الفصل الثاني والثلاثين

511 19 10
                                    

الفصل الثاني والثلاثون
انتهت أيام العزاء بهدوء، حضر وسام بصفته المسؤول عن التوزيع في مصنع القاسم؛ تلك الوظيفة كان قد احتلها منذ مدة ليست طويلة بغرض معين؛ تدمير سمعة المصنع وبالتالي الشركة لصالح منافسين دفعوا مبالغ كبيرة للاستحواذ على السوق، فعلها كثيرًا وكانت دائمًا بالنسبة له صفقات مربحة دون أن يلوث يدية بشيء إلا هذه المرة، فقد طالت المدة وتشعبت الخيوط  حتى كادت تفلت منه كل ذلك بسبب روبين، تخاذلها جعلهُ يحِد عن الهدف الأصلي ليلتهي بمشاكل فرعية هي المتسبب الأول بها، بالإضافة لمشكلة سما التي كادت أن تقضِي عليه شخصيًا؛ المنظمة لا تمزح عند فضح أحد أعضائها يتم تصفيته فورًا، عليه أن ينهي المسألة في أسرع وقت ويعزز مكانته في المنظمة.
قام بتعزية الجميع بما فيهم روبين التي رمقته بنظرات نارية تجاهها وهو يقدم التعازي الحارة إلى ساجي الذي لم يعرفه وقد ظهر ذلك على وجهه فسارع للتعريف بنفسه.
شد على يده وهو يقول بفخر شديد:
- وسام السايح مسؤول التوزيع في مصنع القاسم كما أني قريب لزوجتك، أقصد السابقة غسق الديب فهي ابنة خال زوجتي.
تنبه عقل ساجي فور نطقه بتلك الكلمات وربط الخيوط معًا، لمعت عينيه بوميض غامض لكنه حاول عدم إظهار أي من ما يدور بداخله:
- آه تشرفنا.
ترك يده وتابع تلقي العزاء، نبرته الباردة أحبطت وسام لكنه لم يخفى عليه تلك اللمعة في عينِيه لا بد أنه يفكر في إرث غسق خصوصًا مع تراكم المشاكل القانونية وبالتالي المالية على مجموعة القاسم، ليصبر عليه حتى ينضج وبعدها ينقض ليأخذ وليمته.
************
في منزل غسق تم تجهيز كل الطعام والزينة ليكون حفلًا صغيرًا بمناسبة عودة تيام للمنزل، حضر كلًا من سارة وعمر وتالين وحكيم اللذان انتقلا لمدينة غسق رسميًا بسرعة أكبر من المتوقعة وبالطبع آدم ولم تغيب زهراء كذلك، فقد واظبت على زيارة غسق في المستشفى وتزوديها بالكلمات المحفزة، صحيح إنهما لم تتعمق في صداقتها معها ولا ترغب في ذلك سواء الآن أو مستقبلًا لكنها دعتها من باب المجاملة.
تالين كانت الأكثر سعادة وهي تحمل تيم تارة و تيام تارة أخرى، تتبادلهما مع سارة التي لا تقل سعادتها عنها، أما غسق فقد تولت أمر ضيافة الجميع بعد أن جهزت الأكل وقامت بوضعه فوق طاولة المطبخ الرخامية الواسعة، طلبت منهم أن يتقدموا للطعام بعد أن أنهت لمساتها تقدم الجميع على رأسهم آدم وخلفه زهراء التي استمرت في تجاهُله كأنهُ غريب بالنسبة لها فقط تحية باردة أمام الجميع.
رفعت سارة حاجبيها وهي تمسح الطاولة بنظرها لتقيم الأكل ثم قالت:
- أولًا سلِمت يديك رغم إني متأكدة بأنكِ لم تطبخي شيئًا من تلك الوليمة لكن منظر التزيين رائع وشهي جدًا لكن أعتقد بأنكِ نسيتِ الطبق الرئيسي أو المطعم الذي طلبت منه لم يرسله بعد.
نظرت لها غسق في بلاهة بعد أن تأكدت من الأطباق التي رصتها فوق الطاولة:
- لا كل شيء هنا لم أنسى شيئًا.
- أين اللحم أنا لا أراه؟
تنهدت وأغلقت عينيها وهي تقول في قلة حيلة:
- لا يوحد لحم بعد اليوم لقد عدت لطبيعتي.
عقدت حاجبيها وضيقت بين عينيها:
- طبيعتك! متى تحولتِ من آكلات اللحوم للأعشاب بالضبط، حسب ذاكرتِي المتواضعة لم تترك مطعم  يبيع اللحوم إلا وهجمتِ عليه.
شعرت بالإحراج واحمرت وجنتيها  خجلًا من كلام سارة لكنها ادعت عدم المبالاة وهي تغرف لنفسها طبقًا:
- لطالما كُنت نباتية منذ صغري فقط وقت حملي اضطررت لأكل اللحوم بسبب الوحم، بما أن السبب زال وأنجبت قررت أن أعود لطبيعتي قبل الحمل.
كانت زهراء هي من ردت هذه المرة بنبرة استغراب:
- تعني منذ كنتِ في المدرسة! لم أكن أعرف لا أذكر بأنك كنتِ ضمن نادي للنباتيين أو شاركتِ في إحدى مظاهراتهم أبدًا.
لاحظت بأن أنظار الجميع مسلطة عليها لكنها أجابت بهدوء وهي تهز كتفيها:
- هذا لأني لم أكن عضوة في أي نادي ولم أرغب في المشاركة في المظاهرات فأنا لا أحب المشاكل خصوصًا العلانية منها.
- أحيانًا  علينا أن نحارب علنيًا من أجل ما نؤمن به.
ألقت زهراء جملتها بتلقائية شديدة ربما لم تكن تعنِي شيء بعينه، لكن غسق شعرت بأنها رسالة موجهة لها خصيصًا.
انتهى الجميع من الأكل وجلسوا يحتسون القهوة في الصالة أما غسق فقد وضعت أطفالها في غرفتهما بعد أن قامت بإرضاعهما ثم نزلت تكمل السهرة مع الباقي.
سألتها سارة في قلق:
- ألا تخافين عليهما أعني كيف ستعرفين إذا أفاق أحدهم وأنتِ هنا؟
ارتشفت من قهوتها الساخنة ثم أجابت:
- هل نسيت كاميرا المراقبة للأطفال التي اشتريناها؟ هي تعمل بالاستشعار ثم إن المنزل مزود بكاميرات مراقبة هنا وفي غرفة الأطفال كي أستطِيع أن أطمئن عليهما دائمًا، هلا كففتِ أنتِ وتالين على لعب دور الجدة وانتقاد كل شيء أقوم به.
قالت تالين وسارة في نفس واحد:
- أنا!
- لا خيالي، أعرف بأني جاهلة بالكثير من الأمور والوضع ليس سهلًا فلا تزيدوا الوضع سوءًا  عليَّ من فضلكما.
مطت تالين شفتيها:
- حسنًا أيتها الأم المتمكنة متى تّتكرمين وتتنازلين وتسمحين لي بأن أرسل صور الطفلين لوالدهما، لا يكفي بأنكِ لا تردين على اتصالاته، إنهُ والدهم لا يمكنك حرمانه منهما..
