الفصل نزل لايك من فضلكم❤️
الفصل الثاني والعشرونتعرف أن طريق التوبة صعب، لكن انغماسها في الخطيئة ليس بسهل أيضًا، لم تكن يومًا فتاه مُحِبه للملذات المحرمة أو كسر التقاليد والأعراف، حتى أنها لم تكن متمردة، ما حدث أول مرة افتراءات ولأن والدها يحرص على سمعة العائلة قرر أن يبعثها لتعيش في الخارج، أخبره صديقه عن وجوده مدرسة داخلية متشددة بالقرب منه، ثقته بصديقه وبأنها ستكون بمأمن هناك جعله يرسلها على الفور، خصوصًا أن خالد لدية ابنة تكبرها بقليل ستكون رفيقتها هناك، لم يكن يعرف بأن تلك الابنة ستكون مصدر البلاء.
لن تكذب وتدعي بأن روبين لم تبهرها ورغبت بأن تكون مثلها نوعًا ما، بل تلك الحرية التي تمتلكها، فهي لا تعبأ لشيء سوى ملذاتها وما ترغب به، عكس سابين برغم بأنها تتمتع بالحرية لكنها لم تتخط الحدود يومًا.
روبي مبهرة بكل ما في الكلمة من معنى، جميلة، ذكية، جريئة، لديها علاقات لا حصر لها، نبذت هذا الجانب منها، مهما كانت متحررة لا تقبل هذا نوع من العلاقات المحرمة.
نعم جارتها في سهراتها في النوادي الليلية، ربما القليل من الشرب لن يضر أحد، الملابس التي تحولت بالتدريج إلى ضيقة بل ملتصقة بالجسد ثم قصيرة حد الابتذال، توسعت علاقاتها بالجنس الآخر، كل ذلك دون أن تصل أخبارها إلى والدها، فهي طالبة مجدة لم تتغيب يومًا عن حصصها، كما أنها تعود في موعدها كل ليلة إلى السكن الداخلي وتخرج خلسة أحيانًا، من قال أن المعاصي تحدث في الليل فقط.
- تابعي ماذا حدث بعد ذلك؟
نظرت إلى المعالجة النفسية آلتي لجأت إليها، بعد اقتراح من إياد؛ هي فعلًا تحتاج أن تتحدث مع أحد عن ما جرى لها منذ انتقالها إلى فرنسا حتى قضيه الزنا، تحتاج إلى شخص يكون رأيه محايد، بل لا تريد رأي في الواقع، فقط تفرغ ما بداخلها لشخص لن تراه مرة أخرى؛ اختارت معالجة لا طبيبة نفسية، لأنها لا تريد أدوية، تخاف بأن تدمنها، يكفي بأنها كادت أن تُدمن الخمر سابقًا؛ احتاجت إلى مجهود كبير لكي تتوقف عن شربه، خصوصًا وهي محاطه به في كل مكان؛ فمروان لا يكف عن احتسائه ولا روبين، كذلك معظم حفلات التي تحضرها بانتظام ، لأجل العمل أو المتعة؛ كان الأمر مرهقا فعلًا، ليس بسب حبها، بل بسبب سخرية المحيطين بها عندما ترفض الشرب.
كثيرًا ما ادعت بأنها تشربه وهي في الحقيقة تشرب عصير تفاح أو أي نوع آخر عادي، أو تقوم بإلقائه في أي مكان؛ هي لا تحارب إدمان الخمر فقط بل تحارب مجتمع محيط بها لا تعرف كيف تنسجم معهم بالكامل ولا ترغب في البعد عنهم.
تنهدت ورفعت عينيها للمعالجة:
- وقتها تعرفت على (جو) عن طريق روبين، أعجبت به، لكنى لم أرغب في أن أتعمق في العلاقة معه؛ لأنه فرنسي، وأنا ارغب في الزواج والأطفال؛ كما أعرف أن أهلي لن يرضوا بزواجي منه.
توقفت عندما لاحظت أن المعالجة تكتب في مذكرتها فعقدت حاجبيها وظهر عليها عدم الارتياح ، تنبهت المعالجة لتوقفها لكنها استمرت في الكتابة.
بصوت هادئ جدًا بعث الدفء في داخلها:
- أكملي سابين، لا تهتمي لما أكتبه الآن، ستعرفين بعد انتهاء الجلسات.
ابتسمت في ارتباك وتابعت محاولة أن لا تفكر فيما كتبته المعالجة:
- في الحقيقة لم أكن من هواة العلاقات العاطفية، كُنت معجبة بأقارب روبين أبناء القاسم، ليس شخص معين منهم، فقط بسبب ما حكته لي روبي؛ هم فِتيه لم يقم أحدهم بعلاقة عاطفية أبدًا، يتمسكون بالتقاليد رغم مكانتهم الاجتماعية، رغم سخرية روبين المستمرة منهم، وجدت نفسي أنجذب بهم.
سحبت نفسًا عميقًا وأسندت خدها على كفة ذراعها:
- أعتقد أني اخترت سراج، لمعرفتي بميل ساجي إلى روبين.
- إذن أنتِ اخترت المتاح، دون اعتبار له شخصيًا؟
هزت رأسها ببطء علامة موافقة:
- أعتقد ذلك.
- ماذا حدث مع جو؟
أحست بألم شديد في أحشائها، مررت يدها على رقبتها ثم ارتشفت قليلًا من الماء:
- فرحت باهتمامه بي، كنا نخرج كثيرًا، أنا وهو ووربي طبعًا، بعد فتره قصيرة بدأ يتجاوز حدوده قليلًا ، رفضت وقررت قطع العلاقة، وقتها سخرت منى روبي، قالت أن هذا شيء عادي يحدث بين الفتاه وحبيبها، في الحقيقة صدمت كثيرًا فقد فهمت بأنها قامت بذلك مع أكثر من رجل.
قاطعتها المعالجة:
- لماذا صدمتِ؟ ألم تقولي أن روبين ذات عقلية متفتحة؟
عقدت حاجبيها وهي تجيب في استنكار:
- هذا ليس تفتح أبدًا؛ التفتح يعني أن تتقبل الأفكار الجديدة المختلفة عن المعتقدات، تسعين لِاكتشاف ثقافة مختلفة بكل العادات، لكن أن تخرجي عن الدين والعرف والتقاليد لا يكون تفتح أبدًا.
لم تعلق المعالجة عليها فقد تابعت كتابة بعض الكلمات، اعتقدت سابين أنها لا تصدقها، معها حق، كل من يعرفها يظن أنها منحلة، بل هي فعلًا منحلة، فقد فرطت في شرفها، إذا كانت أول مرة ليست بإرادتها، فهي من قامت بإغراء سراج وجره ليقع في شباكها، أحست بغصة وأن دموعها ستنزل لا محالة؛ أنهت الجلسة فهي غير قادرة على الاستمرار.
خرجت من العيادة لتجد إياد في انتظارها، كان وجهه مكفهر على غير العادة، هو حتى لم يرد عليها التحية؛ رغم أنها تضع حدود بينهما وتختصر أي حديث يقوم بفتحه معها، لكنها تضايقت من ردة فعله، فهو فعلًا يهون عليها كثيرًا، على الأقل هو لا ينظر لها بخبث ولا يلومها على ما حدث، قد يكون الرجل الوحيد الذى تعامل معها بطريقة طبيعية منذ أن كانت في المدرسة.
لكسر الصمت قررت أن تبدأ هي الحديث:
- الجو جميل اليوم، ما رأيك أن نشرب قهوة في الخارج؟
بصرامة أقرب للتوبيخ:
- لا أعتقد أن ذلك مناسب في وضعك، قد يتعرف عليكِ أحد.
شهقت واضعة يديها على فمها ونزلت دموعها التي حاولت حبسها عند المعالجة، لا تصدق حتى هو يحكم عليها؟
فور خروج الكلمات من فمه، أحس بفداحة ما قاله، لا يصدق أنه جرحها وأهانها، لمجرد أن سراج قرر أن يتزوجها؛ ما يزيد ضيقه بأنه ليس غاصب بسبب أخته، غضبه له سبب آخر، لا يريد حتى أن يعرفه، ستكون كارثة لو فعلها حقًا!
ضرب المقود بيده عند سماع شهقاتها، حاول أن يجعل صوته أكثر هدوء:
- آسف سابين لم أقصد ما فهمته، أنا فقط أخشى أن تتعرضي لموقف سخيف، نحن نمر بظروف صعبة، في الشركة والقضية، كل ذلك يشغلني، لم أقصد أن أجرحك، تكلمت دون تفكير، أعتذر مرة أخرى.
مسحت دموعها دون أن تجيبه، ربما هو محق، حسنًا ستحاول تقبل عذره، لكنها لن تتساهل معه مرة اخرى.
**********
توجهت غسق إلى المجمع التجاري الذي اتفقت مع سارة على ملاقاتها فيه لتشتري بعض الهدايا فقد اقترب موعد سفرها.
بحثت عنها بعينيها في المكان الذى يفترض أن تجدها فيه، لمحتها تجلس على أحد الكراسي فأسرعت ناحيتها.
نظرت إلى ساعتها للتأكد من الوقت:
- هل تأخرت؟ أعتقد أن موعدنا في الرابعة.
استقامت وهي تحاول الابتسام:
- لا أنا من أتيت مبكرة، هيا لدينا محلات كثيرة نتسوق بها، لقت رأيت أكثر من محل لملابس الأطفال لنبدأ بها.
رغم اعتراضها إلا أنها أخذت بنصيحتها وبدأتا بملابس الأطفال، هي كانت تفضل أن تبدأ ساره بشراء ما تريده، فلازال الوقت مبكرًا كي تجهز مستلزمات الأطفال، بعد الدخول إلى أول محل اختفت أي ذرة اعتراض لديها، فقد غرقت في عالم الأطفال الساحر، أشياء لا تعرف كيفية استخدامها من الأساس أجبرتها سارة على شرائها، لا تنكر أنها استمتعت كثيرًا وهي تتخيل نفسها تلبس أطفالها تلك الملابس الجميلة؛ مر الوقت دون أن تشعر، حتى أن سارة لم تشترى ما جاءت من أجله، بعد أن تعِبتا من كثرة التسوق، جلستا في مطعم داخل المجمع يقدم شطائر صحية، رغم أمتعاض غسق إلا أنها وافقت من أجل سارة، فكل مرة تجبرها على طعام غير صحي حسب شهيتها، هي ترى بأن صحتها تدهورت مؤخرًا.
- سارة كيف هي صحتك؟ هل السفر آمن لك الآن؟
حركة فمهما إلى الجنب:
- جيده، لن أسافر إلا بعد انتهاء الجرعات التي حددها الطبيب، كما أني لن أبقى هناك كثيرًا، يجب أن أعود كي أبدأ في العلاج الجديد، الطبيب قال أنه فعال في بعض الحالات، وحالتي مرشحه له.
عقدت غسق حاجبيها في تساءل:
- تقصدين علاج تجربي !
هزت رأسها وهي تلوك الطعام في فمها.
ارتفع حاجبي غسق في فزع:
- ماذا أنت تمزحين؟ لا تقولي لي أنك وافقتي بأنت تكوني فأر تجارب.
اسّندت ذقنها على كفها وهي تنظر لها بحاجب مرتفع:
- وكأني استمع إلى عجوز لا تفك الخط لم تخرج من قرية صغيرة طوال عمرها؛ من هي فأر التجارب؟ هذا دواء قاموا بتجربته كثيرًا وقد نال موافقة منظمة الصحة العالمية، إلا أنه لم يستعمل كثير لأن آثاره الجانبية خطيرة، وقد قرات جميع الأبحاث عنه، لذلك وافقت عليه، لا أصدق أن تفكيرك ضيق إلى هذه الدرجة.
شعرت بالحرج الشديد، هي فعلًا تعتبر جاهلة في الأمور الطبية، بصوت منخفض نوعًا ما:
- لم أقصد، قلت لكِ سابقًا أن لا تأخذي على كلامي.
سحبت نفسًا ثم تابعت في ابتسامة مصطنعة في محاولة لتغيير الجو:
- إذن أنتِ متحمسة لزيارة عائلتك أليس كذلك؟
في سخرية واضحة:
- أكاد أطير من الفرحة أليس باديًا عليَّ كم أنا سعيدة، أحسب الساعات لموعد سفري.
- هل هناك ما يضايقك هناك؟ أعتقد أن أمورك مع عائلة عمر جيدة.
لم تجب فورًا بل أخذت رشفة من عصير الأعشاب الذى أمامها أولًا:
- ليست سيئة، عادية، هم يريدون أمرأه كأملة لابنهم، لكنهم يخشون غضب عمر فلا يتجرؤون عليَّ كثيرًا.
سكتت دون أن تضيف أي تعليَّق مما جعل غسق تغتاظ منها، صحيح هي ليست فضولية، لكن سارة تحيرها دائمًا فهي لا تتكلم عن عائلتها أبدًا، منذ ذلك اليوم الذي كادت أن تعترف لعمر بأنه ليس أول رجل يلمسها وهي تتساءل هل سارة أخطأت قبل زواجها أم ماذا تعني بالضبط؟
لاحظت سارة شرود غسق وعرفت فيما تفكر، فقررت أن تزيل حيرتها قليلًا:
- علاقتي مع عائلتي ليست جيدة، ولا سيئة، عادية جدا، بارده نوعًا ما، إخوتي يكبروني بكثير، أمي أنجبت وهي كبيرة وكانت تتمنى صبيًا، لا تفهميني خطأ لم تسئ معاملتي كثيرًا فقد كانت تحرص أن أكون طفلة مطيعة.
قالت غسق في صدمة:
- أنت مطيعة! لا أصدق.
ضحكت سارة من تعبير وجه صديقتها:
- لا صدقي، كنت مطيعة جدًا، ربما جبانة أيضًا ، تطلب الأمر ندبات وسنوات لكي أتغير.
لم تستوعب ما قالته فكررت جملتها:
- ندبات! لم أفهم!
أرجعت كرسيها إلى الخلف واستقامت تجمع المخلفات لترميها في صندوق القمامة وهي تحث غسق على الوقوف.
- القصة طويلة من يعرف قد أقصها عليكِ يومًا ما، دون أن تضيف كلمة أخرى أنهت الحوار.
*********
منذ أن اتصل بِإياد يبلغه بقرار زواجه من سابين، هو يجلس في الشرفة، ينظر إلى أضواء المدينة دون تركيز، هل ما قرره صحيح، ماذا عن فرح لا يأمن ردة فعلها؛ لكن ذلك ما تريده هي، أن يتحمل نتيجة فعلته، وها هو يفعل ذلك، حتى وإن عنى ذلك أن يخسرها مؤقتًا، أفضل من أن يخسر احترامها إلى الأبد.
صوت دخول أحدهم جعله يلتفت خلفه ليتلقى لكمة، جعلته يترنح ويسقط أرضًا من شدتها، حتى أنه هيئ له بأنه فقد بصره، لم يرى شيئًا أمامه، حاول النهوض ليتلقى أخرى، لكنه لم يقع لأن أحدهم أمسك بتلابيب قميصه وهو يصرخ:
- هل جننت، أم أن السجن اذهب الباقي من رشدك؟
أخيرًا استوعب ما يحدث معه وعرف مهاجمه؛ حاول تخليص نفسه من قبضته لكنه كان أضعف من أخيه أو ربما الغضب جعل ساجي مثل الثور الهائج، يكاد يقسم بأنه أول مرة يراه بتلك الحالة، من الصعب أن يفقد ساجي هدوءه أو بروده كما تطلق عليه فرح.
مسح الدماء من على شفتيه وهو يقول في سخرية:
- أبلغك كلبك الوفي بسرعة!
هزه بقوة جعلته يترنح وهو يجره إلى الداخل وأجلسه عنوة على أول كرسي وجده أمامه.
بصوت يملأه الغضب:
- سوف تذهب إلى زوجتك وتطلب منها الغفران إلى أن تعفو عنك، كما أنك ستمحي سابين من عقلك تمامًا، لن تذكر اسمها مرة أخرى، أقسم يا سراج بأني سوف أعلقك من قدمك على الشجرة كما فعل أبي بي عندما كنت صغيرًا إلى أن تعود إلى رشدك؛ هل فهمت أم أعيد كلامي بطريقه أخرى؟
أول مرة يخشى شقيقه بهذه الطريقة، ساجي لم يهدده في حياته، كما أن ثورته لم تكن طبيعية، هز رأسه بعلامة موافق دون أن ينطق بحرف.
- جيد اذهب واغتسل الآن ثم ضع ثلج على وجهك غدًا صباحًا ستعود إلى المزرعة لتبدأ في استرضاء زوجتك.
مرة أخرى لم يجيبه، فقط نفذ ما طلب منه دون مناقشة، أما ساجي فقد جلس على الكرسي المقابل يلهث كأنه كان في مارثون جري، يتساءل في داخله، لو كان مكان سراج وقام أحدهم بمنعه من الزواج من روبي والمحافظة على غسق بدلًا من ذلك، هل كان استمع له أم عاند ومضى فيه وخسر غسق في المقابل؟
خلل شعره بيده وهو لا يجد إجابة مرضية، هو شخصيًا لا يستطيع الجزم إذا صدق تهديد غسق عندما أخبرته بأنها سترحل إذا تزوج عليها، هل كان سيلغي الزفاف أم لا، السؤال الأهم من دون خداع روبين وكذبها هل كان سيشعر بنفس الحسرة والحرقة لفقدان غسق!
*****
أصرت سارة أن ترتب معها ما اشترت للأطفال، فهي متحمسة أكثر من غسق لرؤية الأشياء التي اختارتها بشدة.
وصلت معظم الأشياء التي اشترتها من المحل والتي طلبت توصيلها إلى عنوانها لأنها لا تستطيع حملها، لا تعرف كيف ستتسع شقتها لكل تلك الأغراض، المهد وحده يحتاج إلى شقه أخرى بخلاف باقي الأشياء.
- يا إلهي الشقة لن تتسع لكل تلك الأشياء وأنا لا أريد لانتقال الان ماذا أفعل؟
وضعت يدها على خدها ثم انفجرت في البكاء، لم تعد سارة تستغرب من الانفعالات العاطفية المبالغ بها، فقد رأتها تبكي في أحد الأيام لأن سنجاب لم يأخذ قطعة خبز رغبت في إعطائها له!
زفرت في حنق:
- غسق لماذا توقفتِ عن دروس اليوغا؟ كنتِ أقل حساسية وقتها.
مسحت دموعها:
- إنها مملة لا اعرف ما فائدتها من الاساس؟ ثم من قال بأني حساسة نحن في مشكلة هل أخبرتني ماذا سأفعل لأنه لا يوجد مكان كي....
لم تكمل كلام بل بدأت في البكاء من جديد.
- يا إلهي لن احتمل تلك الهرمونات أكثر.
كادت أن تصرخ بها لكنها تحكمت في لسانها كي لا تزيد الامر عليها وقررت أن تجد هي الحل لتلك المعضلة التي فتحت علها ماسورة مياه في شقه غسق؛ أخرجت هاتفها واتصلت بعُمر، بمجرد أن أجابها لم تلقي عليه التحية بل سألت في صرامة:
- المنزل الذي أخبرت غسق عنه سابقًا ألا يزال موجود أم قام البنك ببيعه؟
- أهلًا عزيزتي اشتقت لكِ أيضًا.
قلبت عينيها في ملل وبنبرة ساخرة:
- كيف حالك حبيبي؟ اشتقت لك عمري، لا أطيق أن تمر الدقائق كي أرى وجهك أمامي.
تم عادت نبرتها إلى العصبية:
- اكتفيت أم تريد من كلام المراهقات المعسول أكثر؟
زاد غيضها وهي تسمع صوت ضحكاته عبر نقالها.
- عُمر.
بالكاد كتم ضحكاته:
- يا إلهي كم أحب سخريتك، لكني متأكد بأنكِ تشتاقين لي كما أشتاق لكِ وأكثر، يا نبض قلبي.
لم يناديها بهذا اللقب منذ مدة طويلة جدًا، منذ أن طلبت منه هي أن يتوقف عن ذلك، لأن نبض قلبه قد يرحل في أي وقت، كم كانت قاسية كلماتها له، تذكر ملامح الصدمة والألم على وجهه، قاطعها لعدة أيام، ثم لم يتحمل خصامها، تكاد تجزم بأن عُمر أحن إنسان مر عليها في حياتها، يملك أنهارًا من الحنان تكفي البشرية كلها، كم هي محظوظة به.
- سارة أين ذهبتِ؟
تنحنحت في حرج:
- لم تجبني هل المنزل متاح أم لا؟
- لا طبعًا لقد تم بيعه منذ مدة، لكنى أستطيع أن أبحث لها عن منزل آخر بنفس السعر إذا أرادت.
- ارجوك افعل في أقرب فرصة، يجب أن تجد المنزل قبل أن نسافر.
اغلقت الخط بعد أن أعطته القليل من التفاصيل، دون حتى أن تستشير غسق، التي كانت مذهولة من المحادثة التي تخصها دون أخذ رأيها بها كأنها غير موجودة؛ تخصرت وهي تقف مقابلة لسارة ورفعت حاجبها، في تغير سريع من حاله البكاء إلى الهجوم كما هو واضح.
- هلا تكرمتِ وأخبرتني ما الذي سمعته الآن؟ كيف تتفقين مع عُمر على انتقالي من بيتي دون أخذ رأيي.
لم تهتم سارة بمنظرها ولا بثورتها المفاجأة:
- أولًا هذه شقة لا تكفيكِ مع كلب بحجم راسكو وليس طفلين، كما أن المالك سينهي العقد بعد ولادتك بالتأكيد، لا تنسي أنك أجرتها كعازبة، وجود أطفال وصراخهم لن يعجب الجيران، الذين سيقومون بإبلاغ المالك بدورهم؛ أنا فقط اختصر الوقت عليكِ.
أنزلت يدها وعقدت حاجبيها في تفكير، هي فعلًا نسيت ذلك، بالطبع لن يقبل بها المالك في هذه الشقة، كيف نسيت ذلك؟
بصوت مهزوز:
- حتى لو، فأنا لا أملك المال الكافي لشراء منزل الآن، كما أني خسرت عملي مع آدم أم نسيتِ؟
- كيف لا تملكين المال؟ ألم تبيعي شركتك في البلاد، كما أن لكِ أسهم في شركات القاسم؟
جحظت عيناها من الصدمة وظهر ذلك في صوتها:
- من الذي أخبرك بذلك؟
قلبت هاتفها ثم مدته لها:
- المقال مكتوب في معظم الصفحات عزيزتي ألم تريه؟
أخذت منها الهاتف وهي تقرأ المقال بسرعة، ما لفت انتباهها ليس المعلومات الموجودة، بل الصور بالأخص تلك التي أخذتها مع ساجي في رحلتهما إلى المكسيك!
لاحظت سارة شروها، فهمت أن المقال ضايقها وربما ذكرها بشيء محزن، وضعت يديها على كتفها كي تهون عليها.
- غسق لا تهتمي، عُمر سيساعدك إن لم تملكي المال الكافي.
هزت رأسها دون أن تجيبها؛ بعد قليل غادرت سارة إلى منزلها، أما غسق فقد أخذت هاتفها تقرأ المقال عدة مرات وتركز في الصور، هي حتى لا تصدق بأنه لازال يملكها، تذكر في تلك الرحلة لم تأخذ هاتفها، نسيت بسبب أن الرحلة كانت مفاجأة لم تعلم بها؛ استخدمت هاتف ساجي لأخذ الصور ثم نقلتها لها، توقعت بأن يكون مسح جميع الصور بعدها، لكنه لم يفعل! لماذا هل؟ لا لن تفكر في ذلك حتى، لابد أنه جعل أحدهم يعيد الصور المحذوفة من هاتفه، ليضعها في المقال، نعم هذا منطقي أكثر، لكن أليس من الأسهل أن يختار أي صور أخرى من صورهما معًا، فقد سافرا كثيرًا، لماذا اختار هذه الرحلة بالذات لماذا؟
**********
منذ ساعة وهي تجلس مثل تلميذ فاشل يتلقى التأنيب من مديره؛ هكذا كانت مُنى هانم وهي تستمع إلى جوليا التي لم تدخر جهدًا لتظهر عيوب ساجي وتجنيه على ابنتها منذ ليلة زفافها، دون أن تذكر السبب الحقيقة، فقد عرفت من روبين، بأن ساجي لم يفضح سرها.
- هل نسى من تزوج لكي يرميها في غرفة المخزن؟ لا يكفي بأنها تزوجت على ضرة ولم تطلب مهر كبير.
رفعت مُنى حاجبيها من كذبها:
- لم تطلب مهر؟ لقد طلبتم نصف مليون يورو غير المجوهرات، هذا ليس كثير!
- لأنها تستحق ذلك، كما أننا لم نكتب مؤخر وحتى المبلغ الذي طلبناه اشترى به ساجي أسهم في شركة خالد على أساس بأنه سيكتبها باسم روبين ولم يفعل؛ هل لي أن أعرف لماذا لم يفعل حتى الآن؟ أم أنه أعتقد بمرض خالد لم يعد لنا أحد يأخذ حقنا! هل نسى بأني جوليا، أم يريد أن أذكره؟
ارتعشت مُنى خوفًا منها، تعرف بطش جوليا جيدًا، تذكر عندما تكلم أحد أقارب خالد عنها وشكك في أخلاقها ونسب روبين، كيف بعثت له عصابة من الرجال قاموا بإحداث عاهة دائمة به، لم يستطع أحد المساس بها بسبب جنسيتها، كما أن الرجل رفض التبليغ عندما هددته بأخته.
حاولت أن تظهر كلماتها قوية:
- تعرفين ماذا حدث منذ زفاف روبين ابتداءً من مرض خالد وانتهاء بقضيه سراج، نحن لم نهنأ يومًا واحد، وساجي المسؤول عن كل شيء منذ أن تسلم إدارتها.
ازدرت ريقها وتابعت بعد أن اكتسبت بعض الشجاعة:
- كما أن روبين لا تفعل شيء سوى افتعال المشاكل مع الكل بدايةً من الخدم، مرورًا بسراج وفرح وفريدة وحتى أنا، هل تصدقين بأنها تتحداني وتأمر الخدم باتباع أوامرها هي كأنها سيدة المنزل لا أنا!
وضعت جوليا ساقًا فوق الأخرى وأراحت ظهرها إلى الكرسي وهي تنفث دخان سيجارتها الرقيقة:
- لأنها هي سيدة المنزل لا أنتِ مُنى، فهي زوجة ساجي كبير العائلة أما أنت مجرد أمه العجوز، هي الواجهة للعائلة، اعرف أن هذا سر تمسكك بها، تعرفين أن روبين واجهة مشرفة لعائلتكم.
لم تصدقها أذنها ، كيف تتجرأ على قول هذا؟! لم يشكك أحد بأنها سيدة المنزل منذ وفاة حماتها، ولم يقف أحد أمامها، حتى فريدة لم تهتم وجعلتها تفعل ما تريد، فرح وغسق لم تحاولا من الأساس أن تفعلا ذلك، بل هي من قامت بالعكس وافتعلت المشاكل معهما، سراج كان دائمًا لها بالمرصاد علنًا، وهدد بترك المنزل إن لم تكف عن مضايقة فرح، أما ساجي لم يتكلم أمام أحد، جعلها ترمي اتهاماتها الباطلة، دون أن يفتح فمه، وحدها غسق من تحملت ظلمها، رغم معرفة الجميع بأنها مظلومة لكنها لم تجاكرها، أو تكذبها، فقط تنسحب من المناقشة بهدوء، استمرت في أفعالها حتى أتاها ساجي يومًا إلى غرفتها يرغب في التحدث على غير عادته، من دون مقدمات أخبرها بصوت حازم:
- أمي توقفي عن مضايقة غسق ورميها بالباطل، سكت كثيرًا على أمل أن تنهي الموضوع، لكنك تماديتِ، وأنا لن أسمح بذلك بعد الآن.
اشتعلت عيناها غضبًا:
- تدافع عن ابنة فجر ضدي، هل تنحاز لها على حساب أمك، لا أصدق بأنها جعلتك خاتم في إصبعها.
- أمي....
قالها بصوت غاضب صارم لم يستخدمه معها من قبل.
- أولًا هي ابنة عمتي وهذا لا يعيبها، كما أنها زوجتي إذا نسيتِ، ثانيًا أنا لم أنحاز إلى أحد لغاية الآن والأفضل لكِ أن لا أفعل، حتى لا تريني خاتم بإصبعها فعلًا.
عقدت ذراعيها وقالت في استخفاف:
- هل ستهددني بترك المنزل أنت أيضًا مثل سراج؟
وقف يستعد للمغادرة، بصوت هادئ قال وهو يرسم نصف ابتسامة على شفتيه:
- أنا لا أهدد أنا أنفذ.
اتجه إلى الباب وقبل أن يخرج التفت لها وأضاف:
- غسق خط أحمر.
فقط تلك الجملة وأغلق الباب خلفه.
لم تتوقف عن مضايقتها بالطبع ولكن ليس في وجوده ولم تعد تشتكي منها في العلن، تعرف أن غسق لن تخبر ساجي بأي من أفعالها.
انتفضت على صوت جوليا الذي أخرجها من ذكرياتها.
- اسمعي مُنى لديكِ حل واحد، أما أن يكتب ساجي الأسهم باسم ابنتي مع حصة في شركات القاسم أو...
سحبت نفسًا من سيجارتها أولًا ثم أردفت:
- سوف أخبر جميع معارفنا بأن ابنك يعاني من عِلة فهو لم يلمس ابنتي من ليلة الزفاف، من يعرف ربما لذلك هربت ابنة فجر لأنها خافت من أن يقتلها ساجي، فهي بالتأكيد لم تحمل منه!******
يتبع