الفصل السادس والعشرين

365 23 3
                                    

الفصل الجديد لايك من فضلوكم
الفصل السادس والعشرين
رغم أن المعلومات التي استطاع معرفتها من سابين ليست كثيرة، لكنه استطاع التوصل إلى أشياء مهمة جدًا، بعد أن ربط الكثير من تلك المعلومات بالفضائح الأخرى ، توجه إلى غرفة خالد في المستشفى، يعرف أنه خرج من الغيبوبة الطبية، صحته تحسنت أكثر فهو قادر على الكلام بطريقة مفهومة رغم إصابته بشلل في النصف السفلي من جسده.
تأكد من أنه بمفرده في الغرفة ثم طرق الباب ودخل، ردة فعل خالد كانت متوقعة، حاول أن يعتدل في جلسته، وقد شحب وجهه.
بابتسامة هازئة:
- كيف حالك خالي، أم يجب أن أناديك عمي؟
لم يجب خالد فلقد شعر بوخز في قلبه.
تابع ساجي حديث غير آبه بشحوب وجه خالد:
- التسميات لا تهم الآن، لدي شيء أهم قد ترغب في معرفته مني قبل أن تصلك أوراق القضية.
بالكاد أستطاع خالد إخراج الحروف من فمه:
- عن أي قضية تتحدث؟
وضع ساجي ساقًا فوق الأخرى وهو يجيب بتشفي:
- قضية الغش وبطلان الزواج؛ ألا تعرف بأنه في حالة الكذب وقت عقد القران في شيء مهم كعذرية ابنتك المصون يعتبر الزواج باطل، كما أني في صدد رفع قضية عليكم بسبب الأذى النفسي والمالي الذي حدث لي جراء كذبكم.
شعر خالد بأنه لا يستطيع التنفس، بالإضافة إلى ألم صدره، حاول تدليك صدره بيده كي يخفف الألم وفتح فمه ليدخل له الهواء، كل ذلك تحت أنظار ساجي، الذي استقام واقترب منه يعطيه كوب ماء، أخذه منه وشرب منه قليلًا، وضع الكوب وهو يحاول أن يتحدث بهدوء ليجد حل لتلك الكارثة:
- ساجي بني، أعرف بأن ما حدث ليس هين، ومن حقك الغضب طبعًا، لكن مسألة فضح روبي وفضحي لن تفيد بشيء، أخبرني ما هو التعويض الملائم وأنا مستعد له.
- تدفع ثمن شرف ابنتك هذا ليس غريب عليك، أما شرفي، لا يوجد تعويض له.
عدل من وضع جلوسه عن طريق جهاز التحكم في سريره الطبي، فأصبح في وضعية الجلوس بدل الاستلقاء.
حاول أن تكون نبرته قوية:
- ساجي أنت رجل أعمال، إذا قمت بفضح ابنتي لن تستفيد شيء، بالعكس الفضيحة ستطولك أنت أيضًا، لا تنسى بأنك متزوج من روبين منذ عدّة أشهر، بماذا ستفسر سكوتك طوال تلك الشهور؟
تحفزت كل خلية في جسد ساجي، لا يصدق قذارة ما يسمعه، إلى أين تصل قذارة هذا الرجل؟
أكمل حديثه غير آبه بأنه وصل للحضيض في دفاعه عن ابنته:
- لدي شيء قد يفيد، لا أعني الأموال أو نسبة في أسهم الشركة فقط.
سكت قليلًا ليشاهد ردة فعل كلماته عليه، للغرابة لم يظهر أي شيء على وجه ساجي، مما جعل قلبه يخفق بقوه من الخوف.
عضلة صغيرة تحركت في فكه لم يستطيع خالد مشاهدتها من مكانه؛ لكنه استطاع المحافظة على هدوءه ظاهريًا، إلا أن داخله كان يغلي، لا يعرف هل يجاريه؟ ليعرف ما عنده أو يقطع علية الطريق؟
ببرود شديد أجابه وهو يضع ساق فوق الأخرى:
- لا أعتقد أنك تملك شيء يمكن أن يغير رأيي.
أجابه بسرعة:
-غسق، لدي شيء يخصها كُنت تحاول الحصول علية منذ مدة طويلة
دون أن يشعر أنزل ساقه، وقد بدا عليه أنه مهتم.
أكمل خالد وقد أكتسب الكثير من الثقة:
- أعرف أنكَ تحاول منذ سنوات إثبات نسب غسق، وإرجاع حقها.
وقف ساجي استعدادًا للخروج فقال خالد بصوت عالي ليمنعه من الخروج:
-أعرف لماذا أبعدتها عن العاصمة بعد محاولة خطفها؟
تجمدت يد ساجي على مقبض الباب دون أن يتحرك، ليتابع خالد بسرعة كي لا يخسر الجولة وربما الحرب:
- كُنت تظن سامي سلمان ابن عمتها هو من حاول خطفها، لذلك تنازلت عن الصفقة التي كانت شركتك تحارب لنيلها، وابتعدت عن أي صفقة أخري يكون هو مشارك بها، في الواقع ليس سامي من فعل ذلك.
التفت إليه وقد ظهر الغضب على وجهه:
- وما أدراك أنت بكل تلك التفاصيل؟ ثم من قال لك أن غسق لازالت تهمني؟ لقد طلقتها منذ مدة.
- ساجي أنا وأنت نعرف جيدًا، أن نقطة ضعفك الوحيدة هي غسق، طوال السنوات التي مضت وأنت تحاول إثبات نسبها، كمًا أنك أخفيت هويتها عن الجميع، لطالما قدمتها على أنها مهندسة أجنبية مع ذكر جنسيتها كي يخاف الجميع من الاقتراب منها أو أذيتها.
أكمل حتى لا يوقفه ساجي:
- لقد كنت معارض لزواجك من روبين، لأني أعرف بأنك تحب زوجتك وبشدة، لا يوجد رجل يفعل ما فعلته مع غسق بدافع الشفقة أو الواجب، فقط الحب هو ما يجعلك تبذل قصارى جهدك لحمايتها، لدرجة أنك ضحيت بمشاريع كبيرة كان من الممكن أن تدر عليك أرباح هائلة، فقط كي لا تتعرض هي للأذى؛ في الواقع استغربت من طلبك الزواج بروبين، وكنت متأكد بأنك ستتركها بسرعة.
تحركت شفتي ساجي لترسم ابتسامة هازئة وهو يرمقه من أسفل إلى أعلى.
- لا تفهمني خطأ، ليس للسبب الذي في بالك، بل لأنك ببساطه لا تحبها؛ لو كُنت أحببتها بصدق، لوجدت بداخلك شيئًا يدفعك لمسامحتها، أو على الأقل تسمع منها....
قاطعه بفظاظة:
- لا أريد سماع محاضرة عن حب ابنتك المصون وسبب رفضي لها.
ابتلع ريقة ومسح جبهته من عرق وهمي:
- اسمع ما لدي وإن لم يعجبك يمكن أن ترميه في البحر.
جلس على كرسيه مرة أخرى وهو يعقد يديه دون أن ينطق بحرف، مهما كان غضبه من خالد وروبين، ربما يجد حل لمشكلة غسق، لقد حاول كثيرًا أن يثبت نسبها أو حتى يستخرج أوراق رسمية من الوطن لتأخذ الجنسية على الأقل، عندما حاول سابقًا، كانت سميحة الديب بالمرصاد، أنكرت نسبها، حتى ورقة الزواج الرسمي لِوالديها لم تفيد؛ للأسف غسق ولدت بعد شهرين من زواج فجر ومجد، هذا وحده يثير الشكوك بنسبها، وعمتها ترفض إجراء تحليل الحمض النووي، لإثبات صلة القرابة، كان يعتقد بأن جده قاسي القلب حتى رأى سميحة الديب وتجبرها؛ لا يهم يجب أن يركز في كلام خالد الآن وبعدها يتخذ قراره.
****
لم يجب على اتصالاتها المتكررة، لا تعرف لماذا هو غاضب منها؟! قررت أن تتجه إلى مكان سكنه فهي تعرفه جيدًا، وصلت إلى بنايته تعرف بأنه في المنزل فقد اتصلت بالعمل قبل قدومها إليه؛ طرقت على باب شقته عدة مرات حتى يئست وقاربت على الرحيل، لكنه قرر أخيرًا التنازل وفتح الباب.
ابتعدت من أمامه ودخلت للشقة ثم تخصرت وهي تنظر له بغضب:
- لماذا لا ترد على مكالماتي؟ مر يومان وأنت غاضب مني؟ هل لي أن أعرف ماذا فعلت لجنابك
جلس على الأريكة دون أن يجيبها، بماذا يجب؟ هي فعلًا لم تفعل شيء يستحق منه أن يغضب بتلك الطريقة، خلل شعره وأجاب:
- أعتذر زهراء لم أكن غاضبًا منكِ؟ أنا فقط كنت أريد الاختلاء بنفسي.
ظلت على وقفتها وسألته في استهزاء:
- ولماذا تريد الاختلاء بنفسك؟ دعني أخمن، لابد أن قلبك كسر وشعرت بالخيانة، عندما عرفت بشراء غسق للصورة وإرسالها لزوجها.
هب واقفًا من مكانه وهو يصرخ في غضب:
- ليس زوجها لقد طلقها.
- أنصحك بأن ترفع صُوتك أكثر، لعل ذلك يصبح حقيقة.
- زهراء كفي عن استفزازي، تعرفين بأن ساجي طلقها، وهي وافقت على الزواج منى، أنا فقط أنتظر أن تلد كي أتزوجها؛ ما فعلته يعد خيانة، كيف ترسل له هدية؟ كيف؟
هل جُن أم ماذا حدث له، لطالما كان آدم هادئ، لم يكن متهور أو طائش، في علاقاته السابقة لم يكن متهور، ربما عندما اقترن بصديقته الأجنبية شعرت بأنه يتخذ بديلة لغسق فقط، كانت ماري تشبه غسق كثيرًا، سُمرة بشرتها، شعرها، حتى طولها نفسه، من يراها من بعيد يعتقد بأنها هي، وكما توقعت لم تدم تلك الزيجة، فقد انفصل عنها قبل أن يكمل العام.
جلست على أقرب كرسي وقررت أن تناقشه بالمنطق لعلة يقتنع:
- آدم، عمليًا ساجي لايزال زوجها، هي في العدة وحتى تنتهي لا يمكن محاسبتها؛ ثم إنها لم توافق على الزواج منك، هي فقط قالت ستفكر في الموضوع، هناك فارق كبير.
زفرت ثم تابعت في هدوء مزيف:
- آدم يجب عليك أن تعترف بأن غسق تحب ساجي، بل تعشقه، حتى لو وافقت على الزواج منك، ساجي صاحب مكانة كبيرة في حياتها، لن تخرجه من قلبها وعقلها فقط لأنك تود ذلك، كما أن هناك رابط قوي بينهما الطفل الذي تحمله غسق، يظل ساجي هو والده؛ في الحقيقة غضبك ليس مبرر، إذا قررت الارتباط بغسق يجب عليك أن تتوقع منها ذلك ومن ابنها كذلك.
يعرف بأنها محقه، بل هو موقن من حب غسق لساجي، وذلك ما يؤلمه وبشده، ماذا يملك ساجي لا يملكه هو؟ على العكس هو يظهر حبه لغسق دائمًا وبسخاء على العكس من ذلك البارد، لأنه قريبها! هو أيضًا قريبها، هو أكثر وسامة منه، حتى العمل هو يملك عمل محترم وله اسم كبير عكس ساجي الذي يعمل في شركة العائلة، أي أنه لا يساوي شيء من دون اسم عائلته ومالها، بل هو من خانها وتزوج عليها، في سوق الرجال هو من يكسب وليس ساجي بالطبع؛ لكنه لن يعترف بذلك خصوصًا أمام زهراء.
نظر لها بغضب شديد، وقد قرر أن يؤلم زهراء لتبتعد عنه، لا يحتاج إلى مواعظها:
- هل تعتقدين أن الجميع مثلك، يوقف حياته على ذكرى لن تعود، بل يوهم نفسه بأنه يخلد اسم أشخاص رحلوا عن حياتنا؟ أنتِ المهوسة بالماضي وليس أنا، أنتِ من تركضين وراء سراب لم يكن يومًا حبًا، نسيتِ بأن كاظم تزوج من قريبته، أعتذر أقصد رفض الزواج منكِ وفضل قريبته قبل.....