قاطعتها وقد تغيرت نبرتها الهادئة تلك التي لازمتها طوال الليلة لأخرى حانقة بشدة وقد برز عرق في جبهتها يدل على مدى غضبها:
- والدهما! هل تمزحين أي أب  يترك طفله في الحضان حالته غير مستقرة ويذهب جريًا ليلحق بعزاء والد زوجته الأخرى اعذريني أعني الوحيدة فأنا لم أعد زوجته منذ زمن، والآن بعد أن أنهى واجبه وتأكد بأنها بخير تذكر بأن له أطفال! لا عزيزتي لا تحاولي الضغط عليَّ بهذه الورقة أبدًا كنت دائمًا متساهلة في حق نفسي أما ولداي لا، ما دام لا يضعهما ضمن أول أولوياته إذن لن يكونا في حياته أبدًا.
كان صدرها يعلو ويهبط بطريقة ملحوظة وقد زادت ضربات قلبها وشعرت بألم يسري في يدها اليسرى تلك التي تأثرت سابقًا في بداية حملها لكنها لم تشاء أن تظهر ذلك أمام أحد من الموجودين.
لم تنطق تالين بحرف فقد شحب وجهِها فأمسك حكيم بيدها يدلكها ويبعث فيها نوعًا من الطمأنينة، أما سارة فقد قالت في محاولة لتغير الأجواء المشحونة:
- سوف نتقاسم الأيام أنا وتالين حيث تحضر واحدة منا كل يوم لتلعب مع الأطفال وتساعدك بالطبع.
حاولت بأن تجعل نبرتها مرحة كي لا تستفز غسق أكثر، فغسق منذ ولادتها أصبحت غير تلك التي عرفتها سابقًا، لم تعد هادئة مسالمة مثل حمامة سلام بل أقرب لنمرة مفترسة تنتظر من يحاول الاقتراب منها لتنقض عليه.
وقفت زهراء وقد تخصرت وهي تقول:
- وماذا عني؟ أنا أيضًا أريد أن آخذ يوم معكم، أحب الأطفال ولم ألعب مع توائم من قبل كما إنهما شهيان جدًا لا أمل من خديهما الممتلئان لقد زاد وزنهما وأصبحت فخذيهما رائعةً للقرص.
ارتفع حاجبي تالين في دهشة لتقول في جدية:
- قرص من؟! إذا فعلتها أنا من سيبلغ عنك شرطة حماية الأطفال
تدخل آدم للدفاع عن زهراء فربما كسب نقطة عندها:
- لا تأخذي كلامها بطريقة خاطئة، زهراء خبيرة في الأطفال هي من تساعدني في تربية دودي صدقيني لولاها لما استطعت التواصل والتقرب منه فهي أقرب له مني بل هي في مكانة والدته.
مال عُمر عليه وهو يهمس في أذنه:
- سكَتْ دهرًا ونطقت كُفرًا.
لم يفهم آدم قصده فظل ينظر له في بلاهة أما زهراء فقد استأذنت بهدوء فقد فهمت مغزى كلام آدم جيدًا، ذهب الجميع لمنازلهم وكانت سارة آخِر من غادر، لم تشأ أن تتركها وهي غاضبة استطاعت إخراجها من مزاجها السيء بأن قصت عليها القليل من قضية خالها وما حدث عندما عادت للوطن، لم تسألها غسق إذا كانت هي أيضًا ضحية له، في الحقيقة هي لم تحتاج للسؤال فقد ربطت الأحداث في عقلها دون أن تظهر شيء لها؛ بعد مغادرة سارة وعُمر بقت غسق تفكر فيها، لا تتخيل المعاناة التي عاشتها بل لا زالت تعيشها وقد فُتح جُرحها من جديد، لِأول مرة تشعر بأن هناك من عانى أكثر منها مؤخرًا اعتقدت بأن حياتها كانت الأسوأ خصوصًا بعد زواج ساجي وما جره خلفه، لم تفكر إلا بالسلبيات فقط رغم أنها طوال فترة إقامتها في منزل جدها كانت راضية بل ممتنة لما لديها فهو أفضل من العيش مع عائلة غريبة، جعلت الغضب يتملك منها ونسيت فضل الله عليها فقد حماها من الأذى ليس فقط في طفولتها، بل حتى عندما كبرت ذلك الوغد الذي كان يلاحقها دائمًا ويسمعها كلامًا وقحًا بطريقة مبطنة، لم تجرؤ يومًا على إخبار أحد عنه خاصة ساجي، ارتسمت ابتسامة هازئة على شفتيها وهي تتذكر سفره بسرعة وتركه لها ولطفليه كي يكون بجانب حبيبة قلبه، فعلًا المواقف هي من تفضح مشاعر الشخص أمامك، ساجي لم يعد له رصيد كي تسامحه مرة أخرى.
نبهها جهاز الأطفال الموصل بكاميرا في غرفتهما بأن أحد طفليها قد أفاق والآخر سيتبعه بعد ثواني كالعادة، أسرعت لهما من الواضح بأن ليلتها قد بدأت للتو.
*****
بعد عدة أيام في منزل تالين أغلقت الهاتف وهي غاضبة بعد مكالمتها مع شقيقها فاقترب منها حكيم يدلك كتفها وهو يقول بحنان مغوي:
- ماذا هناك حبيبتي لماذا أنتِ غاضبة؟ ألن تكفِ عن محاولاتك تلك وتدعِي كل شخص يفعل ما يريد؟!
عقدت حاجبيها وهي تقول بنفس الغضب:
- كيف تريدنِي أن لا أتدخل بالله عليك؟ غسق ترفض أن تجيب على مكالمات ساجي
وتمنعني  من إرسال صور الطفلان له، هو يرفض أن يتنازل ويأتي ليصالحها أو يحل الموقف وأنا في المنتصف، لا أستطِيع أن آخذ صف أحد منهما مع أني أرى بأن غسق محقة، مهما كان حب ساجي لزوجته كان عليه الانتظار حتى يخرج ابنه من الحضان على الأقل.
تنهدت وهي تتابع بحزن:
- لم تسمع ماذا قال لها قبل سفره! لو كنت مكانها لقتلتك!
ارتفع حاجبيه في دهشة وقد توقف عن تدليكها:
- وما ذنبِي أنا! شقيقك من تزوج عليها وتركها لماذا تريدين قتلي؟
رفعت حاجبها وعقدت ذراعيها:
- أنتم الرجال كلكم مثل بعض لو أتتك الفرصة ستعود لحبيبتك الأولى.
ابتسم بطريقة خلابة ومال يقبل رقبتها برقة أشعلت عينيها بالرغبة، استمر في تقبيل رقبتها وهو يقول بين قُبلاته:
- أنتِ هي حبيبتي الأولى والوحيدة أنتِ من سهرت الليالي أحلم بضمها بين ذراعي، أنت من أردت  أن...
كان قد جردها من قميصها القطني وهو يتابع تقبيل رقبتها نزولًا لظهرها، هتفت به تمنعه من متابعه حديثة الوقح وقد التفت له:
- اشش قد يسمعنا أحد.
ضحك ورفع حاجبيه ببطء وهو يمسك وجهها بين كفيه وقد رأى الرغبة متجلية في عينيها:
- كنت سأقول  أحضر معها مباريات كرة القدم لكن من الواضح أن لكِ رأي آخر.
ضربته في صدره وقامت من مكانها تبتعد عنه في حنق  فلحقها وهو يُقهقه لتلتفت له وقد وصلت للغرفة:
- ستنام الليلة في الصالة سيد حكيم حتى تشاهد المباراة كيفما شئت.
أغلقت الباب بالمفتاح، وقف أمام الغرفة وقد صُدم من ردة فعلها، دق على الباب عدة مرات لكنها لم تجب بل لم تعطيه حتى غطاء، ليس هذا ما كان يخطط أن تنتهى عليه الليلة، عبس وهو يشتم بصوت مسموع لكنها لم تهتم ولم تفتح له الباب.
********
واظبت سابين على جلساتها مع المعالجة النفسية مما جعل ثقتها في نفسها أفضل، واستطاعت أن تغفر لنفسها ذلتها، لكن ما يقلقها هو المشاعر التي ولدت لديها تجاه إياد، ما أخافها بشدة ليس أنه شقيق فرح التي كادت أن تغوص في علاقة محرمة مع زوجها بل الأكثر هو أنه يعتبر زير نساء!
إياد عكس سراج وساجي تمامًا له علاقات نسائية متعددة ومعروفه للكل، صحيح بأنه ليس بدناءة مروان فهو لم يقم علاقة مع امرأة متزوجة أو مرتبطة، لكن ذلك لن يمحي حقيقته، رجل مثله كيف سيقبل بها بكل ماضيها؟ هل يريد التسلية فقط! كل ما رأته منه في المدة الماضية يدل على عكس ذلك، هو نفسه صارحها في رغبته بالزواج منها وهذا ما جعلها متذبذبة لا تعرف ربما يريد فقط الانتقام لأخته بطريقة أو أخرى، ليست متأكدة من صدق نواياه.
- حسنًا سابين أعتقد أن جزء منك يصدق رغبته بالارتباط بكِ، وإلا كنتِ رفضتِ العرض من البداية، مجيئك لي اليوم كي أخبرك ماذا تفعلين صح؟
هزت سابين رأسها في إيجاب فتابعت المعالجة بنفس الصوت الهادئ الذي يبعث في النفس الاطمئنان:
- لا أنا ولا غيري يستطيع اعطائك الجواب السحري، أنتِ من يجب أن تبحثِ عنه في داخلك، في النهاية وحدك من يتحمل تبعيات قرارك سواء بالرفض أو بالإيجاب.
زفرت في يأس:
- أعرف ذلك لكن جزء مني يريد القبول، ارتاح معه لن أقول حبٌ جارف لكنِ أشعر بالطمأنينة قلبي يسعد لذكر اسمه، لا أمانع قضاء الوقت معه استمع له يتحدث في أمور لا أفقه فيها شيئًا لساعات على الهاتف، الأمر جديد عليَّ أنا لست مبهورة به مثل ما كنت مبهورة بسراج، ولا سعيدة بغزله الذي بالمناسبة لا أسمع منه شيء مثل جو، العلاقة غريبه أشعر بأني مع... لا أعرف كيف أشرح لكِ.
ابتسمت المعالجة وقد وضعت خصلة شعر خلف أذنها  وأعادت ضفيرتها للخلف، ضفيرة! لا تصدق بأن معالجة على وشك بأن تحصل على درجة الدكتوراه تجدل شعرها على شكل ضفيرة!:
-علاقه روحية كأنه توأم روحك؟
نظرت لها سابين وقد فغرت فمها من التشبيه الذي بدًا قريبًا جدًا لما تشعر به لكنها أبت أن تؤكد ذلك.
خرجت من العيادة لتجد إياد في انتظارها وقد علت وجهه ملامح صارمة:
- سابين جهزي نفسك غدًا سنسافر.
هذا كل ما قاله دون حتى أن يعطيها أي تبرير عن صفتها كمرافقة له أو حتى المكان الذي من المفترض أن يسافرا له.
*******
مضت ثلاث أشهر منذ عودته وهو يحاول طول هذه المدة أن يجد حل أو يؤجل أمر القبض على سراج دون فائدة، فقد تم فعلًا القبض على سراج منذ شهر تقريبًا استطاع بعد جهد كبير استخراج أمر بعدم النشر كما جعل كل من يعمل معه في قسم الكمبيوتر أن يمنع بأي طريقة نزول الخبر على صفحات الإنترنت، تم الحجز على المصنع ومنزل المزرعة بما أنه يضم حظيرة كبيرة تتبع المصنع، كما تم التحفظ على معظم أموالهم في البنوك، لا يعرف كيف تم تحريك الأمر ضدهم بهذه السرعة!
المحامي أكد له بأن هناك يد عليا وراء أمر القبض يكاد يقسم بأن روبين وراء الأمر، لكن انكسارها منذ وفاة والدها يجعله يتراجع في ذلك، هي فعلًا منهارة تستيقظ معظم الليالي تصرخ باسم والدها لدرجة جعلته ينام بقربها حتى لا تخاف أثناء نومها وتعود لها الكوابيس المزعجة رغم أن الطريقة ليست ناجحة تمامًا لكن استمر في ذلك خصوصًا بعد انتقال جميع أفراد عائلته للعاصمة في المنزل الذي قام بتأجيره مؤخرًا، كذلك غسق التي ترفض التواصل معه تمامًا بل حتى ترفض ارسال صور طفليه له، اللعنة منذ متى وهي بذلك العند؟ لقد توقفت عن مشاركة صورها على حسابها الخاص منذ الولادة؛ فهي تعرف بأنه يراقبه! حسنًا لينتهي من هذه المشكلة وبعدها سيحل مشكلته معها.
رفع سماعه الهاتف ليتصل بإياد الذي أجابه فورًا:
- يجب أن تسافر لغسق و..
أغلق إياد الهاتف بعد أن استمع لساجي وقام بحجز تذكرتين سفر فورًا، من يعرف قد تكون هذه إشارة لن يخبر احد بما  أنتوى فعله بعد أن يعود من مهمته سيكون لكل حادثٍ حديث.
*******
مرت  الشهور وغسق في نفس الروتين تقريبًا، رعاية توأم ليست بالأمر الهين أبدًا صحيح أن وجود مربية ساعدها كثيرًا وخفف الضغط عليها للنصف أو أكثر، لكنها تصر على أن تقوم بمعظم الأشياء لهما مثل الاستحمام والرضاعة وحتى تغيير الحفاضات، أما وجود صديقاتها فكان له أثر نفسي قوي جدًا، بعد أن كانت تشعر بأنها السبب في ما أصاب طفليها استطعن اخراجها من هذا الشعور المؤلم بل وتعزيز ثقتها بنفسها، للغرابة زهراء هي أكثر من أثر بها كلامها ربما لأنها تعتبر كلام سارة وتالين فقط من باب الحب والمجاملة، وتعرف بأن زهراء ليست من ذلك النوع فهي صريحة دون وقاحة ولن تكذب على أحد مهما كان مقرب منها.
جلست على الأريكة تحتسي القهوة معها وقد نام الطفلان أخيرًا فقالت زهراء دون مقدمات:
- متى ستفكين الحظر على ساجي؟ ما تفعلينه عقاب لطفليكِ قبل أن يكون له.
ارتفع حاجبي غسق في دهشة:
- أنا أعاقب صغيراي!  وكيف يكون ذلك بأن أبعدهما عن شخص لا يهتم بهما ويفضل زوجته عليهما؟!
تابعت ولم تهتز فيها شعرة:
- إذًا المشكلة ليست بأنه لا يهتم بهما بل بأنه يفضل زوجته عليهما!
عقدت حاجبيها:
- ليس هذا ما قصدته لا تأخذي من كلامِي بعضه وتتركِي الآخر.
- غسق حتى وأن فرضنا بأن كلامك صحيح هذا ليس مبررًا كي تبعديه عنهما، أنتِ أم جيدة لكنك لن تستطِيعِي تعويض أولادك عن الأب مهما حدث وحتى وإن قررتِ الزواج لا أحد يأتي في مكانة الوالدين.
رفعت حاجب وقالت بنبرة ذات مغزى:
- لا تخافِ لن أتزوج آد..
قاطعتها وقد فهمت ما ترمي له:
- أنا قلت حتى، لم أقل بأنك ستتزوجين غدًا؛ عمومًا هذا ليس موضوعنا تعرفين بأني مقربة من دودي ابن آدم بل أحبه كثيرًا لكنِ لا أغنيه عن أمه ابدًا، على فكره أمه متزوجة من آخر وهو يقضى وقتًا معي أكثر من الذي يقضيه مع والده، لكنِ في النهاية أنا صديقه يلجأ لها لأن والديه على خلاف دائم؛ غسق لا تريد بأن يكون أولادك مثل دودي المسكين
وغيره الكثير، ضعي كبريائك على جنب من أجلهما، أنتِ قويه استطعتِ مواجهة الكثير، متأكدة بأنك تقدرين على مواجهة ساجي والتعامل معه برقي من أجل صغيريكما.
لم تجبها فقد كانت كلماتها صحيحه جدًا، حسنًا يجب أن تفكر في الموضع جيدًا ربما تقرأ بعض الكتب عن نفسية الأطفال الذين انفصل والديهما وكيفية التعامل الصحيحة معهما، في النهاية ما يهم طفليها فقط.
بعد يومين جاء آدم في الصباح الباكر من دون موعد عن غير عادته، أدخلته المربية وأيقظت غسق التي لم تنم إلا بضع ساعات، نزلت له بعد قليل وآثار النعاس لازالت عليها.
بمجرد رؤيتها قفز من مكانه وقال بسرعة:
- غسق هناك شيء غير طبيعي أسهم القاسم نزلت بشكل كبير جدًا وإياد لا يجيب على أي من الرسائل التي أرسلتها له هلا حاولتِ أن تتكلمِي معه بسرعة، هيا قد تنهار الشركة وأخسر كل  ما وضعته بها.
لم تستوعب ما قاله من سرعته في الحديث:
- هلا جلست وأعدت ما قلته ببطء كي أفهم.
قبل أن يفعل رن جرس الباب فذهبت لفتحه لتجد إياد يقف أمامها.
شرح لهم إياد ما حدث باختصار وحقيقة الوضع دون أن يخبرهما بأنهم يعرفون بأمر القبض على سراج منذ مدة حتى لا يكونون في وضع سيء خصوصًا أمام آدم الذي قام باستثمار مبلغ كبير في المجموعة.
مسح آدم رأسه في حركة عنيفة:
- والآن ماذا علينا أن نفعل؟ ألم تقل بأنكم ستحلون المسألة قبل أن تصل للقضاء، كيف استرجع ما دفعت الآن؟
كانت غسق تفكر وبعمق وهي تقول:
- اهدأ يا آدم هم مثلك، ما حدث ليس مقصود بالطبع.. أعتقد بأن لديَّ فكرة قد تنقذ قليلًا أصول الشركة.
في صوت واحد قال إياد وآدم:
- قولي ما هي؟
ابتسمت وقد لمعت عينيها:
- طريقة جوتشي.
فغر آدم فمه وهو يستمع لها! منذ متى وهي تملك عقلية اقتصادية يعرف بأنها خبيرة بأمور الإنترنت والحاسبات الآلية لكن الأمور المالية أيضًا، حسنًا ربما تكون هذه نقطة يجب استغلالها لصالحه.
جلس على الكرسي المقابل لها وقد وضع ساقَا فوق الأخرى:
- عندي شرط كي أستمر معك، أحتاج لضمان قوي هذه المرة.
التفت له كل منهما في تساؤل، فتابع وهو يضغط على كل حرف:
- على غسق أن  تتزوجني كي أضمن بأن مالنا واحد وبالتالي لن أخسر مرة أخرى.
وقفت غسق وهي تصرخ به:
- ماذا؟! هل جننت؟ تساومني الآن ونحن بهذا الوضع!
تابع بنفس البرود المستفز:
- نحن بهذا الوضع بسبب تهوركم، أنا من سيخسر مدخراته أما أنتم لازال لديكم المال الذي حوله ساجي باسمك إذن يجب أن أضمن حقي، بالإضافة لأني تقدمت لكِ سابقًا وقد وافقت على شروطك وأنا لازلت عند كلمتِي، أنا فقط أريد أن أضمن حقي.
استقام من جلسته واتجه ناحية الباب وهو يقول:
- لقد قلت ما لدي، إما أن توافقي على شرطِي أو أن تقوموا برد كل ما دفعت، لا تنسي لديَّ إثبات على ما دفعت أستطِيع تقديم الأوراق إلى النيابة وإخبارهم بالقصة كاملة عندها ساجي سيكون بجوار سراج...
لم يكمل فقد  رأى نظره الهلع والرعب في عيني غسق وإياد، هذا كفيل بأن يجعلها توافق بل تترجاه كي يتزوجها.
خيم الصمت على المكان بعد خروج آدم، لم يجرؤ أي منهما على النطق بحرف، ماذا يمكن أن يقول الشخص في هذا الظرف؟!
مرت فترة قبل أن يستجمع إياد قوته ويقول بصوت خفيض:
- ما هي شروطكِ التي وافق عليها؟
بنظرات تائهة أخبرته بكل شيء دون خجل، وهل هناك مكان للخجل بعد الذي حدث منذ قليل؟
أخرج إياد سبابًا بذيئة وهو يضرب رأسه:
- الحقير يستغل الموقف الآن؛ غسق لا أستطِيع إجبارك على الموافقة لكن...
أجلى حلقه وأبعد عينيه عنها وهو يتابع:
- ما دام وافق على شروطك أعتقد بأن الأمر ليس بذلك السوء، أعني قد يكون ذلك في صالحك فهذا يبعد عنك الشبهات تمامًا ولن يستطِع بعدها اتهامك بالتورط معنا، فكري في مصلحة الكل لا تريدين بأن يضيع حق أولادك! أليس كذلك؟ بالإضافة لسراج لقد سُجن ظلمًا ومن يعرف من التالي!
تركها بعد أن وضعها في اختيارين أحلاهما مر، فهي من ستقرر مصير الكل بكلمه منها.
*******
لم يكن خيار بل إجبار وهي لا تستطِع الرفض؛ لثاني مرة تقف نفس الموقف رغمًا عنها،  بعد يومين من التفكير المتواصل رضخت لطلب آدم مع التعهد بأنه لن يقترب منها إلا بعد أن توافق هي أو بمعنى أصح بأن زواجهما صوري، أخبرت سارة فقط عن الوضع الحقيقي أما تالين وزهراء لم تقل لهما شيء! مجرد أنها أخبرتهما بأنها قررت الزواج من آدم ولن تقيم أي احتفال إلا بعد مدة.
اتجهت مع إياد وعمر إلى المسجد حيث عُقد قرانها وقد طلبوا من إمام الجامع تغير التاريخ لشهرين سابقين، اعترض في البداية لكن آدم أقنعه بطريقته، خرج الجميع متوجهين إلى المحكمة ليتم الزواج المدني كي يضمن آدم حقه حسب زعمه، ومنه إلى منزل غسق التي استأذنت منه لرغبتها في النوم من شدة الإنهاك كانت رفضت طلب آدم بإقامته عشاء كاحتفال بالزواج.
لم تنم تلك الليلة مثل معظم الليالي التي سبقت عقد القران كانت تتقلب على جمر، متى ستمتلك القدر على إدارة حياتها كما ترغب؟ إلى متى وهي مجبرة على كل شيء؟
في اليوم التالي جهزت نفسها للسفر مع إياد فهي مطلوبة للشهادة في الوطن وبالطبع رافقها صغيريها أراد آدم مرافقتها لكن مرض والدة زهراء الذي اشتد عليها مؤخرًا جعله  يتحجج بالعمل ولم تمانع غسق فهي لا تريده معها في أي مكان.
وصلت بعد مدة متعبة للغاية فقررت أن ترتاح مع الصغيرين أولًا ثم تذهب للتحقيق، صباح اليوم الثاني جاءها إياد ليقلها وقد تركت الرضيعين مع المربية التي رافقتها بعد إعطائها تعليمات صارمة بعدم الخروج أو السماح لأحد بالدخول والاقتراب من الأطفال.
في النيابة كان التحقيق مرهقًا هو الآخر؛ لم يتركوا شيئًا إلا وسألوها عنه، كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعمل أجابت على قدر معرفته وبتوجيهات من المحامي حتى عن زواجها من آدم كان الاستغراب عن فرق التوقيت بين زواجها الإسلامي والمدني!
أجابت ببساطة كما حفظها إياد:
- لا يوجد سبب معين نحن تزوجنا بعد انقضاء عدتي بالطريقة الإسلامية، وعندما تم استدعائي للتحقيق قرر زوجي بأن نعقد زواجنا المدني فقط من أجل أن يكون له صفة قانونية في حاله تعرضي لأذى هنا.
نظر له المحقق باستهزاء:
- ولماذا يظن زوجك بأنه قد يصيبك هنا أذى؟! هل أنتِ متورطة في شيء غير قانوني؟
أجابت بنفس البرود المستفز له:
- زوجي عاش حياته كلها في الخارج ولا يأتي هنا إلا في إجازات متقطعة، لذلك نظرته للوطن تختلف عن الباقي وهو يخاف بأن يصيبني أذى لا أن أكون متورطة؛ لا تنسى يا سيادة المحقق بأني أتيت طواعية دون حتى استدعاء، وتعرف جيدًا بأنه لا يستطيع أحد إجباري على القدوم إذا كنت متورطة كما تدعي.
كز المحقق على أسنانه حتى أحدثت صوتًا، كم يكره هؤلاء الذين يتبجحون بالجنسية الأجنبية ويدعون بأنها قادرة على حمايتهم مهما كانت جرائمهم؛ صحيح بأن الجالسة أمامه لا توجد عليها تهمه بل هي شاهدة فقط، لكن شعوره بالغضب منها جعله يطلب منها أن تبقى اسبوع كي ينهي معها التحقيق.
اعترضت على قراره وأخبرته بأنها لن تبقى كل هذا الوقت فهي ستعود بعد أربعة أيام لأن رضيعها لديه مراجعة مهمه، رغم غيظه إلا أنه رضخ بالنهاية وطلب منها أن تأتي في اليوم التالي ليكمل التحقيق، تعرف بأنه يماطل لكنها مضطرة لسماع كلامه.
استقلت سيارة إياد فانطلق بها في طريق المنزل الذي تقطن به عائلة القاسم دون أن يخبرها، لكنها لاحظت أن الطريق ليس نفسه المؤدي للفندق.
سألته دون أن تحيد عينيها عن الطريق في محاولة لمعرفة الطريق دون جدوى:
- إلى أين تأخذني؟ هذا ليس طريق الفندق!
أراد أن يلاعبها ويخبرها بأنه ينوي خطفها لكنه قرر أن يواجهها بالحقيقة قبل أن يصلا حتى لا تثير فضيحه، فهو لم يعد يضمن ردة فعلها مؤخرًا:
-  جدك مريض جدًا ويرغب في رؤيتك كذلك خالك، أعدك بأن الأمر لن يستغرق سوى ساعة واحده وبعدها أعيدك بنفسي للفندق.
رمقته بغضب دون أن تنطق بحرف، حسنًا ربما يجب عليها أن تواجهه الجميع الآن وأولهم جدها الحنون!
****
وصلت سيارة إياد إلى المنزل الذي تقيم به العائلة، مشاعر متضاربة بداخلها، خوف،  رهبه، رغبة في الفرار، لكن الشيء المسيطر فوق كل ذلك هو تصميمها على مواجهة الكل.
لم يكن منزلًا كبيرًا مقارنةً بمنزل  المزرعة حتى أنه لم يحتوى على حديقة تذكر، مجرد مساحة أمام باب المنزل لا تكاد تتخطى الخمسة أمتار قطعتها سريعًا لتجد الباب الرئيسي للمنزل، رن إياد الجرس وقد اندهشت بأنه لا يحمل مفتاح خاص به مثل منزل المزرعة، حسنًا المنزل لن يكفيهم كلهم فتلك المنازل الموجودة في المدن الجديدة ذات نفس التصميم والمساحة المتقاربة لن تكفي بالطبع جميع أفراد العائلة، دعت في سرها أن لا يكون ساجي وزوجته بالمنزل يكفي بأنها ستواجه الباقي.
دخل إياد أولًا لتلحقه بخطوات واثقة شامخة الرأس تعيد على نفسها كلمات تعزيز الثقة بالنفس التي أغرقتها بها كلًا من سارة، زهراء، وتالين؛ بعد خطوتين داخل المنزل وجدت خالها سليم يستقبلها بحرارة، عانقها ثم قال بنبرة عتاب:
- هُنت عليكِ كل هذا الوقت لا تأتين لزيارتي؟ ألست في مقام والدكِ حتى عندما عرفتِ بسجن سراج لم تتصلِي كي تطمئنِي عليه ولا عليَّ، لم يكن ذلك العشم  يا غسق!
ظل وجهها جامد دون أن تظهر عليه أي تعبيرات مقروءة بل قالت ببرود كالجليد:
- أهلًا خالي، أخبرني إياد بأن جدي يرغب في مقابلتي، خير؟ ليست من عادته أن يطلبني.
فُتح سليم عيناه اندهاشًا وارتفع حاجبيه كما انفرج فاه من شدة صدمته! تلك التي أمامه ليست غسق أبدًا لا يصدق! هي حتى لم تقم بتحيته كما تعودت ولم تسأل عن حاله ولا عن سراج الأقرب لها، ماذا يحدث لا يستوعب برودها بل الأسوأ لا يستوعب بأنها لا تظهر حتى غضبها منه.
نزلت فريدة أولاً وكان سلامها عاديًا على غسق كالعادة أما مُنى فقد توجهت إلى غرفة ساجي وروبين دقت الباب بحذر وهي تدعو بأن تفتح لها روبين، فعلًا فتحت روبين بتذمر جزء صغير من الباب تحجب باقي الغرفة كي لا ترى داخلها  وتمنعُها من دخولها في نفس الوقت.
- نعم ماذا تريدين ألا تعرفين بأن ساجي متعب ويرغب في النوم لماذا تطرقين غرفتنا؟
لمعت عينيها وهي تقول بحقد متناسية الاهانة التي تلقتها للتو من روبين:
- غسق في الأسفل.
لم تزد حرفًا آخر فقد أخبرتها نظرة الشر التي ظهرت في عيني روبين بكل شيء، تراجعت لتنزل للأسفل فقد أتمت مهمتها، لن تفعل شيء فقط ستجلس وتنتظرها تقوم بالمهمة على أكمل وجه.
في نفس الوقت بغرفة عبد الحميد القاسم كان نائمًا على سرير طبي موصل بجهاز تنفس وبجانبه ممرضه، لبرهة ظنته نائم أو في غيبوبة لكنه فتح عينيه يحدق بها دون كلام مما جعلها تتراجع للخلف خطوة واحدة، ربما فزعًا أو مفاجأة ليست متأكدة، أغمضت عينيها وتنفست بهدوء حتى تهدأ نبضات قلبها التي قاربت على إخراج قلبها من مكانه من شدتها، طريقة بسيطة تعلمتها من دروس اليوغا التي كانت سارة تأخذها لها، نعم هي تحتاج لأن تكون هادئة في مواجهة الجميع وأولهم هذا الذي ينظر اليها بنفس نظرات الكره السابقة.
دنت فريدة من والدها تقبل يده تم التفت لغسق:
- تعالي سلمي على جدك ألم تشتاقي له؟!
لم تتحرك من مكانها كما أنها لم تجيبها بقيت على حالها تنظر لها دون أي تعبير.
اقتربت منها فريدة وهي تهمس بصوت خفيض حتى لا يسمع والدها:
- إنه مريض جدًا قبلي يده واطلبي السماح أو حتى أخبريه بأنكِ سامحته أي شيء لا تكوني قاسيه عليه وهو في حالته تلك.
لسبًب ما لم تستغرب عجرفتها الأقرب للوقاحة فقد اعتادت منها ذلك بل من الجميع، تركتها وخرجت من الغرفة دون أن تجيبها، تريد الخروج من المنزل بأكمله، لتجد مُنى أمامها ترمقها بكره واضح.
بنبرة صوت تحمل كرهًا مثل ما تحمله نظرة عينيها:
- ما تفعلين هنا يا ابنة فجر؟ هل جئتِ لتجددِي سحرك، لم يعد يجدي بعد الآن لقد كشفت سرك و كل ما فعلتِيه سيرد عليكِ.
بصوت صارم عالٍ:
- ابنة مجد.
تراجعت مُنى غير مستوعبه ما قالته كأنها تتكلم لغةٍ غريبة لا تفقها لتكرر بغيظ:
- ماذا؟
- ابنة مجد الديب، ربما لا تعرفين اسم أبي لذلك تنادينِي بابنة فجر.
فتحت مُنى فاها وقبل أن تخرج منهُ حرف وجدت يد سليم تقبض على ذراعها بقوة آلمتها ليقول هو بهدوء:
- غسق هلا أتيتِ معي إلى المكتب لنتكلم.
لم يكن سؤالًا لذلك توجهت حيث أشار لها دون أن تعترض، أما سليم فقد اعتلت ملامحه الغضب وهو يواجه مُنى بعد أن دخلت غسق المكتب مع إياد.
- لقد أقسمت من قبل إذا جلبتِ سيرة أختي مرة أخرى ستكونينِ...
وضعت يدها على فمه تمنعه من المتابعة وهي تقول في خوف واضح:
- لم أقل شيء يسيء إليها إذًا قسمك لا يسري هذه المرة.
نظره إليها بازدراء كما تعود أن يفعل مؤخرًا ثم ذهب لينضم لغسق وإياد في المكتب، أما هي فقد أقسمت بأن تجعلها تدفع ثمن كل هذا وقريبًا.
جلست غسق على كرسي فردي مقابل كلًا من المكتب والنافذة الكبيرة ذات الزجاج العاكس مثل المرايا، أما إياد فقد جلس على الكرسي المقابل لها وقد ظهر عليه التوتر الشديد.
تابعت غسق ثم قالت بنفاذ صبر:
- توقف عن فرك يديك لسنا في غرفة مدير المدرسة ننتظر عقابًا لتأخرنا عن الطابور الصباحي.
انتفض في جلسته قليلًا وعدل من وضعه، نبرة بدت هادئة نوعًا ما:
- ماذا تعنين؟ لست متوتر أو خائف من شيء، أنا فقط...
لم يجد ما يقوله لتنظر له بحاجب مرفوع وشبح ابتسامة يرتسم فوق شفتيها، قرب بين حاجبيه ليقول شيئًا مدافعًا عن نفسه لكن دخول سليم منعه أو ربما أنقذه.
دخل سليم وخلفه فريدة التي ظهر عليه الغضب حتى أنها لم تسلم على إياد وربما لم تراه من الأساس، جلس سليم خلف المكتب أما فريدة فقد وقفت أمام غسق وهي تهدر بصوت عالٍ:
- هل لي أن أفهم سبب تصرفك في غرفة أبي؟ كيف تخرجين هكذا دون حتى أن تطلبِي منه السماح؟! هذا جزائُه على تربيته لكِ  طوال السنوات الماضية، يا إلهي لا أصدق هذا الجحود الذي أنتِ فيه!
رغم كلماتها الجارحة إلا أنها بقت على نفس الهدوء، لم تتحرك بها عضلة، شعرت بغصة في قلبها وتوالت الذكريات الأليمة لكل ما عاشته معهم لتجيب بنبرة ساخرة يشوبها الغضب:
- يؤذونك ثم يتصرفون كأنك آذيتهم؛ اعذريني سيده فريدة يجب عليكِ تصحيح معلوماتك، والدك لم يقم بتربيتي أو صرف قرش عليَّ، بل رفض وجودي من قبل أن أولد وذكرني بذلك طوال مدة مكوثِي معكم؛ السبب الذي أجبره على وجودي بينكم هي صفقة خالي سليم، الذي أجبر ابنه على الزواج مني عقابًا له أو لي لست متأكدة في الحقيقة، الشيء الوحيدة المتأكدة منه بأني دفعت ثمن تلك الصفقة من دمي وأعصابِي  كما أني لم أتوان عن أن أجعل ابنكم يرضي غروره برؤيتي أتوسل حبه واهتمامه، أما والدكِ الذي هو جدي للأسف لم يفعل شيئَا سوى أذيتِي بكل الطرق لدرجة بأنه وافق على سلبي أبنائي ونسبهم لأخرى.
اتسعت أعين كلا من سليم وفريدة، فلم يتوقعوا بأن غسق تعرف بمخطط مُنى وعبد الرحيم!
لاحظت وقع كلماتها عليهما لتتابع وقد ازدادت ثقتها بنفسها:
- أما أنتِ سيدة فريدة فلست سوى إحدى المقيمات بالمنزل الذي أقمت به نصف عمري بالنسبة لي، لم تكونِي يومًا خالة لي حتى إنكِ لم تكوني زوجة أب مثلما كنتِ لفرح، قمتِ بتجاهلي كأني غير موجودة ولم تسألي عني يومًا، حتى عندما حاولت أنا أن أتقرب منكِ علكِ تكوني مكان أمي  أبعدتني بقسوة عنكِ، (ابنة مجد لا أستطيع  نسيان أن والدك سبب موت أمي وأنتِ تحملين عينيه، ابتعدي عني غسق لا أستطِيع تقبلك، عندما أنسى سوف أقوم أنا بالمبادرة).
لم يصدق الحاضرين ما قالته، حتى فريدة تراجعت للوراء وجلست على الكرسي كي لا تقع، كأنها نسيت ما قالته تمامًا.
سحبت نفسًا من الهواء لتتحكم في دموعها التي تجاهد لتخرج لكنها نجحت في حسرها بصعوبة:
- كنتُ في السادسة عشر لم أتعافى بعد من حادث موت أهلي، أردت فقط من يخبرني بأن كل شيء سيكون بخير لكنك أعطيتنِي أهم درس، عليَّ النجاة وحدي.
بنبرة تحمل خليطَا من المشاعر المتضاربة قال سليم:
- غير صحيح يا ابنتي تعرفينِ بأن مكانتك عندي مثل تالين وسراج وربما أكثر من ساجي.
أطلقت ضحكة ساخرة أخرسته:
- خالي أرجوك هذا كلام لم يعد يصدقه أحد، تعرف جيدًا بأني لست في مكانة أي من أبناءك  خصوصًا تالين، وطبعًا لا أرتقي لمكانة البكر الذي زوجته بنفسك، ليس فقط لم تخبرني قبلها من باب المعرفة بالشيء حتى، بل إنك لم تحاول أن تسأل عني طوال فتره بعدي رغم معرفتك بأن زوجتك من قامت بطردي.
ابتلعت غصة تسد حلقها وأغمضت عينيها ثم تابعت وقد خفت نبرتها اللاذعة:
- لا ألومك خالي فعندما يتعلق الأمر بالأبناء طبيعي بأن تكون في صفهم، لن أنسى أنك حاولت وكنت السند لأمي في غربتها كما أنك حرصت على دفنها بقرب أبي وأخي رغم رفض جدي ذلك.
استقامت من كرسيها تستعد للخروج عندما صُدمت بساجي يقف أمام الباب يحدق بها بوله وعشق لم تعهدهما منه أبدًا.
*******
عندما طرقت مُنى باب الغرفة وقامت روبي بفتح الباب لها كان مستيقظ نوعًا ما لكنه لم يهتم لأنه متعب كما أن تفكيره منحصر في عودة غسق، لقد أرسل إياد كي يحضرها، لكنه لم يتصل به منذ عدة أيام يكاد يجن! ماذا حدث لماذا لا يجيب؟ هل رفضت غسق العودة!
لا.. غسق لن ترفض يعرف ذلك جيدًا لن تترك سراج في السجن فهي رغم ما حدث وافقت على المضي في الخطة معه دون ضمانات أو شروط، كما أنه واثق بأنها تشتاق له أضعاف ما يشعر به، سماعه لاسمها جعله يقفز من على السرير ويقترب غير مصدق أذنيه، غسق هنا في الأسفل، كاد أن يندفع نازلًا لها ليحتويها بين ذراعيه بطريقه لم يفعلها من قبل، يقسم  بأنه لن يتركها حتى يعيدها لعصمته مرة أخرى لن يجازف ببعدها من جديد، أوقفه منظره في المرآة فقد كان عاري الجذع يرتدي بنطال قطني، عاد أدراجه وارتدى ملابسه على عجله، وقفت روبين تنظر له في غضب فقد عرفت بأنه سمع الحوار وعرف بقدوم غسق، حاولت تعطيله لكنه لم يلتفت لها ونزل مسرعًا يبحث عندها ليجد والدته تنتفض غضبًا، يكاد يقسم بأنه يرى دخان يخرج من أذنيها لم يأبه بها فهو يعرف السبب بالطبع وجد المكتب مفتوح تخرج منه أصوات عالية ليتجه له وتتسمر قدميه أمام الباب عند رؤيتها.
*********
هل يصوم المرء لشهور؟ بل كم المدة التي يستطِيع الشخص الصمود بها دون تنفس؟ فهو كان كالصائم في صحراء قاحلة لا يجد بها ما يكسر صيامه ويروي عطشه حتى رأى تلك العينين فهما له كمنبع ماء عذب بارد لا يرتوي منه مهما شرب ولا ينوي الارتواء في الواقع!
هي كالهواء لا يشعر بوجوده في العادة لكن غيابه جعل خلاياه تختنق وربما تموت وهي تصرخ لتحصل على ذره منها؛ لم يكن يومًا شاعرًا بل لم يؤمن بكلام الحب المعسول أبدًا لكن بُعدها جعلة يغزل بيوت من الأشعار  بكلمات لم يكن يفقه معناها من قبل.
شعرت بقلبها يقفز بين ضلوعها عندما رأت تلك النظرات في عينيه، لا لن تصدق هذا وهم رسمه لها مخها المريض بحبه، ساجي لم ولن يحبها.
لم ينطق أحد منهما بكلمة بل ظل يحدق كلًا منهما بالآخر حتى قالت بصوت خفيض التقط هو الارتعاش به:
- إياد أريد العودة للفندق الآن من فضلك؟
اقترب منها ليقول بوله:
- غسق!
لا تعرف إذا كان سؤال أم تأكيد على وجودها أمامه، قررت تجاهله وهي تمر بجانبه قاصده الخروج من المكتب بل من المنزل بأكمله ليمسكها من ذراعها بغرض إيقافها، نفضت يده كأنها تنفض حشرة وابتعدت عنه  بسرعة من ما جعل الجميع وليس هو فقط يستغربون فعلتها.
لم تعطيهم فرصه بل قالت في غضب حقيقي وقد زال التوتر من صوتها:
- إياك أن تحاول لمسي مرة أخرى.
في تلك اللحظة دخلت روبين  لتجد أن الأجواء متوترة للغاية لمعت عينيها من سماعها لغسق وتحذيرها لساجي لتقترب من ساجي واضعه يدها حول جذعه وقبلته على خده دون حياء أمام الكل، قائلة بنبرة إغراء متقنة:
- حبيبي لقد نزلت بسرعه قبل أن تأخذ حمامك تعال معي فقد جهزته لك.
لوت غسق فمها في شبه ابتسامة هازئة:
- أخبر زوجتك بأنهُ لا داعي لتلك الحركات المبتذلة، فأنا قد تزوجت.
قالتها وهي تمد يدها تريه خاتم الزواج.
- كاذبة.
قالها ساجي دون تفكير وتابع:
- أنتِ فقط تريدين أن تعاقبيني، حسنًا معكِ حق ما كان عليّ أن أترككم بتلك الطريقة، لكنّ عذري الوحيد بأني سألت الطبيب وأخبرنِي بأن الصغير سيكون بخير، كان عليَّ أن أعود بسرعة.
- ولماذا أكذب عليك؟ لا يهمنِي سبب عودتك بعد الآن، بالنسبة لحقيقة زواجي يمكنك سؤال إياد فهو كان شاهدًا عليه، وأما طفلي فأنا أكثر من قادرة على الاعتناء به.
انتفض سليم من مكانه وهو يقول بغير تصديق:
- طفلك؟ ألم تفقدِي الحمل؟ هل يعني ما سمعته بأني جد!
التفت له في دهشة:
- ألم يخبرك؟! لفد أنجبت مند عدة أشهر في الواقع؛ حسنًا لا أستغرب ذلك في الواقع فهو لم يهتم بطفليه وترك أحدهما في الحضان ليلحق بعزاء حماه.
لم يسمع ساجي حوارها مع والده بل ذهب إلى إياد يوقفه من تلابيبه:
- هل ما تقوله صحيح؟ شهدت على عقد زواجها!
لم يعطه فرصه ليجيب فقد قرأ الاجابة في عينيه، لينهال عليه باللكمات وهو يصرخ:
- كيف؟ لماذا؟ لا يمكن!
اضطروا لطلب الحرس من الخارج كي يخلصوا إياد من يديه، وقام سليم بتوصيل غسق للفندق  بنفسه، طول الطريق لم ينطق أحدها بحرف وعندما وصل طلب منها أن يرى حفيديه، رغم غضبها منه إلا أنها تذكرت كلام زهراء من حق الأطفال أن يحظوا بعائلة، وسليم ليس كوالده تعرف بأنه لن ينبذهم على الأقل، سمحت له بالصعود معها للغرفة
ورؤية الصغيرين، لم يكونا قد ناما ربما بسبب تغير التوقيت أو فقط من حسن حظ سليم الذي لم يستطع كبح دموعه عند رؤيتهما فهما نسخة من ساجي أخذ يقبلهما ويحملهما معًا، لم تمانع غسق بل منعت المربية من التدخل فقط تراقب من بعيد، في البداية استغربه الطفلين ثم اعتادا عليه بسرعه، بعد ساعة نام الطفلين فوضعتهما المربية في مهدهما.
قبل أن يغادر سليم وقف ينظر لهما ثم قال موجهًا حديثه لغسق:
- أعترف بأني ظلمتك وربما ما فعلته في حقك لا غفران له، لكني أشكرك من كل قلبِي لأنكِ لم تعاقبنِ وتحرميني من حفيداي.
- افعل ذلك من أجلهما لا من أجلك خالي، أما الغفران فدعه لوقته لا أعتقد بأنك طلبته كي تناله من الأساس.
لا يعرف كم مرة صدمته اليوم بردودها الفجة الحقيقية درجة الوجع، كل ما يعرفه بأنها لم تعد غسق المكسورة التي ترضى بأي شيء وتخشى من أن تخسر أحدًا.
**********
منذ عودتها من الوطن وهو يفكر ماذا حدث هناك؟ الشكوك تكاد تعصف به، خصوصًا  وأنها أخبرته بلقائها مع عائلتها دون أن تعطيه أي تفاصيل، اللعنة عليها لماذا تصر على تهميشه وإظهاره بمنظر المهزوز الذي لا قيمة له، ما زاد الأمر سوءً سماحها بمكالمات مرئية بين ساجي والأطفال دون أخذ رأيه في الموضوع.
ذهب إليها عازمًا على وضع النقط فوق الحروف، دق الباب بقوة لتفتح له في استغراب.
- آدم تفضل لم تخبرني بأنك قادم!
دخل وجلس على الأريكة:
- وهل يجب أن أستأذن لرؤية زوجتي؟ بالمناسبة أعتقد بأنه من الأفضل أن تنتقلِي للعيش معي أو أفعل أنا، هذا الوضع ليس طبيعي.
رغم تمثيله البرود إلا أن صوته كان عالٍ غاضب مما أفزع الصغير الذي أطلق صرخة عالية وبدأ في البكاء، بكاء الصغير زاد استفزازه  فصرخ بالمربية التي تحمله:
- اجعليه يسكت أليست هذه مهمتك؟! هيا.
تقدمت غسق من صغيرها تأخذه من المربية لتهدئته لكن المربية أخذته منها لتصعد لغرفته، فقد استشعرت بداية مشكلة بينهما، أرادت غسق الرفض إلا أن المربية قالت لها بأنها ستقوم بتهدئته ثم تعود لأخذ الآخر.
بعد أن صعدت المربية التفت غسق وهي تقول بصوت صارم خفيض:
- ما حدث منذ قليل لن أسمح بتكراره مرة أخرى، أما قصة أن تنتقل إلى هنا فهو شيء مرفوض جملةً وتفصيلًا، ما بيننا هو العمل فقط إن لم يعجبك الوضع طلقني وأنا  سأعطيك كل ما قمت بدفعه مع رسالة شكر.
تركته واتجهت للمطبخ بعد أن وضعت تيام في كرسيه الهزاز الخاص به كي لا يبكي إذا زاد النقاش حدة وعلا صوت أحدهما.
تسمر آدم في مكانه لعدة ثواني وهو يحاول فهم ما قالته له، هل تحاول التخلص منه كأنه نكره بعد أن استغلته لتنقذ ساجي!
ساجي! لا بد بأنها اتفقت معه على العودة إليه بعد أن أكدت له بأن زواجها منه ما هو إلا تمثيلية لتنقذ بها ماله، قد تكون أخبرته بأنه لم يلمسها، فهي لا تراه رجلًا كفاية مثل ساجي بالطبع؛ عند هذه النقطة استقام من مكانه وتبعها بسرعة للمطبخ!
شعرت بقبضته تمسك بذراعها وهو يلصقها بالجدار ويده الأخرى تقبض على فكها فرفعت عينيها الغاضبتين له، لتجده يحدق بها بنظرات شيطانية لم تعهدها منه من قبل.
أتاها صوته كفحيح الأفعى:
- تريدين الطلاق! لنفعل زواجنا أولًا.
لم تستوعب ما قاله إلا عندما شعرت به يجتاح شفتيها بقبلة قاسية لم تستطِع الافلات فقامت بعض شفتِيه بقوة، تأوه وهو يبتعد عنها وبصق الدم من جراء عضتها له لتستغل هي تلك الفرصة وتصفعه بقوة جعلته يتراجع خطوة من شدتها لكنه عاد ليمسك حزام فستانها يحررها منه ويقوم بلفها ورميها على الطاولة الرخامية دون أن يفلت يدها، شعرت غسق بأن قبضته تحولت إلى فولاذ من شدة قوته لم تستطع حتى دفعه عنها بل شعرت به يكبل يديها خلف ظهرها  بحزام فستانها، عندما اصطدم جذعها العلوي بالطاولة الرخامية أحست بألم اسفل صدرها لا تعرف مصدره وكان رصاصه اخترقتها فأطلقت أنين خافت لتسمع صوته البغيض يهمس بقرب أذنها وقد التصق بها من الخلف.
- ماذا هل يثيرك ذلك؟ جيد لأنك ستشعرين بالإثارة الحقيقية التي لم تتذوقيها من قبل مع ذلك المغرور أقسم بأن أجعلك تصرخين بإسمي.
أرجعت قدمها للخلف بقصد ضربه وربما إزاحته من فوقها لكنه استطاع تجنب الضربة بسهولة بل إنه وضع يديه على رأسها يثبته فوق الطاولة حتى تخف حركتها وحررها من المتبقي من ملابسها صرخت:
- توقف آدم لا تفعلها هذا لم يكن اتفاقنا آدم!
علت وجهه ابتسامة شيطانيه:
- ألم أقل لكِ بانكِ ستصرخين باسمي!
قبل أن ينهي جملته كان يخترقها بقسوة كادت أن تصرخ لكنها رأت رضيعها ينظر وقد أتسعت عينيه وظهر عليه الخوف؛ كتمت صراخها بصعوبة وقد امتلأت عينيها بالدموع الحارة كم تتمنى لو أنها ماتت قبل أن يحدث هذا أمام صغيرها.
لم يهتم آدم لها بل استمر في اختراقها بعنف:
- كفي عن المقاومة أنا زوجك وهذا حقي لا تقوليِ بأنكِ توقعتِ مني عدم تفعيل زواجنا، ألست رجلًا كفاية في نظرك؟
لم تجبه بل استمرت في النحيب المكتوب حتى انتهى منها وتركها تقع على أرضية المطبخ لا تستطيع الحركة؛ أما هو فقد عدل ملابس وخرج ليواجه الرضيع ينظر إليه بعينين بدت له توجه إليه اتهام، اقترب منه ليسمع صوت المربية تصرخ به:
- ابتعد عنه لقد أبلغت الشرطة وهم في طريقهم إلى هنا.

****
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن