الفصل السادس والثلاثين

407 21 7
                                    


الايك لو سمحتوا عشان التشجيع❤️
الفصل السادس والثلاثين
الفصل السادس والثلاثون
مواجهة لابد من حدوثها، رغم كره سامي لها، بداخله يعرف بأنها قد تكون نهاية أي احترام يكنه لوالدته، حاول منذ صغره أن يحافظ على مكانتها لديه التي سعى والده كثيرًا لتعزيز تلك المكانة، صحيح بأنه ظل الابن البار كما أمره والده لكنه لم يستطع أن يغفر لها كل ما فعلته به، ربما ما حدث في الطفولة مضى ولا يفيد بأن يعيده الآن لكن موت ابنته البكر! بل قتلها على يد شقيقته والأسوأ محاولتها التستر عليها؛ جعلته يفتح دفاتره القديمة ويتذكر كل إساءة منها له حتى لم يعد لها مكان من الاحترام، أما الحب فقد ولى منذ زمن، لم يشعر يومًا بحب الأم وحنانها، لم يعش علاقة الأم وابنها المميزة التي يسمع عنها كثيرًا، لدرجة جعلته يشك بأنها والدته لكنه دفن كل ذلك بداخله من أجل والده محمود الذي لطالما زرع بداخله هو وسمر المسامحة والعفو عند المقدرة، كان دائمًا يجد أعذار لسميحة ويقلل من حدة كلماتها وتصرفاتها الفظة، وفي النهاية استطَاع انتشالهما من بئر حقدها وكرهها بمسامحته وسماحة خلقه، محمود كان النقيض من سميحة في سماحة النفس وإيجاد الأعذار للغير، ربما هذا ما جعله يكمل حياتها معها.
أما هو لم يعد قادرًا على ذلك، كما أنه ليس ملزم به حتى الدين لا يلزمه بأن يسامحها أو يتقبلها بعد فعلتها تلك.
رفض الدخول للمنزل كذلك فعلت سمر التي أتت معه رغم معارضة زوجها وكان ساجي ثالثهما؛ جلسوا في الحديقة ينتظرون قدوم سميحة التي تأخرت وكأنها ترفض لقائهم أو ربما تخشاه.
بعد فتره جاءت تدفعها الخادمة رغم أن كرسيها لا يحتاج للدفع، عرف ساجي بأنها تحاول كسب تعاطفهم فقط.
لم ترفع عينيها بهم خصوصًا وأنه لم يقم أحدهم بتحيتها، شعرت بنغزه في صدرها، إلى هذه الدرجة ينبذها أولادها؟
قطع ساجي الصمت قائلًا بصوت هادئ يحمل نبرة تهديد مبطنة:
- سيدة سميحة  باختصار شديد أريد إثبات نسب غسق وإصدار أوراق جنسية لها من هنا، وأنتِ من يقف في  سبيل إتمام مهمتي تلك، هل لي أن أعرف السبب رغم  أن المحامي سبق وطلب إجراء تحليل DNA؟
شحب وجهها بشدة فقد حدث ما كانت تخشاه، رغم أنها قد قررت أن تحاول التكفير عن ذنبها سابقًا، لكن الأمور تغيرت الآن إذا اعترفت بنسب غسق يعني ذلك نصيبها في الإرث وهذا يعني فضيحتها.
قرأ ساجي ما يجول في بالها من نظرة عينيها، ليقول بنفس النبرة:
- لا يهمني إرثها، المهم هو إثبات نسبها.
تحدث سامي لأول مرة منذ بداية الجلسة:
- بل يجب أن تأخذ نصيبها من إرث جدي، فقد احتفظت به عمتها لها كل تلك السنوات لتقدمه لها.
لم تخفى عليها نبرة الاستهزاء الواضحة في صوته، كذلك تلقيبه لها بعمتها  بدلًا من أمي؛ ليزيد الألم بداخلها وترتعد فرائصها خوفًا من اكتشاف الحقيقة.
خرجت من تفكيرها على صوت ساجي وهو يقول بِاشمئزاز واضح:
- لا نريد أي شيء من ورثة مجد أخرجِها صدقة على روحه فهو يحتاج لها بعد ما فعله بعمتي.
اشتعلت النيران في داخلها، كم ودت لو تبثها به لتحرقه هو وعائلته كلها بمن فيهم عمته المتوفية:
- وماذا فعل أخي؟ هل خطفها أو اغتصبها! هي من ذهبت معه بكامل إرادتها وسلمت نفسها أكثر من مرة له، كما أنها من بعث له رسالة لينقذها وهربت معه، بل أخي من كان كريمًا ليقبل بها بعد أن خانت أهلها وسلمت نفسها له، دون أن يتأكد حتي من أنها تحمل طفله؛ كف عن  وضع عمتك في خانة الضحية فإذا كان أخي مخطئ فهي مثله وأسوء.
تخلى ساجي عن هدوئه المعهود ليصرخ بها:
- مجد هو من قام بالتغرير بها، عمتي لم تكن من ذلك النوع من الفتيات، عمتي كانت ملاك فعلًا وشقيقك من قام بتلويثها.
رفعت حاجبها في تحدي وقد ارتسمت ابتسامة متشفية على وجهها:
- وكيف استطاع مجد التغرير بها، إذا كانت ملاك كما تقول؟ هل قام بوضع مخدر لها أو ربما أغراها بقطعة حلوى فهي طفله لا تفقه شيء! فجر من أعجبها غزل مجد وسلمت له نفسها بمحض إرادتها أكثر من مرة، حتى أصبحت حامل، لو كانت عمتك محترمة ونقية كما تدعي لما استطاع مجد أو ألف مثله اغرائها لتسلم له نفسها، كف عن الكذب والادعاء بأن مجد الذئب المفترس وهي الحمل الوديع؛ عمتك لم تهتم بأن تلوث اسم عائلتها بل أنها أرسلت له كي يقوم بتهريبها بعد أن فضحتكم ووضعت رؤوسكم بالطين.
شاهدت شحوب وجهه وقد ظهر عرق نابض أعلى جبهته دليل على تأثير كلماتها به، لتشعر بالزهو فقد استطاعت كسر ذلك المتعجرف شبيه عمته.
لكن فرحتها لم تدم فقد نظر لها ساجي بكره كسى وجهه ونبرته:
- بل ذلك الحقير الزير النساء هو من استطاع أن يمارس ألاعيبه القذرة عليها، هي كانت بريئة بلا تجارب، نقية لتصدق معسول كلامه، لو كان رجلًا لجاء لخطبتها من أول يوم أو حتى عندما عرف بحملها، لكنه دنيء جعلها تعاني شهور تتحمل الذنب وحدها ثم خطفها ليثبت عليها الذنب؛ عمتي هي من خسرت أما هو فلم يخسر شيء، صدقيني الشي الوحيد الذي يمنعني من إحراق جثته غسق، للأسف هو والدها وعليَّ احترام ذلك وإلا كنت أخرجت جثته
وأحرقتها أو على الأقل رميتها في مقلب القمامة حيث ينتمي أمثاله.
شعرت بكلماته مثل الصاعقة التي ضربتها لتجعلها مشلولة من جديد، لكنها لن تعطيه حلاوة الانتصار:
- صدق ما تريد الحقيقة هي أن عمتك زانية وقد ماتت على ذنبها، زواجها من أخي لا يمحي الذنب الأساسي.
عم السكوت المكان لعدة لحظات من هول ما قالته سميحة، لتقول سمر التي لم تشارك الحوار منذ البداية واكتفت بالمتابعة فقط، بصوت ميت:
- ومن الذي خطط لموتها مع خالي؟ أليس أنتِ من فعلتِ ذلك؟
وكأن تعويذة ألقيت عليهم لتجعلهم أصنام، لا يعرف كم مر عليهم بالضبط من وقت حتى تكلم سامي بصوت مهزوز:
- ماذا تقولين سمر هذا غير صحيح بالطبع؟
نظر لوالدته كي يستمد منها القوة والمُؤازرة لتهرب بعينيها منه وتؤكد كلام شقيقته.
هل غضِب من موقفها بعد موت فلذة كبده؟ هل تفاجأ من ما فعلته في الصغير سعد وهو لا حول له ولا قوة، لم يتوقع منها إخفاء المال وهم في أشد الحاجة له، كل ذلك لا يساوى مقدار ذرة من ما يشعر به الآن، يعلم بأن لها بعض العيوب، يعلم بأنها تحب نفسها أكثر من أي شخص آخر، يعلم عشقها للمال، لكن أن تشارك أو حتى تفكر في قتل شقيقها وعائلته!
انتفض على صوت سمر:
- أخبرت شيوخ في أثناء تأديتي للعمرة عن ما حدث لي من مصاب وما فعلته بسعد وهو رضيع وبي طوال حياتِكِ، طلبوا مني إيجاد طريقة لمسامحتك كي ارتاح، تعرفين طوال الفترة الماضية وأنا أبحث عن طريقة ولم أجد، المشكلة أنكِ حتى لم تطلبِي السماح، حتى لم تعترفِي بذنبك أبدًا، مثل العادة تقومين بجريمتك ثم تهربين وتنتظرين أن يلام عليها غيرك، أو أن يأتي لك أبي ويطيب خاطرك، وهذه المرة تنتظرين منا القدوم وطلب الرضى فأنتِ أمنا والجنة تحت قدميكِ! أليس كذلك؟
غصة منعتها من الرد عليها، لِأول مرة تواجهها سمر بحقيقتها، لم يجرؤ أحد من قبل على ذلك، رغم كل ما فعلته لم يقم أحد بتحديها أو مواجهتها بحقيقتها، حتى عندما ذهبت لمنزل القاسم لفضح فجر عند انجابها غسق، وقتها قرر والدها بأن يعترف بحفيدته ويطلب من وحيده الرجوع والعيش وسطهم، قرر أن يفتح صفحة جديدة ويتقبل فجر فهي والدة حفيدته وزوجة لده، لا يهم كيف تم ذلك المهم أن يعود مجد لحضنه؟
هذا ما لم تقبله سميحة ولم تسمح به، لذلك ذهبت وافتعلت فضيحة كبيرة في منزل القاسم، ليتصل عبدالرحيم بوالدها ويخبره بأنه سوف يقتل مجد بمجرد أن يجده ليتراجع والدها في قراره ويبقي مجد بعيدًا بل يقطع الاتصال معه خوفًا من أن يصل له عبدالرحيم حسب توصياتها بالطبع، لسنوات عاش والدها في حزن لفراق ابنه مما أدى لمرضه وموته في النهاية عندها قرر مجد العودة لحضور جنازة والده  فشاء القدر أن يدفن معه.
- تعرفين بعد طول تفكير لا استغرب ما فعلته بسعد ولا وقوفك مع سما لمساعدتها، فأنتِ لم تحبيني يومًا ولا سعد؛ لكن تقتلين شقيقك الذي تتغنين دائمًا بحبه! أليس هو من كنتِ تبكين عندما لا ينفذ أبي لكِ طلب وتقولين بأنه لو كان لا يزال حي لما حدث لكِ ذلك وتجرأ أحد عليكِ؟ كنت أبكِي حزنًا على مصابك وأنا أتخيل حياِتي دون سامي، صدقت كذبك وحبك الزائف لشقيقك، لكنه كان تمثيلة لكي تُخضعِي بها أبي أكثر لا غير، لا أصدقك كم أنتِ...
لم تستطع أن تنطقها لكن سميحة سمعتها وفهمت ما تعني بالضبط، الكلمة التي لم تنطقها سمر كان تأثيرها أسوأ من تلك التي نطقتها، فقد كانت كسهم ناري نفذ إلى داخلها وأحرق قلبها.
أما ساجي فقد انقض عليها  كنسر ينقض على فأر خائف لم يوقفه سوى سامي  الذي لاحظ تكور قبضته، وحركة جسده المتحفزة عند حديث سمر، لمنعه من أذية والدته.
صرخ ساجي وقد فقد كل ذرة احترام لسنها ومكانتها كعمة غسق ووالدة سامي:
- ابتعدي يجب أن أخذ حق عمتي، تلك المجرمة قتلتها تلك ال...
شهقت سمر من بذائة الكلمة، أما سامي فقد كان يعافر كي لا يقترب ساجي من والدته فيفتك بها:
- اهدأ يا رجل لا تأخذ الأمور بتلك الطريقة اهدأ قليلًا.
- لن أهدأ سوف أخرج روحها بيدي.
نجح سامي بإبعاده عنها؛ وهو يصرخ به:
- هل جننت ومن الذي سيسمح لك بذلك؟
اقتربت منه سمر لتقول بنبرة هادئة كأنها منفصلة عن ما يحدث حولها:
- بلغ الشرطة وأنا مستعدة للشهادة معك.
رمقت والدتها بنظرة ازدراء وتابعت:
- قد يكفر ذلك عن بعض خطاياها.
ارتعدت فرائص سميحه فقد شعرت بأن النهاية قادمة وأنها ستفضح بل سيتم الزج بها في السجن وهي بهذا العمر، لتقول في محاولة أخيرة منها لإنقاذ نفسها:
- مُنى شريكتي لا تنسى أن تبلغ عنها أيضًا!
تجمد ساجي في مكانه كذلك سامي وسمر والتفت الجميع لها ما بين مستغرب
ومستنكر ورافض!
قال ساجي مستنكرًا غير مصدق لما سمعه:
- من تقصدين؟ مُنى من تلك التي يجب أن أبلغ عنها؟
لمعت عيناها بالانتصار وقد وجدت مخرجًا لمعضلتها:
- مُنى والدتك، هي من أبلغتنِي بموعد عودة فجر وأولادها، هي من اتفقت معي على طريقة التخلص منها، لكنها لم تقل بأن مجد عائد معهم، أخفت عني تلك المعلومة لمعرفتها بأني لن أقتل أخي، أنا كنت فقط أريد التخلص من فجر.
بصوت مهزوز وهو يفك ربطة عنقه بسبب إحساسه بالاختناق الشديد:
- هذا غير صحيح، أمي لم تتواصل مع عمتي أبدًا، لم يعرف أحد بعودتها حتى أبي تفاجأ عندما علم بالحادث.
كان شارد العينين يخلل شعره بيد والأخرى تحل زر قميصه العلوى، غير مصدق لما سمعه، أو بالأحرى لا يريد أن يصدق، يحاول إيجاد الثغرات في قصة سميحة ليكذبها، يعرف والدتها وحقدها على عمته لكن أن تصل للقتل!
بنبره متشفية وقد استعادت رباطة جأشها:
- بل هي من أخبرتنِي! تريد أن تعرف كيف عرفت؟ عن طريق غسق.
نظر لها باستغراب كأنها تتحدث لغة غريبة لا يفهمها لتتابع هي:
- غسق أخبرت شقيقك بموعد رحلتهم، وهو أخبر والدتك، ومُنى أخبرتنِي، والباقي تعرفه.
*****
قامت تالين بتحضير الفطور في حديقة منزلها وطلبت من سارة إعداد القهوة فهي  تنتقد طريقتها في أعداد القهوة، اما زهراء التقطت عدة صور للطفلين معًا لأن الإضاءة ممتازة على حسب قولها.
جلسن على طاولة الطعام يتبادلن الأحاديث ويتذوقن طعام تالين المعد بمهارة تحسد عليها.
انهت سارة  فطيرتها ثم قالت بمرح:
- لا أصدق بأنكِ عشتِ مع غسق في نفس المنزل، فهي لا تستطِع تحضير بيضة مسلوقة وأنتِ تعدين الولائم.
رفعت غسق حاجبيها وزمت شفتيها في غضب قائلة:
- هذا لأن تالين كانت تتعلم من خالتي أما أنا كُنت منبوذة في منزل جدي.
شعرت تالين بألم داخلها وهي تتذكر تلك الأيام، فعلًا غسق كانت منبوذة حتى هي لم تجرب مصادقتها، عمتها فريدة هي  من تولت مهمة تعليمها الطبخ وخلافة كما حاولت مع فرح لكنها رفضت رفضًا قاطعًا فعل ذلك لغسق، صحيح بأنها لم تطلب منها ذلك لكنها كانت دائمًا تحاول التواجد في محيطهم عندما يدخلن المطبخ لبدء دروس الطبخ، وعمتها تقوم بالتخلص منها وإبعادها عنهم بأي حجة، بعضها كان قاسي وجارح حتى لم تعد تتقرب منهم.
قالت زهراء وهي تلوك فطيرة الزعتر:
- هذه الفطائر تحتاج شاهي ساخن مع الميرمية وليس قهوة مرة.
شهقت سارة:
- اسحبِي كلامك فورًا، لن أسمح لك بإهانة القهوة ومساواتها بالشاهي.
نظرت لها زهراء فاغرة الفم وقد اتسعت عينيها بشدة:
- ماذا؟! لم أفهم ماذا تعني؟
نظرت تالين وغسق لبعضهما ثم انفجرت كلٌ منهما بضحكة عالية حاولتا كتمانها دون فائدة؛ وزعت زهراء نظراتها بينهما لعلها تفهم شيئًا مما يحدث.
قالت غسق وقد استطاعت التحكم بضحكتها:
- القهوة مقدسة بالنسبة لسارة وأنتِ قمتِ بإهانتها بتعليقك.
ألقت نظرة على سارة لتجدها لازالت واقفة متخصرة وقد عقدت حاجبيها في غضب واضح!
- حسنًا أعتذر يا سيادة القهوة المبجلة لم أكن أعرف مكانتك المميزة، الآن هل من الممكن أن نكمل طعامنا مع كوب شاهي بالميرمية؟
انطلقت الضحكات عالية من أفواه الجميع حتى سارة التي هزت رأسها في يأس من تلك الزهراء.
بعد الانتهاء من الطعام وتنظيف الطاولة جلبت سارة قهوة بدون سكر وصبت فنجان زهراء التي ابتسمت وأخذت منها القهوة دون أن تنطق بحرف، أما غسق وتالين فقد تابعتا الموقف بتحفز مبتسم؛ بعد أن ارتشفت زهراء من قهوتها ظهر عليها التقزز لتعطيها سارة لوح شوكولاتة.
- خذي هذا سيعدل المذاق وستستمتعين بها.
أخذتها مبتسمة وقامت بوضع الشكولاتة في فنجان القهوة لتذوب دون أن تلاحظ اتساع عيني سارة وقالت وهي تقلب فنجانها بهدوء:
- تالين لماذا لم تقومِي بدعوة الفتاه الجديدة ألم تقولِي بأنها لطيفة؟
- بلى هي كذلك، لكني فضلت عدم دعوتها من أجل غسق، فهي لا تحبذ صحبتها.
عقدت غسق حاجبيها وقالت مدافعة عن نفسها:
- لم أقل بأني لا أفضل صحبتها، أنا أتعامل معها كثيرًا في العمل، الأمر فقط أني لا أريد بأن أصبح صديقتها، أشعر بأني سأكون خنت فرح إذا صادقتها.
مطت زهراء شفتيها في امتعاض:
- أين الخيانة في ذلك؟ أريد أن أعرف إذا كان شقيقك هو من تزوج منها؟ أنتِ تحبين الدراما، أعتقد بأن المسألة أسهل من ذلك  يمكن التعرف على الفتاه دون أن تجلبِي سيرة فرح وطلاقها من سراج، الذي من المؤكد بأنها تعرف به، خصوصًا وأن صلتك بتلك العائلة محدودة جدً، لكن أنتِ تعقدين الأمور بما تفعلينه ووضعك الحدود لعلاقتك معها، لا أفهمك في الحقيقة.
- ما هو الذي لا تفهميه بالضبط؟ فرح هي أختي الروحية، الخلاف بيننا لن يلغي السنوات الماضية ومكانتها بداخلي، فرح وقفت معي كثيرًا ورفضت زواج ساجي بل أنها قلبت عليهم المنزل وجعلت حياة روبين هناك صعبة، رغم أني أخبرتها بأن لا تفعل لأني ببساطه لا ألوم روبين على ما حدث لي، لكنها بقت مخلصه لي، نصف مشاكلها مع سراج بسببِي، سواءً عادت علاقتي بها أم لا مكانة فرح لن تتغير ولن أقوم بأي شيء قد يجرحها عمدًا.
شعرت تالين بأن كلمات غسق كسوط جلدها، حتى وإن لم تقصد بها ذلك ازدردت ريقها لتغير مجرى لحديث:
- ماذا تعنين سيدة زهراء بأن علاقتها بتلك العائلة محدودة؟! هل نسيتِ بأنها عائلتها وعائلة ولديها.
- لم أقصد ما فهمتي، الأمر فقط بأن العلاقة لن تعود مثل السابق، حتى لو عادت غسق للوطن أعتقد بأنها تغيرت ولم تعد غسق القديمة؛ ألم تري قصة شعرها الجديدة؟ أكاد أقسم بأنها أول مرة لها تتجرأ وتقوم بقص شعرها أو تغير شيء بشكلها.
لوحت غسق بيدها أمامهم:
- أنا هنا لا داعي للتحدث عني بصفة الغائب.
أسبلت زهراء رموشها الكثيفة وهي ترتشف من القهوة المخلوطة بالشوكولاتة:
- تعرفين ماذا أعني، بالمناسبة قصة شعر رائعة جعلتكِ أصغر سنًا وأكثر جمالًا.
- تتغزلين في زوجة أخي زهراء؟
- لست زوجك أخيكِ أفيقِي من أوهامك تالين، لن أعود له حتى وإن جاء زاحفًا يطلب العفو من مكانه إلى هنا.
جفلت تالين من نبرتها الواثقة فغسق لم تكن غاضبة أو حانقة أو حتى تتكلم باستفزاز بل واثقة هادئة تعني كل حرف نطقت به، وهذا يعني بأنها فعلًا أخرجته من قلبها وجميع حساباتها؛ شعرت بنغزه في قلبها، هل انتهت قصة غسق وساجي إلى الأبد.
اقتربت زهراء من تالين تريها الصور التي التقطتها للطفلين:
- انظري كيف كبرا بسرعة، لا أصدق بأنهما نفسهما اللذان كانا بالحضان منذ بضعة شهور.
- ليست بضع شهور، بل خمسة ونصف.
قالتها تالين وهي تفرد يدها في وجه زهراء لتقوم زهراء بعضها في مرح
- توقفي عن تلك الحركات أنا لا أحسد كما أني أتكلم عن زين أيضًا بالمناسبة لقد بدأ يحبو ولن يطول الأمر حتى يبدأ في السير.
فركت مكان العضة برفق:
- عضاضة، أعرف بأنكِ تحبينهم إلا أن عين الحبيب أسوأ من عين العدو.
هزت رأسها في يأس من تلك العقليات:
- لا أصدق تالين تؤمنين بتلك الخزعبلات، عمومًا اختاري معي الصور التي سنرسلها لساجي أي منهم؟ لقد طلب صور لزين معهما؛ بالمناسبة لدي سؤال أرجوا أن لا تعتقدي بأنه تجاوز مني؟
استمرت في النظر للصور وهي تقول ببساطة:
- سوف تسألين بأي حال هي هاتي ما عندك.
- يا إلهي اقتنعت بأنك قريبة فرح، المهم لماذا اخترتِ صبي بدلًا من فتاة؟ أعني من الأسهل أن تجدي فتاة تشبهك هنا.
صدح صوت غسق التي كانت تتحدث مع سارة بصوت منخفض:
- صحيح تالين فتاة أفضل وأسهل في التعامل لماذا صبي؟
- لأني أنا من قام بإرضاعه، لقد أخذت كورس من العلاج لتحفيز إدرار الحليب لذلك هو ابني بالرضاعة، لو جلبنا فتاة حتى وإن قمت بإرضاعها لن تكون محرمة على حكيم، لذلك قررنا الانتظار إلى أن تحمل إحدى أخواته لتقوم بإرضاعها فتكون محرمة عليه.
قالت سارة بغضب مبطن:
- لماذا قمتِ بتسجيله باسمك واسم حكيم وهذا محرم؟
كتفت ذراعيها في غضب:
- هنا القانون يوجب علينا ذلك، لكني سوف أخبره بالحقيقة طبعًا.
قررت غسق التدخل قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، فهي تعرف رأى سارة في الموضوع الرافض له تمامًا كما تعرف حساسية تالين من التحدث عنه.
- لقد قررت الانتقال من منزلِي هذا الاسبوع، وجدت بالفعل منزل آخر جيد، فما رأيكم أن تأتوا معي لنختار الأثاث معًا؟
شعرت زهراء بلكمة في معدتها فهي تعرف سبب تغيير غسق لمنزلها، جزء منها يشعر بأنها مجرمة لأنها لم تمنع زواجها من آدم؛ فهي كانت تعرف غرض آدم منه صحيح لم تتصور بأن يقوم باغتصابها بتلك الطريقة الوحشية، لكن داخلها عرف بأنه يريد كسر ساجي وإذلاله بأي طريقة حتى لو ترتب على ذلك أذية غسق.
تالين هللت بسعادة:
- طبعًا سوف أذهب معكِ لا أحب شيء مثل التبضع في المحلات.
مالت تمسك يد سارة وهي تضحك:
- وسارة كذلك تعشق شراء الأشياء، بل تفرض عليكِ ذلك لقد جربتها من قبل، سيكون شراء الأثاث ممتعًا جدًا.
ابتسمت سارة دون أن ترد، فهي تشعر بوخز في قلبها؛ غريب عليها لا تعرف مصدرها منذ بداية النهار.
******
يوم عادي مثل باقي الأيام، قرر عُمر أخذ باقي النهار أجازه ليقضيه مع سارة ويستعدا للسفر فقد أعد برنامج  ليكون شهر عسل جديد لهم، المدة الماضية كانت صعبة على سارة بعد فشل العلاج التجريبي وقد أصابها ذلك بخيبة أمل كبيرة؛ لذلك قرر أن يرفه عنها ولو قليلًا.
في نفس الوقت أمام البنك الذي يعمل به عمر وقفت سيارة من دون لوحات خلف البنك نزل منها شخصين أما الثالث بقى في السيارة ولم يطفئ المحرك.
قال الشخص الأول:
- أربعة عشر دقيقة وتكون جاهز سوف ننطلق فور أخذنا للمال.
ليجيب السائق:
- كما اتفقنا دون نقطه دم، لا نريد مشاكل فقط المال.
هز الرجلين رأسيهما ودخلا للبنك بشكل عادي جدًا؛ هذا الوقت من النهار يكون البنك غير مزدحم كما أن التوقيت جيد قبل الإجازة الاسبوعية بيوم، حيث يتوافر النقد على غير العادة في البنوك لتوضع في ماكينات السحب، فقد درست العصابة الأمور جيدًا قبل أن تقرر تنفيذ خطتها، بمساعدة عميل بالداخل بالطبع هو من أخبرهم عن موعد وجود المال واتفق بأن يأخذ حصته دون التدخل في عملية السطو تلك، بل إنه أخذ إجازة يومها.
دخل الرجلان وقاما بإغلاق الباب من الداخل بسهولة بعد أن أحصيا عدد المتواجدين الذي لم يتخطى العشرة، قاما برش كاميرات المراقبة ببخاخ أسود لمنع التسجيل وتقدما، قام الرجل الأول وهو الأكبر حجمًا بإطلاق عدة طلقات في الهواء ليخيف الموجودين، قال بصوت بث الرعب فيهم:
- نحن هنا لنأخذ المال ونذهب، لا يفكر أحدكم بالقيام بأي عمل بطولي وإلا خسر حياته، هذا المال مؤمن عليه لن يخسر البنك شيء ضعوا هذا في بالكم، والان انبطحوا على وجوهكم وأخرجوا هواتفكم النقالة، هيا.
بسرعة نفذ الجميع ما أمرهم به دون أي مقاومه؛ بعد أن تأكد من إبعاد الهواتف النقالة عن أيديهم قام بسحب المسؤول عن الخزينة فقد حفظ وجهه  وأمره بأن يفتح له خزينة البنك.
في تلك الأثناء كان عُمر يُصلي الظهر في مكانه المنعزل الذي اختاره منذ أن تم نقله لهذا الفرع، ثم قام وقرر أن يأخذ باقي اليوم إجازة ليقضيه مع سارة في تجهيز مستلزمات السفر، أخرج هاتفه ليبلغها لكنه قرر أن يأخذ الإذن أولًا خشية من رفض رئيسه المباشر، بسبب غياب زميله، خرج من غرفته واتجه ناحية مكتب المدير ليجد الجميع منبطحين في وضعية غريبة، لم يستوعب ما حدث، مال لينظر للمرأة أمامه قد تكون مريضة، هم برفع هاتفه ليتصل بالإسعاف لكن شيء أخترقه جعله يتراجع بقوة ليصطدم بالجدار خلفه ويقع منه هاتفه الذي ضغط عليه رقم الإسعاف بالفعل.
لثواني لم يشعر بشيء ولم يسمع شيء سوى نبضات قلبه العالية، ثم شعر بألم شديد في أحشاءه، رفع يده لمحاولة معرفة ما أصابه لتغرق يده في شلال من الدم الساخن.
سمع صوت امرأة تصرخ وصوت أحدهم يخرج من الهاتف يسأل عن ماذا حدث أو شيء كهذا، ليس متأكد تراءت له صورة سارة من بعيد فابتسم وغرق في ظلام حالك.
**********
جلس في مكتب المأمور ينتظر حضور سراج، مرت عليه الثواني كسنوات وهو يحترق لمعرفة الحقيقة، مقابلة سراج في هذا الوقت كانت شبه مستحيلة فليس لدية إذن نيابة ولا حتى معه المحامي لولا بعض معارف سامي وأيهم لما استطاع أن يدخل ويرى شقيقه؛ هو لم يكن في حالة تسمح له بأن يتحدث مع أي من معارفه أو طلب معروف فقد طار عقله مع ما سمعه من تلك الأفعى.
دخل سراج ليتفاجأ بمنظر شقيقه الأقرب للتشرد منه إلى ساجي الذي يعرفه.
انقض عليه ساجي يمسكه من ياقة قميصه:
- سراج هل كنت تعرف بموعد عودة عمتي من الخارج؟
نظر له سراج باستغراب وقال بنبرة بدت غبية في أذني ساجي:
- عمتي فريدة! هل سافرت؟
كور قبضته حتى ابيضت مفاصله في محاولة منه ليتحكم في أعصابه:
- ركز معي سراج، عمتي فجر، هل أخبرتك غسق عن موعد عودتهم منذ عشرة سنوات؟ هل كنت تعلم؟
حك سراج رأسه في تفكير:
- لا أذكر بصراحة كنا نتحدث كثيرًا.
- أرجوك هذا الأمر مهم جدًا لي.
جلس على الكرسي وهو يعصر ذاكرته ثم هتف بسعادة كمن وجد حل لمسألة معقدة:
- نعم تذكرت أخبرتني بذلك وقالت بأن والدها لا يريد بأن يعرف أحد بعودتهم لذلك لم تخبر عمتي أبي، لكنها كانت متحمسة لرؤية المزرعة وفرح وسألتني إذا كنت أرغب في شيء من هناك.
وقع ساجي على الكرسي كمبني عملاق تم نسفه، لم تكذب سميحة أمه من قتلت أمه، نعم فجر ليست عمته بل هي أقرب لقلبه من أمه، لم يكرهها رغم كل ما حدث لم يستطِع بل كان دائمًا يجد لها الأعذار، عندما ماتت شعر بأن جزءًا منه مات معها، لطالما كان لديه أمل بأن يراها عندما يكبر حتى أنه فكر بالذهاب إليها عندما ترك المنزل وسافر للخارج  لكن الوضع المالي لم يسمح له كما أن كرهه لمجد كان جدار بينهما لم يستطِع إغفاله.
مجد سبب كل ما حدث هو من أخذ منه عمته وتسبب في إبعادها وعار لازمه طوال عمره، هو من كان الجدار بينه وبين غسق ليغمض عينيه عن حبها وينفر منها بسببه، حتى بعد موته لايزال يسبب له الألم ويحرمه من أحبته؛ لا لن يسمح بذلك، عليه أولا أن يجلب حق عمته ثم يرجع غسق بأي طريقة.
ترك سراج الذي كان يتحدث مع نفسه وخرج من المكان مسرعًا ليستقل سيارة ويتوجه إلى المنزل الذي تقطن به قاتلة عمته.
في المنزل وجد مُنى وسليم وفريدة متجمعين عند جده الذي أفاق ينظر لهم دون أن يتحدث، لم يلقى عليهم السلام بل جلب كرسي وأغلق الباب ثم جلس ينظر لهم بتمهل حتى وقع نظره عليها، رغم هيئته المبعثرة إلا أن صوته كان صارم يتخلله نبرة ألم، كيف تجتمع الصرامة مع الألم:
- تعرفين لطالما عرفت حقدك على عمتي وغيرتك منها، كنت أحيانًا أعذرك أي أم لا يحبها أولادها بل يفضلون عمتهم عليها؟ حتى بعد ذهابها لم تكفِي عن ايذائها بالكلمات السامة في حقها وفي حق شرفها وطبعًا عند ظهور غسق أكملتِ انتقامك منها فيها، لم يوقفك شيء لا تقدمك في العمر ولا كونها زوجتي، وهذا الذي بجانبك لم يحرك شعرة في سبيل حماية شقيقته من لسانك السليط ولا ابنتها اليتيمة.
ألقى نظرة كارهة على جده وتابع:
- وذلك الراقد لم يفعل شيء سوى إنزال العقاب عليَّ وكأني من سهلت الأمور رغم أن عمري وقتها لم يتجاوز العشر سنوات، حتى موت ابنته لم يجعل قلبه يلين بل زاده حقدًا ليمنع دفنها في مقابر العائلة بل أنه لم يقم عزاء لها، لن أتحدث عن معاملته لغسق فأنا الملام الأول لأني سمحت لكم بذلك، أما أنتِ عمتي فريدة لا أجد حتى الكلمات التي تصف ازدرائي منكِ، أنتِ فعلًا أنانية لا تعرفين الرحمة.
قاطعه سليم في غضب من كلماته المهينة:
- احترم نفسك ساجي هل نسيت أنك تتحدث مع والدتك وجدك و...
- والدتي ماتت!
شهقت مُنى عند سماعها هذه الكلمات منه، أما ساجي فقد تجمعت الدموع في عينيه لكنها أبت أن تنزل:
- والدتي ماتت منذ عشر سنوات وهذه المرأة هي من قتلتها، أمي هي فجر وليست مُنى التي لم تشعر بي يومًا حتى وأنا أصرخ متألمًا من كسر ضلوعي، لم أجد أحدًا منكم بقربي يومها، لو كانت موجودة لدافعت عني وطببتنِي مثلما كانت تفعل دائمًا، والدتي ماتت وهي قتلتها.
أشار إلى مُنى التي انكمشت على نفسها ترتعد غير مصدقة أن سرها قد كُشف بعد هذه السنوات!
ابتلع سليم ريقه واقترب من ساجي وهو يقول بصوت خائف:
- ماذا تعني بأنها قتلتها؟ تقصد مجازيًا صح؟!
هز رأسه في نفي:
- لا حرفيًا زوجتك اتفقت مع سميحة الديب على قتل عمتي وأولادها عند عودتهم، بعد أن عرفت الموعد من سراج، كما أنها أخفت عن سميحة بأن شقيقها سيكون معهم حتى تتم المهمة ولا تتراجع.
شهقت فريدة ونزلت دموعها دون وعي كذلك عبدالرحيم حاول الصراخ وأخرج كلمات غير مفهومه من فمه؛ أما مُنى فقد زاد انكماشها، كانت تريد أن تنكر وتكذب ما قاله ابنها لكنها لم تجد الكلمات، شعرت بلطمة على خدها أسقطتها أرضًا فشهقت تبكي.
وقف ساجي وتركهم صاعدًا لغرفته ليأخذ ملابسه فقد قرر أن يترك المنزل ويتحرر من سجن القاسم، فإذا كان أخطأ في حقهم كما يدعون فقد دفع ثمن الخطأ منذ زمن وعليه الآن ان يتحرر من ذلك السجن سجن الماضي.
سمع والده يلقي على والدته يمين الطلاق وهو خارج وللغرابة لم يتأثر أبدًا، طلقها أو لا يهم فقد طلب من المدعي العام فتح التحقيق في مقتل عمته وعائلتها من جديد وليدفع الكل حساب ما فعله.
******
في المستشفى بعد مرور أسبوع على حادثة عمر لايزال في العناية الفائقة دون أن تتغير حالة لايزال في غيبوبة وقد تضررت أعضائه الداخلية ويحتاج إلى زراعه كبد لأن الرصاصة اخترقتها ودمرتها مما استدعى إزالتها.
جلست والدة عمر ووالده في مقابل سارة التي رغم فاجعتها لم تنهار بل كانت متماسكه بطريقة تحسد عليها، تضع شال على رأسها وبيدها مصحف تقرأ منه دون صوت، لم تبارح المستشفى إلا عندما تضطر لذلك بسبب مواعيد الزيارة، تتابع مع الاطباء بحثهم عن متبرع، فقد قفز اسمه لأعلى قائمة المرضي الذين يحتاجون لزرع، للأسف لم يجدوا تطابق بعد حتى والده لم يستطع التبرع بسبب إصابته بالسكري.
اقتربت والدة عمر من سارة وأمسكت يديها وقد أغرق وجهها بالدموع:
- سامحيني يا ابنتي أنا المتسبب فيما حدث لعمر.
نظرت لها سارة بعينين غائرتين من شدة البكاء الذي تخفيه عن الجميع:
- على ماذا عمتي أسامحك ثم ما دخلك أنتِ إنه حادث قضاء وقدر.
أجهشت بالبكاء:
- لا أنا السبب أنا من لم أؤمن بقضاء الله، كُنت أحث عمر على الزواج عليكِ بحجة أن أيامك معدودة، وهو كان يقول لي بأنه قدر لا أحد يعرف من يموت قبل من، أنا من لم ترضى بقضاء الله وبقيت أطالبه بحفيد، يا إلهي لا تختبر إيماني فيه.
حضنتها سارة وقد نزلت دموعها الحبيسة رغمًا عنها:
- ادعي له عمتي هذا ما يحتاجه ادعي له فقط.
ظلت تبكِ في حضن سارة لوقت ليس قليل، ثم مسحت دموعها واعتدلت في كرسيها.
- ادعي له في كل ثانيه كما أدعو لصديق زوج صديقتك الذي ساعدنا على المجي هنا وسهل لنا الاجراءات.
تنهدت سارة:
- ليس زوجها بل مُطلقها.
ارتفع حاجبي العجوز وهي تقول:
- حقًا خسارة يبدو شابًا مهذبًا للغاية، أخبرني بأنه زوجها، تعرفين ابنة سهير ابنة خالتي تعرفينها لازالت دون زواج ما رأيك بأن نزوجها له؟
هزت سارة رأسها وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة دون أن تشعر، لا فائدة من تلك المرأة.
- عمتي ما رأيك بأن تعودي للبيت وتسريحِي قليلًا وأنا سأوافيكِ بعد قليل؟
- معك حق فقد تعبت من الجلوس هنا، إلى اللقاء يا ابنتي.
ذهبت مع زوجها لتعود سارة لتأملها في عمر، وهي تكرر داخلها يا رب لا تختبر إيماني فيه.
**********
غضب عارم جعله يحطم جهاز الكمبيوتر الخاص به وهو يصرخ:
- اللعنة عليكم جميعًا.
قال مساعده في هدوء:
- ماذا ستفعل الآن هل ستنفذ طلبهم؟
لم يجبه بل اتجه إلى الشرفة وأشعل سيجارته لينفث في غضب:
- تعرف ماذا يعني طلبهم هذا؟
أكمل دون أن ينتظر الرد:
- يعني واحدًا من أمرين، إما أنهم يختبرون ولائي أو أنهم قرروا التضحية بي.
هز مساعده كتفه:
- لماذا لا تقول بأنه فعلًا يوجد من يرغب بهم فالسعر رهيب لم يسبق دفعه من قبل.
التفت ينظر له نظرات حارقة وقد شعر بأنه متواطئ مع أحدهم ضده:
- لأن العائلة خط أحمر لا يقترب منها أبدًا، هذا هو القانون وهم طلبوا أولادي الثلاثة!


****
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن