنها ستنفذ، بل ويطلب من شقيقته بأن لا تتعب نفسها وتبقى مكانها يا له من متبجح حسنًا فليرى الآن من هي غسق الحقيقية.
- من قال أني سأعود للوطن، يجب أن أسأل آدم أولًا.
التفت لها في غضب:
- وما دخل آدم في الموضوع، غسق لم أحاسبك على كلامك لأنكِ كنتِ منفعلة، أما آدم هذا سوف تقطعين علاقتك به تمامًا، حتى العمل لا دخل له به.
عقدت ذراعيها وهي تنظر له بتحدي:
- يمكنك سحب العمل منه فأنت المالك قبل كل شيء أما علاقتي به فلن تنقطع بالعكس.
قاطعها وهو يمسك يدها:
- ماذا تعنين؟
- أعني بأني اتفقت معه قبل أن تأتي اليوم بأن نهاية الاسبوع سيكون عقد قراني عليه.*****
يتبع