لطمة أخرسته، لم يكن يتوقعها، بل كان، ليست زهراء من يتم إهانتها وتسكت؛ ثواني وسمع صوت الباب يغلق بقوة؛ هنيئًا لك آدم لقد خسرت زهراء للتو.
*****
لا تعرف كيف وصلت معها الى المستشفى، لقد نسيت كل ما تعلمت في كلية الطب وسنوات ممارستها للمهنة، كانت خائفة بطريقة لم تشعر بها من قبل، حتى أنها لم تستطع إجراء الفحص الأولي لتتأكد إذا كانت حالة ولاده أم لا، هي حتى لم تغير ملابسها بل خرجت بمنامتها، وهو شيء لم يحدث مسبقًا.
عند وصولهما للمستشفى والكشف على غسق الذي أستغرق وقتًا طويلًا جدا بالنسبة لها، بعد مدة دخلت على غسق الغرفة؛ كانت غسق مستلقية على السرير وهناك جهاز حول بطنها مرتبط بشاشه تظهر نبض الجنين، كما أنهم قاموا بتعليق محاليل لها، لا تعرف الغرض منها ولم تحاول حتى أن تعرف فقد قاربت على الانهيار، جلست بأقرب كرسي، وهي تحاول أن لا تبكي، هذا كثير عليها، لا تستطيع تحمل أن ترى شخص تحبه يموت أمامها مرة أخرى بسبب الحب، لم تتخطى بعد مشهد موت أمها، جميلة أمها التي ذبلت قبل أوانها، لم تشتكي يوما من مرض، بل كانت السند دائمًا لها، هي من كانت تدعي المرض كثير لجذب الاهتمام، ربما يحن عليها والدها ويأتي لزيارتها، بالطبع لم يفعل؛ رغم أنه أقسم بعد ذلك بأنه لم يكن يعرف شيئًا عن مرضها، وأن والدتها أخفت عنه ذلك كلما سأل عليها، تخبره بأن الجميع بخير، لكنها لم تسامحه فعذره أقبح من ذنبه؛ والدتها كانت شاحبة جدًا، زاد شحوبها عن العادي، فقد جلست على الكرسي، وأخبرتها بأن قلبها يؤلمها، لم تكن المرة الأولي، منذ وفاة جدتها وهي تعاني من ألم في القلب، ظنت في البداية أنه من شدة حزنها، فهي تحب جدتها كثيرًا وتناديها أمي، لم تتوقع أبدًا أن تكون فعلًا مريضة، تعاني سكرات الموت، عندما زاد شحوبها وازرقت شفتيها دنت منها فرح لترى ما بها، وهنا اكتشفت أنها فارقت الحياة؛ لم تصدق في البداية بل قامت بتغطيتها لعلها تشعر بالدفء لتفتح عينيها من جديد، لم تخبر أحد بوقتها بل جلست تحت قدميها تنتظر استيقاظها، إياد هو من أكتشف ذلك وأبلغ والده، والباقي لا يهم.
فتحت غسق عينها لترى فرح منكمشة في كرسيها، تنتحب بصوت منخفض.
- فرح لماذا تبكين أنا بخير؟
هبت فرح من كرسيها لتقترب منها وهي تمسح دموعها:
- يا إلهي غسق كدت أن أموت رعبًا وأنا أتخيل أسوأ السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث لك؟
رفعت غسق حاجبيها في دهشه وضحكت رغم شحوب وجهها:
- وتقولين بأني ملكة الدراما، انظري الى نفسك الآن.
ارتفع حاجب فرح وتخصرت وهي تجيب في استهزاء يناقض تمامًا الحالة التي كانت عليها منذ ثواني:
- ماذا بي؟ خفت قليلًا عليكِ هذا لا يجعلني ملكة دراما عزيزتي، والآن أخبريني ماذا حدث هل هي حالة ولادة مبكرة.
ابتسمت غسق، فقد عادت فرح لحالتها الطبيعية:
- ليس تمامًا، نزلت بعض المياه المحيطة بالجنين، لكن الوضع ليس خطير جدًا، سينتظرون قليلًا ليروا ماذا يحدث؟
- لماذا الانتظار؟ أليس من الآمن أن تلدي ثم يوضع الطفلين في حضان.
- لازلت في الاسبوع الثلاثين من الأفضل أن ننتظر قليلًا بما أن الوضع ليس خطير.
- إذن ستظلين في المستشفى حتى تلدين؟
- للآسف هذا ما سيحدث؛ فرح أعرف بأنكِ أتيتِ بسبب طلب مني، لكني أعتقد بأنه من الأفضل أن تعودي للوطن، هناك الجلسات التي لم تحضري منها سوى واحدة، كما أن وضع سراج القانوني غير مستقر؛ وجودك هناك أهم.
انحنت تأخذ الورقة المعلقة بحافة السرير لتقرأها مما جعل غسق تتعجب:
- ماذا تفعلين؟!
لم تجاوبها فورًا بل تابعت ما تفعله ثم وضعت الورقة في مكانها:
- أتأكد من الأدوية الموصوفة لكِ، أعتقد بأنها أصابتك بالهذيان.
- هذيان؟ فرح أنا لا أمزح تعرفين أن الرعاية هنا ممتازة، وجودك بجانب سراج وإنقاذ زواجكما هو الأهم.
جلست فرح على الكرسي وهي تمط شفتيها:
- دعي هذه الليلة تمر وغدًا لنا حديث آخر.
********
لم تستطع النوم، كلمات آدم اخترقت قلبها وفتحت جرح كانت تظن بأنه قفل منذ زمن؛ كاظم.....
زميل الدراسة كان يكبرها بعامين أو أكثر، بسبب لغته الضعيفة درس معها في نفس الصف، كانت تساعده فهو من نفس بلدها، وصل للتو من الوطن، كاظم من علمها التصوير، كان يحمل معه دائمًا كاميرات تصوير قديمة جدًا، جلبها معه فهي تخص جده، رغم أن جودتها لم تكن مثل الكاميرات الحديثة، وطريقة تحميض الصور أصعب، لكنها أحبتها وعشقت التصوير بها؛ قصتهما لم تكن حب من أول نظرة، هي لا تؤمن بتلك الأمور، لا يوجد شيء كهذا، الحب يعني أن تعرف الشخص الأخر، تفهمه، تتقبل عيوبه وتتعايش معها، قبل أن تذوب في مميزاته، لم تحب يومًا قصة روميو وجولييت، أي حمقاء تلك تعشق بعد يومين فقط بل وتنتحر من أجل ذلك الحب المستحيل؟ حتى قصص الأميرات تراها مبتذله، أميرة تستيقظ من نومها بسبب قبلة! وأخري يتزوجها الأمير لأن الحذاء لائم قدمها، لا داعي أن نتحدث عن الضفدع المسحور، تلك القصص الوهمية تصيبها بالغثيان.
الحب بالنسبة لها، أن يشتركا في الحياة، المصاعب، يقوم كل منهما بمعرفة ما يحب الآخر، العشق هو أن تكون سند، تحافظ على كرامة الآخر، تسعى لنيل رضاه، الحب بالنسبة لها هو رحلة حياة؛ مثل رحلة والديها، رغم أنهما خسرا جميع أموالهما بسب الحرب، أصبحا لاجئين في دولة أخرى بعد أن سيطرت العصابات على مدينتهما، حتى أصيبت والدتها بالشلل الرعاش، ذلك لم يقلل من حب والدها لها، بل صمم على الهجرة كي يجد لها علاج، لم يقم يومًا من التقليل منها، بل كان دائمًا يتغزل بعشقها أمام الكل، ويفخر بها، رفيقتي، هكذا يناديها؛ هذا هو الحب بالنسبة لها، هكذا كانت مع كاظم، طوال سنوات الدراسة، إلى أن تغير فجأة، أصبح ينتقدها على كل شيء، ضحكتها عالية، أسلوبها غير لائق، ملابسها لا تناسب فتاة مسلمة، رغم أنها كانت ولازالت محتشمة، لكنه دائمًا يجد شيئًا لينتقده، حتى دراستها للتصوير رفضها، وصل به الحد أن يطلب منها ترك التعليم وأن تلبس النقاب إذا أرادت أن تكمل معه!
هنا كانت صدمتها، هو لم يسبق له أن ناقشها في الحجاب حتى، كيف يأمرها الآن بالنقاب؟ هي لا ترفض الحجاب، بل ترفض الطريقة، هذه ليست الطريقة التي تربت عليها، والدتها محجبة، كذلك زوجة أخيها، إنما نبرة الأمر في صوته لم تعجبها، رفضت وهنا كانت الصدمة؛ تزوج فورًا من قريبة جلبها من الوطن، هذا يعني شيئًا واحدًا، أنه كان يجهز أوراقها منذ مده، إذن كل تلك الترهات فقط كي يجد مبرر لتركها.
بكت حبها ومشاعره ولم تبكيه، فقد انتهي كأنه لم يكن، منذ أن عرفت بخيانته، حاول بعد مدة استعادتها، لكن هيهات ليست زهراء من تلين بعد أن أغلقت قلبها، رغم معرفتها بأنه أطلق اسمها على ابنته، بل حتى ابنه أطلق عليه اسم زاهر، في آخر مرة التقت به عندما حضر معرضها، أخبرها بذلك، ربما تعطف عليه وتقبل رجوعه لها، ردها كان جاهز:
- عندما أرمي شيء لا أنحني كي ألتقطه مرة أخري.
الجملة ألجمته، لم يتحمل معناها، يومها كان آدم موجود في المعرض، هي لم تخبره عنه شيئًا، استغل كاظم وجوده، كان يعتقد بأنه حبيبها، فأخبره بالقصة من وجهة نظره هو، أما زهراء لم تفتح الموضع مع آدم رغم سؤاله عنه أكثر من مرة.
هذا ما جعلها تتألم، لا تصدق بأن آدم يعايرها بشيء لا يعلم حقيقته حتى؟ حسنًا يا آدم، أنا المخطئة، يجب أن يعود كل شخص لمكانه الطبيعي، مجرد غريب.
******
لم يصدق ما سمعه على لسان خالد، لم يكن يتوقع بأن يكون بتلك الدناءة، المسألة ليست منافسة في العمل، بل هو كان يقصد أن يجمع معلومات عنه، ويخفي أخرى كي يضره، حسنًا رُب ضارةً نافعة، على الأقل الآن يعرف جميع الأطراف، من معه ومن ضده، يجب أن يستخدم تلك المعلومات بحذر.
قضى الأسبوع الذي تلى تلك المقابلة وهو يجمع الأدلة لتبرأة سراج، أو على الأقل تجنيبه السجن، القضية محكمة للغاية، للأسف توقيع سراج على جميع الأوراق، كما أنه المسؤول الأول عن المواشي بحكم تخصصه في الطب البيطري، الضربة كانت محكمة للغاية؛ لكن ساجي لن يترك شقيقة يدفع ثمن شيء لم يقترفه، بعد عودته من السفر سينهي الموضوع.
أوصله إياد الى المطار دون أن يخبر أحد كالعادة، اختار طائرة تقلع في وقت متأخر حتى يتجنب رؤيته من أحد معارفه، أو يعرف أحد وجهته، فالسرية هي أكثر ما يعتمد عليها كي تنجح خطته.
ودعه إياد ثم اتصل بفرح فالوقت عندها مبكر نتيجة لفرق التوقيت:
- صباح الخير فرح، اشتقت لكِ، متى ستعودين؟
- صباح الخير إياد اشتقت لك أيضًا، كيف حالك.
- أنا بخير لا ينقصني إلا رؤيتك، هيا فرح عودي، اسمعي ما رأيك بأن تبقي في شقتي من دون أن تبلغي زوجك الجلف.
لم يعجبها اللقب الذي أطلقه إياد على سراج، أرادت أن ترد عليه بلقب أفظع، لكنها تذكرت غضبها من سراج؛ يستحق بأن يلقب بأسوأ من ذلك.
- فرح أين ذهبتِ؟
- هنا، للأسف لا أستطيع العودة الآن غسق دخلت إلى المستشفى وضعها غير مستقر.
عدل من وضعه وهو يسأل في جدية:
- هل حان موعد ولادتها؟
- أنت تعرف بأنها لازالت حامل؟!
- بالطبع أعرف.
- ولماذا أوصتني أن لا أخبر أحد حتى سراج؟
جاوب بملل:
- لأن سراج لا يعلم، أنا وساجي فقط من نعلم بذلك حتى أيهم لا يعرف!
عقدت حاجبيها في عدم فهم:
- ولماذا يجب على أيهم أن يعرف؟
شعر إياد بغباء ما نطق به، يجب عليه الآن أن يبرر لها:
- أعني أني لم أخبر أخي وهو الأقرب لي، أنتِ أيضًا لا تخبري أحد، أنا سوف أبلغ ساجي عندما يعود.
- يعود من أين؟
للمرة الثانية يزل لسانه، ماذا حدث له؟ منذ متى وهو بهذا الاستهتار؟ كيف يفضح أمر مهم كهذا؟
تنحنح:
- من العمل من أين تظنين؟ اسمعي الساعة عندنا قاربت منتصف الليل وأنا لم أنم جيدًا منذ البارحة، أرسلي لي اسم المستشفى الموجودة بها غسق، إلى اللقاء.
أغلق الخط وقد أدرك بعدها بأنه لم يسألها حتى عن حالة غسق وسبب وجودها في المشفى.
ضرب على رأسه وهو يقول:
- حالتك أصبحت صعبة يا ابن بلال.
**********
استطاع في أربعة أيام أن ينهي ما أتي من أجله، سرعة التنفيذ والسرية جعلت مهمته أسهل، حقق مكاسب أكثر من التي توقعها، كما استطاع أن يجد خيط يربط وسام بالمنظمة الإجرامية، رغم معرفته بصعوبة وربما استحالة مقاضاته بسبب ذلك، لكن على الأقل سيكون هذا نقطة ضغط عليه، أما روبين فما وجده يدينها أكثر من الذي توقعه، كيف كان مغفل ولم يعرف عنها هذه المعلومات قبل أن يربط اسمه بها؛ ظل طوال الطريق يفكر في كلام خالد (أنت لا تحب روبين.)
حسنًا هو يعترف الآن بأنه لم يحبها يومًا، حتى في مراهقته، أحب الصورة التي رسمها لها، انبهر بجمالها، رقتها، غنجها ودلالها، هي أنثى كاملة، لكنها لا تغريه، نعم كان ينظر إليها عندما يجتمعان في مكان ما لكنه لم يشعر يومًا بشيء مميز ناحيتها، بل كان ينسى وجودها بمجرد النظر لغسق! إذن لماذا تزوجها؟
عندما عرضت عليه أن يتزوجها صدم! نعم صدم، بعدها شعر بنشوة غير طبيعية، ها هي روبين التي جعلت جميع أبناء العائلة يتصارعون لنيل نظرة رضاء منها، تأتي إليه بقدميها لتطلب يده للزواج! ربما لم يكن ليوافق لولا تدخل والده...
قبل ذلك بسنة في مكتب ساجي في الشركة، جلس خلف مكتبه تعلو ملامحه الصدمة، أما روبين كانت تجلس أمامه تضع ساق فوق الأخرى وهي تنظر له في سعادة وأجمل ابتسامة مرسومة على وجهها بعد أن ألقت عليه القنبلة.
لم ينتبها إلى الواقف أمام الباب لا يقل صدمة عن ساجي لكن غضبه حركه:
- ما هذا الذي تقولينه؟ من الذي يتزوجك ساجي! لن أسمح له بذلك.
واجه ساجي وهو يهتف بغضب شديد:
- اسمع يا ولد لن أسمح بتلك المهزلة، هي كلمة واحدة لن أسمح لك بالزواج على ابنة أختي هل تفهم؟
وقتها أصر ساجي على الزواج من روبين بل وقرر إقامة حفل زفاف كبير، فقط كي يعارض والده ويكسر كلمته، لكنه كسر قلب غسق، وقلبه بالتبعية!
عند هذه النقطة اكتشف بأنه ولأول مرة في حياته يعترف لنفسه بأنه يحب غسق!

*****
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن