الفصل الرابع والعشرين
لا تصدق ما قاله المحامي، حقًا ستخرج من السجن دون محاكمة؟
أخبرها أن الأدلة ضدها أصبحت معدومة، كما أنها ضعيفة فلا توجد بصمات لها على زر تشغيل المضخة؛ لحسن حظها أن بصمات البواب فقط هي الموجودة وجزء من بصمة لم يستطيعوا مطابقته معها؛ كما أن الانهيار الذي حدث لشقيقها منعه من الحضور للنيابة واحضار ابنته للشهادة، أما شقيقتها فقد سافرت مع زوجها وابنها المتبقي إلى العمرة، بذلك لا يوجد شهود عليها، بالطبع أولادها لن يشهدوا بأمر من وسام، فقط عليها أن توقع بعض الأوراق أولًا، وتستمر في عدم إجابتها على أسئلة المحقق، نفذت ما طلبه منها بالحرف، فعلًا خرجت من سرايا النيابة لعدم كفاية الأدلة.
خرجت تبحت عن وسام كي يقلها إلى المنزل لكنها لم تجد أحدًا في انتظارها، استقلت سيارة أجرة وذهبت إلى شقتها، لم يكن معها مال فطلبت من البواب أن يحاسب بدلًا منها؛ فتحت الباب بحذر، رغم فرحتها بخروجها من السجن إلا أنها تعرف جيدًا ما ينتظرها، خطوة واحدة داخل الشقة لتسمع صوت وسام ينادي عليها لتدخل لغرفتهما، أسرعت إليه دون أن تتفقد أولادها أو حتى تتأكد من وجودهم في المنزل، رغم أنها كانت طوال الطريق غاضب منه لأنه تركها ولم يزرها ولا مرة واحدة طوال فترة سجنها، كما أنه لم ينتظرها ليعديها للمنزل، لكنها كعادتها نسيت كل ما فعله بها بمجرد سماع صوته،
دخلت إلى الغرفة تبحت عنه وبمجرد أن رأته رمت نفسها في حضنه.
نزلت دموعها وهي تتعلق به وتمطر وجهه بالقبلات بين كلماتها المعتذرة له:
- اشتقت لك كثيرًا وسام، يا إلهي كنت أموت كل يوم من فكرة أني لن أعيش بقربك لسنوات، لدرجة أني قررت الانتحار إذا حُكِم عليَّ.
يعرف بأنه مسيطر عليها تمامًا وأنها رهن إشارته؛ متأكد من أنه نجح في غسل دماغها وعزلها عن الكل، واثق من أنها تخشاه ولا تجرؤ على مخالفة أوامره، لكن بعد خطئها الأخير شك في ذلك، فهي ضربت بخطته عرض الحائط، كما أن وجودها في السجن لمدة ليست قصيرة يمكن أن يغير تفكيرها ويجعلها متمردة؛ لذلك حرص على أن توقع على جميع المستندات قبل خروجها في حال تمردت عليَّه، ما يراه الآن منها يدل على أنها خاضعه كليًا، لن تتجرأ وتخالفه مرة أخرى.
بابتسامة شيطانية أبعدها عنه وهو يقول:
- اشتقت لكِ أيضًا.
مال على شفتيها ليقبلها بقسوة ويغرقها في عالم المتعة الذي تعشقه، هذه المرة أطال المدة وجعلها تشعر بالنشوة عكس المرات السابقة، فهو لم يكن يوصلها للنشوة إلا بصعوبة وكثيرًا ما حرمها منها كأسلوب للعقاب؛ لكنه يحتاجها في مهمة كبيرة ليحسن صورته في المنظمة وهي كبش الفداء طبعًا.
*********
في غرفة مظلمة إلا من ضوء خاص بتحميض الصور؛ فتح آدم الباب ودخل بسرعة حتى لا يفسد الصور أو يسمع تقريعه بأذنيه من زهراء.
- زهراء الرافدين اشتقت لكِ كثيرًا متى عدتِ.
- لم تلتفت له رغم معرفتها بهويته عند دخوله؛ بصوت عملي جدًا:
- آدم، أخبرتك مليون مرة لا تفتح الباب وأنا داخل الغرفة، لماذا لم تنتظرني بالخارج؟
- وضع يده على صدره بحركة تمثيلية:
- كسرتِ قلبي المشتاق لكِ، وأنا الذي وقفت ساعتين انتظر لأحصل على كعككِ المفضل؛ أهذا يكون جزائي؟
- التفت إليه فورًا وعيناها تلمعان رغم الاضاءة الخافتة:
- بأي نكهة أحضرته؟
- ابتسم في مرح لتزداد وسامته:
- بنكهتكِ المفضلة، كما أني حضرت قهوتك.
علقت الصور التي انتهت منها وخرجت مسرعة لتأكل كعكها المفضل؛ جلس آدم في الكرسي المقابل لها يشاهدها تأكل بنهم، ماذا دهاه مؤخرًا أصبح يستمتع برؤية النساء وهن يأكلن، بداية بغسق وها هي الآن زهراء، زهراء الرافدين كما يطلق عليها، تعرف عليها تزامنًا بوقت معرفته بغسق؛ كانت ضمن الطلاب العرب في جامعة غسق، اختصاص تصوير، رغم أنها تعرف غسق من قبل فقد صادف أن درست معها في المدرسة، قبل انتقال غسق للوطن، لكنها تختلف عنها كليًا؛ زهراء جامحة، تعشق الحرية، ، تخصص تصوير فوتوغرافي ورغم أنه بات غير مرغوب بسبب انتشار الهواتف ذات الكاميرات الحديثة، لكنها نجحت فيه، صورها نالت جوائز كثيرة جدًا، واسمها أصبح شهير في عالم التصوير، كما أنها تلتقط صور في منتهى الروعة تكاد تكون غير حقيقية من جمالها؛ هذا لا يتعارض مع كونها سافرت لأماكن الحروب والتقطت صور يشق القلب من بؤسها، وفضحت الوجه الحقيقي للحرب.
- في ماذا شردت؟
قاطع صوتها ذكرياته.
- شردت فيكِ يا مهرة لم يقدر أحد على كبح لجامها.
رفعت حاجبها في استهزاء:
- هل تغازلني سيد آدم، أم أن رجوع غسق جعل منك شاعر؟
تهللت أساريره عند ذكرها لغسق:
- لن تصدقي ما حدث لقد وافقت على عرضي، سنتزوج بعد ولادتها مباشرةً.
تحفزت في جلستها غير مصدقة لكلامه:
- وافقت! لا أصدق أخبرني ما حدث بالتفصيل.
قص عليها ما قالته له غسق مع بعض الإضافات، كنبرة صوتها أو نظرتها الخجولة.
مرت دقائق قبل أن تجيبه:
- آدم هي لم تقبل بعرضك، هي فقط قالت ستفكر به، لا تعطي نفسك أملا كاذبًا؛
بهدوء سحبت نفسًا وزفرته لتخفف من حدة كلامها:
- أعرف غسق منذ أيام المدرسة، لن تقبل بأن ترتبط بك وهي لازالت باسم غيرك.
تغيرت ملامح وجهه فأسرعت:
- هي لاتزال في شهور العدة، كما أنه ستنجب من ساجي، كل ذلك يعتبر رابط مقدس لها، نصيحه لا تضغط عليها إذا كنت فعلًا تحبها وإلا ستنفر منك وتلغيك من حياتها.
رغم اشتغال الغضب بداخله، لكنه يعرف بأنها على حق؛ لا يهم ما تعتقد زهراء أو غيرها، لن يتراجع الآن، فقط شهور قليلة وتكون مُلكًا له.
شعرت بما يعتمر بعقله، وقفت واقتربت منه تربت على كتفه في حنان، العلاقة بينهما معقده، من يراهما من الخارج يقسم بأنهما عاشقان، لكن علاقتهما أسمى من ذلك، لا أحد يفهم آدم غيرها، ولا أحد يشعرها بالانتماء إلا هو، آدم اختصار لكل الرجال بالنسبة لها وهي ملاذه الآمن.
- لا تغضب مني، لا أقصد أن أثنيك عن مبتغاك أو أقلل فرحتك، أتمنى من كل قلبي أن تجتمع مع من يحب قلبك.
أمسك يدها يقبلها:
- لست غاضبًا منكِ زهرتي، من يغضب من توأم روحه، فقط كنت متحمسًا كثيرًا.
سحبت يدها في حرج:
- توقف عن التحرش بي وإلا سأقوم بمقاضاتك وفضحك.
ضحك بصوت عالي:
- ماذا أفعل؟ أحبك وأحب أن أتحرش بكِ زهرتي، يكفي شعرك الغجري، وعيناكِ الكبيرتان، يا إلهي لا أستطيع أن أمسك لساني أمامكِ.
بتحذير:
- آدم.
رفع يديه في استسلام:
- حسنًا لن أقول كلمة أخرى، هيا أريني صوركِ الجديدة عزيزتي.
هزت رأسها في يأس، فهو لن يتوقف عن المغازلات وهي تحب ذلك رغم اعتراضها الظاهري، جلبت له الصور ليراها وينبهر بها، بالنسبة لها إعجابه بصورها واطرائه عليها أهم من أي جائزة نالتها في حياتها.
************
لم تستطع إغماض عينيها أو النوم منذ حديثها مع ساجي، بقيت تتقلب طوال الليل في فراشها دون أن تغفو، لذلك قررت أن تذهب للمعالجة فور شروق الشمس، وقفت تنظرها أمام عيادتها، قبل أن تفتحها حتى، عندما حضرت السكرتيرة أدخلتها لتنتظر في الداخل، لا تعرف إذا كانت ستسمح لها بلقائها دون موعد، لكنها ستنتظر، يجب أن تتحدث معها.
بصوت متفاجئ:
- سابين! ماذا تفعلين هنا مبكرًا؟ هل أنتِ بخير؟
وقفت سابين وهي تتوسل:
- أنا متعبه جدًا أحتاج للحديث معكِ من فضلك.
نظرت إلى ساعتها:
- حسنًا لديَّ ساعة متفرغة قبل أول مريض، جئت مبكرًا لكي أنتهي من تحضير بعض الأوراق الخاصة برسالة الدكتوراه، لكنكِ أولى بذلك الوقت.
دون أن تجيب دخلت إلى المكتب مسرعة، كأنها تريد الهرب من الذي فعلته، جلست المعالجة خلف المكتب فهي لم تجهز شيء للجلسة، أخرجت المذكرة تتصفحها بسرعه، ثم قالت لها دون أن ترفع وجهها لها:
- ماذا حدث؟ لماذا أنتِ شاحبة الوجه بتلك الطريقة؟
ازدرت ريقها وفركت يديها في حركة هستيرية:
- وشيت بروبين ولا أعرف إذا كان هذا صح أو خطأ.
وضعت رأسها بين يديها وهي تهتف:
- يا إلهي أشعر بأني حقيرة جدًا.
- اهدئي وأخبريني ماذا حدث بالضبط؟
أخبرتها باختصار عن طلب ساجي وكيف أعطته المعلومات التي يريدها.
- لماذا أنتِ غاضبة الآن؟ أعتقد بأنك رغبتِ في المساعدة لسبب، وليس خوفًا من ساجي أو محاولة رد الجميل له؟ هل أنا محقة؟
تهربت من نظرتها، دون أن تجيب.
اقتربت المعالجة منها، فهي رغم عملها إلا أن شكلها لا يعطي انطباع بأنها معالجة فهي شابة صغيرة قد تكون أصغر منها في العُمر، وجهها البشوش هو الذي حثها على المتابعة معها.
- سابين أنتِ لم تخبريني ماذا حدث مع صديقك السابق؟ ذلك الذي أفقدك عذريتك.
تحفزت كل خليه في جسد سابين ولم يخفي ذلك عليها بالطبع لكنها أجابت رغمًا عن
ذلك:
- رغم أنني قطعت علاقتي مع جو، لكنه ظل يرسل لي الزهور والشكولاتة، مع كلمات حب تذيب الجليد، فقررت أن أعطيه فرصة بشرط أن لا يحدث بيننا شيء؛ فعلًا لم يحاول أن يتجاوز معي أبدًا بعدها وخرجنا بمفردنا عدة مرات وكان دائمًا مهذب، حتى أن روبي سخرت مني، وقالت بأنه سيملني قريبًا، يومها تشاجرت معها، أخبرتها بأني لست عاهرة كي أسلم نفسي له، إذا مل مني فليذهب إلى الجحيم.
لم تستطع أن تكمل فقد كان صدرها يعلو ويهبط بسرعة وكأنها تعدو في مارثون جري.
- حسنًا ماذا حدث بعدها؟
- لم تغضب مني روبي إذا كان ذلك هو سؤالك، بالعكس، هي تفهمتني وأخبرتني بأنها لن تضغط عليَّ بعد ذلك، فعلًا لم تفتح الموضوع أبدًا، بعدها اخبرتني بانها ستقيم عيد ميلادها بأحد الفنادق الكبيرة، تسللت يومها من السكن الداخلي وذهبت معها، هناك وجدت جو مع الكثير من أصدقائها، كانت حفلة صاخبة، استمتعت كثيرًا ثم شعرت بدوار فضيع لم أكن أستطيع أن أتكلم أو أتحرك بإرادتي، سحبني جو إلى إحدى الغرف وقام باغتصابي.
عند هذه النقطة انفجرت بنحيب شديد؛ تركتها المعالجة دون تدخل، من الواضح بأنها أول مره تفعلها، وتعترف بما حدث لها، بعد مدة ليست قصيرة أكملت سابين:
- لم أستطع المقاومة بسبب المخدر الذي وضعه في مشروبي، هذا ما أخبروني به في المستشفى، فقد وجدتني عاملة النظافة وقامت بطلب المساعدة.
- هل قبضوا عليه، أعني أن تلك جريمة في فرنسا خصوصًا أنكِ ذهبتي للمشفى؟
نكست رأسها في خزي:
- لم أبلغ عنه؛ خفت من أهلي، خصوصًا وأن روبين أخبرتني بأنها لن تشهد معي لأن جو صديق حبيبها وقتها، فضلت السكوت، هذا خطئي لماذا يدفع أهلي الثمن؟
اقتربت منها المعالجة وهي تناولها كوبًا من الماء:
- سابين لست مخطئة، هو قام باستغلالك، كذلك فعلت روبي لو كانت صديقتك فعلًا كانت وقفت بصفك.