الفصل الثالث والعشرين

369 8 1
                                    

ماتنسوش التصويت❤️
الفصل الثالث والعشرون

تعلقت أنظارها بجدران المنزل، ها هي عادت إليه بعد كل تلك السنوات، برغم حبها الشديد له، ومحاربتها عمها كي تحصل عليَّه وحدها بعد أن توفيت أختها دون ورثة، وأستقر شقيقها بالخارج، لا تشعر بأي سعادة الآن، كأنه مسكون بأرواح الماضي؛ ماضي مُلوث بخطايا لا تعد ولا تحصى، والأسوأ أنها لا تسطيع تكفيرها أو طلب الغفران من الذين أخطأت في حقهم، فحتى من يزال منهم على قيد الحياة لا يطيق النظر في وجهها.
بعد مواجهة سمر لها وسماع سامي لكل ما اقترفته في حق سمر وحقه، بل الأعظم محاولتها التستر على مقتل أحفادها؛ تركت منزل سامي فورًا، قبل أن يقوم بطردها منه، وهل تلومه إن فعل!
ذهبت لمنزل والدها الذي استولت عليَّه كميراث بعد وفاته، بابتسامة هازئة، فكرت كم تشبهها سما فعلًا، كلاهما أخذت مال أبيها بالباطل، ربما يوجد عذر لسما، فزوجها يحركها كدمية ماريونت، أما هي فلم يجبرها أحد على شيء، هي من طمعت في المال، وقررت حرمان شقيقها منه بأي طريقة، وقد فعلت، والآن ها هي وحدها مع إرثها، لكنها لا تشعر بأي سعادة، حتى ابنتها المفضلة ليست معها.
دخلت علها الخادمة التي أرسلتها هبة معها:
- هل أحضر العشاء سيدة سميحة؟
أخذت شهيق وأجابت في هدوء:
- لست جائعة شكرًا.
- سيدتي أنتِ لم تأكلي شيئًا منذ أن أتينا والسيدة هبة أوصتني أن أعطيكِ الدواء بعد الأكل.
- أرغب في النوم، أغلقي النور من فضلك.
فعلت الخادمة ما أمرتها به وأغلقت الباب خلفها دون أن تعترض، أما سميحة لم تستطع النوم فكوابيسها لا تفارقها أبدًا، يجب أن تذهب لرؤية سما علها تجد حل لإخراجها
وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
********
عاد سراج إلى منزل المزرعة بعد أن شفيت الكدمات التي ألحقها ساجي به، وعاد عقله معها، فساجي محق رغم كل الأخطاء التي أرتكبها في حياته إلا أنه أعطاه أفضل  نصيحة، هو أخطأ لكن الخطأ الأكبر هو أن يتخلى عن فرح أو يقترن بغيرها، يعرف بأنه  يعشق فرح وهي كذلك، والآن وقت إزالة الحواجز عن ما يعكر صفو حياته.
لم يجدها في المنزل فذهب إلى المصحة فورًا، كانت فرح تفحص إحدى نساء القرية دون إي اهتمام، ولم تصغي حتى لما تقوله لها.
- بشريني، صبي أليس كذلك؟
- نعم صبي.
غمرتها السعادة وأخرجت هاتفها تخبر زوجها الذي أمرها بأن تستريح حتى يأتي ليصحبها إلى المنزل.
نظرت إلى فرح واضعة يدها على بطنها:
- أخيرًا أتى من سيثبت أقدامي في المنزل، يا إلهي كدت أجن وأنا أتخيل زوجي يتخذ امرأة غيري لتنجب له الصبي.
ردت فرح بهدوء وهي تكتب الوصفة الطبية لها:
- أمي أنجبت ولدين قبلي وأتخذ أبي امرأة أخرى زوجة له وهي عاقر.
ارتفع حاجبي المريضة وسقط فكها في دهشة؛ أعطتها فرح الوصفة دون أن تهتم؛ حتى سمعت صوت طرقات على الباب فانتفض قلبها لها، رغم ادعائها أنها لا تبالي لوجوده من عدمه، لكنها تشتاق له جدًا.
أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وعدلت حُمرتها، كما وضعت من عطرها بسخاء ثم اعتدلت في جلستها وسمحت للطارق بالدخول وهي تدعي الانشغال في قراءة التحاليل، كل ذلك تحت أنظار المريضة التي تعجبت مما حدث في ثواني بين دقات الباب والسماح له بالدخول، عند دخول سراج وقع نظره على المريضة التي تجلس أمام مكتب فرح،
تنحنح في حرج:
- لم اكن أعرف أن لديكِ مريضه أعتذر.
وقفت المريضة فورًا، فقد عرفت سراج:
- لا عليك دكتور سراج، لقد انتهيت وزوجي ينتظرني بالخارج.
خرجت فورًا، أما فرح فلم تنظر له بل تابعت عملها الوهمي، اقترب منها ثم لف الكرسي كي تكون مقابلة له، عقدت ذراعيها وهي تحاول أن ترسم على وجهها الغضب لكنها لم تستطع، وضع سراج إصبعه تحت فكها ليرفع وجهها كي يرى عينيها، رغب في رؤية نفسه فيهما، يرى حبها له، الذي مهما حاولت أنكاره، يظهر وبقوة في نظراتها، منذ أن كانت مراهقة وإلى الآن، كما يتمنى.
- فرح انظري إليَّ أرجوكِ.
رفعت عينيها لتلاقي خاصته وهي ترتعش من داخلها، لا تعرف السبب الحقيقي، لم تشعر بهذا الإحساس من قبل، خليط بين الخوف والترقب والاشتياق.
نظرت له وهي تزدري ريقها:
- ها قد نظرت لك، ماذا تريد سراج، لدي مرضى ينتظرون، هلا أجلت الحديث حتى أعود للمنزل؟
سحبها لحضنه حتى قبل أن تنهى حديثها، أخذ يستنشق رائحتها التي افتقدها، يشعر بأنها غائبة عنه منذ قرون وليس شهر فقط.
- اشتقت إليكِ فرختي.
لكزته في ظهره بقبضة يديها:
- فرخه.
حاولت أن تتحرر من حضنه وهي تقولها بغضب حقيقي لكنه شد عليها أكثر.
-  فرختي الصفراء الصغيرة، التي لا أستطيع البعد عنها.
نظرته له في غضب حقيقي لكنها ذابت في عينيه، تلك الزرقة التي تلمع حبًا لها:
- لماذا سراج؟
لم تحتاج لقول المزيد يعرف ماذا تعني؟
أبعدها عنه قليلًا حتى تستطيع النظر جيدًا له دون أن تتحرر من حضنه:
- أعرف بأن ذنبي كبير، قد يكون لا يغتفر لك، لن أقول مبررات واهية  فلا يوجد أي عذر لزلزلة حياتنا بهذا الشكل.
تنهد ثم أكمل، كما أعرف أن استرجاع ثقتك لن تكون مهمة سهلة، لذلك أخذت موعد مع استشاري علاقات زوجية، ربما نجد عنده حل، ما رأيك هل أنتِ مستعدة للمحاولة؟ وهذه المرة لكي نعيش حياتنا بشكل طبيعي ونخرج منها أي خوف أو شك؟
لم تنطق بحرف، ما يطلبه ليس هين، نعم بداخلها تنمو رغبة بمسامحته، لكن أن تخرج كل مخاوفها منذ الطفولة وتتعرى أمامه هذا صعب جدًا، لم تفعلها أمام أحد، حتى غسق، ذهابهما للطبيب يتعين فيه بأن تكون كتاب مفتوح له، وهو الذي تخشاه وبشدة.
قرأ أفكارها:
- ألا أستحق التجربة؟
لا تستطيع المقاومة أكثر، لماذا تكذب على نفسها وتعذبها معها، وضعت رأسها على صدره وهي تجيب:
- بلى، تستحق.
***********
منذ أن غادرت سارة وهي تنتقل بين صفحات الانترنت لتقرأ المقال وتركز في الصور، غير آبهة لتفاصيل الحوار أو المعلومات الواردة به، تكاد تجن ولماذا وضع تلك الصور بالذات ماذا يعني بها؟ هل يريد أن يوصل لها رسالة!
لا، هو لا يذكر تفاصيل الرحلة بالطبع، بالنسبة له مثل أي رحلة أخرى؛ لكن لماذا يحتفظ بالصور؟ هي تعرف كرهه للاحتفاظ بأي صور شخصية في هاتفه حتى له شخصيًا، إذن كيف مازال يحتفظ بالصور لديه؟
لطالما حذرها بأن يرها احد؛ ليس صور هذه الرحلة فقط، بل جميع رحلاتهما  وإجازتهما، التي يمضيانها لوحدهما، لا يحب أن يعرف أحد خصوصياتهما أبدًا، وهي دائمًا تلتزم بكلامه، صورها بمفردها تطلع علها فرح، أما الباقي ممنوع.
إذن كيف فعل هو ذلك؟ تكاد تجن، تلك الصورة بالذات لم تكن لرحلة عابرة أو إجازة سريعة، بل كانت أول اعتذار من ساجي له وقد يكون الوحيد!
بعد أن طردها بشكل غير مباشر من منزله في العاصمة، ورغم أنها لم تفتح الموضوع معه بعدها، لكنها أخذت منه موقف، لم يكن بغرض تأديبه أو رد اعتبارها، بل لأنها جرحت منه بشده؛ لم تعد تتحدث معه لا في اطار العمل وباقل الكلمات، كثيرًا ما تجنبت ذلك عن طريق إرسال العمل إلى إياد أو إلى أحد رؤساء الأقسام، حتى عندما يعود إلى منزل المزرعة كانت تقضي معظم وقتها عند فرح، بتحريض منها بالطبع، حتى لا تضعف أمامه، صحيح أنها لم تمنعه من حقوقه الشرعية، لكنها لم تكن متجاوبة معه، ليبتعد عنها دون أن ينهي ما بدأه؛ الحق يقال لم يحاول مرة إجبارها أو فرض نفسه عليها أبدًا، وطبعا لم يسألها عن سبب نفورها وتغيرها معه، شهرين كاملين وهي تعاقب في صمت وهو لم يلن أو يحاول أن يصالحها بكلمة، أو حتى تلميح، حتى كادت أن تجن، فكرت كثيرًا في الذهاب إليه وبدء المبادرة فهي تشتاق إليه كثيرًا، ليس جسديًا فقط، بل إلى الحديث معه، دائمًا تشعر بأنه يحبها عن طريق البوح بأسراره لها دون الغير، تعرف بأنه لا يرتاح إلا عندما يفرغ ما بجعبته على صدرها، هذا أكثر ما تفتقده، لكن فرح كانت لها بالمرصاد:
- لن تذهبي له يكفي تقليل من كرامتك.
نفذت كلامها رغم رفض قلبها لذلك، وبقيت على مقاطعتها الصامتة له، حتى جاء يوم كانت تجلس فيه عند فرح كعادتها عندما تعرف بقدومه لمنزل المزرعة، وبينما هما منغمستان في ثرثرة عن أحد الأعراس التي حضرتاها مؤخرًا سمعت صوت دقات على باب الجناح ثم دخل ساجي قبل أن تأذنا له على غير العادة.
ببرود مستفز:
- كيف حالكِ فرح؟
ثم وجه نظره إلى غسق:
- تعالي غسق هناك موعد علينا اللحاق به.
وضعت فرح إصبعها السبابة على جبهتها والإبهام على مقدمه فكها وهي تجيب في استفزاز مماثل له:
- إلى أين العزم، ثم كيف تدخل علينا قبل أن نأذن لك؟ هل هذا من الذوق سيد ساجي؟
لم يبد عليه أي انزعاج وهو يجيبها:
- أعرف أن سراج لازال في المزرعة فقط أنتِ وزوجتي هنا، وحتى لا تدعي النوم مثل كل مرة، ثم إني وزوجتي لدينا موعد يجب اللحاق به طبيبة فرح هل لديكِ مانع!
وقفت فرح في تحفز فهي تريد أن تسمعه الكثير من الكلام اللاذع، لكن غسق أمسكت يدها وهتفت بصوت عالي:
- اسبقني، دقيقة وأكون في غرفتنا كي أبدل ملابسي.
نظرت لساجي بترجي فهي لا تريد أي مشاكل بين فرح وساجي بسببها، ذهب دون أن يعقب أما فرح فرمقتها بنظرة خيبة أمل:
- هذا ما علمتك إياه، أن تركضي خلفه بمجرد أن يناديكِ، لا أصدق كيف سال لعابك عليه، لا أعرف ماذا يعجبك فيه من الأساس؟ عينيه اللتان تشبهان كرة البلي أم فكه الطويل مثل ثمرة الذرة أم بروده الذي يكفي لحل مشكلة ذوبان القطب الشمالي.
شهقت غسق:
- يا إلهي لقد جعلته مسخًا، حسنًا لم أضعف هو قال موعد عمل، إذن يجب أن أذهب، سأخبر ما حدث عند عودتنا.
رفعت فرح حاجبيها وقالت باستهزاء:
- عودتنا!
لم تجبها فقد خرجت مسرعة إلى غرفتها لتجد ساجي ينتظرها وقد طلب منها أن تلبس ملابس مريحة، بعد أقل من ساعتين كانا في المطار، عرفت بأنه حجز تذاكر إلى المكسيك، رغم اندهاشها في البداية كيف فعل؟ إلا أنها تذكرت بأن السكرتيرة طلبت منها جواز سفرها منذ اسبوع تقريبًا لتنهي بعض الاجراءات، ولم تعده لها.
شعور غريب راودها، مزيج من الغضب والسعادة، غضب لأنه لم يأخذ رأيها بل تصرف من رأسه، فهما عادة ما يختاران مكان الرحلة أو الإجازة معًا؛ حسب المدة والطقس، وسعادة لأنه فكر بمصالحتها، لكن المكسيك!
عندما نزلا من الطائرة كان كلاهما متعب فالرحلة استغرقت ما يقارب من ثمانية عشر ساعة، فور وصولهما للفندق نامت غسق دون حتى أن تستحم أو تغير ملابسها، بعد استيقاظها وجدت ساجي قد سبقها، وطلب لهما الطعام، نظرت حولها، فتذكرت أين هي، بعد أن أنهت استحمامها وارتدت رداء مخصص موجود به فهي بنفس الملابس منذ يومين أو أكثر، خرجت لتجده ينتظرها ليأكلا معًا، جلست في الكرسي المقابل دون أن تحاول أن تأكل لكنها لم تستطيع أن تصبر أكثر فقد اغتاظت لأنه لم يجعلها تجلب أي شيء معها، حاولت أن يكون صوتها هادئ لكنه خرج رغمًا عنها غاضبًا:
- لماذا لم تجعلني اجلب معي ملابسي؟ هل يعجبك ما ارتديه الآن! وماذا نفعل في المكسيك بالذات، ليس لدينا عمل هنا ولا تقل بأنها إجازة، تعرف كمية الإجرام الموجودة هنا، ألم تسمع عن مافيا الكارتل وفروعها (قالتها بهمس كأنها تخشى أن يسمعها أحدهم).
أطلق ضحكة بصوت عالي، شعرت بأنه يضحك من قلبه، نادرًا ما يكون ساجي على راحته، يضحك أو يلقي نكات أو حتى يحزن بطبيعته، دائمًا يضع نفسه في إطار الرجل البارد القاسي، إلا عندما يكون معها، بالذات في رحلاتهما المسروقة من الزمن، كما تسميها؛ ضحكته تلك تجعلها تهيم به عشقًا أكثر، ومتى توقفت أصلًا عن حبه بل هي تغرق في هواه كل سنة أكثر من السنة التي تسبقها، توقفت عن تأملها بعشق وهو يقول من بين ضحكاته:
- يا إلهي غسق، لم أكن أعرف بأنك من المتعصبين؟ هل تصدقين كل ما تبثه وسائل الإعلام الأمريكية؟ إذن كل العرب هاربين متشددين وجهلة.
عقدت حاجبيها وزمت شفتيها في غضب:
- لست عنصرية، ولا أصدق كل ما يقال في التلفاز لكن لا تنكر أن المكسيك خطيرة
ومكان لعصابات المافيا، هذا ليس مكان للاستمتاع أبدًا، ثم كيف سأخرج دون ملابسي هلا أفهمتني؟
ابتسم على منظرها الغاضب كم تبدو شهيه، هو يتقلب كثيرًا على نيران الشوق:
- حسنًا دعيني أثبت لكِ أنها مكان رائع إذن، أما عن ملابسك، فقد أحضرت لك ما تحتاجين له بالضبط.
مع غمزة من عينيه جعلتها تفهم ما يقصد لتعتلي الحمرة وجهها بالكامل بطريقة لم تحدث من قبل، حسنًا هو لا يغازلها كثيرًا فقط أثناء أوقاتهما الحميمية، ربما تكون هذه أول مرة يفعلها، حسنًا ربما عليه أن يكثر من المغازلة فقد راق له منظرها.
أما هي فقد وقفت واتجهت إلى دولاب الملابس لترى ما جلب لها، وجدت حقيبة مغلقة عرفت بأنها لها، أخذتها ودخلت إلى الحمام، لن تجعله يشاهد ردة فعلها على ما أحضره.
كانت معظم الملابس مريحة، تعجبت لأنه يعرف مقاسها، لكن ملابس النوم هي التي لا تصدق جرأتها أبدًا، هل يمزح؟ لن ترتدي هذه القطع، أصلًا لا تعرف كيف يمكن لأحد أن يطلق علها ملابس من الأساس وتلك القطعة الغريبة لا تعرف ماهي؟ وكيف يتم ارتدائها؟ خرجت بعد قليل وبعد أن أنهت ارتدائها للملابس الجديدة النظيفة واستعدت للخروج معه.
لم يكن يومًا ممتعًا بالنسبة لها، فقد قضيا معظم اليوم في (كانكون) بين البحر والتنزه بين الشواطئ والأماكن الاحتفالية، لم تحب الأجواء؛ لأن ساجي رفض أن ترتدي ملابس بحر عاريه فقد جلست تتابعه وهو يسبح والفتيات يلعبن بالكرة وهن بملابس البحر التي لا تغطي شيء من أجسادهن، حسنا لن تنكر بأنهن يمتلكن أجسادًا رائعة لكن ذلك ليس مبرر لتستعرض كل واحدة منهن بتلك الطريقة الرخيصة، ارتدت نظارات شمس كبيرة غامقة اللون، كانت تتابع نظرات ساجي هل ينظر إليهن أم لا؟ حسنا تلك الحمقاء قامت بضربه بالكرة عمدًا وها هي تقترب منه لتعتذر وهي تستعرض جسدها أمامه، كم تمنت أن تمتلك قوة فرح لتذهب وتمسك تلك الفتاه من شعرها تبعدها عن رجلها، عند هذه النقطة دق قلبها بسرعة، منذ مدة وهي تحاول أن تجمد مشاعرها تجاهه، فهو قالها بصراحه هي ليست زوجته التي يرغب بأن ينجب منها أطفال، دون تشعر باقترابه وجدته يقبل خدها، وكأنه قرأ ما تفكر به، هو حتى لم يسألها لماذا ترتسم على وجهها علامات الحزن:
- ما رأيك أن نستقل قارب لعرض البحر حيث يمكن أن تمارسي السباحة هناك كما يحلو لكِ.
- في عرض البحر حيث توجد أسماك القرش! توجد طرق أرحم لتتخلص مني.
أطلق ضحكة مرحة، ما به لا يكف عن الضحك وكأنها تلقي بنكات أمامه، هو فعلًا يشعر بسعادة كبيرة، يكفي أنها تتحدث معه بكل عفوية، كم افتقدها، عقله يطالبه بأن لا ينغمس فيما يشعر به معها، قلبه يخبره العكس، صراع بداخله لا ينتهي أبدًا؛ قرر أن يُسكت صوت عقله بقبلة لشفتيها اللتان اشتاق لهما كثيرًا.
رغم غضبها منه وجدت نفسها تجاريه في قبلته، لم يمر الكثير حتى أبعدته واضعة يديها على وجهها هي تهتف:
- ساجي الناس هل جننت؟!
رفع حاجبيه وهو يلتفت حوله:
- أي ناس؟ هل تعتقدين أن أحدهم يأبه لمجرد قبلة؟! ربما إذا...
أغلقت فمه بأصابعها قبل أن يكمل، ليلثمهم، فحاولت ابعادهم عنه لكنه أمسك بيدها وهي ينظر لها بتسلية:
- ها ماذا قررتِ؟
- قررت ماذا لا أفهم؟
مال عليها وهو يهمس بصوت رخيم جعل كل ذرة بها تشتعل:
- هل نذهب بالقارب لتأكلك الأسماك أم للفندق لآكلك أنا؟
شعرت بأنها تحولت لكتلة من نار، لابد وأن وجهها اشتعل حتى الكلمات خرجت من فمها بصعوبة:
- أرغب في السباحة هيا بنا.
قضيا باقي اليوم في المركب كان المنظر رائعًا، وعند عودتها ادعت غسق النوم، هي متعبة فعلًا فقد قضت معظم الوقت في السباحة، لم يحاول أن يضايقها تلك الليلة، وعند الصباح رافقها إلى المواقع الأثرية -أكثر ما تعشق- لحضارة المايا انبهرت بها كثيرًا، قرأت عن أهرامات المايا لكن رؤيتها شيء آخر تمامًا، عند التجول وجدوا إحدى السيدات التي تبيع تذكارات مصنوعه باليد، وقفت تتحدث معها قليلًا، لم تكن غسق تجيد الاسبانية كثيرًا، فقد درستها قديمًا في المدرسة، لكنها استطاعت التواصل مع المرأة وأخبرتها أنها في إجازة مع زوجها، لتعطيها حاملة مفاتيح لتحميها وتعزز علاقتها مع زوجها، عند نهاية اليوم بعد أن استحم ساجي اقترب منها يسألها عن العجوز وما قالته لها، نظرت له وهي تخبره بصوت كله ثقة:
- لقد أخبرتني بأنك غارق في غرامي حتى النخاع، كما أعطتني هذا.
وأخرجت الحامل من حقيبتها قائلة:
- هذا عليه تعويذة تجعلك لا تستطيع العيش بدوني وإذا فكرت يومًا في اتخاذ امرأة أخرى كزوجة لك ستجد الحزن والبؤس، فأنا الوحيدة التي ملكت قلبك وروحك.
لم تكن تنظر في عينيه حتى لا يستشف كذبها، هي لا تعرف لماذا كذبت عليه من البداية، لو سمعتها فرح لكسرت رقبتها، هل تجبره على حبها بالسحر؟ جيد أنها نسيت هاتفها في المنزل حتى لا تحادثها كل ثانية، كان قلبها يدق بعنف من اكتشاف كذبتها الواضحة؛ هو طبعًا عرف بأنها تكذب وفهم الرسالة التي أرادت إيصالها له، اقترب منها مستغلًا عدم رؤيتها له وضمها بين ذراعيه على غفلة، ارتعشت بين يديه من المفاجأة ولم يمهلها لتفكر، بل ألصقها به بقوة وهو يبتسم:
- وماذا قالت أيضًا؟ هل يجب عليكِ أن تستمري في هجري ومقاطعتي؟
كان يوزع قبلات على خديها نزولًا لفكها دون أن يقرب ثغرها، لتذوب هي ولا تستطيع أن تجيبه بحرف، فتابع ما يفعله مستغلًا حالتها؛ لم تشعر به عندما حملها ووضعها على الفراش ولم تقم بمقاومته بل العكس فقد اشتاقت له حد الذوبان.
بعد اسبوع عادا إلى أرض الوطن وقد أشرق وجهها من جديد، لم تتركها فرح بحالها بل تشاجرت معها كثيرًا، لأنها استسلمت بسهولة، لكن مثل جميع مشاجرتهما، سريعًا ما تعودان، فهي تعرف بأن فرح تريد مصلحتها لكن للقلب رأي آخر.
********
مرت عدة أيام لم يزر إياد سابين، فهو لا يريد أن يقترب منها أكثر، فقد شعر بخطورة ذلك، ليس هو من يسلم للحب، سبق ورفض حب تالين له رغم معرفته بعشقها له، وبأن أخلاقها لا غبار عليها، كيف يسلم الآن لسابين بكل ما تحمله من آثام؟ ثم هل ستوافق فرح على ارتباطه بها؟ ارتباط! هل وصل تفكيره لتلك النقطة معها؟ لا يصدق وهو الذي كان يرفض الفكرة أصلًا، لن يُكَوِنَ أسرة، لن ينجب أطفال يعانون كما عانى هو، لقد أقسم منذ زمن على ذلك واكتفى بحياته كعازب، الحب لن يغير شيء حتى لو قرر الارتباط
ها هو يرى فرح تعاني بشدة رغم حبها لسراج، لا لن يفعلها بل سيبتعد عنها قدر الامكان.
أخرج هاتفه ليطلب رقمًا ما أن أجابه حتى قال:
- ساجي اعفني من مهمة سابين رجاءً، لا أريد أن أتورط أكثر يمكن أن تجعل أحد من الحراس يتابعها إلى أن تهدأ الأمور.
على الجهة الأخرى أجابه ساجي:
- لا بأس أرسل لي عنوان المنزل الذي تقيم به وأنا سأتكفل بالموضوع لا تقلق.
أغلق الخط وهو يحرك علاقة المفاتيح بيده، لابد أنها قرأت المقال وشاهدت الصور، هل وصلت لها رسالته؟ أم أنها لم تعد تبالي.
******
تعددت مرات خروجها مع آدم، لن تكذب على نفسها فصحبته كانت ولازالت ممتعة، لكن بالها مشغول بتلك الصور، لازالت لا تعرف ما هو شعورها تجاهه؟ هل هو فعلًا يقصد إبلاغها بانه لم يجد السعادة إلا معها، أم هي صدفة ولا يعني منها شيء، يكاد رأسها أن ينفجر من كثرة التفكير؛ انتفضت على يد آدم فوق يدها لتسحب يدها بسرعة في غضب:
- آدم لا أسمح لك بالتجاوز معي، خروجنا معًا لا يعطيك الحق فيما فعلته.
ارتفع حاجبه في دهشة:
- وماذا فعلت؟ كنت اسالكِ وأنتِ لم تجيبي، فقط أردت لفت انتباهك.
عقدت يديها أمام صدرها:
- حتى لو، لا تفعلها مرة أخرى من فضلك، أعرف أن تربيتك أجنبية لكنك عربي، أرجوك لا تنسى أني امرأة مطلقة، لا أحب أن يتحدث أحد عني بسوء.
اتسعت عيناه في دهشة أكبر:
- ماذا تقولين غسق؟ من هذا الذي يتحدث عنك، أنسيت أين نحن؟ ثم أنا لم أفعل شيء يستحق هذه الثورة منك.
نفث هواء من صدره، فقد تعب من وضعها للحواجز بينهما:
- غسق تعرفيني منذ زمن، هل حاولت مرة استغلالك أو التحرش بك؟ لماذا تصوريني كشخص يحاول استغلال موقف والنيل منكِ؟
شعرت بسخافة ما قالته، هو محق لم يفعل ما يستحق كل ذلك، خفضت بصرها وهي تجيب:
- أعتذر آدم لم أقصد، أنا فقط ...
لم تجد ما تقوله فلا مبرر قوي لها، ليصدمها بقوله:
- غسق هل تقبلين بالزواج بي بعد انتهاء عدتك؟
شعرت بصاعقة تضربها، لم تتوقع أن يفعلها، ليس وهي حامل على وشك الولادة:
- أنا لازلت في شهور العدة، يعني لازلت على ذمة ساجي، لا أعتقد أن طلبك لائق.
- إذن هو ليس مرفوضًا، جيد، سأنتظر انتهاء العدة إذن.
- لم أقصد ذلك أعني أن...
- أعدكِ بأني لن افتح الموضوع حتى تلدي، والآن هيا أوصلك لمنزلك فقد تعبتِ من العمل اليوم.
أنهى الحديث دون أن يعطيها فرصة للاعتراض، ها هو يخطو أهم خطوة نحو حياتهما معًا، فقط عليَّه أن يبرهن أكثر على حبه لها وهذا ما سيفعله حتى تلد وبعدها يتزوجان.
*******
سمعت صوت الجرس فتوجهت لتفتح الباب بعد أن تأكدت أن ملابسها محتشمة، ألقت نظرة أخيرة على المرآة، لابد أنه إياد فهو متغيب من مدة، ولم يتصل بها ليطمئن عليها كالعادة، نعم هي أرادت أن تضع حدًا له، لكنها تشتاق له، فتحت الباب وابتسامة تعلو ثغرها، لتجد ساجي أمامها:
- ساجي هذا أنت؟ تفضل.
لم يهتم بخيبة الأمل التي ظهرت واضحة في صوتها بل دخل وجلس على الأريكة، لتجلس مقابلة له بعد أن أغلقت الباب، واضح أنها كانت تنتظر شخص آخر.
- كيف حالك سابين؟ اعتقد أنك أصبحتِ أفضل أليس كذلك؟
لم تعجبها نبرته، لكنها أجابت:
- بخير شكرًا لك.
وضع ساق فوق الأخرى:
- لقد خلصتك من مروان بل وجعلته يعيد لكِ حقك، كما قمت بمنع انتشار الفيديو سبب الفضيحة، أي أنكِ مدينة لي الآن.
ارتعشت من داخلها، أحست بقلبها يقع بين قدميها، وقد بدا واضحًا جدًا في صوتها ما تشعر به من خوف:
- ماذا تعني ساجي؟ ماذا تريد مني؟
بنصف ابتسامة:
- أريد منك شيء مهم وإذا عرفت بأنكِ خنتِ أو أفشيتِ سر طلبي، أقسم بأن أفضحك ولو ترتب على ذلك فضح أخي.
ازدردت ريقها فمن الواضح أن الأمر هام:
- حسنًا، ماذا تريد؟
- روبين!
- ما بها لا أفهم؟
اتسعت عيناها في دهشة وخوف، لا تصدق ماذا يريد منها، هو فعلًا مصمم على تحطيمها وهذه البداية فقط.
*******
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن