الفصل الخامس والعشرين

412 20 9
                                    

لايك قبل القرأة من فضلكم

الفصل الخامس والعشرين
تابع الطبيب الحديث معها إلى حين قدوم عُمر، دون أن يشعرها أنها تكلمت عن نفسها:
- يجب أن تفهمي كيفية تلاعب المعتدي بعقل الضحية، لتحصلي على إجابتك للشق الثاني من السؤال، النقطة الأولى تتمثل في كيفية اختيار ضحاياه؛ من المؤكد أنه لن  يختار طفلًا عنيدًا أو مشاكسًا فهو غالبًا ما يتصيد طفلًا مطيعًا وهادئ، يفتقد الثقة بنفسه، يخاف بشدة من إغضاب والديه ويحرص على أن يكون دائمًا فتى جيد في نظرهم ومحبوب لدى الجميع، في المرحلة الثانية، يحرص على عزله، حيث لا يكون له أحد مقرب، يسعى أن يجعله دائم الانطواء على نفسه، حتى لا يتحدث مع أحد عما يجري بينهما، فيفطن إلى أنه تم استغلاله أو أن يطلب النصح، كما أنه في المقابل يعمل وبشدة على  جعله يشعر بالذنب والخزي والعار لو نبس ببنت شفة.
سألته باستغراب وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة، أو ربما تنهشها رغبة داخلها لفهم سبب سكوتها:
- كيف؟ كيف يستطيع فعل ذلك؟ هل هم على هذه الدرجة من الذكاء؟ أم أن الضحايا لديهم نسبة كبيرة من الغباء أم ماذا بالضبط؟
فهم الطبيب أنه عليه أن يختار كلماته جيدًا فهي تلوم نفسها وبشدة على ما حدث لها، رغم أنها لم تتطرق إلى تفاصيل ذلك الاعتداء أو ربما كانت اعتداءات متكررة نظرا لحالة الخوف والهلع التي تنتابها.
- حسنًا المعتدي ذكي وماكر جدًا، يعرف كيف يتلاعب بعقل ضحيته، بل وبالمحيطين بها أيضًا، حتى لا يشك أحد به؛ أما بالنسبة للضحايا فهم عادة لا يعانون من أي خلل فكري، بالرغم من أن الكثيرين يستغلون الحالات الخاصة لسهولة انتهاكها.
ظهر التقزز على وجهها:
- يا إلهي حتى أصحاب الإعاقات لم يسلموا من شرهم!
تابع بجدية:
- سارة يجب أن تعرفي أن طرق الانتهاك عديدة وهم يتفننون بها، أكثرها انتشارًا هي أن يجعل الطفل يتلمس أعضاءهم الحساسة مثلًا أو يتحدث له بكلام جنسي فج ثم يقول له أنه سر بينهما لا يجب أن يعرف به أحد سواهما، حينها يشعر الطفل أنه ارتكب خطأ كبير، يجب أن يخفيه عن الجميع فتكون النتيجة أنه يستسلم له ولرغباته، هل تعلمين أن هناك من المعتدين من يجعلون الأطفال يختارون مكان الاعتداء مثلًا؟ ويكون ذلك بأن يخيره بين غرفته أو غرفة أخرى، وأن يطلب منه القدوم في وقت معين حتى يضمن سيطرته الكاملة عليه؛ هناك أنواع أخرى وعديدة  للمعتدين وأسوئهم  الساديون، الذين يميلون للعنف في علاقاتهم، هذا النوع لا يستمتع إلا عندما ينزل أكبر قدر من الألم بالضحية،
وغالبًا ما يمارس السادية على الأقل مرة واحدة مع الطفل، من خلال خطفه وقد يقتله بعدها.
ازداد شحوب وجه سارة لكن رغبتها في الحصول على إجابة للسؤال الأهم كانت
تسيطر عليها:
- لماذا لم يبلغ الضحايا بعد كل هذا الوقت؟ أعني سبعون سنة ولم يتكلم أحد؟!
وكيف لم يشعر الأهل بأي شيء؟ أعني أنا أعرف أن المرأة الكاثوليكية تتزوج عذراء، فكيف لم يكشف أحد هذه الاعتداءات؟
رغم محاولته بأن يبدو هادئًا، إلا أنه وبدون إرادة عقد حاجبيه وهو يجيب:
- هذه أسئلة كثيرة سارة! حسنًا إجابة عن سؤال لماذا لم يبلغ الضحايا رغم أنهم تقدموا في السن ونضجوا هو أن هناك عدة أسباب لامتناعهم، أولًا الكثير منهم لم يفارقهم الشعور بالخزي والعار، خصوصًا الذكور منهم فليس من السهل عليهم أن يقروا بأنه تم اغتصابهم أو انتهاكهم أو حتى التحرش بهم، لازالت فكرة انتقاص الذكورة والفحولة مقترنة بحالات الاغتصاب مسيطرة على التفكير الجماعي عامة، لذلك وحتى الآن نجد أن نسبه المبلغين عن حوادث لاغتصاب من الذكور قليلة جدًا مقارنة بعدد حدوثها فعليًا،
كما أن هناك بعض الضحايا يقومون بإسقاط حادث الاعتداء من ذاكرتهم، خصوصًا لو أنه تم في السنوات الأولى من طفولتهم، فلن يتذكروا إلا بعضًا من الصور المبهمة
والمشوشة.
عدلت من جلستها وهي تستمع له في تركيز دون أن تقاطعه.
- ثم بالنسبة لسؤال لماذا لم يشعر الأهل؟ فغالبًا لأن المعتدي كما سبق وأخبرتك لا يثير الريبة، وأحيانًا كثيرة نجد الأهل مشغولون لدرجة تصعب أن يلاحظوا أي تغيرات تطرأ على أطفالهم، أما الأهل الذين أتمنى شخصيا بأن تتم محاكمتهم، فهم الذين يرون علامات ودلائل ويختارون أن يغضوا أبصارهم.
إشارة إرسالية قصيرة من هاتفه المحمول جعلته يقطع حديثه، ليعلم أن السكرتيرة لم تستطع التواصل مع زوج سارة، فتركت له رسالة تخبره بضرورة الاتصال؛ أغلق الهاتف وركز نظره على سارة.
حسنًا يبدو أنها متماسكة بما يكفي، بل تصغي باهتمام شديد؛ جيد! سيحاول إكمال الحديث بأقل ضرر ممكن.
- أين كنا؟ آه تذكرت، بالنسبة لعذرية الفتيات، كما أخبرتك سابقًا بان المعتدي ذكي ويحرص على أن لا يكشف أمره، لذلك يحرص الكثير منهم على عدم المساس بعذرية الفتاة، فيعتدي عليها دون أن يفقدها عذرتها، مثلما يفعل مع الصبي دون أن يصيبه بنزيف حاد وتهتك ظاهر.
فجأة ودون مقدمات تقيأت سارة كل ما في جوفها، بل لم تستطع التوقف لعدة دقائق كانت طويلة على كليهما؛ الجيد في الأمر أنه كان متفهمًا فلم يفزع ولم يلمها، لأنه اشمئز بدوره وهو يتذكر الحالات التي مرت عليه من أطفال ضحايا الاعتداءات.
بعد هنية نظفت نفسها، لكنها توقفت عن الحديث، فلم تعد لديها القدرة على سماع المزيد.
حقنها الطبيب بمهدئ لتنام بعد هذا الاجهاد الفكري والجسدي المرهق؛ ولحسن الحظ جاء عُمر بعد أن وصلته الرسالة.
قضت سارة بقية اليوم نائمة وكأنها في غيبوبة، أو ربما هي فعلًا تريد غيبوبة تهرب بها من بشاعة الماضي
************
اجتماع مجلس الادارة امتد لساعات اتهامات كثير ومناقشات لم تنتهي، الجميع يريد أن يعرف لماذا قام ساجي بتحويل تلك الأموال وماذا يحدث في مشروع المزرعة الذي يهدد سمعه المجموعة بشدة؟ بسبب الأخبار المنتشرة عن التحقيقات نزلت أسعار أسهم المجموعة بشكل رهيب، لكن ساجي لم يعطيهم إجابه تشفي ما يعل بنفوسهم.
وقف رجل في منتصف الخمسينات يصرخ في غضب:
- ما هذا الهراء الذي تتفوه به يا ساجي؟ ماذا تعني بأنك اشتريت حقوق الملكية، أليست غسق موظفة عندك؟ عن أي حقوق ملكية تتكلم؟
بوجه لا يحمل أي تعبير كما اعتاد في اجتماعات العمل وصوت هادئ جدًا:
- غسق ليست موظف بل شريكة بنسبة في الشركة هذا أولًا كما أنها من جلبت المشروع من الأساس بفضل دراستها وسهلت الاجراءات بجنسيتها، ما دفعته المجموعة هو أقل تعويض لها، فلو قامت برفع قضيه علينا كنا خسرنا جميع أمولنا.
ليجيب مستثمر آخر باستهزاء:
- لا تنسى يا ساجي بأنك لا تملك كل المجموعة بل تديرها فقط، لا يحق لك أن توزع أمولنا لكي ترضي زوجتك السابقة. 
رغمًا عنه فار الدم في عروقه، يكره هذا المتبجح، ويعرف بأنه كان دائمًا ينظر لغسق بنظرات لا تعجبه، لا بد بأنه صعق عندما عرف بأنها زوجته، والآن يحاول استفزازه من أجل ذلك فقط.
- يمكنك رفع شكوى إلى المجلس الأعلى للأموال العامة وليحققوا في الموضوع.
صرخ الرجل الأول:
- هل جننت؟ هذا يعني بأن سمعتنا ستسوء أكثر وتنزل قيمة أسهمنا.
وقف ساجي:
- هذا ما لدي يا سادة يمكنكم الاعتراض إذا أردتم، أو بيع حصصكم، لن ألومكم فالوضع ليس آمن.
هم ساجي بالخروج من الاجتماع بعد أن انتهى فاقترب منه المستثمر الثاني:
- سيد ساجي أين هي غسق الآن، يجب أن نتحدث معها لنعرف سبب بعدها عنا، فهي خسارة كبيرة للشركة.
كم رغب في أن يعالج وجهه بلكمة يفقده فيها ملامحه، لا يعرف كيف استطاع السيطرة على نفسه ليجيب:
- السيدة غسق لن تعود، لا داعي لأن تسأل عنها، أنا سأبلغها سلامك.
تركه قبل أن يرتكب جريمة، دلف لمكتبه في غضب شديد وهو يتذكر كلام ذلك التافه، جلس على مكتبه وهو يفك ربطة عنقه، فقد شعر باختناق من مجرد تخيل بأن ذلك الرجل قام بملاحقة غسق وربما التحرش بها؛ يتذكر بأنها كانت دائمًا تتجنب العمل معه، أو حتى حضور اجتماع معه دون تواجد ساجي معها، كانت تصر على الجلوس بقربه، حتى وقت احتفالات الشركة أو توقيع العقود تصر على الالتصاق به لدرجه ضايقته منها، لا بد أن ذلك الحقير كان يضايقها وهي خافت بأن تبلغ ساجي، يا إلهي كم كان أعمى، فسر الأمر على أنها فقد تتباهى به أو ترغب في إعلان زواجهما، هو لم يمانع إعلان الزواج أبدًا، فقد أراد اغاظتها، أراد منها أن تتمسك بحقها فيه نوعًا، يعرف بأنها تحبه، لكنها مستسلمة جدًا، لم تحارب من أجله أو من أجل بقائهما معًا أبدًا، عندما أخبرها بأمر المنزل وبأنه لزوجته وأبنائه، توقع أن تثور، تغضب، لكنها فقط انسحبت وابتعدت عنه، لم تقم بفتح الموضوع مرة أخرى، رغم مرور السنوات، لم تطالب يومًا بمنزل مستقل مثل فرح أو حتى جناح خاص؛ هذا أكثر ما كرهه بها، سلبيتها، وهل يلومها الآن؟ على الأقل هي حاولت المستحيل للتعرف على كل ما يحب ويكره، وجعلته يتعلق بها، بل اتقنت كل ما يحب فقط من أجله، أما هو فماذا فعل من أجلها؟ بل السؤال الأهم هل يحب غسق أم لا؟
بعد مدة دخل عليه إياد المكتب ووضع أمامه ملف متوسط الحجم، تصفحه ساجي بتدقيق ثم وضعه في الخزينة أسفل مكتبه مع باقي الملفات.
- أعتقد أن ما فعلناه لحد الآن يسير بشكل جيد، ألم يحن وقت كشف أوراقنا؟
هز ساجي رأسه في نفي:
- لا طبعًا، أولًا رغم كل ما لدينا من أدلة، لازال سراج متورط في القضايا، بشكل من الصعب جدًا اثبات براءته، ثم أن الأدلة ليست دامغة، إذا كشفنا أوراقنا الآن سنعرض كل ما فعلناه للانهيار، نحن لا نتعامل مع شخص يرغب في الاستيلاء على بعض الأموال نحن نتعامل مع منظمة اجرامية كاملة.
********
في جناح فرح وسراج أخرجت فرح حقيبة ملابسها لتضع بها بعض ملابسها وكذلك بعض الأشياء التي طلبت منها غسق إحضارها لها، فقد اتصلت بها غسق منذ يومين تطلب منها الحضور بسرعة، فسارة متعبة نفسيًا جدًا ولا تعرف لماذا؟ كما أنها ستذهب قريبًا لزيارة أقاربها، ربما قضاء بعض الوقت مع فرح يجعل حالتها النفسية أفضل.
سمعت دقات على باب الجناح فأعطت الإذن بالدخول؛ دخلت فريدة تبحث عن فرح، وجدتها في غرفتها تعد حقيبتها لتشهق في فزع:
- هل ستتركين سراج، لا تفعلي أرجوكِ هو يحبك، أرجوكِ اغفري له غلطته.
نيران من الحقد اشتعلت بداخلها  لتنفث بها حقدها قائلة:
- أنتِ آخر شخص في العالم يحق له نصحي، بالطبع ستقفين في صف سراج، فهو خائن مثلك، الخيانة تجري في دمك.
شحب وجه فريدة  فخرج صوتها مضطربًا رغمًا عنها:
- أنا خائنة! خنت من؟
رفعت فرح حاجبها وعقدت ذراعيها:
- خنتِ زوجك مع أبي، أعرف بشأن مكالمتك له وأنتِ متزوجه وتخطيطك للزواج منه بعد طلاقكِ، ماذا تسمين هذا غير خيانة؟
صدمت من ما سمعت لدرجة أنها شعرت بأن الأرض تدور بها، بحثت عن أول كرسي لتجلس عليه، شعرت بوخز في صدرها فربتت عليه لعل الألم يخف قليلًا ، مرت مدة وهي صامتة ثم رفعت رأسها لتجيب فرح وقد امتلأت عيناها بالدموع:
- معلوماتك ليست صحيحة، أنا لم أتواصل مع بلال منذ أن تزوج جميلة، رغم أن جدك بعث لنا دعوة لحضور الزفاف، وقد أجبرني أبي وقتها على الذهاب مع مُنى، أعتقد بأني سأتوقف عن حبه، لم يكن يعرف بأنه كسر قلبي وقتها.
نزلت دموعها وهي تكمل:
- أجبرني أبي بعدها أن أتزوج؛ طول فترة زواجي لم أتواصل مع بلال، لم أفكر يومًا بأن القدر سيكون رؤوفًا معي وأصبح زوجة بلال؛ أعترف بأني لم أهتم بكونه متزوج عندما تقدم لي مرة أخرى، ربما كنت أنانية عندما تجاهلت وجود جميلة وأولادها.
نظرت بعيون غاضبة  لها وقد جفت دموعها:
- لقد أهداني القدر فرصة كي أكون مع حب حياتي، هل كنتِ تريدين مني أن أفرط بها؟ ومن أجل ماذا؟ أنا وبلال تزوجنا على سنة الله ورسوله، لم نرتكب جريمة؛ لو كنتِ مكاني لفعلتِ نفس الشيء.
ثم استقامت من كرسيها وهمت بالخروج لكنها نظرت لها وقالت:
- أتعرفين؟ لا لن تفعلي؛ لسبب بسيط أنك لا تعرفين كيف تحبين أو تحافظين على من يحبك.
تركتها وخرجت؛ أما فرح فقد أصيبت بالذهول من كلماتها؛ هل حقًا كل ما سمعته من جدتها في طفولتها كان كذب؛ ألم تخبرها جدتها مرارًا بأن فريدة كانت تكلم والدها وأنها من راودته عن نفسه؟ ثم ماذا تعني بأنها لم تحب أحد؟ هي أحبت سراج فعلًا، صحيح أنها لم تظهر ذلك، لكن السؤال الذي دار في خلدها هل هي متمسكة به فعلًا؟
********
بعد اسبوع في شقة غسق...
وصلت فرح منذ يومين لكنها كانت هادئة على غير العادة، لم تسألها غسق عما حدث مع سراج؛ رأت أن لا تتدخل في الموضوع حتى تتحدث فرح بنفسها؛ لكن اليوم يجب أن يذهبوا الى حفل افتتاح معرض صور زهراء، فقد دعاها آدم له منذ مدة، هي لم ترغب في الذهاب لكنها وجدتها فكره جيدة خصوصًا وأن سارة وافقت على الذهاب معها.
- فرح هل أنتِ جاهزة، يجب أن نخرج الآن.
ردت فرح بنفس النبرة الخالية من الروح:
- نعم جاهزة هيا بنا.
بعد فترة وصلتا لمكان المعرض وكان آدم في انتظارهما، رحب بهما بحرارة واضحة، وقد وجدتا سارة وعُمر هناك. 
عقدت غسق حاجبيها:
- أخبرتك بأن لا نتأخر ها قد وصلت سارة وعُمر قبلنا.
- وما المشكلة إذا وصلا قبلنا لن ينالا جائزة لذلك.
تقدم عُمر وسارة منهما وهو يرسم ابتسامة بشوشة على وجهه:
- أهلًا غسق، أهلًا فرح كيف حالكما؟
ردت غسق:
- أهلًا عُمر، بخير، كيف حالك سارة؟
اغتصبت ابتسامة لترسمها على وجهها:
- بخيرـ أهلًا فرح أعتذر لم أستطع أن أراكِ قبل الآن، كنت مشغولة جدًا.
تقدمت فرح من سارة لتحتضنها، رغم استغراب غسق، لكنها شعرت بالامتنان لما فعلت، فقد ظهر المرض بشدة على سارة مؤخرًا.
- اشتقت إليكِ سارة، يجب أن تتركي عُمر وتقضي ليلتك معانا على سرير غسق، لدي الكثير من الكلام لنثرثر به.
تقدم عُمر ليحتضن وسط سارة وهو يقربها له:
- لا لن أدع سارة تغيب عني لليلة واحدة يكفي ما مضى.
ابتسمت سارة وهي تريح رأسها على كتفه.
في نفس الوقت ذهب آدم ليحضر زهراء، أتت تمشي بخيلاء، لا تعرف السبب لكنها أرادت أن تظهر بأبهى صورة، زهراء ليست من محبي المظاهر في العادة، إلا أنها بذلت جهدًا اكثر من العادة اليوم لأن آدم أخبرها بمجيء غسق وفرح، شيء غريب يحدث بداخلها كلما ذكر لها سيرة غسق وزواجهما الوشيك، صحيح بأنها تعرف عن حبه لها منذ زمن، لكنه لم يكن من سوء اعجابه بمرأة من المستحيل الوصول لها؛ كمراهق يعجب بنجمة، أما الآن الوضع اختلف، لا تعرف كيف أو لماذا؟ لكنه اختلف بالنسبة لها على الأقل.
وقفت فرح وغسق وسارة في نفس المكان ينظرن إلى آدم وهو يتقدم ناحيتهن يمسك بيد زهراء، لم تكن زهراء شديدة الجمال؛ إنما لها سحر خاص، فشعرها الغجري شديد السواد يتنافى مع بياض بشرتها، أما جيدها المنحوت بدقة نحات إغريقي لا يستطيع أحد تجاهله، رغم أنها لا تبالغ في إظهار مفاتنها فهي لا تحتاج لذلك، يكفي الهالة التي تحيطها في كل مكان تكون فيه.
بصوت منخفض قالت سارة:
- من تلك التي تمسك بيد آدم؟
بنزق أجابتها فرح:
- زهراء صديقة غسق.
- ليست صديقتي، هي فقط درست معي أحد الصفوف في المدرسة.
حدجتها فرح بنظرة جانبية وهي تقول:
- حقًا لازلت أذكر ذلك العناق الحار في حفل الطلبة العرب، ألستِ أنتِ من عرفتها على آدم.
- نعم فعلت هل هذه جريمة! أنا فقط قلت بأنها ليست صديقتي المقربة.
وقف آدم وزهراء أمامهما فصمت الجميع عن الحديث مما جعل الموقف غير لطيف أبدًا؛
فكسرت زهراء السكوت وهي تربت على بطن غسق:
- يا إلهي غسق لا أصدق أنكِ فعلًا حامل، عندما كنت أشاهد صورك مع آدم لم يظهر عليكِ الحمل أبدًا، تعرفين أنتِ محظوظة جدًا، فبخلاف بطنك لا تظهر عليكِ أي أعراض للحمل، مثل انتفاخ الأنف وغيره.
أبعدت فرح يد زهراء وهي تجيب في مرح مصطنع:
- اليوم هو الخميس يوم خمسه يا لها من صدفه.
وضعت سارة يدها على فمها كي لا تظهر ضحكتها، أما عُمر فقد كتم ضحكته بصعوبة شديدة؛ وحدها غسق أحست بالإحراج، ولم تعرف ماذا تفعل؟
آدم شعر بغضب من فرح لكنه لم يكن يريد إفساد الأمسية على زهراء فبادر بالحديث:
- هل شاهدتم صور زهراء وروعتها، لقد نالت جوائز عالمية، تعالوا معي لنأخذ جولة على المعرض.
لم يعارض أحد بالطبع، بعد قضاء وقت طويل في تأمل الصور فهي رائعة فعلًا، كم رغبت غسق أن يكون ساجي معها فهو من عشاق التصوير للطبيعة، اكتشفت ذلك خلال سفراتهما الكثيرة، يبدع في تصوير الطبيعة بطرق خلابة، جذبتها صورة لشخص يقف على الشاطئ وموجة عالية جدًا فوقه كأنها تغطيه، أو ربما هو يتحداها لتحركه من مكانه، ثباته أثار بداخلها تساؤلات كثيرة، لماذا يقف شخص أمام موجة عالية قد تودي بحياته؟ ماذا ينتظر؟ هل من الممكن أن ينجو منها؟ أو ربما حبه للبحر هو ما جعله لا يرى خطورة الموقف، لم تجد إجابة شافية، لكنها قررت شراء الصورة وإرسالها له، شيء بداخلها أخبرها بأنها صورت خصيصًا له.
بعد انتهاء المعرض قرر آدم أن يدعوهم للعشاء على شرف زهراء بأحد المطاعم العربية المشهورة، عند الوصول للمطعم جلست فرح بقرب غسق والجهة المقابلة سارة وعُمر،  اما عُمر فقد جلس على قمة الطاولة وزهراء مقابلة له.
تلفت زهراء إلى غسق تسألها بود حقيقي:
- هل تعرفين إذا كنتِ تحملين فتاة أو صبي؟
أجابها آدم بصوت عالي:
- فتاة طبعًا، أنا متأكد، فتاة جميلة مثل أمها تحمل لون عينيَّ.
نظر له الجميع بدهشه؛ فشعر بالحرج الشديد فتنحنح:
- أقصد عيني غسق، نحن لنا نفس لون العيون تقريبًا هذه ميزة في عائلتنا.
شعرت غسق بالخوف على طفلها لسبب غير معروف، كلام آدم وتملكه لم يرحها أبدًا.
أما سارة فقد نظرت له بغضب كبير:
- وما دخلك أنت بأن تحمل لون عينيك أو حتى لون شعرك، أنت تقرب غسق من بعيد، طفل غسق سيحمل جينات والده، لا بد بأنه سيرث عينيه وشكله هو لا....
أمسكها عُمر لتهدأ، يعرف بأنها وصلت لمرحله الشتم أو الإيذاء بالكلام، توتر الجو، وظهر الغضب على وجوه الجميع، فقررت زهراء ترطيب الأجواء:
- تعرفون، لقد درست مع غسق لكننا لم نكن أصدقاء يومًا، فغسق دائمًا هادئة لا تحب المشاركة في أي نشاط إلا نادي الحاسب الآلي.
ضحكت غسق واكملت:
- وأنتِ كنتي تعرفين كل من بالمدرسة، يا إلهي كانت مشهوره جدًا بعنادها، أذكر مرة وقفت في الساحة تغني النشيد الوطني لبلادها لأنه العيد الوطني وهي اشتاقت لها؛ تعرفون ماذا أجابت عندما قام بعض الطلبة بمضايقتها بكلام مثل عودي إلى بلادكِ؟
نظر الجميع لها في ترقب اما زهراء فلم تستطع كتم ضحكتها.
قالت وبصوت عالي:
- اخرجوا منها وأعيدوها كما كانت قبل أن تطأ أقدامكم القذرة أرضها، وقتها أعود.
بنبرة فخر قال آدم:
- هذه هي زهراء، لن أتوقع منها أقل من ذلك.
مر العشاء بعدها بهدوء وعاد الجميع إلى بيوتهم.
في شقه غسق بعد انتهاء الروتين اليومي لكل منها وعلى السرير حيث وضعت غسق وسادة أسفل قدمها.
نظرت لها فرح بحاجب مرتفع:
- لا بد بأن زهراء أصابتك بالعين، انظري كيف انتفخت قدماك! يا إلهي! أعرف بأن عيناها مدورتان.
ضحكت غسق عليها:
- مدورتان! أي حسد؟ لقد وقفت كثيرًا هذا كل ما في الأمر، كما أن هذا من أعراض تقدم الحمل كما تعرفين، نسيت، أنتِ طيبه صح؟ أخبريني ماذا حدث لتكرهي زهراء فجأة؟ كنتِ تتمتعين بصحبتها!
هزت كتفيها:
- لا أكرهها، فقط لا يعجبني تقربها من آدم بتلك الطريقة، تعرفين أنا لا يعجبني آدم أصلًا وهل رأيتِ كيف يتحدث عن طفلك بتملك، أعتقد بأنه مهووس، غيرت رأيي غسق لا أوافق على ارتباطك به.
- فرح اسمعي، زهراء ليست سيئة، هذه طبيعتها، هي تتعامل بتلقائية مع آدم، صدقيني لا تتقرب منه بقصد، أما آدم رغم أني أتفق معكِ في أن موقف آدم أخافني منه، لكني يجب أن أوافق على عرضه!
رفعت حاجبها:
- ولماذا يجب أن توافقي، هل يمسك عليكِ ذلة أم تحتاجين لمن يستر عليكِ ويكتب الطفل باسمه؟
دون أن تقصد ذكرت فرح قصة والدتها وكيف أن زواجها من والدها بغرض الستر أولًا؛ فشعرت بغصة في حلقها لكنها بلعتها، فلن تظهر شيء لفرح.
- لا هذا ولا ذاك، أنا أحتاج أن أهرب من ساجي؛ فلازلت أحبه ولا أعتقد بأني سأكف يومًا عن ذلك، رغم كل ما فعله بي أشتاق له، كم أتمنى أن يكون بقربي في هذه الأيام، أتخيل ماذا سيكون شعوره عندما يضع يده على بطني ويشعر بركلة من الطفل؛ تعرفين بأني لم اختر حتى الآن اسم للطفلين، لأني لم أتحدث معه في الموضوع من قبل، ولا أعرف ماذا يفضل من الأسماء؟ أحيانًا أشعر بأني مريضة بحب ساجي! كيف أحب رجل لم يحبني لثانية في حياته، بل سارع للتخلص مني كأني حشرة لا تساوي شيء، لا تعرفين ما قاله لي آخر مرة تقابلنا، شعرت بأن قلبي توقف عن النبض بل تمنيت أن أموت أرحم من الألم الذي سببه لي.
كانت تتحدث بلوعة كبيرة ودموعها تنزل من عينيها في نفس الوقت لم تشعر بالماء الذي تدفق بين قدميها لكن فرح لاحظت وصرخت بها:
- غسق أنت تلدين!
******٨
يتبع

غسق الماضي الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن