الفصل الرابع والأربعون
تتطلع من نافذة الطائرة الخاصة للسحاب، وهي ترسم الخطوط العريضة لحياتها القادمة.
حققت انتقامها من وسام، بعد حفلة تعذيب استمرت لعدة أيام ليدلي بجميع أرقام حساباته البنكية السرية وغيرها من المعلومات المهمة قاموا بإذابة جثة بالأحماض الكيميائية حتى لم يعد له أثر.
شعور بالانتشاء يملأها، ها هي تعود بطائرة خاصة للوطن بعد أن تم تعينها مكان وسام، وقريبًا جدًا سوف تكون المسؤولة عن الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
من كان يتوقع ذلك؛ لكن انتقامها لم ينتهي بعد، فرغم مرور مدة على حبس مُنى لم يظهر ساجي بعد!
توقعت أن يعود فورًا وينهار لما حدث، لكنه خيب رجائها، حتى قضية مُنى لم تتخذ المسار الذي توقعته لها رغم أنها حرصت على تواجد وسائِل الإعلام عند مركز الشرطة الذي تم التحقيق فيه معها، لكن الضجة لم تكن كبيرة كفاية، حتى صورتها تم تعتيمها فلم تظهر ملامحها واضحة ليتعرف عليها الناس بسهولة، أما اسمها فقد تم وضع الحروف الأولى فقط بحجة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
وبعدها لم تظهر أي أخبار أخرى عن القضية كما توقعت، بسبب تورط الكثير من ذوي المناصب والأسماء المهمة بها فقاموا بطرقهم الخاصة بمنع النشر فيها دون أن يستخرجوا إذًن من النيابة! وهل يحتاجون لذلك!
كما أن التحقيق يسير ببطء شديد، والسبب عدم توفر المعلومات الكافية، هي ليست غبية كي تضحي بزبائنها من كبار الشخصيات والمؤثرين في المجتمع، هي فقط ضحت بمن يمكن استبدالهم بسرعة، عدد من الممثلين وعدد من السياسيين الذين تعرف بأنهم كانوا في طريقهم للسقوط لا محالة، رجل أعمال هنا ومسؤول هناك، لا يعرف بعضهم البعض ولا يمكن حتى بعد تحقيق طويل أن يستخرجوا منهم معلومات ذات قيمة قد تهدد المنظمة أو تهددها شخصيًا.
اقتربت منها المضيفة لتضع كأس النبيذ الذي طلبته أمامها بعد أن أضافت له مكعبات الثلج؛ أمسكت الكأس ترتشف منه على مهل وهي تخطط كيف تُشعل القضية عبر الإعلام دون أن تمس عملائها، كما أنها يجب أن تجد طريقة لتوريط ساجي وجعل غسق تعود للوطن في أقرب وقت، لأن جميع محاولاتها لخطف طفليها لم تجدي، فكل من ساجي وغسق لا يتركان الطفلين بمفردهما أبدًا، كما أن التسلل لمنزل أحدهما سيكون خطة خطرة بسبب أجهزة المراقبة.
لن تكرر غلطة وسام وتستهين بأن تفتح عليها جبهة أخرى وتحقيقات في دوله قوية مثل التي تقيم بها غسق، فلتنظر عودتهما وهنا سيكونان في ملعبها.
ظهرت ابتسامة شيطانية تناقض ملامحها الملائكية تمامًا، عندها رفعت الكأس تتجرعه كله دفعة واحدة وهي تهنئ نفسها على تفكيرها العبقري.
*****
لم تتحرك إحداهما بل ربما كتمت كلاهما أنفاسها لعدة لحظات، كادت فرح أن تفر هاربة من الموقف من شدة توترها وخوفها من ردة فعل غسق!
غسق التي لم يظهر عليها أي معالم توضح ما يجول في داخلها، هل هي غاضبة، حانقة عليها تود أن تطردها شر طرده وتسمعها الكلام الذي تستحقه، أم هي حزينة وتشتاق لها مثل شوقها هي وأكثر!
لا تصدق بأنه مر أكثر من سبعة أشهر ولم تراها خلالها أو تحادثها عبر الهاتف، منذ أن تعرفت عليها في منزل المزرعة وهما ملتصقتين معًا لا يفرق بينهما شيء، حتى عند زواج فرح وذهابها لشهر عسل مع سراج (في الواقع كان عبارة عن ثلاثة أشهر وليس شهر واحد)، لم تتوقف يومًا عن محادثتها بالهاتف، بل أحيانًا كان تحادثها أكثر من مرة.
والآن وغسق في أشد أوقاتها احتياجًا تركتها وهربت من المواجهة؟
نعم هي لا تحب الدخول في مواجهات تعلم بأنها سوف تخسرها في النهاية أو تقدم اعتذار على تصرفها وتعترف بأنها مخطئة.
هذا ما اعترفت به لنفسها بعد زيارتها للمعالجة النفسية، بأنها نوعًا ما أنانية تأخذ دون أن تعطي، في المقابل غسق كانت دومًا سند لها في جميع أوقاتها الصعبة، خصوصًا عند موت والدها كانت فرح في حالة يرثى لها لا تعرف ماهية شعورها، هل هي حزينة على موته حقًا أم أنها غاضبة منه لأنه لم يدفع ثمن ما سببه لوالدتها ولها من ألم!
ابتعدت عن الجميع وقتها لكن غسق ظلت معها رغم أنها حاولت إبعادها بلسانها المؤذي عدة مرات دون جدوى، غسق من أخرجتها من حالتها وجعلتها تقتنع بأن ما تشعر به طبيعي، طبيعي أن تحزن على فراق والدها وطبيعي أن تغضب منه أيضًا، المهم الآن أن تدعوا له بالرحمة والمغفرة فهذا ما يستحقه منها بعد أن حاول لسنوات أن يصلح العلاقة بينهما.
طول فتره معرفتهما لبعض وغسق كانت دومًا صوت العقل والحكمة لها، حتى عندما تتجاوز معها في الحديث وهو ما يحدث كثيرًا لم تكن تغضب منها أو تأخذ موقف ضدها، بل تتجاوز بسرعة مع عتاب بسيط في أوقات نادرة.
أما الآن فقد اختلف الوضع، حتى نظرات غسق لها مختلفة، لا توحي بشيء، فلا هي غاضبة ترفض الصلح ولا مشتاقة لشقيقتها الروحية ولا حتى بها لوم وعتاب كما كانت تُظهر سابقًا، لتعتذر لها ربما ترضي أو تجعلها تضحك وتنسى ما حدث.
مرت عدة دقائق دون أي ردة فعل حتى طلت زهراء من خلف غسق تتساءل عن هوية الطارق وقبل أن تفتح فمها رأت فرح أمامها لتتخطى غسق وتندفع ناحية فرح تحتضنها بحب حقيقي لم تتوقعه فرح أبدًا.
- فرح، لقد اشتقت لكِ يا فتاه لا أصدق أنكِ غبتِ طول تلك المدة دون أن تتواصلي مع أحد منا.
ابتعدت عنها وقد لاحظت التغير الكبير في مظهرها الخارجي وفقدانها لكثير من الوزن
لتقول بإعجاب:
- ما هذا لا أصدق لقد أصبحتِ عارضة أزياء، تعالي للداخل سوف تتفاجأ سارة وتالين بمظهرك الجديد.
لم تعطها فرصة للرفض، فقد سحبتها من يدها لتبتعد غسق عن الباب سامحه لها بالدخول للمنزل دون أن تعترض لكنها أيضًا لم ترحب بها وتوافق على دخولها.
بمجرد دخول هتفت زهراء بصوت عالي:
- انظروا من أتي بعد طول غياب وقد تغيرت لتصبح من عارضات فكتوريا سكريت!
في نفس اللحظة شهقت سارة وتالين لرؤية فرح والتغير الذي طرأ عليها.
كانت تالين أول من وصل لها وحضنها:
- لم أكن أدري بأني اشتقت لكِ لهذه الدرجة إلا بعد أن رأيتك أمامي!
تابعت وهي تتفحصها بإعجاب:
- رغم غضبِي منكِ وما فعلته بسراج لكن لا بأس المسامح كريم بما أن سراج سامحكِ سوف أغفر لكِ أنا أيضًا.
رفعت فرح حاجب واحد لتقول بنزق:
- شكرًا لكرمك سيدة تالين، لا أعرف ماذا كنت سأفعل لو لم تغفري لي.
هزت رأسها فهي تعرف بأن الحديث مع فرح لن يؤدي لنتيجة.
أما سارة فقد أخذت وقتها في تأمل فرح ثم حركت شفتيها للجنب بغير رضى:
- حسنًا، أولًا لقد اشتقت لكِ كثيرًا، لكن بصراحة التغيير لا يروق لي! أعني إذا كان ذلك خيارك فلن أعترض فقط أنا عرفت فرح الممتلئة المرحة، أرجو أن لا يؤثر فقدانك لوزنك على روحك الفكاهية.
رفعت حاجبيها في صدمة حقيقية:
- روحي الفكاهية، لم أكن أعرف بأن صِفتي بينكُن هي المهرج!
شعرت سارة بالإحراج الشديد لترد زهراء وهي تجلسها:
- ها قد عادت فرح ولسانها الطويل، اهدئ قليلًا، سارة لا تعني ما فهمته نحن فقط اشتقنا لكِ بكل بساطة.
رغم غضبها لكنها فضلت أن تتجاوز الموضوع، فهي لازالت لا تعرف موقف غسق منها حتى الآن، صحيح أنها لم تقم بطردها بعد لكنها تبدو جامدة معها.
أجلت حلقها لتقول بهدوء:
- أين الأطفال أرغب في رؤيتهم وأين آدم؟ لا أصدق بأن ساجي يعيش بقرب منزلك وآدم لم يعارض ذلك! ماذا حدث ليكون متفهما لهذه الدرجة؟
ساد صمت ثقيل المكان بعد إلقائها لتلك الكلمات، تغيرت ملامح الجميع كُلٌ حسب ما
يشعر به، فقد شحب وجه غسق وظهر عليها بعض الألم والامتعاض والتقزز معًا؛ أما تالين فقد امتلأت عينيها بالدموع التي بالكاد استطاعت حبسها لكن الألم ظهر واضحًا على ملامح وجهها الجميل وقد شاركتها سارة ذلك مع شعور بالتقزز الواضح للعيان،
أما زهراء، فقد ظهر الخزي عليها بطريقة غريبة، كأنها من قامت بفعل تلك الجريمة الشنعاء أو كانت المحضرة لها، لدرجة شعرت بها بنقص الأكسجين حولها لتقف وتتجه للنافذة تفتحها وهي تستنشق الهواء منها بقوة جعلت فرح تستغرب ردة فعلها، بل ردة فعل الجميع على جملتها.
تحدثت غسق لأول مرة بصوت بارد:
- لقد انفصلت عن آدم منذ مدة، لم يعد له دخل بحياتي لا هو ولا غيره.
حسنًا واضح من تقصد بغيره، لن تسال عن السبب أو الوقت رغم استغرابها بأنها لم تسمع بذلك، بل لا يعرف بتلك المعلومة أحد في الوطن، ربما الانفصال حدث مؤخرًا؟
هناك الكثير قد فات عليها وعليها اللحاق بالمستجدات!
مر الوقت ولم يهدأ التوتر بين غسق وفرح، فقد تجنبت غسق فرح معظم الوقت رغم محاولات فرح المتكررة للحديث معها أو التدخل في حديثها بأي طريقة، وقد لاحظت سارة ذلك لتجذبها للمطبخ دون أن تثير انتباه الباقي.
- غسق ما هذا الذي تفعلينه؟ لا يمكنكِ تجاهل فرح بهذه الطريقة لقد شعرت بالإحراج بدلًا عنها.
كتفت يديها وهي تقول:
- وماذا فعلت لقد هل طردتها مثلًا؟
- هذا ما ينقص؟
- غسق كفي عن تلك الحركات أنا وأنتِ نعرف جيدًا أن ما تفعليه هو تعبير عن عدم رغبتك في بقائها في منزلك، ترفقي بها من الواضح بأنها نادمة وقد جاءت معتذرة.
- وما المطلوب مني بالضبط؟
- لا شيءٍ فقط حاولي الابتسام قليلًا لا أعتقد بأن ذلك كثير عليكِ.
حركت عينيها في ملل دون أن تجيب، لتتركها سارة وتخرج من المطبخ، وقفت أمام آلة تحضير القهوة تنتظر أن تنتهي من تحضير قهوتها، وهي تفكر في كلام سارة، وقد تذكرت كلام الطبيبة، ربما هي محقة فقد أصدرت حكمًا على فرح دون أن تسمع منها أو تعطيها فرصة حتى، ربما حان الوقت لتتنازل عن غضبها قليلًا وتسمح لها أن تبرر تصرفها تجاهها.
بعد قليل وضعت القهوة أمام فرح كبادرة صلح لصفاقتها غير المعهودة معها.
شعرت فرح بالسعادة لتلك البادرة وأخذت قهوتها وهي تشكر غسق بشكل مبالغ فيه، ثم ارتشفت منها لتكتشف بأنها مُرة المذاق!
مالت زهراء تهمس بأذنها:
- مُرة صح؟
هزت رأسها دون أن تجيب وقد ظهر الجواب جليًا على وجهها
أخرجت زهراء قطعه شوكولاتة من حقيبتها ووضعتها في قهوة فرح، ثم أشارت لها بعينها كي تشربها لتفعل فرح وقد تعدل قليلًا مذاقها.
زمت سارة شفتيها في غضب مكتوم وهي تقول:
- زهراء لا تفسدِ مذاق القهوة عليها، يكفي اني لا احاسبك على افساد القهوة التي احضرها لكِ.
رفعت حاجبها وهي تقول:
- أفسدتها، لا بد أنكِ تمزحين!
- انتن تشربن علقم لا قهوة، القهوة لتعدل المزاج لا لتقلب المعدة بمذاقها المُر.
اتسعت عيني سارة وشهقت كان أحدهم قام بإهانتها وكادت أن تهجم على زهراء لولا أن تالين تدخلت لتهدأ الأجواء.
لتجلس بقرب زهراء وهي تقول في مرح مصطنع:
- كفي عن محاولة إثارة غيظي سارة، فهي قد تفهم كلامك بطريقة خاطئة وتعتقد بأنكِ تهينين قهوتها.
ثم التفت لسارة لتقول مغيرة للموضوع:
- متى سترحل حماتك؟ أعتقد بأن عمر أصبح في حال أفضل الآن.
- تنهدت سارة بصوت عالي:
- في نهاية الأسبوع، لقد قامت بإحراج عمر مع نصف أصدقائه على الأقل، وهي تقوم بالتخطيط لتزوجهم من قريباتها، للصدفة قد نجحت فعلًا في خطبة اثنين من قريباتها لشباب هنا هل تصدقن ذلك؟
رفعت غسق يدها كأنها طالبة مدرسة تطلب الإذن من المدرس لتجيب على السؤال:
- أنا أصدق رأيتها بعيني تخطط لتزوج ساجي من ابنة أختها وقبلها ابنة سلفتها الحرباء،
انطلقت القهقهات من الفتيات ما عدى فرح التي لم تفهم عن ماذا يتحدثن.
لتكمل زهراء:
- المهم أن صحة عُمر تحسنت وأنهم ألقوا القبض على العصابة كلها.
عقدت لحاجبيها وقد ظهر الاستغراب عليها:
- أي عصابة وما به عُمر لماذا تقولون بأن حالته تحسنت؟
رفعت حاجبيها وكتفت حاجبيها لتقول غسق بصوت حاد هازئ:
- بالطبع فأنت لا تعرفين ماذا حدث؟ لقد تعرض البنك الذي يعمل به عُمر لعملية سطو مسلح نتج عنه إصابته بالرصاص وفقدانه لكبده، وقد دخل في غيبوبة طويلة حتى تحصل على كبد من متبرع، أما الباقي فهو تبعات لذلك إنها أمور تافهة لا يجب أن تقلقيِ نفسك بها، آه وأنا تزوجت آدم الذي ظهر بأنه حيوان ونذل وهو الآن بالمناسبة يقبع بالسجن، أما طفلاي فقد ولد أحدهما بثقب في القلب، هذي بعض المستجدات التي فاتتك فرح عندما قررتِ الذهاب وترك الجميع دون أن تهتمي بالاتصال بأحد منا، معتمد على أن الجميع سوف ينتظر قدوم فرح ويعبرها لأنها غاضبة من شيء ما أو ربما لا شيء فقط لأن والدها تزوج على والدتها من قبل أن تولد حتى، يجب أن نتحمل كل ما تقوله وتفعله برحابة صدر وننتظر الوقت الذي تتكرم وتعود فيه لنا دون أن نعاتبها أو نلوم حتى.
شعرت فرح بأنها تلقت لكمة قوية جراء كلمات غسق الحادة، لكنها وللأسف كانت محقة في كل كلمة نطقت بها؛ فهي قامت بقطع صلتها مع الجميع وعندما عادت لم تقوم حتى بالاعتذار من الفتيات على فترة غيابها ورفضها تلقي مكالمتهن بحجة أنه متعبة نفسيًا.
بصوت خفيض قالت تالين:
- لا بأس غسق كلنا نعرف فرح قلبها طيب وهذا طبعها هيا لن نفسد جمعتنا مرة أخرى بسبب عدم اعتذارها، أنا أعتذر نيابة عنها.
استقامت زهراء وقال بحزم غير قابل للنقاش:
- هيا يا بنات لقد تأخر الوقت كما أن غسق وفرح لديهما حديث طويل خاص لا يجوز أن نتطفل عليه.
بدون مناقشة أخذت كل من سارة وتالين حقيبتهما وتوجه الجميع للخارج بعد وداع خفيف لم ترد عليه غسق من الأساس.
شعرت فرح بغصة مدببة تجرح حلقها وتمنع تنفسها لتبتلعها في ألم.
انفرجت شفتيها قليلًا دون أن تقدر على إخراج الكلمات منها، لتحاول مرة أخرى فخرجت بصوت محشرج:
- أعرف بأن كلامِي لن يفيد بشيء الآن، لكني فعلًا لا أجيد التعامل مع انهيارات الغير، وأنتِ أكثر من يعرف ذلك لطالما كنتِ أنتِ من يتحمل انهياراتِي لا العكس، وأنتِ لم تنهاري إلا يوم والدك، بصراحة لم أقدر على تحمل ما سيحدث بعدها خصوصًا وأني عرفت بحالة الطفلين الصحية، عدت للوطن أبحث عن العون، عن كتف يتحمل انهيارِي لكني فوجئت بأن سراج كان قد خطط للزواج من سابين، ليحل بعد ذلك زواج إياد منها وطلاق سراج لي وهلم جره لم انتهي من دائرة المشاكل التي دخلت بها إلا منذ مدة قليلة لأعرف بأن شقيقي مغرم بالمرأة التي كنت أظنها تجري وراء زوجي.
- أنا! أنا، أنا، هذا كل ما سمعته من حديثك.
رفعت فرح عينها لها في صدمة، تابعت وهي تجلس امامها وقد وصل غضبها منها لحد لا تتوقعه:
- كل ما قلتيه لا يبرر ما حدث، لقد تسببتِ بارتفاع ضغط الدم عندي مما أدى لولادتي مبكرًا، رغم ذلك لم تبقي لتعرفي ما حدث بل ذهبتي؛ لأن فرح لا تتحمل أن ترى عواقب أفعالها!
أتعرفين ما حدث لي؟ حسنًا سوف أخبرك رؤوس أقلام، بعد أن تم حجز تيام لمدة طويلة ذهب ساجي ليحضر عزاء والد روبين وتركنا دون أن يطمئن على حالة ابنه، وطبعا آدم قام باستغلال ذلك في التقرب مني رغم أنه كره طفلاي لكنه نجح في استغلال حبس سراج وإرغامِي على الزواج، وإياد قام بتزكيته ذلك الزواج طالما هو في مصلحة العمل، آه وقد عدت ليتم التحقيق لكن لا يهم فقد عرفتِ بذلك ولم تحاولي التواصل معي، آه نسيت آدم اغتصبني وهو الآن في السجن بسبب ذلك، وأنا أتعالج نفسيًا بسبب ما حدث أمام طفلي، كما أني عرفت بأن عمتي من قامت بقتل أهلي بالتخطيط مع زوجة خالي وهي تقبع الآن في السجن بسبب ذلك وأتمنى أن لا تخرج منه أبدًا، كما أن عمتي توفيت ولا أقدر إلا أن أدعو لها بالرحمة! كيف ولماذا؟ لا أعرف.
استغرقت فترة طويلة لتستوعب كل ما قالته غسق، لا تصدق أن كل ذلك في المدة التي غابت فيها عن صديقتها؟
كيف تسمي نفسها صديقة وهي لم تهتم بمعرفة ما حدث لها بحجة الغضب من سراج!
بعد فترة استطاعت أن تستجمع شتات نفسها لتقول بهدوء بدا غريبًا حتى عليها هي:
- مُنى ليست مسجونه بسبب تخطيطها في مقتل والديكِ!
نظرت لها غسق في تساؤل لتكمل:
- مُنى مسجونه في قضية آداب!
- ماذا قلتِ؟!
صدح صوت رجولي عالي من خلفها لتلتفت له وتجد ساجي يرتدي حمالة خاصة للأطفال يضع بها أحد الصغيرين والآخر وضعه في عربة الأطفال ومن خلفه إياد الذي فغر فاه من الصدمة.
الواضح أن الأخبار هنا تصل متأخرة! هذا ما فكرت به فرح.
أما غسق فلم تكن أحسن حالًا من ساجي، رغم عدم الود الذي جمعها بمُنى طوال سنوات معرفتها بها، لكنها كانت تفكر في ساجي وتأثير الصدمة عليه، كما أنها تفكر في الأكثر أهمية من ساجي ومنها شخصيًا، طفليها وتأثير تلك الفضيحة على حياتهما، بدلًا من جدة واحدة موصومة بالعار الآن كلا الجدتين لديهما سمعة شائنة.
سمعت صوت ساجي يسأل فرح عن حقيقة ما سمع لتنظر له، وكم تمنت لو استطاعت أن تأخذه بين يديها وهي ترى تلك النظرة في عينيه، نظرة الجزع، تعرفها جيدًا مهما حاول إخفائها عن الآخرين!
رغم بروده الذي يتظاهر به ونجاحه في خداع الجميع بإقناعهم بأنه لا يهتم ولا يشعر بأحد، لكنها تعرف بأنه يهتم، بل يهتم كثيرًا، تذكر عندما مات بلال العلي بعد انتهاء مراسم الدفن والعزاء ذهب إليها، في البداية لم يتكلم هي من أخذته في حضنها عندما رأت نظرة ألم في عينيه لتنزل دموع منها دون صوت، قد تكون المرة الوحيدة التي سمح بها بنزول دموعه علنًا أو في الخفاء حتى، لكنها لم تهتم بل شدته أكثر لصدرها كأم تحتضن صغيرها الذي يبكي فراق والِده.
ساجي كان يحب بلال ويحترمه كثيرًا وقد شعر بفقدانه مثل إياد وأيهم، لكنه كالعادة لم يظهر ذلك لمخلوق سواها، من وقتها وهي من تخفف عنه كل ما يؤلمه أو يضايقه حتى، وحدها من تعرف ساجي الذي لا يعرف أحد سواها.
فلتدع الغضب واللوم على جنب، وحتى إحساسها بالغدر منه، الواقع بأن لها مكانة مميزة فريدة في حياة ساجي لم ولن يحتلها سواها؛ والآن بالذات تتمنى لو أنهما لم ينفصلا، لكانت أخذته بين يدها وربتت على ظهره ثم أراحت رأسه على فخذيها لتخلل شعره بيدها كما كانت تفعل حتى ينام بعد أن يفصح لها عن مكنون صدره وما يضايقه، حتى لو كان مجرد صفقة عمل فشل في أن يتحصل عليها أو شجار تافه مع سراج على كيفية إدارة العمل، ما بينهما لم يكن الجفاء والاهمال كما كانت تحاول إقناع نفسها ومن حولها، فقط كي تنجح في انتشاله من قلبها والقضاء على أي ذكرى جميلة لهما معًا.
قالت فرح ببطء مدروس:
- في الواقع لا نعرف جميع ملابسات القضية، فقط أنه تم إلقاء القبض عليها في شقة مشبوهة وهناك أدلة تشير بأنها تدير شبكة للأعمال المنافية لل..، تعرف قصدي.
- أمي أنا تدير شبكة مشبوهة؟!
لم يكن سؤال بل استنكار في الواقع؛ كان غافلًا عن ما حوله لدرجة جعلته ينسى بأنه لايزال يحمل تيام في حمالة الأطفال المعلقة بصدره وجلس على الكرسي وهو فيها؛ لتنحني عليه غسق لتحرر تيام من الحمالة، عند انحنائها عليه شعر بأنفاسها تلفح أسفل رقبته لتختلج دقات قلبه بشدة، في مشهد منافي للموقف الذي هم فيه؛ أغمض عينيه يستمتع بعبيرها الذي غمره من قربها الشديد وكاد أن يمد يده ويتلمس بشرتها الناعمة.
- ماذا قال المحامي هل هناك أدلة قوية ضدها؟
صدح صوت اياد لينهي اللحظة الحالمة بين غسق وساجي؛ فابتعدت غسق حاملة تيام ثم وضعته على الأرض في مكانه المخصص للألعاب ثم أنزلت تيم من عربته لتضعه بجانب شقيقه.
في تلك الأثناء ردت فرح وهي تهز كتفيها في عدم معرفة:
- لا أعرف الكثير، هي ترفض الزيارة وسراج من يتواصل مع المحامي كما أنه حاول التواصل مع ساجي لكنه يرفض الإجابة على هاتفه.
- ماذا تعنينِ بأنكِ لا تعرفين وأنها ترفض زيارتكم؟ أين أبي؟ أين أخوالي، كيف لها أن تقبع طوال تلك المدة في السجن دون التوصل لحل؟ هل يجب أن أفعل أنا كل شيء؟ ماذا لو كنت غير موجود؟ مريض أو مصاب أو ميت حتى، هل ستتوقف حياة الجميع لأني لم أجب على هاتفي لبضعة أيام! هذه مهزلة.
كان يصرخ وهو يتحدث دون إدراك منه حتى جفل الطفلان من صوته العالي ليتوقفا عن اللعب وينظرا له بخوف؛ أسرعت تدخلهما لغرفتهما ثم طلبت من المربية أن تبقى معهما قليلًا.
أما إياد فلم يكن حاله أفضل من ساجي؛ عدم معرفته بتلك الكارثة حتى الآن يعد مشكلة كبيره جدًا، من الواضح بأن وجودهما معًا بعيدًا عن الوطن جعل حالة التواصل معهم سيئة والعمل بالتالي، يجب عليه بأن يسرع في خطوة رجوعه للوطن.
عدت فرح في داخلها للرقم خمسين قبل أن تتكلم، تكنيك جديد تقوم به منذ فترة حتى لا تتهور في الرد وجرح المقربين لها؛ أخيرًا قالت بغضب مكتوم:
- لا تلوم سراج هو حاول ويحاول أن يتوصل لحل منذ أن عرف لكن القضية معقده للغاية و المتورطين بها أسماء مهمة، كما أن والدتك ترفض التواصل معه وإعطاء أي معلومات، ماذا سيفعل لوحده؟ لا تنسى بأن قضية سراج لم تنتهى بعد وأي تحرك منه في الاتجاه الخاطئ قد يكلفه حريته.
كور قبضته حتى ابيضت مفاصله ليكتم القليل من غضبه وكاد أن يتكلم لولا أن غسق سبقته لتقول بسرعة كأنها عرفت بأنه يريد الكلام:
- لا داعي لرمي التهم الآن، يجب أن نعرف ما هي ملابسات القضية وإلى أي مدى تورط زوجة خالي بها أولًا، وبعدها نقرر خطوتنا التالية.
التفتت لساجي لتقول بتصميم:
- يجب أن تعود وتتابع القضية بنفسك.
انفرجت شفتيه وقبل أن يخرج منها حرف قالت بسرعة:
- لا تعارض تعرف بأنه لن يقدر على حل هذه المسألة إلا أنت، فلا داعي لتضييع الوقت.
نظر لعينيها لمدة طويلة، وكأنه يتبادل معها حديث خاص لا يفهمه سواهما، وقف ولم يبعد عينيه عن خاصتها ثم قال وهو يخرج من منزله:
- لن أعود، ربما هذا عقابها لما فعلته بعمتي.
*****
عندما هبطت الطائرة بروبين عدلت من هندامها وأخذت حقيبتها التي كلفتها ثروة لتنزل منها كملكة متوجة، أو هكذا ظنت نفسها، لتجد الشرطة في استقبالها على باب الطائرة
لم تستوعب ما حدث، خلال لحظات وجدت نفسها مكبلة بالأصفاد الحديدية وتم وضعها في سيارة للشرطة منها إلى مركز أمني لا يدخله المجرمين العاديين، عقلها لم يقدر على تحليل ما جرى بسرعه لتصاب بنوبة هستيرية من الصراخ بعد أن واجهها ضابط الأمن رفيع المستوى بالتسجيلات ضدها والأوراق التي تؤكد بأن شركة والدها قامت بشحن حاويات ممتلئة بالبشر لدول أوروبا تحت شعار أنها مواد غذائية، بالإضافة لعمليات غسيل الأموال وبيع الأعضاء والكثير من التهم التي لا حصر لها.
الضربة الكبرى كانت في أن والدتها شهدت ضدها كي تبرئ نفسها، وحملتها المسؤولية الكاملة عن التصرف في كل الشحنات الخاصة بالشركة بحجة مرض زوجها وأنها كانت ملازمة له، كما أنها صُدمت بأن المزرعة الخاصة بوسام مسجلة باسمها هي!
وهناك الكثير ممن شهدوا بأنها تذهب لهناك كثيرًا وتقيم بها لعدة أيام أيضًا.
لم تنتبه حتى لكلام الضابط الذي أخبرها بأنها مطلوبة للتحقيق في عدة دول أجنبية بتهمة التجارة بالبشر.
****
في النصف الآخر من الكرة الأرضية أنهى رئيس العصابة قراءة التقرير الذي قدم له بشأن عملية القبض على روبين.
سأله مساعده بعد برهة من الزمن:
- لا أفهم لماذا جعلتهم يقبضون عليها؟
لم تتغير ملامحه وهو يجيب:
- وسام كان يخطط للإيقاع بها منذ مدة وقام بتقدم تلك الأدلة بطرق ملتوية حيث لا يظهر بالصورة؛ للأسف رغم خيانته لكنه شخص ذكي جدًا فقد عرف بأمر مراقبة المزرعة من الشرطة وقام بوضع اسم روبين بدلًا عنه بكل سهولة وهي وقعت في الفخ.
كما أن مساعدتنا لروبين لن تأتي بفائدة للمنظمة، فهي ليست بتلك الأهمية كما أن حقدها يسيرها وهذا خطأ كبير في عالمنا كما تعرف، يجب أن لا تكون لك أي مشاعر سلبية أو إيجابية في ما يخص العمل.
هز رأسه دليل على الفهم ثم طرأ على رأسه سؤال:
- ولماذا لم تبلغ عن موت وسام بل تركت أولاده، توقعت أن تبحث عنهم وتقتلهم؟
ارتسمت نصف ابتسامة على شفتيه ليقول بغرور:
- عيبك أنك محدود التفكير جو، اسم وسام موجود في جميع ملفات التحقيق، رغم أن روبين من تحملت الذنب لكن الشرطة لن تغفل عنه، هو الآن بالنسبة لهم شريك روبين، يعني هو من سيلقى عليه جميع التهم التي ستحصل بعد ذلك، لماذا لا ندعه ورقة في صالحنا، بذلك ننجح في إخفاء عملينا الجديد لمدة طويلة.
أما بالنسبة لأولاده فلن استفيد شيء من موتهم على العكس وجودهم أحياء سوف يعزز بأن وسام وراء كل الجرائم، بل هو الرأس المخطط لها، ومن يعرف قد نستفيد منهم يومًا ما في المستقبل، لا تنسى بأنهم سوف يقيمون مع خالهم بعد أن بعثت له مرسال بأنهم لازالوا أحياء يرزقون وهو ذو مكانة جيدة في المجتمع من يعرف إلى أين قد يصل.
صفق المساعد بيديه في مرح وهو يقول:
- متى تتوقف عن إبهاري سيدي؟
- عندما أكون تحت التراب.
أو ربما سيقوم أحدكم بإذابة جثتِي مثل وسام(كان يود قول ذلك لكنه كتمها بداخله) في هذا العالم يعرف الجميع بأن نهايتهم لن تكون سعيدة أبدًا.
******
يقبع في مستشفى السجن بعد أن قام مسجون آخر بضربه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه، لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها للضرب رغم أنه حاول تجنب المشاكل بقدر المستطاع حتى ينهي مدته بسلام، بدا واثقًا من أن ساجي خلف ما يحدث له.
فقبل اسبوع أو أكثر لا يعلم تحديدًا، كان لدية زياره، لكن الزائر كان آخر شخص يتوقع حضوره!
ساجي القاسم!
جلس آدم خلف الزجاج الفاصل ورفع سماعة الهاتف ليتحدث من خلالها مع ساجي، الذي يجلس أمامه بتعالي واضح.
رفع السماعة من جهته بعد مدة ليست قصيره، كأنه يقصد بذلك إخباره بأنه يتعطف عليه بالحديث معه برغم أنه هو من جاء له لا العكس.
بكل الغضب والنفور الذي بداخله قال:
- ماذا تريد ساجي لماذا طلبت زيارتي؟
ظهرت ابتسامة هازئة على شفتيه وهو يقول:
- اشتقت لك.
- هات ما عندك ساجي وإلا سأنهي هذه الزيارة غير المرغوبة.
- تعرف ماهي مشكلتك؟
خفض صوته وجعله أكثر صرامة وهو يتابع بنظراته الحادة له:
- أنك نكرة، رغم يقينك من ذلك لكنك تصمم على أن تثبت العكس، ولمن؟ لأكثر الناس الذين يعرفون حقيقتك، منذ أن تجرأت وطلبت يد زوجتي مني، ورغم أني أخبرتك بأن تبتعد عنها وحذرتك من محاولة الاقتراب منها، وأنا لم أقم مرة بأذيتك، سواء على المستوى الشخصي أو حتى في العمل، كنت على علم بمحاولتك البائسة للتقرب من غسق، ولم أتدخل لأني أعرف بأنها تريد أي صلة بعائلة والدها القذرة، تركتها تتواصل معك بسبب ثقتي بها ولأنك كنت تحت أنظاري؛ لكنك استغللت ما حدث لي ولها وأظهرت معدنك الحقيقي، حقيقة عائلة الديب الخسيسة، والآن آدم جاء وقت الحساب، ولا تظن بأن جدران السجن ستحميك مني أو تمنع ما أنوي فعله بك.
سكت قليلًا ثم تابع:
- من حسن حظك بأني لا آخذ ثأري من الأطفال وإلا..، لكن لا تكن مطمئن برغم صمتي فإن انتقامي طويل ولن ينتهي بسهولة أعدك بأن أجعلك تندم على اليوم الذي تعرفت فيه على غسق.
أغلق ساجي سماعة الهاتف واستقام من كرسيه يود الذهاب، لكن آدم أخذ يطرق على الزجاج الفاصل بقوة وهو يشير للهاتف كي يأخذه.
رفع سماعه الهاتف، ليقول آدم بغضب شديد:
- من تظن نفسك لتهددنِي بتلك الصفاقة، هل نسيت بأنك في أرضي؟ يجب أن تعرف بأن لا سلطه لك هنا ولن تفعل لي شيء وإذا فكرت فقط بالاقتراب من ابني سوف أمحوك من على وجه الأرض.
رفع حاجبيه ولم تختفي الابتسامة المستفزة عن شفتيه ولم يضف حرف آخر.
والآن تأكد بأن ساجي وراء ما يحدث له في السجن، ولن يتوقف قريبًا، يجب أن يحذر زهراء وابنه، المشكلة بأنه ممنوع من الزيارات بعد أن وجد معه الحرس ممنوعات لا يعرف من وضعها له؟! سؤال غبي بالطبع ساجي قام بشراء بعض المساجين هذه مهمة ليست صعبة في أي مكان في العالم، الخوف بأن يكون قام بشراء الحرس، عندها لن تقوم له قائمة بل لن يخرج من السجن على قيد الحياة.
******
بعد خروج ساجي من منزل غسق أراد إياد اللحاق به لكن غسق أوقفته.
- اتركه الآن يجب أن يظل لوحده غدًا صباحًا سوف أتحدث معه، أما الآن لا تحاول حتى الاتصال به.
طاوعها؛ فهي أكثر من يجيد التصرف معه في هذه الحالات، رغب بأن يأخذ فرح معه للبيت لكنها رفضت وفضلت البقاء مع غسق، جلب لها حقيبة ملابسها وتركها تبيت عندها؛ في الواقع كان مرتاح للفكرة، برغم أن سابين وافقت على أن تقيم فرح معهما لكنه كان يعرف بأنها من داخلها لا ترغب بذلك، فعلت ذلك من أجله هو فقط.
بعد أن أخذت حمامها وبدلت ملابسها لملابس مريحة ذهبت فرح لتجلس بقرب غسق في سريرها، وجلبت معها صينية بها بعض المكسرات الصحية؛ أغلقت غسق هاتفها ونظرت للصحن بريبة دون أن تتحدث ثم أخذت منه قليلًا وأخذت تأكل منه.
- مع من كنتِ تتحدثين؟
أنهت ما تمضغه ثم قالت وهي تضرب بأصابعها على الحاسب الشخصي:
- مع سراج طلبت منه أن يرسل لي أوراق القضية، لدي شعور بأن هناك شيء غير صحيح، لا أصدق بأن مُنى تتورط في هذا الأمر.
رفعت حاجبها وهي تنام على بطنها وتلعب بقدميها:
- وأنا من كنت أعتقد بأنكِ ستطيرينِ من الفرح عند سماعك الخبر.
توقفت عن ما تفعله ونظرت لها بعينين متسعتين:
- افرح! هل نسيتِ بأنها جدة صغيريَّ، وهما من سيرثان السمعة السيئة بعدها!
اعتدلت فرح في جلستها فربعت قدميها وهي تسند فكها على يديها التي ثبتتها على ركبتها:
- لقد نسيت ذلك تمامًا، سراج أيضًا حزين رغم أنه يدعِي غير ذلك، كما أني لاحظت صدمة ساجي.
اعتدلت فجأة وهي تقول كأنها اكتشفت شيء كبير:
- لقد تغير ساجي لم ألاحظِ بأن له مشاعر واضحة نوعًا، وكما أنه يحمل الطفل بشكل حنون، لولا تاريخه الأسود لكنت قلت بأنه بدا كأب حقيقي.
عقبت غسق عليها من دون أن تنظر له:
- هو أب حقيقي سواء أعجبك ذلك أو لا، كما أن منظره مع الولدين جميل جدًا لدرجة أن زهراء سوف تقوم بجلسة تصوير له.
- جلسة ماذا يا عمري؟! وكيف وافقتِ بالله عليكِ؟
هزت كتفها وقالت من دون مبالاة:
- وما دخلي أنا كي أرفض أو أوافق.
- غسق لا تستفزيني ماذا تعنين بما دخلك؟ إذن من له الدخل؟ ثم لماذا تحوم زهراء حول رجالك دائمًا؟
- رجالي؟!
- تعرفين ماذا أعني؟ مرة آدم ومرة ساجي!
- كفي عن إلقاء الاتهامات هي لا تدور حول أحد، زهراء مصورة وطبيعي أن تعجب بشكل ساجي وتطلب بأن يكون موديل لها مع الطفلين، ثم أنه لم يوافق فهدئي من ثورتك.
-على ذكر آدم هل صحيح بأنه اغ...
لم تقدر على تكملة الكلمة فقد شعرت بقبضة في قلبها، ووجع لا مثيل له يعتريها.
شعرت بها غسق فربتّ على يدها:
- قصة طويلة لا أرغب في الحديث عنها الآن.
دون أن تشعر نزلت دموعها صادقة.
- لا أصدق بأنه استغلك وقام بذلك، وأنا من كنت أشجعك للتقرب منه.
تنهدت وأغمضت عينيها كي لا تعود لتك المشاعر المؤذية عندما تذكر الحادثة، ثم قالت:
- أنا أيضًا قمت باستغلاله، كنت أعرف بأن ساجي يغار منه جدًا وهذا أرضى الأنثى بداخلي وجعلني أشعر بحب ساجي لي أو أتوهمه بالأحرى.
شعرت بدموعها تحارب بشدة لتهرب من مقلتيها لكنها نجحت في حبسها بعيدًا عن أنظار فرح.
أغلقت الحاسب الآلي ووضعته بجانبها ثم أغلقت ضوء السهارة:
- تأخر الوقت نامي الآن وغدًا لنا حديث آخر.
تعرف بأنها تهرب منها لكنها لن تحاول الضغط عليها، لتدع الأمر يمر لعل غدًا أفضل لهما.
*****
رغم أنها تضع هاتفها على الوضع الصامت لكنها استيقظت على صوت اهتزاز لتجد بأن المتصل هو ساجي، رغم أن الساعة لم تتجاوز السابعة صباحًا!
حاولت طرد النعاس وهي تجيب بقلق:
- ماذا هناك ساجي؟ هل الطفلين بخير، تيام بخير هل أصابته حمى.
- اهدئي الطفلين معكِ هل نسيتِ؟
جلست بعد أن كانت تبدل ملابسها في عجالة:
- لم تتصل في هذا الوقت إذا كان الطفلين ليسا معك؟
- هل يمكنكِ أن تتناولين الإفطار معي...
عندما لم تجيبه تابع يحثها لقبول عرضه:
- ليس في منزلي بالطبع هناك مطعم يقدم إفطار نباتي بالقرب من هنا، أرجوكِ أحتاج أن أتحدث معكِ.
- حسنًا أرسل لي عنوان المطبع لنتقابل هناك.
- أنا أمام منزلكِ أحضري معكِ الأطفال من فضلكِ.
- لا أعرف الوقت مبكر لا زالا نائمين.
- موعد الإفطار بعد أقل من نصف ساعة لابد بأنها استيقظا هيا غسق لا تغيري ملابسهما الجو ليس باردًا بالخارج.
- حسنًا انتظر حتى أخرج لك، فرح نائمة لا أريد إيقاظها
خرجت بعد أكثر من خمس وأربعين دقيقة، لتجده يقف أمام منزلها بهدوء ظاهر، لكنها متأكدة بأنه يغلي من داخله لتأخرها عليه كل هذا الوقت.
قالت ببراءة مصطنعة وهي تعطيه تيم:
- هل تأخرت عليك؟ قمت بإطعام الصغيرين أولًا حتى لا يجوعا ونحن بالخارج.
زم شفتيه وقال من بين أسنانه:
- لا ليس كثيرًا هيا بنا قبل أن ينتهي موعد الإفطار ويبدأ المطعم في تقديم وجبات الغداء.
لم تقدر على كبت ضحكتها فخرجت عالية صافية طويلة، راقبها وهو يدفع عربة الطفلين أمامه باستمتاع لم يقم بإخفائه ولم يحاول حتى، تابعا المشي للمطعم فاختارت طاولة في الخارج، بعد أن طلب كل منها الطعام الذي يرغبه.
جلست وقام ساجي بوضع الطفلين في الكرسي المخصص لهما ثم جلس مقابلًا لها يتطلع لها بنفس النظرة التي جعلتها تحمر خجلًا:
- هلا توقفت عن النظر لي بتلك الطريقة.
ابتسم وهو يقول لها:
- لم أركِ تضحكين بتلك الطريقة منذ زمن.
عقدت ذراعيها وحاجبيها:
- أي طريقة تلك التي تتحدث عنها؟
لم يفقد ابتسامته:
- أقصد عندما تضحكين من قلبك حتى تزداد غمازتي خديك عمقًا ويظهر نابك المعوج وتلمع عينيك لدرجة لا أعرف معها لونها الحقيقي!
- نابي المعوج! هل من المفترض أن يكون هذا غزلًا؟
- ليس غزلًا هذا وصفي لك وسبب نظرتِي لك.
شعرت بالغضب، وما أغضبها هو شعورها بالغضب! لماذا تهتم بغزله من عدمه؟
من يظن نفسه هل يتمنن عليها أم يحاول التلاعب بمشاعرها؟
لن تهتم بما يفعل، هي وافقت على الخروج بسب محدد لتدخل في الموضوع إذن.
- ساجي بعيدًا عن مزاحك الثقيل، يجب أن نتحدث عن قضية والدتك.
تغير وجهه للنقيض، بعد أن كان تعتليه ابتسامة رائقة تحول للجمود.
أجلت حلقها ثم تابعت:
- يجب أن تقف معها وتخرجها من تلك المصيبة، كلانا يعرف بأنها لم تفعلها.
- لماذا أنتِ متأكدة؟
تنهدت:
- لأني أعرف أمك، بها كل عيوب الدنيا لكنها لن تجازف بسمعتها مهما كانت المكاسب التي هي لا تحتاجها في الأساس.
لم يجبها بل ظل ينظر لها بشرود:
- لا أستطِيع النظر لها، أنتِ لا تفهمين لقد شاركت في قتل عمتي رغم معرفتها بمكانتها لديَّ.
- بلى تستطِيع، من قتلتها تكون أمي لمعلوماتك الخاصة، لكني أريد أن أحمي طفلايَّ من ما حدث لي، يكفي أنهما سيحملان وزر أمي.
- لا أعرف غسق! الأمر صعب أنتِ لا تعرفين مكانة عمتي عندي، لا تعرفين ما عانيته من بعدها وما حدث بعدها.
وضعت يدها فوق يده ليتوقف عن الحديث؛ وقالت بصوت محشرج:
- أعرف، أعرف كل شيء وكم تمنيت بأن تكون أنت من يخبرني وليس تالين.
شعر بقبضة جليدية تعتصر قلبه، ولم يقوى على الحديث بعدها.
شعرت به من طريقة تنفسه، كان صدره يعلو ويهبط بسرعة، ابتسمت محاولة تغيير مسار الحديث:
- بالمناسبة كيف استطعت حمل تيام وتيم بحاملة الأطفال تلك، أعني مشكلة ضلوعك لم تتعالج صح؟
حول نظره لصغيريه لترتسم ابتسامة على شفتيه:
- منذ أن سمعت نبض قلبهما في بطنك وأنا أقوم بتمارين خاصة لتقويه عضلات الصدر، حتى أقدر على حملهما بعد الولادة.
صدمة أم فرح أم سرور، لا تعرف ما شعرت به بعد سماعها جملته التي نطقها بكل بساطة كأنه يخبرها عن أحوال الطقس، فقد شعرت بأن قلبها ينبض بسرعة مع فراشات ترفرف حولها، كأنها حصلت على جائزة غير متوقعة، بل من المستحيل الحصول عليها، شعرت بأنها صحراء قاحلة تم إغراقها بأمطار تروي عطش السنين.
هل تغير فعلًا ؟ هذا ليس سؤال بل واقع، هو تغير من قبل حتى أن تتوقع منه ذلك، كان من البداية يفكر في طفليه وكيف سيكون أبًا جيدًا لهما.
انتشلها من شرودها وهو يضغط على يدها فرفعت عينيها له:
- غسق إذا كنتِ مصرة على رغبتك بمساعدة أمي، فأنا موافق بشرط أن تعودي معي، كزوجتي!
****
يتبع