الفصل السابع والأربعين

474 23 2
                                    

الفصل السابع والأربعون

رغم أنها أصغر أبناء العائلة ومن المفترض بأن تكون المدللة أو المميزة، لكنها كانت العكس، كانت انطوائية للغاية، لم تشعر يومًا بجمالها الذي تخبرها أمها عنه وتحاول غرس الثقة فيها، فعيناها ذاتا اللون الأزرق الخلاب وشعرها الأشقر لم يكونا مميزان بل شيء عادي فجميع بنات العائلة يتشاركن في تلك الصفات بل هن يمتزن عنها بثقتهن!
منعًا للحرج تجنبت تجمعات العائلة، وأفراحها، حيث الجميع يسخر من صوتها!
ولم تهتم كثيرًا بفكرة التقاط عريس منها، فهي تعرف بأن اسم عائلتها هو فقط من سيجلب لها العريس لا غير!
فقد كان صوتها غليظًا حادًا في مزيج منفر يتناقض مع شكلها الملائكي، لطالما شعرت بأنها تختلف عن إخوتها.
فريدة ذات شخصية منفتحة، منطلقة، لها الكثير من الأصدقاء، كانت محبوبة في العائلة، من السهل التعامل معها فهي لبقة في الحديث، وسهلة المعشر، عكسها هي فجر التي من الصعب أن تسمح لأحد بالاقتراب منها.
فقط ساجي كان رفيقها منذ ولادته، مُنى لم تكن تهتم به فهي سعت للإنجاب فقط حتى تكون والدة حفيد القاسم.
وليس أي حفيد بل أول حفيد ذكر يولد لديهم، خصوصًا وأن صحة فريد لم تكن جيدة ولم ينجب سوى فتاتين.
ساجي كان فرحتها، رغم صغر سنها عند ولادته إلا أنها تولت كل أموره  من تعلم المشي والكلام و حب التصوير، كان يلقبها أمي ينام في حضنها حتى وصل لسن السابعة عندما منعه سليم من ذلك، توقف عن النوم في غرفتها لكنه ظل يلقبها أمي في عدم وجود مُنى بالطبع، وهي لم تمانع ذلك.
ظل تعلقه بها يكبر معه ومعها فقد جمعها حكم الناس عليها، ساجي كان ذو ملامح حادة جعلت الكثير ينعتونه بالبارد!
رغم أنه مجرد طفل لكن ذلك لم يمنعهم من التنمر عليه ونعته بالألقاب، التي تؤلم قلبها هي فهو لم يكن يعي ما يدور حوله!
  كانت المدافعة الأولى عنه لدرجة أنها دخلت كلية رياض أطفال من أجله هو؛ كانت تخبره بأنها ستنجب فتاة خصيصًا كي يتزوجها هو، لكنه يخبرها بأنه لا يريد الزواج إلا منها!
تضحك وتخبره بأنها عمته ولا يجوز ذلك، لتمضي الأيام وتخبره بأنها اختارت أسماء أبنائها تيم أو تيام لو كانوا ذكورًا لكنها لم تختر اسم فتاة، لا تعرف السبب لكنها في داخلها لم ترغب في إنجاب فتاة، ليس كرهًا في الإناث لكنه خوف من عدم القدرة على التواصل معها، فهي لم تقدر على التواصل مع شقيقتها ولا حتى والدتها، التي حاولت معها كثيرًا دون جدوى، فقط سليم كان الصدر الحنون لها عندما يجد وقت، فهو مشغول للغاية في العمل ولم يعد يقضي وقتًا معها مثل السابق.
لا تعرف كيف استطاع مجد أن يتسلل لقوقعتها دون أن تشعر، لم ينفر من صوتها رغم أنهُ استغربه في البداية، تجده في كل مكان تذهب إليه، أحيانًا قبلها، يحاول لفت انتباهها بأي طريقة، لم يكن يعلم بأنها انتبهت له منذ أول مرة لمحته ينظر لها بتمعن وهي تحادث الصغير ساجي.
اعتقدت بأنه سيهرب بعد سماع صوتها، لكنه لم يفعل وظل يلاحقها مرة بعد أخرى حتى وقعت بإرادتها في الفخ! المرة تلتها مرة، الحجة أنها سلمت نفسها بالفعل!
في طريق عشقها المحرم داست على أكثر شخص أحبها بصدق وبراءة واستغلته أسوأ استغلال، كانت تتحجج بذهابها مع ساجي ثم تتركه لوحده في النادي أو بهو فندق أو أي مكان آخر لتقضي بعض الوقت مع مجد.
في البداية لم يلاحظ ساجي ما يحدث حوله، لكنه عرف أن عمته تذهب مع مجد لسبب ما وتنبه عليه أن لا يخبر أحدًا عن ذلك أبدًا وهو حفظ السر.
عندما كُشف أمرها وتم حبسها كان هو من يتسلل لها ليجلب لها الطعام خلسة، فجده منع عنها كل شيء فقط الماء والخبز اليابس!
كانت يتسلل عند ذهاب الجميع للعمل أو ليلًا، وكانت جدته تعلم وتقوم بالتستر عليه دون أن يعرف هو، وعندما طلبت منه فجر أن يوصل رسالة لمجد رفض في البداية، فهو سبب ما حدث لها وعذابها الذي لا ينتهي، لكنها ظلت تترجاه يومًا بعد الآخر لدرجة رفضت فيها أن تأخذ منه الطعام، عندها ذهب له مجبرًا، اتفق معه بأن يساعده على رؤية عمته فهي ترغب في الحديث معه، صحيح بأنه في داخله لم يكن مرحبًا بتلك الخطوة، لكنها عمته فجر، كيف لا يطيعها وينفذ لها طلبها!
هي أقرب شخص له، لا بل هي أمه كما كان يدعوها في صغره، حتى ضربته مُنى عدة مرات ليتوقف عن مناداتها أمي.
ما حدث بعد ذلك كان مأساة بمعنى الكلمة.
مجد أتي وقد قرر ما يريد فعله؛ طلب من ساجي أن يبتعد كي يحادث عمته لكن ساجي رفض وطلب منه أن يتكلم أمامه ويذهب بسرعة قبل أن يشعر بهم أحدهم، عندها زاد غضب مجد الذي لم يكن مستعد لمجادلة طفل مدلل، فقام بضربه على رأسه كي يغمى عليه حتى يقدر على تحرير فجر والهرب بها، لكن الضربة كانت قويه من رجل بالغ ذو عضلات لطفل لم يتم العاشرة بعد!
كما أن مجد لم يحسب المسافة جيدًا؛ ترنح ساجي وعاد بظهره عدة خطوات ليتعثر بحافة السور القصيرة ويقع من ارتفاع كبير كاد أن يودي بحياته.
لم يهتم مجد بما حدث لساجي، كان كل اهتمامه هو تخليص فجر وابنه الذي تحمله في أحشائها بأقصى سرعة، حتى أنه جرها بقوة عندما أرادت أن تعرف ماذا حدث لساجي؟
قال لها بصوت غاضب وهو يضعها في سيارته ويقودها مبتعدًا بأقصى سرعة:
- إنه ابن القاسم لن يحدث له شيء، أما ابني الذي في بطنك سوف يقومون بذبحه أمامك لو لم نذهب حالًا هل تفهمين؟!
كتمت صرخاتها وجعلت دموعها تتحدث بدلًا عنها، بعد سفرها واستقرارها في الخارج،  زادت المشاكل بينهما خصوصًا بعد ولادة غسق؛ لم تستطع فجر مسامحة مجد على ما فعله لابنها الروحي  وهو  رفض الاعتراف بخطئه بل أصر أنه كان ينقذ ابنته وهذا أهم، خصوصًا وأن ساجي لم يتأذى حسب كلامه، وصل به الحد بأن هددها بالطلاق وبأخذ ابنتها إن لم تكف عن الكلام عن ساجي بل منعها مجد من التحدث عنه بتاتًا فلا مكان آخر لها غير منزله بعد فعلتها، حتى عند زيارة سليم لا يسمح لها بالسؤال عنه!
لم تقل سوى جملة واحده:
- أنا أحترق وأنت تلومني على رائحة الرماد!
ساجي ظل بينهما فهو الذنب الذي لم تغفره له فجر ولم يرد أن يتذكره هو.
*****
في الوطن كانت التجهيزات لزفاف ميلا وأيهم،  ميلا هي المسؤولة الأولى عن كل شيء لم تثق بأي متعهدة أفراح  لتقوم بالعمل عنها بل هي من تولت تفاصيل كل كبيرة وصغيرة، سراج كان ملازمًا لها قدر الإمكان لكن طبيعته كرجل لم تحبذ قضاء وقت في اختيار ألوان زهور التزين أو نكهة كعكة الزفاف!
بتبرم ظهر على وجهه قبل صوته:
- ميلا هلا اخترتِ لون شراشف طاولات المعازيم كي ننتهي من تلك المعضلة ونبدأ في حل الأخرى.
تابعت التقليب في الكومة التي أمامها وهي تقول بهدوء استفزه:
- لون الشراشف مهم جدًا، فهو ينعكس على الاضاءة وباقي الديكور لذلك يجب أن أختار اللون بدقة فهناك فرق بين الذهبي والذهبي الشاحب والذهبي اللامع والذهبي عديم اللمعة و..
قاطعها وهو يضع يديه على أذنيه:
- فهمت لا داعي لتخبريني بجميع درجات الذهبي؛ لماذا انسحبت من لساني وعرضت مساعدتي؟
- سمعتك على فكره.
- أنا لم أتدخل في تفاصيل زفافي؟! ولا زفاف تالين! أنا لا أستوعب تلك الأمور التافهة التي تشغل بالكن، ماذا يهم إذا كان اللون شاحب أو مطفي أو محترق حتى! تتعبن أنفسكن بأشياء لا تهم أحدًا سواكن، يجب أن تكون الكاسات كذا والصالة مثل الأميرات والعشاء
والموسيقى و...، و..،  ولن ننسى فستان الزفاف الذي تضعن به ثروة يمكن أن تنقذ أسرة كاملة من الإفلاس، والذي لن يلبس إلا لبضع ساعات ثم يوضع في المخزن على الأرجح، آه ولا ننسي باقة العروس التي تقوم باختيارها بدقة بسعر وقدره، وبعدها ترميها لباقي صديقاتها!
صفقت بيدها في استهزاء:
- محاضرة رائعة، تصلح في مؤتمر للحد من تكاليف الزواج، لكني لن آخذ بها مع كامل احترامي، والآن أخبرني ماذا يهم الرجل كعريس إذا كنتم لا تهتمون بكل الذي ذكرته!
- العروس.
عقدت حاجبيها، هي تكرر:
- العروس!
- نعم العروس، هي المهمة في كل الأمر، نحن أبسط من ما تظني، انظري نلبس نفس البدلة مثل باقي المعازيم، ولا نقوم بأي طقوس غريبة قبل الزفاف، فقط ما يهم هو العروس، صدقيني لو سألتِ معظم الرجال المقبلين على الزواج لأخبروك بأنهم يفضلون قضاء المال والوقت في شهر العسل بدلًا من حفل الزفاف.
نظرت له بعينين مشتعلتين بغضب من تقليله لفرحتها، لكنها سرعان ما هدأت وهي تقول بصوت خفيض:
- سراج أريد أن أطلب منك طلب آخر وأنا محرجة جدًا في الواقع.
بنبرة هلع واضحة:
- ماذا تريدين لا تقولي بأني مكلف باختيار الراقصة؟ فرح سوف تقتلني إذا قمت بذلك وينقلب الزفاف لعزاء.
قلبت عينيها ثم قالت:
- لا تخف لن أتسبب في مشكلة مع تلك المتوحشة، لازلت أذكر ما فعلته بي.
كانت تتحس رأسها مكان الشعر المنزوع وهي تتحدث مما جعل سراج ينفجر ضاحكًا بقوة.
عقدت حاجبيها ووضعت يدها على خصرها:
- توقف عن الضحك حالًا، لا أمزح سراج.
كتم ضحكته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها:
- لا تغضبِي هيا قولي ما هو طلبك؟
شعرت ببعض الخوف والتوتر يسري في كل جسدها، حاولت أن تتماسك قليلًا فأخذت رشفة من كوب الماء الذي أمامها لترطب حلقها:
- تعرف بأنه لا أقارب لي تقريبًا بعد وفاة والديِ، أعني أقارب أمي ليسوا من الدرجة الأولى فهي كانت وحيدة كما تعرف، ولا أجرؤ أن أطلب من أقارب أبي ما سوف أطلبه منك!
- ماذا هناك؟ لماذا هذه المقدمة الطويلة؟ هل تريدين أن أتبرع لكِ بعضو من أعضاء جسدي؟ كليتي مثلًا!
رفعت حاجبها وتغيرت نبرتها المضطربة  لِسخرية:
- كلية منك أنت! لا حبيبي شكرًا متأكدة بأنك من سيحتاج لكلية؛ فأنت لا تشرب الماء بل تستبدله بالمشروبات الغازية!
- دكتورة ميلا لا تبدئي محاضرتك الآن عن أهمية شرب الماء لتهربِي من الطلب الذي تريدين مني تنفيذه؛ أنتِ تلفين حول الأمر منذ أسبوع.
فركت يديها ثم أخذت نفسًا طويلًا:
- أريدك أن تكون وكيلِي عند عقد القران، وأن تقوم بتسليمِي لأيهم في الزفاف.
أسبلت عينيها وهي تقول جملتها الأخيرة، فهي تعرف حتى لو قبل أن يكون وكيلها، قد لا يوافق على الطلب الثاني بسبب موقف فرح منها.
قفز سراج من مكانه في فرحة غامرة وهو يصرخ:
- أخيرًا سأفعلها وأذل أيهم.
قالت بتوجس:
- تذل أيهم! ستكون وكيلِي لا زوجي؛ ماذا سيضر ذلك بأيهم لا أفهم؟
قال بحماس طفًل شقي:
- أنتِ لم تحضري زفافي ولا تعرفين ماذا فعل هو وإياد وقتها، لقد أذاقاني المر وكنت واثق بأن لا أحد منهما سيجعلني أهنأ،  في عقد القران توالى أيهم وإياد في وضع شروط غريبة لولا تدخل عمي بلال رحمة الله، بل إنهما ادعيا بأن فرح فقدت بطاقتها الشخصية وأيهم تعمد بأن يتأخر بها يوم الزفاف لمدة ساعتين، عندما جاء أخيرًا بعد اتصال ساجي بإياد لم يتركني ألتقط صور معها ولا حتى...
كانت تحاول كتم ضحكاتها طول فترة حديثة حتى لم تعد قادره فوقعت على ظهرها من شدة الضحك؛ ليعقد حاجبيه في غضب:
- ميلا لا تضحكِي، لقد حان الوقت وسوف آخذ حقي.
لم تتوقف عن الضحك إلا بعد مدة لتقول وهي تمسح دموعها:
- فهمت، هناك ثأر بينكما وأنا سأساعدك لتأخذه، لكن عندي شرط أولًا.
- موافق المهم أن آخذ حقي، يكفي بأن إياد أفلت من تحت يدي.
- ممتاز والآن اسمعني وستنفذ الشرط وإلا لن تقترب من الزفاف إلا كضيف غير مرغوب به.
اتسعت عيناه وسقط فكه وهو يستمع لما تريده؛ والأدهى أنها تريده هو أن ينفذ خطتها وإلا!
لكن لو نفذها وعُرف بأنه الفاعل يعرف بأنه لن ينجو هذه المرة!
*********
في نفس الوقت كان ساجي يتقلب على جمر مشتعل يحرق كل خلية بجسده ولم يقدر على الصراخ.
هل هي حامل فعلًا! هذا يعني بأنها سترتبط بآدم للأبد.
من الأساس لا يزال يحترق من زواجها منه، رغم أنه يلوم نفسه بالدرجة الأولى على ذلك الزواج؛ لكن بداخله جزء يعرف بأن غسق وافقت على طلب آدم لأنها تميل له ولو قليلًا.
لو كانت تنفر منه لم وافقت أبدًا، غسق ذكيه وكانت ستجد طريقة في الأوراق، أو أي طريقة أخرى.
لطالما كانت تحب تقضية الوقت مع آدم فهو لا يخجل من إظهار مشاعره لها على العكس منه، هو متأكد من أنها كانت ستكمل حياتها مع آدم وتقع في حبه بسهولة لو لم يقم بفعلته الحفيرة ويغتصبها! والآن بعد أن حملت بطفله ماذا ستكون العلاقة بينهما؟
هل ستسامحه؟ بالطبع لن تمنعه من رؤية طفله! فهي لم تفعل ذلك معه.
لابد بأن ذلك هو السبب في رفضها الرجوع له؛ كيف وهي لا زالت في العدة، بل يمكن لذلك الحقير بان يعيدها لذمته لو أراد!
ضرب رأسه بقبضة يده عند هذه النقطة، وشعر بأن ضلوعه ستخرج من مكانها، مثلما حدث يوم رماه مجد من على السطح.
تحسس أعلى جنبه الأيسر حيث توجد ندبه مكان خروج ضلعه المكسور وقتها؛ تلك الندبة التي سألته عنها غسق كثيرًا ولم يجبها، كان يتهرب منها دائمًا بل يقلب الوضع إلى مشاجرة أو يغادر المكان حتى لا يتذكر الحادثة ويبوح لها بفعلة مجد!
قرر أن يأخذ حمام سريع عله يطفئ النار المشتعلة بداخله، ثم أمسك هاتفه واتصل بسراج.
للصدفة كان بجانب ميلا ففتح مكبر الصوت ليقص عليهما ساجي ما توصل له.
عم السكوت المكان عندما انتهاءه من الحديث لعدة دقائق!
كان سراج أول من تحدث بعدها ليقول بهدوء؛ كي لا يزيد الأمر سوءً على شقيقه:
- هل أنت متأكد من حملها؟
- لا أعرف، لقد تقيأت يومها، كما أن لديها موعد مع طبيبة تذهب إليها في انتظام، لا أعرف أعراض الحمل فأنا لم أكن معها في حملها بالتؤام.
- جيد الآن ستكون بجانبها وهي تحمل طفل غيرك.
صرخ به حتى ظهرت عروق رقبته:
- هذا ليس وقت مزاحك سراج أنا في كارثة!
أكمل سراج بنفس النبرة الهادئة:
- من قال أني أمزح! أنا جاد لقد قصرت في حق غسق وأولادك الذين كانوا بداخلها، وقت الحمل، الذي لم يكن سهلًا لها، والآن ربما هذه فرصه كي تعوضها.
استغرقه الأمر أكثر من دقيقة حتى يقدر على الرد، يعرف بأن سراج محق هو قصر في حق غسق وفي حق أولاده قبل وبعد الولادة،  مسح على وجهه وقال بصوت أهدأ:
- أنت طبيب كيف أتأكد من أنها حامل دون أن أسألها.
- بربك ساجي أنا بيطري لا طبيب نساء!
- تظل طبيب أي شيء سراج أرجوك أكاد أجن.
تكلمت ميلا لأول مرة منذ بدء المكالمة:
- ماذا لو كانت حامل، ماذا ستفعل وقتها؟
صعق ساجي من ردها ولم تختلف ردة فعل سراج الذي نظرها لها في استنكار؛ صحيح هو يلوم شقيقه ويحمله الذنب لكنه لا يقبل بأن يفعل ذلك غيره، قانون الأخوة كما يطلق عليه.
أكملت ميلا وهي تتجاهل ردة فعلهما:
- تسأل عن علامات الحمل، هي تختلف من امرأة لأخرى بل تختلف من حمل لآخر، حتى بروز البطن الذي يظن معظم الرجال أنه يحدث بعد شهر واحد من الحمل، لا يحدث إلا في آخر الشهر الخامس في العادة وبعض النساء قد لا يلاحظ عندهن بسبب الملابس الواسعة؛ إلا لو كانت حامل بأكثر من طفل، وهو جائز في حالة غسق لأنها سبقت وفعلتها كما أنه يوجد توائم في عائلة والدتها.
سكتت قليلًا ليستوعب ساجي كلامها ويهدأ سراج قليلًا فهي تحتاجه لتنفيذ خطتها.
- ساجي ضع في اعتبارك بأنها حامل حتى يثبت العكس، وتعامل مع هذه الحقيقة الجديدة، هل تقدر على تحمل ذلك أو لا؟ إذا كانت إجابتك لا ترجع فورًا وعد للوطن هي لا تستحق خذلان آخر منك، خصوصًا وهي حامل.
أغلق الخط وهو يفكر في كلامها، هل يتحمل الفكرة أو يعود وينسي غسق للأبد!
********
بعد عدة أيام في استوديو زهراء وافق ساجي أخيرًا على أن يكون موديل لها بعد ضغط من تالين وموافقة ضمنية من غسق التي حضرت مع الطفلين وتالين كي تجهزا الطفلان للتصوير.
تالين هي من تولت أمر تحضير الطفلين، فغسق لم تنام جيدًا كما أخبرتهم.
شعر بجمرة تحرق أحشائه عندما طلبت منه أن يحضر لها الشطائر التي أحضرها المرة الماضية فهي تشتهيها!
أحضر للجميع منها وضعها على طاولة قريبة وبحث عنها لتخبره زهراء بأنها في الغرفة الجانبية، ذهب ليخبرها بأنه أحضر الشطائر فسمعها تتحدث بالهاتف؛ عكس طبيعته وجد نفسه يقف ويستمع لمحادثها التي بدت له مهمة جدًا!
على الهاتف كانت سارة تتحدث مع غسق:
- لقد قررت قريبة إياد أن تقيم لها حفل بمناسبة حملها، حيث يحضر لها الجميع هدايا تختارها هي ثم تكمل هي نواقص الطفل.
- تقصدين baby showers . رائع أنا موافقه، متى الموعد؟ أنا أعرف بأنه يقام في الشهور الأخيرة من الحمل.
- لا أعرف لكن في هذا الاسبوع؛ لأن سابين ستعود مع إياد للوطن.
- ممتاز إذن ستحضر زفاف ميلا، كم أتمنى حضوره، تعرفين سوف أخبر طبيبتي لو أمكن السفر سوف أذهب لحفل الزفاف وأعود بعدها، ميلا تستحق أن نحتفل بها.
قبضة جليدية اعتصرت قلبه، تسأل الطبيبة لتتأكد من عدم خطورة السفر على الحمل.
قالت سارة وهي تنظر لنفسها في المرآة:
- تعرفين عرضت على عُمر العودة للوطن، خصوصًا وأن علاجي توقف تقريبًا، لكنه يرفض ومصمم على أن يجد علاج جديد لي.
- سارة كفي عن إحباطك هذا، زوجك يحبك ويريدك بقربه لماذا تحرمينه من تلك المتعة، تعرفين كم واحدة تتمنى رجلًا مثل عُمر.
- أعرف لا داعي لتذكريني كنت أموت وهو في المستشفى؛ صدقيني هذا هو السبب الذي جعلني ألح عليه بالعودة، أشفق عليه لو حدث لي شيء كيف سيقدر على تحمل الأمر بِمفرده، وجود العائلة يفرق  كثيرًا، صدقيني رغم أنكن كنتن عونًا لي، لكن وجود والديِّ عُمر أحدث فرقًا معي رغم أننا لسنا على وفاق!
وضعت غسق يدها على قلبها في تأثر وهي تذكر تلك الأيام:
- لا أعادها الله حادثة ومرة أخرى لا تفكري بالأمر؛ والآن حدثيني عن حفل سابين وما هي طلباتها، أعني هل قامت بوضع قائمة في أحد المحلات خاصة بالأطفال؟
- لا لم تقم بذلك، لأن قريبتها لم تخبرها فهو حفل مفاجئ لها، كل ما أعرف بأنها تحمل فتاة.
قالت بفرح واضح:
- حقًا فتاة كم أحب الفتيات يا إلهي لا أصدق سيكون هناك فتاة صغيرة جميلة في العائلة، كم أنا متحمسة، لكن أليس مبكرًا لمعرفة نوع الجنين؟
- لقد قامت بتحليل دم عرفت من خلاله.
-  حسنًا المهم الآن أنا في جلسة تصوير للطفلين وساجي بعدها أمر عليكِ لنذهب للتسوق، أعرف أنكِ تجيدين انتقاء مستلزمات الأطفال، سوف نشتري ملابس كثيرة للفتاة من يعرف قد تكون هناك فتاتان لا واحدة.
تراجع ساجي لا إراديًا بعد سماع جملتها الأخيرة، هل هذا يعني ما فهمه؟
قبل أن يستمر في التفكير خرجت غسق بعد أن أغلقت الهاتف لتجده فاغر الفم شاحب الوجه؛ لم تسأله عن سبب ذلك فقد تخطته لتأخذ الشطائر وتأكلها بنهم جعله يتأكد من حدسه.
مرت جلسة التصوير بسلام على غسق وتالين، بصعوبة على زهراء التي لا زالت تتألم من ردت فعل آدم، فقد حاول الاتصال بها من هاتف السجن لكنها ترفض الإجابة؛ أما ساجي فقد كان يتعذب بطريقة لم يجربها من قبل؛ سبب عذابه هو أنه الوحيد الذي يقدر على إنهاء هذا العذاب ببساطة، ما عليه إلا أن يختار، أم القبول بابن غسق من آدم، أو الخسارة غسق للأبد!

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن