الفصل الاربعين

478 23 4
                                    

الفصل الأربعون
قبل حفل تالين بعدة أيام في الوطن وبالتحديد في منزل الأرندلي كانت مُنى تتقلب على فراشها وهي تشعر بأنها تتقلب على أشواك، فقد ذاع خبر طلاقها تزامًا مع قضية روبين، ليجعل منهما خبر الموسم في تلك الطبقة المخملية التي تنتمي إليها وتجاهد لتحافظ على صورتها بها، أتى هذا الخبر وخسف بسمعتها الأرض، عكس باقي الطبقات بدلًا من أن يتعاطفوا مع وضعها خصوصًا وهي في هذا السن المتقدم الذي وصلت إليه، أخذوا يتهامسون عنها بل تعدى الأمر للشماتة حتى، من الذي لا يشمت بها وهي التي لم تدع أحد لا وأذته بلسانها أو بأفعالها؛ فقد جاء الوقت لتكون هي محور أحاديث سهرات المجتمع الراقي وشماتتهم.
كل ذلك سينتهي قريبًا، فقد وجدت ساحرًا قادر على إيقاف غسق عند حدها وإعادة الأمور لنصابها كما كانت.
قبل بزوغ الفجر كانت خارج المنزل متجهه إلى ذلك المشعوذ الذي أخبرتها عنه  إحدى صديقاتها، رغم أنها استغربت عنوان مسكنه فهو في عمارة بحي من الأحياء المتطرفة الراقية نوعًا ما.
وصلت للمبنى المدون عنوانه على الورقة لتجده جديد، الشقق به تساوي ثروة صغيرة، رغم أن الوضع كان غير منطقي فمعظم المشعوذين يفضلون الأماكن الشعبية حيث يندسون وسط الناس ويأخذون لقب المبروك والمرفوع عنه الحجاب وغير من تلك المصطلحات حيث يصعب إلقاء القبض عليهم في حال حاولت الشرطة ذلك لأن سكان الحي البسطاء يقمون بعمل خط دفاع لهم.  ركبت المصعد للطابق العاشر ثم نظرت حولها تبحث عن الشقة المطلوبة لتجدها فورًا فالطابق لا يحوي إلا على شقتين، اقترب لتضرب الجرس لكنها وجدت الباب مواربًا لتدفعه بيدها فيفتح كله، دخلت وقد توقعت أن تجد الجو ملبد بالأبخرة الكثيفة أو حتى رؤوس الحيوانات المعلقة في كل مكان، لكنها لم تجد شيء من ذلك حتى صور الآيات القرآنية غير موجوده.
هالها منظر صورة امرأة عارية تمامًا لا تغطي مفاتنها إلا بشال شفاف،

شهقت وهي  تتراجع للخلف فاصطدمت بظهر أحدهم الذي قال في صرامة:
- أهلًا مدام مُنى لقد تعبنا كي نصل لكِ.
التفت بسرعة تنظر له لتجد بأنها محاطة بالعساكر لتقول بسرعة:
- من أنت وكيف تعرف اسمي؟ هذه أول مرة آتِي هنا لابد بأني أخطأت بالعنوان.
لم يرد عليها فقد وضع الأصفاد بيديها، وجعل العساكر يقودونها لأسفل المبنى حيث سيارة الشرطة الترحيلات.
عند وصولها لقسم الشرطة كانت ترتعش ولم تقم بالاتصال بأحد حتى لا يُفضح أمرها؛ دخلت لمكتب المحقق بعد مدة وهي تنكس رأسها خوفًا من أن يلتقط صورتها أحدهم، كم تمنت لو كانت ارتدت حجاب هذه المرة مثل المرات السابقة.
لا تعرف لماذا لم تفعلها يا لها من حمقاء، لا يهم لن يستطِيعوا سجنها بأي تهمه فهي لم تفعل شيء الذهاب إلى بيت مشعوذ ليست جريمة كما أنها سوف تنكر معرفتها بأن تلك الشقة ملك المشعوذ، هذا سهل جدًا لأنه لا توجد أي علاقة معه أبدًا حتى الموعد قامت صديقتها بأخذه لها.
- مُنى صدقي أحمد الأرندلي!
رفعت رأسها وقد أخرجها صوته من أفكارها التي نجحت في التهدئة من روعها
ردت بغباء:
-ها.
بنفاذ صبر:
- هذا هو اسمك كما هو موضح بالبطاقة الشخصية أم لا؟
أجلت حلقها وقد شعرت ببعض الاضطراب من نبرته الحادة:
- نعم هذا اسمي.
- إذن منذ متى بدأتِ نشاطك؟ المسجل عندي من التحريات خمس سنوات تقريبًا، لكننا لم نعرف كيف استطعت أن تخفي شخصيتك الحقيقة كل هذه المدة.
قربت بين حاجبيها وهي تسأل في استغراب واضح:
- عن أي نشاط تتحدث لا أفهم شيئًا!
تراجع الضابط المسؤول عن التحقيق في مقعده وهو يقول ببطء مستفز:
- نشاطك في تسهيل الدعارة للراغبين بها من أبناء وبنات الطبقة المخملية.
جحظت عينيها حتى كادت أن تخرج من مكانهما وهي تصرخ:
- ماذا أنا؟! أنت كاذب كيف تجرؤ لتتهمني بشيء مشين كهذا؟ ألا تعرف من أنا ومن هو زوجي وأبنائي؟
تطلع لها فلقد تعود على هذه الردود آلاف المرات:
- بل أعرف بالطبع وأعرف أن زوجك طلقك عند معرفته بعملك، كذلك أبنائك قد ابتعدوا عنك، حسب التحريات منذ طلاقك لم يقم أحد منهم  بالتواصل معكِ هل هناك سب لذلك غير معرفتهم بعمل والدتهم المشين؟
رفعت سبابتها لتهدد بها وهي تنتفض بوضوح:
- لا أسمح لك بالخوض في أمور عائلتي أما تلك التهمة السخيفة لا أريد بأن أعرف حتى كيف تم زج اسمِي بها من الأساس، والآن أطالبك بإخلاء سبيلي لمصلحتك قبل أن أقوم باتصالاتي وعندها سوف تخسر عملك فورًا.
لم تتحرك به شعرة قط، بل اتسعت ابتسامته وهو يقول:
- أرجوكِ قومِي بتلك الاتصالات أنا متأكد بأن عملائك لديهم أيدي في كل مكان وأنا أرغب في قطعها.
لم تستوعب ما يعينه بعملاء، هل فعلًا هي متهمة في قضية آداب؟!
فوجئت بالعسكري يخرجها من مكتب الضابط لتسأله:
- إلى أين تأخذني؟
دون أن ينظر لها تابع السير وهو يمسك بيدها عن طريق الأصفاد الحديدية:
- إلى الزنزانة فقد تم حبسك خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيق.
قبل أن تستوعب الكارثة أعمتها فلاشات الكاميرات التي ملأت المكان وسمعت الصحفيين يلقون عليها سيلًا من الأسئلة عن القضية وملابساتها بل المتورطين بها بالأسماء، من الواضح بأن أحدهم سرب لهم معلومات كاملة عن مكان وموعد تواجدها في قسم الشرطة هذا دون غيره؛ وها قد أصبح اسمها على جميع الصحف ومواقع التواصل كما رغبت منذ زمن.
*******
في حفل تالين، جلست غسق حول طاولة والدة عمر لتستغل تلك الفرصة وتقوم بسؤالها عن ملابسات طلاقها من ساجي والسبب الحقيقي له.
أخبرتها غسق دون الدخول في تفاصيل محرجة أو مهينة بالنسبة لها على الأقل.
بمجرد انتهاء غسق من قصتها ردت والدة عمر بسرعة وحماس به القليل من الغيرة ربما:
- تعرفين أنكِ محظوظة جدًا لولا حملك للجنسية لما وجدتِ مأوي يقنيكِ، خصوصًا وأن علاقتك بعائلة والدكِ مقطوعة؛ فكري فيها ها أنتِ تعيشين هنا مع طفليك ولديكِ عمل كما أن طفليك يحظيان بأفضل عناية طبية.
مطت شفتيها وهي تتابع في أسف:
- ابنة أخت سلفتي المسكينة قام النذل زوجها بتطليقها بعد أن تزوج عليها لأنها أنجبت ثلاثة أطفال معاقين، رغم أنها وافقت على زواجه من غيرها لكنه نذل رفض أن يتكفل بمصاريفها ومصاريف أطفاله ورماهم في الشارع، والمسكينة لا شهادة لها ولا وظيفة؛ فأصبحت تعمل طباخة لتجري على أطفالها والمال لا يكفي.
صدمت غسق وقالت في استنكار:
- وأين أهلها لماذا وافقوا على ذلك؟ يجب أن يدفع ثمن علاج أطفاله بالقانون.
- أي قانون الذي تتكلمين عنه؟ هل تعتقدين بأن كل الناس يمكنهم اللجوء للمحاكم أو حتى لديهم القدرة المادية والثقافة لفعل ذلك؛ البعض يعتبر ذلك فضيحة والبعض يخاف أصلًا من اتخاذ تلك الخطوة والآخرون وهم الاغلبية العظمى لا يملكون المال لفعل ذلك.
خرجت تنهيدة حارة من صدرها:
- عليكِ أن تشكرِ الله كل دقيقة بأنه كان رحيمًا معكِ فسهل لكِ مخرجًا من كل كرب أصابك، أحيانًا لا نرى النعم التي يغدقها الله علينا لأننا نغرس أنفسنا في النظر لما لم نحصل عليه، أنا مثلًا رزقني الله بالبنين والبنات وعُمر كان من أقربهم لقلبي، رغم أنه حصل على عمل في مكان يسعى الجميع له وساعدنا في المصاريف بل هو من تحمل مصاريفنا طوال سنوات، لكنِ كنت دائمًا أنظر للنقص لديه؛ لماذا يستمر مع زوجته المريضة؟ لماذا يحرم من الأطفال بسببها؟ لماذا؟ ولماذا؟ لم أشكر الله على نعمة الأحفاد من باقي أولادي ولا على نعمة الستر وراحة البال، لم يكفيني كونه سعيد مع زوجته التي لم تشتكِ من سوء معاملتي لها بل كنت أضايقه دائمًا وأدعو الله أن يرزقه الأولاد من غيرها حتى لو خانها.
شهقت غسق واضعة يدها على فمها.
لتشعر والدة عُمر بالخزي لكنها تابعت لعل الله يغفر لها:
- نعم تمنيت بأن يخونها مع إحدى زميلاته رغم معرفتي بأخلاق عُمر، تخيلي أم تدعوا الله بأن يز...
لم  تستطع أن تكمل جملتها فقد شعرت بغصة تقف في حلقها تزامنًا مع نزول دموعها لا إراديًا.
شعرت غسق بالتعاطف معها فمن أفضل منها ليدرك ما يجول بداخلها من خوف لقرب فقدان ابنها وهي التي قاربت على فقدان الاثنان معًا، بل أن والدة عُمر ألمها وخوفها أعظم.
ناولتها كوب ماء لتخفف عنها وابتسمت في حنان:
- والآن عُمر بيننا وصحته في تحسن حاولي أن تغتنميِ الفرصة وتعوضيه عن ما فات.
شربت كوب الماء وأيدت  كلامها بهزة من رأسها، ثم قالت عندما رأت ساجي يهمس في أذن حكيم بشيء قبل أن ينصرف:
- إذن ليس هناك أمل بأن تعودي لذلك الوسيم حتى من أجل الطفلين.
- وسيم، تقصدين كوز الذرة!
تذكرت كلمات فرح فكادت أن تخرج منها ضحكه كتمتها بصعوبة وتنحنح عدة مرات كي تستطِع التحدث بشكل طبيعي:
- لا يا خاله لا يوجد أمل.
قالت بحماس:
- رائع.
أرتفع حاجبي غسق في دهشة من حماسها الغريب، لتتابع وقد نسيت بأنها تتحدث لها:
- هذا يعني بأن الطريق ممهد سوف أعرض عليه ابنة أختي، لا،لا، ابنة سلفتي فهي أجمل، لا، سلفتي حربايه لن أجعل ابنتها تحظي بعريس وسيم وغني ومن عائلة، هي ابنة أختي! آه لو لم تكن بناتي تزوجن لكان الآن صهري.
انسحبت من طاولتها قبل أن تصاب بسكته دماغيه من كلام تلك المرأة، كيف تقدر على التقلب في ثواني؟! مسكينة سارة لا بد بأنها تتحمل الكثير منها الحسنه الوحيدة أنها بعيده عنها، كما أنها والدة عُمر.
أنتهى الحفل وعاد الجميع لبيوتهم، أخذت غسق تفكر في كلام تلك المرأة المسنه برغم غرابة تصرفاته إلا أنها محقة تمامًا، فقد كان القدر رحيمًا معها
وحماها الله من الأذى كثيرًا، يجب أن تكون شاكرة أكثر من ذلك عليها أن تعود غسق التي ترى النصف الممتلئ من الكوب، بدل تلك الحاقدة على الجميع  وتحملهم ذنب قد يكونوا لم يرتكبونه.
*****
مرت عدة إيام وهي مستمرة في العمل وتجاهل ساجي، لكنها لاحظت بأنه ليس بخير هناك شيء حدث يثقل كاهله، هي أكثر من يعرفه عندما يمر بتلك الحالة يظهر على عينه الحزن دون أن ينطق؛ لن تهتم فليحترق في الجحيم لا تريد أن تعرف ما به ولا ما يضايقه؛ المهم أنه لم يقصر تجاه الطفلين بل أنه طلب منها بأن يناما معه خلال أيام الأسبوع لكنها رفضت رفضًا قاطعًا.
- لماذا تريدهما الآن هل تهددنِي بالورقة التي أجبرتنِي على كتابتها؟ تريد أن تأخذ حضانة طفلاي لن أسمح لك بذلك في أحلامك، تعرف ربما لم يعد هناك داعي لرؤيتك لهم.
قاطعها بصوت خفيض صارم حاد وهو يضع يديه في جيبي بنطاله باستهانة:
- لا تدعِي الغباء غسق أنتِ أكثر شخص يعرف أن تلك الورقة لا تساوي شيئًا، سواء هنا أو في الوطن، ما فعلته فقط كي أضمن سكوت الشركاء واقناعهم  بضرورة التنازل لكِ عن الشركة وإيداع الأموال في حسابك الخاص، أما التنازل الذي حدث وأنتِ في المستشفى فهو غير قانوني بالمرة حتى لم أقم بتوثيقه ولا التصديق ولا حتى إحضار شهود للتوقيع عليه، فقط توقيعك الموجود عليه، لا تأتي الآن وتحاولي أن تقلبِي الأمر لشيء غير صحيح.
استغرقت بضع دقائق تفكر في كلامه، هو محق منذ البداية، لقد أخبرها المحامي بأن الورقة صورية حتى أنه لم يقم بالتوقيع عليها، وهي بحكم جنسيتها وجنسية ولديها التي اكتسباها بالولادة هنا تعرف أنه من المستحيل أن يتحصل على الحضانة الكاملة فهو لا يحمل جنسية البلد فقط إقامه رجال الأعمال، كما أنه لن يجازف بتهربيهما خارج البلاد، هذه ليست طباعه ثم هو لا يريد أن يكون مجرمًا دوليًا فار من العدالة ليس في هذه الظروف.
دون أن تتنازل عن كبريائها:
- حسنًا ربما أسمح لك بقضاء وقت معهما خارج المنزل لفترة أطول لكنهما لن يناما خارج منزلي لن أسمح بذلك.
ظهرت شبه ابتسامة ومال بجذعه عليها حتى لفحت أنفاسه الساخنة جانب وجهها:
- لدي اقتراح أفضل لحل تلك المعضلة، أن أنتقل للعيش في منزلك.
تراجعت للخلف وهي تكتف ذراعيها وترفع حاجبها باستهزاء:
- بأي صفة بالضبط تنتقل للعيش معي؟
ها قد وصل للهدف بسهولة قال في سره، ليتابع ببراءة:
- زوجك بالطبع، لقد انتهت عدتك أما الزواج القانوني تعرفين بأنه لا يعنيني، نذهب لأقرب مسجد ونعقد القران وانتهت المشكلة.
أطلقت ضحكه عالية لم يفهم معناها، ثم توجهت لأقرب كرسي واضعة ساق فوق الأخرى وضمت أصابع يدها ماعدا السبابة والإبهام اللذان أسندت وجهها عليهما وقامت بالنقر بإصبع السبابة على جبهتها في تفكير.
- تريد مني أن أذهب للمأذون لنتزوج من دون حتى أن تعرف رأيي، بالطبع يجب أن أرقص فرحًا؛ ساجي تنازل وطلب مني الزواج كيف أفكر في العرض من الأساس ألا يكفي أنه تنازل وقالها بلسانه؟!
فقط عندي استفسار بعد إذن جنابك المعظم، لم تريد الآن أن تتزوجني؟ أعني أنا وأنت نعرف جيدًا تاريخ زواجنا الفاشل، فقد قمت لسنواتٍ عشر بمحاولات إبعادي عنك بكل الطرق المهينة حتى نجحت في ذلك بعد أن قمت بإذلالي أمام حبيبة قلبك روبين، أخيرًا نجح مسعاك وابتعدت عنك بطيب خاطر! ماذا حدث كي ترغب فيَّ مرة أخرى؟
لم تعطه الفرصة للإجابة بل تابعت وقد أصبحت نبرتها قاسية باردة:
- أخبرك أنا عن ما تغير ساجي؟ لعبتك أخذها غيرك وهذا ما لم تستطع تقبله، لا أحد يأخذ شيء من ساجي هو فقط من يقوم بتحطيم اللعبة التي أهداها له والده لتخفف عنه بعد حبيبة القلب، ولأنها لم تتحطم بالكامل قررت بأن تعود وتأخذها وتقضي على ما تبقى منها.
خدشت الدموع حدقة عينها لكنها أبت أن تطلق سراحها بل نجحت بصعوبة في حبسها كي لا تظهر ضعفها أمامه.
أما هو فقد شعر بأنها أخذت مشرط وقامت بإحداث جروح في قلبه بل كامل جسده ثم سكبت عليها العطر لتحترق أكثر وبعض الملح ليزيد تشققها.
فتح أزرار قميصه فقد شعر باختناق شديد، جر كرسي ليجلس مقابلًا لها،  واضعًا رأسه بين يديه وقد شعر بأن الدموع بدأت تتجمع في عينيه، لا يصدق لا يمكن! لن يبكي! فهو توقف عن ذلك منذ أن هربت عمته وأذاه مجد، عانى ليالي من الألم الجسدي بعد كسر ضلوعه لكن إحساس الخيانة من عمته هو ما قتله.
هز رأسها ليبعد عنه هذا الاحساس ويرجع الدموع لمكانها الاصلي، ثم رفع وجهه وركز نظراته عليها:
- لم تكونِي هدية بل كنتِ عقاب أو دين بالأحرى عليَّ دفعه.
أتسعت عينيها وشعرت بانها تلقت صفعة من جملته تلك!
تابع:
- جاءني والدي بعد وفاة عمتي ليخبرني بأن ابنة مجد لم تمت مع عائلتها وعليَّ أن أتزوجها رغم أنها طفلة، لأنه لا يقدر على مواجهة جدي وإحضارها للمنزل، كما أن عمتها ترفض أصلًا الاعتراف بها، عارضت في البداية قلت لنقنع جدي وأن تبقي في منزلك في العاصمة أي شيء آخر لكنه أخبرني بأنكِ ولدتي لأني ساعدت عمتي في الهرب بإحضار مجد لها.
لم تخفى عليها طريقة نطقه لاسم والدها بكره شديد.
- لذلك عليَّ أن أدفع الثمن وأواجه جدي حتى تصلِي للسن المناسبة لتقرير حياتك.
سكت قليلًا ليرى تأثير الكلمات عليها لكنه لم يستطع أن يستشف منها شيء كأنها تغيرت ولم تعد غسق الشفافة له.
رغم إحباطه قرر أن يخبرها بكل شيء ربما تغفر له:
- عندما أحرق جدي صور عمتي كان ذلك عقابًا لي وليس لكِ، أنا من وضعت جميع متعلقات عمتي بتلك الغرفة حتى لا يتخلصوا منها، كنت أذهب إليها عندما اشتقاق لعمتي، أعرف بأن الجميع يعلم ذلك لكنهم لم يتكلموا بما أني أنفذ طلباتهم تركوا لي تلك الغرفة؛ بعد زواجي منكِ قامت حرب في المنزل أعتقد أنكِ حضرتِ جولاتها قبل الحريق بيوم ذهبت لجدي وأخبرته بأن زواجي منك موثق فلا يحاول أن يؤذيك أو يبعدك عن المنزل فهذا حقك بصفتك زوجتي إذا كان يرفضك كحفيدة له، تعرفين ما حدث بعدها، لم أسأل فقد وصلت الرسالة بوضوح ففكرت بأن آخذك للعيش في منزلي وقتها، بعدها دخلتِ أنتِ في نوبة بكاء شديد لعدة أيام وكنت آخذك في حضني لتنامي دون كوابيس، وقتها تحركت مشاعري ناحيتك، ليست مشاعر حب ورومانسية بل مشاعر رجل
لامرأة! كنتِ طفلة لم تتمي عامك السابع عشر وأنا أفكر بكِ بكل قذارة.
مسح وجهه بيده وأبعد نظره عنها:
- خفت من نفسي، خفت أن أتمادى معك وأسلبك طفولتك بسبب رغبة حيوانية بحته، والأسوأ خفت من أن تكون رغبتي ما هي إلا نوع من أنواع الانتقام من مجد.
نظرت له في صدمة فقد بدأت تدرك أن والدها آذاه لدرجة لم تتوقعها بل لا يمكن تجاوزها ربما.
- مهما كان كرهي له لن آخذ حقي من طفلة لا حول لها ولا قوة، لذلك أبعدتك عند فرح بسرعة، أعترف بأني فعلت ذلك من أجل نفسي قبل أن يكون من أجل حمايتك.
أما عن إبعادي لك من منزلي في العاصمة وكتمان كونك زوجتي، فهو من أجل حمايتك من عمتك فقد جاءني عدة تهديدات عندما رفعت القضية حتى أنهم حاولوا خطفك مرة عندما أخبرتني بأن السائق قد دخل طريق خطأ، لم يكن خطأ هم من اشتروه، كذلك أرسلوا لي صور لكِ داخل منزلي فكان عليَّ إبعادك بأي طريقة.
- والطريقة المناسبة هي إهانتِي وجرحي صح؟
بصوت محشرج تابعت:
- لماذا لم تخبرنِي بذلك منذ البداية، عن التهديدات على الأقل، أليس من حقي أن أعرف، ربما وقتها كنا توصلنا لحل دون المساس بكرامتي، لكنك دائمًا لا تهتم لما أشعر به ولا ما أعانيه المهم أنت وخططك وما يرضيك، تركتني شهرين بعد طردك لي دون أن تحاول شرح موقفك وعندما قررت بأنك اشتقت للعبتك فعلت ما تفعله دائمًا، رحلة بعيدًا عن الكل حتى لا يعرف أحد بأني زوجتك، أنت حتى لم تعتذر عما فعلت وأنا مثل المغفلة قبلت بك من جديد؛ عمومًا ما قلته لا ينفِي بأنك قمت بإنشاء ذلك المنزل على ذوق روبين ومن أجلها هي وأولادك منها.
- غير صحيح بالمرة.
صرخ وقد فقد هدوء أعصابه الذي حاول التحلي به:
- أنتِ تعرفين بأني أحب ذلك الذوق إنه يذكرني بفندقنا.
نظرت له بعدم تصديق:
- فندقنا!
- لا تستفزيني أكثر غسق تعرفين ماذا أعني؟ أنا لم أفكر بروبين منذ زواجي منكِ أعترف بأني ضعفت و...
- لا يهمني السبب ما حدث قد حدث.
استقامت من كرسيها وأخذتها حقيبتها متجهة للخارج ثم التفت له تقول في روتينية شديدة، متناسيه كل ما كانا يناقشانه منذ قليل:
- من الأفضل أن ننظم مواعيد العمل بيننا لا داعي أن نتواجد في نفس الوقت خصوصًا أن إياد قرر بأن يعود للوطن قريبًا، وهكذا تتاح لك الفرصة كي تقضي وقت أطول مع الطفلين إذا رغبت في ذلك.
لم تنتظر رده بل خرجت وتركت ذلك الذي لم تقدر قدماه على حمله ليجري خلفها ويخبرها باقي القصة، القصة التي كان هو الشرير بها بلا منازع.
*********
بعد أن زارت تلك المعالجة النفسية رغم عدم اقتناعها بها لكنها اقتنعت بالكثير من ما قالته لها، قد يكون الأهم هو اعترافها أمام نفسها برغبتها في عودتها لسراج، ما يفعله الآن هو محاولات نسيانها بذلك الديك الشركسي الذي يلتصق به في كل مكان، عرفت بطرقها الخاصة أن سراج  يعمل مع ميلا في الشركة وهذا زاد حنقها منذ متى يفهم سراج في تلك الأمور بل منذ متى وهي تعمل معهم!
ربما هي حقًا أنانيه لا تهتم إلا بنفسها كما أخبرها الجميع، حان الوقت كي تغير القليل من نفسها من أجل أن تحصل على سراج مرة أخرى.
اختارت ملابس تظهر خسرانها للوزن فهو لم يبدو عليه أنه لاحظ ذلك في لقائهما الأخير، صبغت شفتيها بالأحمر القاني وارتدت حذاء بكعب أعلى من الذي كانت ترتديه في الغالب فهي باتت قادرة على ذلك بفضل وزنها الجديد وتركت شعرها حر غجري كما يطلق عليه سراج دائمًا؛ توجهت للشركة وهناك سألت على مكان سراج لتعرف أنه يتقاسم المكتب مع ميلا!
كأنها تحتاج لشيء جديد يعلها تشتاط غضبًا منها؟ ذهبت للمكتب مسرعة وهي تدق الأرضية الرخامية بكعبها العالي ليصدر صوتًا يماثل غضبها، فتحت الباب دون استئذان لتمسكهما بالجرم المشهود حسب اعتقادها.
لكنها تفاجأت بوجود ميلا وأيهم وحدهما بالداخل، لم تنتبه لوجه شقيقها الذي تعتليه الحمرة ولا لقرب ميلا منه وهي تمسك بمجلة متخصصه بالزفاف، حركت عينيها في الغرفة بحثًا عن سراج دون أن تجده.
بمرح ممزوج بقليل من الخباثة قالت ميلا:
-آهلًا فرح جئتِ في وقتك تعالي وساعديني في اختيار ديكور مناسب لصالة الزفاف، أيهم يرفض أن يخبرني أي ديكور أفضل وأنا لا أريد أن أكون أنانية واختار وحدي دون مشاركته.
قربت حاجبيها وقالت بصدمة مستنكره:
- زفاف! أي زفاف ذلك؛ لا تحلمِي بأن أترك لكِ زوجي لتستولي عليه، نجوم السماء أقرب لكِ ألم تسمعِي من قبل عن فرح العلي، حسنًا أنا سوف أريك من هي فرح العلي بعد أن انتف ريشك الذي تنفشينه متفاخرة به، هذا ما ينقص ديك شركسي يريد أن يأخذ زوجي تعالي هنا وأنا التي سوف تعيد صياغتك تعرفين تحتاجين أن تتحمري زياده عل بشرتك يصبح لها لون لنعرفك منه.
هجمت عليها وهي ترشقها بتلك الكلمات دون أن تعطي أحد فرصة ليستوعب ما تقوله؛ وقعت ميلا على بطنها وفرح فوقها تجثو عليها بركبتيها، وقد أمسكت مقدمة شعرها في يدها تحاول انتزاعه واليد الأخرى تحاول تثبيت نفسها على الأريكة الصغير حتى لا تقع قبل أن تتم مهمتها.
كل ذلك حصل في أقل من ثانية من كلام ميلا لهجوم فرح وأيهم مصدوم لم يتحرك لعدة ثواني، عندما وجد شقيقته تقرن كلامها بالفعل قفز من مكانه واحتضن فرح من الخلف في محاولة لإزاحتها عن ميلا، توقع بأنه قادر على ذلك نظرًا لأنها خسرت الكثير من الوزن كما أنه صاحب عضلات ومعتاد على حمل الاثقال، لكن الغضب والرغبة في الدفاع عن عشقها لسراج جعلتها أثقل أو أقوى ربما من أن يقدر على زحزحتها من مكانها.
عندما دخلت فرح لم تغلق الباب خلفها من حسن الحظ، قامت السكرتيرة بالاتصال بسراج لتخبره بوصول فرح خلال اتصالها حدث الهجوم الذي شاهدته من مكانها بكل وضوح لتخبر سراج به، أخبرها بأنه قادم وأن لا تستدعي الأمن الآن؛ فعلًا جاء بسرعة رغم أنه كان يود أن يتأخر قليلًا ويجعلها تحترق بنار الغيرة، لكن لا وقت لذلك سوف تقتل ميلا فهو يعرف جنونها.
ما أن دخل للغرفة لم يتوقف ليفهم ما حدث فالموقف واضح أمامه؛ ميلا مستلقيه على ظهرها فوق الأريكة فوقها فرح وقد اقتلعت شعرها بيدها وهي تخنقها أو تضربها لا يعرف بالضبط، وأيهم يحاول أن يبعدها عنها دون جدوى؛ صرخ بصوت جهوري من مكانه:
- فرح توقفِي عن ما تفعليه وإلا طلبت الأمن ليخرجوكِ من هنا.
كأنه ألقى تعويذة سحرية توقف الجميع عن ما يفعله، حتى ميلا توقفت عن الصراخ، ابتعد أيهم عن فرح لتقوم من مكانها وهي تحاول أن تعدل من هندامها الذي أصبح كارثة، أما ميلا فقد ساعدها أيهم لتقوم من مكانها وهي ممسكة برأسها  وتبكي بنحيب قطع قلب أيهم الغارق في هواها:
- شعري! لقد اقتلعت شعري، لا أصدق ذلك.
ازاد نحيبها ليربت أيهم عليها في تعاطف دون أن يقربها منه.
نفضت فرح يديها من باقي شعر ميلا:
- لا داعي لكل هذا النحيب هي بضع شعيرات أعتقد بأنها ليست طبيعة أصلًا وإلا ما كُنت لأقتلعها بتلك السهولة، يوجد محل مشهور يقوم بزرع الشعر اذهبي له وأنا من سيدفع الحساب، أعتقد بأنه في سنك هذا تحتاجين للزرع.
رمقتها بنظرة ذات معني ليحمر وجه ميلا وتصبح تشبهه بسكوت الزنجبيل فعلًا:
- سني وما به سني هذا؟ على الأقل انجزت شيء مهم ومفيد، لم أعتمد على مال أهلي ولا تدليل الجميع لي وتغاضيهم عن أفعالي وشخصيتي البغيضة.
أبعد أيهم يديه وتدخل في الحديث لأول مرة، قائلًا بحزم:
- ميلا لا أسمح لكِ بأن تهينِي أختي، فرح خط أحمر تعرفين ذلك جيدًا هذا إذا كنتِ تريدين حقًا أن نكمل!
قاطعته وهي تبعد يده من عليها:
- أختك خط أحمر! وأنا ماذا؟ هي من تهجمت عليَّ والآن تهدني أنت، تعرف ماذا أنتما الاثنان معقدان يجب أن تعيشا لوحدكما وتموتا دون أن تجدا الحب، هنيئًا لك بأختك سيد أيهم وأعدك أن أجعلك تندم على تهديدك لي قريبًا جدًا.
أخذت حقيبتها واندفعت خارج المكتب تسبقها عبرتها التي لم تعد قادرة على إخفائها بعد الآن.
همس سراج في أذن إيهم:
- الحق بها، ميلا مجنونة سوف تتزوج أول من يصادفها فقط كي ترد لك الألم، إذا كنت فعلًا تحبها كما نعرف جميعًا الحق بها ولا تجعلها تضيع منك.
كان في انتظار من يدفعه ليخرج خلفها سوف يجدها ويصحح الخطأ الذي فعله، لكن يجب أن تعرف أن فرح هي بمثابة ابنته ولن يقبل إهانتها لها رغم كل عيوبها وأخطائها الجسيمة أحيانًا هو لا يقدر على معاقبتها يعرف بأنه أخطأ ويجب أن يكون أكثر حزمًا معها لكنه لا يقدر فهي صغيرته وهذا العيب لا يمكن إصلاحه.
التفت سراج ليجد فرح تجلس مكانها في سكون رهيب كأنها لم تتسبب في كارثة منذ قليل.
جلس في الكرسي المقابل لها واضعًا ساقًا فوق الأخرى وهو ينظر لها بغضب واضح:
- لماذا أتيتِ، ما هذا الذي فعلته؟! هل أنتِ طفلة صغيرة ونحن في الحضانة حتى تقتلعِي شعر زميلتك من أجل قطعة حلوى.
حركت فمهما للجنب في استهزاء:
- زميلاتي تقصد في مدرستي، أما زميلة تلك لا تطلق على من هم في سنها.
كور قبضه يديه حتى لا يضربها من شدة استفزازها:
- ميلا تكبرك بأقل من خمس سنوات لا تكابريِ، ثم توقفِي عن اللف حول الموضوع الأساسي، لماذا أتيتِ وبأي حق تقومِي بإهانة شريكتنا.
جحظت عينيها:
- شريكتكم! منذ متى ميلا تعمل معكم من الأساس لتكون شريكة لكم الآن.
عاد بظهره للكرسي:
- تعمل معنا منذ أن كانت تدرس أي منذ أكثر من ثماني سنوات، أصبحت شريكة منذ ثلاثة  سنوات تقريبًا، هذه تفاصيل لا تهمك بالطبع فأنتِ لا تهتمِي إلا بفرح فقط، لم تسألِي يومًا عن العمل ولا عن مساره، رغم أني أخبرتك عندما بدأتِ العمل معنا ولم تهتمي، حتى عندما أصبحتِ شريكة عن طريق جلب عقود لنا مع أكبر الشركات الأجنبية  للتعامل مع مصنع القاسم للألبان والذي يصادف بأني المسؤول عنه، لكنكِ لم تهتمي لسماعي بل لم تحضري حفل التعاقد من الأساس وأقمتِ حربًا بعد أن شاهدتي صورة الاحتفال في المجلات، كل ما همك لماذا ميلا متواجدة رغم محاولتِي لشرح الحقيقة لكنكِ أصررتِ بأني على علاقه بها وطلبتِ إبعادها من العمل، وأنا قمت بذلك فقد جعلتها تمسك القسم في الخارج رغم عدم احتاجنا لقسم هناك فقط من أجل إرضاء حضرتك؛ لكنك عمياء متعجرفة منغلقة الأفق لم تري أن قصة الحب هي بين أيهم وميلا  منذ البداية أنا لم أكن طرفًا بها إلا عن طريق أني كنت الشخص الذي عرفهما على بعض، كل كلام ميلا موجه لأيهم، وأيهم خسر الآن حبيبته للأبد بسبب غرورك وطيشك.
كانت متسعة العينين فاغرة الفم وهي تستمع لكلمات سراج، كيف لم تربط الأمور مع بعضها، فعلا ميلا دائمًا مع أيهم، أيهم دائمًا يذهب لبلاد ميلا حتى عندما كان يأتي لها عند دراستها بالخارج كانت يتحين الفرص ليذهب لميلا.
ازدردت ريقها وقالت بصوت خفيض:
- تعني أنها كانت تجهز زفافها على أيهم وأنا ظننتها تقصدك.
هز رأسه موافق.
وقفت من مكانها وهي تدور حول نفسها تارة وتخلل شعرها تارة أخرى:
- كيف لي أن أعرف؟ لقد تجاهلتنِي تمامًا وكنت ملازم لها، ثم أنت أصبحت رجلًا حر من الطبيعي أن تفكر بالزواج و...
أخرسها بقبلة جعلتها تتجمد في مكانها لثواني قليلة ثم ترفع يديها خلف عنقه وتبادله القبلة بمثيلتها وقد زاد في عمقها لدرجة لم تشعر به عندما وضعها على نفس الأريكة التي كادت أن تقتل ميلا عليها.
فصلا قبلتهما لاحتياجهما للهواء لكنه لم يبعدها عنه بل أخذ يقبل جانب فمها نزولًا لرقبتها وهو يقول بصوت يملأه الرغبة:
- من قال أني رجل حر؟ أنا مقيد منذ زمن، مقيد بعشق لا فكاك منه حتى الموت.
بصوت ضعيف:
- سراج توقف لا يجوز ما نفعله.
أسكتها بقبلة أعمق من الأولى حتى انقطعت أنفاسها هذه المرة، ابتعد ببطء وهو يراها تلهث، لتعلُو شفتيه ابتسامة شقية متلاعبة:
- من قال لا يجوز؟ لقد رددتك لعصمتي في نفس اليوم الذي طلقتك فيه، ألم تلاحظِي أن ورقة الطلاق لم تصلك إلى الآن.
- ماذا؟! أنت تمزح صح لا يمكن! لماذا لم تخبرنِي بذلك؟
قام من فوقها وتوجه للباب يغلقه بالمفتاح، ثم عاد إليها يقبل وجهها بهدوء قاتل لذيذ:
- كي تتأدبِي وتعرفي ماذا خسرتِ يا فرختي الشهية.
- فرخه! حتى بعد أن نقص وزني؟
رفع رأسه وعقد حاجبيه:
- من طلب منكِ أن تخسري وزنك؟ أنا أحبك ممتلئة شهية لم أطالبك يومًا بالعكس، ثم نعم أنتِ فرختي التي دخلت منزلنا تمسك بيدها فرخة صفراء محشوه بالقطن ترفض أن تتركها أبدًا، لم تكونِي تستجيبي لي عندما أناديك إلا إذا قلت فرخة صفراء، هل تذكرين؟
ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيها وشعرت بالدموع تملأ عينيها، كانت دموع سعادة هي فعلًا تذكر تلك الأيام، كان سراج أول من قامت بالتواصل معه، وتلك كانت طريقته في التواصل دائمًا يعرف ما تحب ويفعله ليصل لقلبها.
- أذكر حبيبي وكيف أنسى أنك من جعلت أيامِي أسهل بعد كل ما حدث.
مرر أنفه على وجهها وهو يقول باستمتاع:
- هل قلتِ حبيبي أم أني واهم؟
طبعت قبلات متفرقة على خده:
- حبيبي وحياتي و... والد أطفالي  ربما!
غمزت بعينها وهي تقولها
- أطفال! لا، الأمر يحتاج إلى الانتقال لمستوى أعمق.
أطلقت ضحكة صافية وهي تغرق معه  في بحور العشق التي لم ولن تمل الغوص فيها معه فلا أحد قادر على إغراقها في مشاعر لا نهاية لها إلا سراج.
******
واضبت على زيارة آدم مع ابنه دون انقطاع لكن داخلها شيء يخبرها بأن ما تفعله ليس صحيح، من الجيد أن تقف مع صديق وتحاول أن تساعده على تجاوز محنته لكن أن تعلق مصيرها بمجرم مغتصب هو ما لا يقبله عقلها، رغم اعترافها بأنها تحب آدم.
قررت أن تستشير شخص خارج الدائرة، شخص عاش الحب الحقيقي والمزيف ولن يكذب عليها أو يجاملها، توجهت لمنزل تالين بعد أن طلبت منها أن تلتقيا دون وجود سارة أو غسق، عند دخولها جلست ودخلت في الموضوع مباشرةً لكنها طلبت منها أن لا تخبر غسق حتى لا تغضب منها أو من علاقتها بآدم؛ رغم أن تالين لم تكن تعرف بحقيقة ما فعله آدم بغسق لكنها استطاعت أن تتحكم في ردة فعلها وجمود ملامحها(قد تكون تلك ميزة في عائلة القاسم)
تحجّت بصنع الشاي كي تقدر على تجميع أفكارها وتهدئة أعصابها التي قاربت على الانهيار، أشياء كثير اتضحت لها الآن، هذا سبب تغير غسق إذن كم عانت تلك المسكينة ولم يقم أحد بإنصافها.
وضعت الشاي أمامها وارتشفت منه القليل قبل أن تقول:
- شخصيًا أرى أنه يستحق الحرق في ميدان عام.
صدمت زهراء من كلامها وقد ظهر ذلك على وجهها بوضوح.
تابعت تالين:
- لقد أذى ابنة عمتي وزوجة أخي ووالدة أبناء أخي، لن أقدر على مسامحته حتى لو سامحته غسق؛ لكن هذا أنا تالين ولست أنتِ، أنتِ تعرفين آدم الذي لا أعرفه أنا، أنتِ عشت معه سنوات كما أني قد لاحظت أنه مهتم بعائلتك جدًا كما أنكِ مسؤولة عن ابنه؛ كلنا لدينا شيطان يوسوس لنا منا من يضعف له ومنا من يحاربه ويتغلب عليه؛ هل يجب أن نرجم كل من وسوس له شيطانه؟
لا أعرف إذا كان حكيم فعل المثل كنت سامحته أو لا، من موقعي هذا أقول لا لن اصفح لمغتصب بالذات قد يكررها، لكنِ والحمد لله لست في موقفك، أنتِ أدري بآدم هل هو قابل للإصلاح؟ المسألة ليست حب بل قدرة على التعايش مع شخص قام بذلك الفعل؛ هل اعترف بجريمته وأخطائه وندم عليها، هو الآن يقضي عقوبة لكن الأهم أن يعترف بما اقترفه ويعلن التوبة الحقيقية، أعرف بأن حياته لن تكون سهلة بعد خروجه من السجن وهذا عقاب مناسب، لكن الأهم أن يتغير من داخله هذا شيء أنتِ من يقدر على تحديده فقط.
عدلت كتفيها في حزن:
- لا أفهم هل أعطية فرصة أم لا، قلبِي يطالبنِي بذلك وعقلي يرفض، أكاد أجن ماذا أفعل؟
- لا تفعلي شيئًا، دعي الأمور تسير كما هي الآن، لا تتخلِي عن صديق يحتاجك ومع الوقت ستعرفين الجواب من داخلك؛ زهراء أنتِ إنسانة واضحة نقية، الله سوف يبعث لكِ إشارة لتحددي مصيرك مع آدم فقط كونِي في الانتظار ولا تغفليِ عنها.
شعرت زهراء براحة كبيره بعد هذه الكلمات وقد تغير مزاجها للأفضل.
- تعرفين بأنِي طلبت من ساجي أن أقيم له جلسة تصوير لكنه رفض.
- حقًا! أنا سوف أقنعه ربما ذلك يحرك المياه الراكدة.
نظرت لها في لؤم:
- هل تعنين ما فهمته؟ غسق ليست سهلة لن تتأثر بذلك.
أغمضت عينيها وقالت ببراءة:
- ومن قال أني أعنِي غسق؟ ربما أعني شيء آخر أنتِ من قلتِ غسق.
حركت حاجبيها لأعلى لأسفل مرات متتالية:
- حماه، حماه.
قالت تالين وهي تضع يدها على صدرها:
- أنا! أنا ملاك ألا تعرفين ذلك؟
انطلقت ضحكة كلتا الفتاتين لتتغير الأجواء التي بدأت مشحونة لمرح وضحك.
بعد أن غادرت زهراء تلقت اتصال من ساجي  يخبرها أنه في طريقه إليها.
لم يمر الكثير حتى جاء ساجي فعلًا وقد كان معه الصغيرين فقد وافقت غسق على أن يخرج بهم أحيانًا، وضعت الطفلين مع زين على الأرض يلعبون فقد بدءا يحبوان قليلًا أما زين بدأ يقف أحيانًا ويخطو خطوة واحدة ثم يقع مع اقتراب عيد ميلاده الأول.
كان ساجي يراقبها ولم يفت عليه حركتها المتوترة:
- تالين تعالي بجانبي ماذا هناك؟ هل تشاجرتِ مع حكيم.
- لا لم يحدث شيء بيني وبين حكيم.
- إذن ماذا هناك هاتِ ما عندك.
أجلت حلقها وحاولت أن تتحدث بهدوء:
- زهراء كانت عندي أخبرتنِي عن جلسة التصوير أعتقد بأنها فكرة رائعة لماذا لا تقوم بها.
نظر لها جيدًا:
- الخوف الذي بعينيكِ ليس من أجل جلسة التصوير ولا تلك الهزة بقدميك عندما تعرفين شيء خطير وتحاولين اخفائه، هيا قولِي ما هو الأمر الهام الذي تخفينه عني.
ارتعشت بطريقة ظاهرة جدًا، الأمر الذي جعله يتأكد بأن الأمر خطير جدًا.
بصوت مرتعش قالت وهي تحاول أن لا تنظر له:
- سوف أخبرك بشرط أن تعدني بأنك لن تتهور أو تخبر غسق بمعرفتك للأمر.
ازدادت دقات قلبه عنفًا وقال بصوت خفيض:
- وما دخل غسق في الموضوع؟ ثم ماذا تعنين بأن لا أتهور؟ منذ متى كُنت متهورًا لأبدأ الآن.
لم تتحدث بل بقت تفرك يديها في عنف وهي تفكر هل من الصحيح إخباره أم أنها ستجعل الأمور أسوأ بذلك.
علا صوته وقد ملأه الغضب:
- تالين هيا تحدثي سكوتك ذلك يجعل عقلي يحيك آلاف القصص وكلها ليست جيدة، ماذا هناك قولي فورًا لن أتحمل أكثر هيا.
صرخ تيم فقد كان قريب من ساجي، لتنهض تالين في محاولة منها للهرب منه وتأخذ تيم في حضنها
- لقد أفزعت الصغير سوف أجعله ينام و...
أمسك بذراعها وأخذ ابنه منها:
- ماذا حدث الآن تالين ولا...
ارتمت على الكرسي وهي تقول بيأس:
- سبب طلاق آدم وغسق ليس الأطفال بل أن آدم قام باغتصاب غسق.

****
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن