CHAPTER FOUR I

152 27 0
                                    

العدد الرابع .. جين المحارب - CDH13

( 1 )

مرحباً بكم ...
أنا دكتور أنور مختار
باحث في تراث الرعب القديم
أربعيني العمر كما اخبرتكم في الأعداد السابقة
مر عامين علي مواجهتي مع يونليس إبن الشيطان
نعم أتذكر جيداً أنني لم أكمل لكم ما حدث لي بعد أن فقدت الوعي
ولكني حتي الآن لا أملك الشجاعة في إكمال قصتي هذه
دعوني أحاول أن أشفي من ما حدث وقتها علي أن أعدكم أنني سأكمل هذه القصة في وقت لاحق فأنا لم أتعافى نهائيا حتي الآن
مر عامين ايضا علي رحيل دلال بنت صديقي محسن عبد الفتاح هل تذكرونها ؟
حتي الآن ما زلت أتساءل هل أنا كنت سبب في موتها ؟ معاملة فريدة أمها تغيرت جدا
أصبحت جافه حاده ، والتي بعد موتها كنت اري نظرات الكراهية في عينيها اتجاهي
حتي محسن صديقي أصبح يبتعد عني تدريجياً ، حين أحدثه في الهاتف يكلمني برسمية شديدة وأكاد أجزم أنه بين حين والآخر يريد أن يغلق الهاتف في وجهي
أصبحت منعزلا تماماً ، قلما خرجت من بيتي وواجهت الناس ، حتي جيراني لا يروني كثيراً يصعدون بين حين والآخر ليطمئنوا هل ما زلت حي أم أصبحت في تعداد الاموات
الحقيقة أنني أصبحت من الموتى الأحياء أو الزومبيز إن صح التعبير ، فعلامات الكبر والشيب المبكر تتخلل جسدي بشكل كبير بعد الأربعين

أيضاً صديقي أشرف فهمي بين حين والآخر يأتي ويجلس معي قليلاً ، يحدثني دائماً في عمله في الصحافة ، اخبرتكم من قبل أنه رئيس تحرير لجريدة العلم إنها جريدة صغيرة مغمورة ، في كل مره يأتي يجلس بجانبي ويظل يحدثني عن المقالات التي ينشرها عن رجال الأعمال الفاسدين وأنهم دائما يحاولون مطاردته وتهديده حتي يكف عن فضحهم ولكنه دائما ما يقول لي أنه صاحب قضية وسيكمل ما يسعي له طوال ما يمسك قلمه في يده ، إنه يحلم بيوتوبيا المدينة الفاضلة التي أهلها لا يذنبون لا يخطئون لا يشبهم أي شائبة ، وكأن الملائكة نزلت من السماء إلي الأرض ليعمروا هذه المدينة ، حاولت مراراً وتكراراً أن اعيده إلي واقعنا وأن البشر مهما حدث لن يتخلوا عن طبيعتهم خطائين ولكن لا حياة لمن تنادي ، ولكني مع كل ذلك احب حديثه وأحب صداقته فهو من تبقي لي بعد ابتعاد محسن صديقنا الثالث عنا شيئاً فشيء ...

★ ★ ★

في إيطاليا ، بالتحديد في تورينو حيث الشرطة الإيطالية ملتفة حول جثة متعفنة ملقاه بجانب مصرف قديم ورائحتها يملأها العفن ، يبدو عليها أن صاحبها قد مات منذ أكثر من يومين ، فلم يعرف أحد شيء عن الجثة إلا عند خروج رائحتها النتنة ومن ثم طلبوا الشرطة

كانت الجثة تملأها الذباب من الرأس إلي القدم ويخرج من جسده بعض الدم الناشف والذي تحول لونه إلي الأسود بينما في أعلي رأسه يوجد ثقب كبير وذلك يعني أن ذلك الشخص قتل رميا بالرصاص والطلقة أصابت رأسه ، أدلي الشرطي إيكون رأسه يحاول أن يفحص الجثة ولكن الكثير من الذباب يداري وجه القتيل فأمر أحد مساعديه أن يبعد ذلك الذباب ليستطيع أن يعرف هوية ذلك الشخص

ذهب أحد مساعديه ووقف أمام الجثة وبدأ يبعد الذباب بيده ، بدأ الذباب بدوره يستجيب في الإبتعاد إلا ذبابة واحدة كانت تقف علي الجثة لا تتحرك ، كانت أكبر قليلاً من الذباب الآخر ، كانت لا تستجيب لحركات ذلك الرجل وهو يحاول إبعادها وكأنها مثبتة في جسد القتيل

طار معظم الذباب الموجود علي وجه القتيل فنظر إيكون الضابط الإيطالي إلي الجثة ، طالت نظرته لذلك الوجه الذي كاد أن ينتهي تماماً ويتحلل فوجد ما تبقي منه شخص هو يعرفه جيداً

في الحقيقة الشرطة الإيطالية جميعاً تعرفه تمام المعرفة ، نظر له إيكون واطال نظرته وتعلو جبهته صدمة كبيرة ثم قال : مستحيل ! إنه .. إنه البيرتينو زعيم مافيا نابولي

بعدها وحين يحاول مساعده إبعاد تلك الذبابة فجأة .. 

طارت الذبابة متجهة إلي عين ذلك الشخص لتدخل بها بقوة فيصرخ من شدة الألم لقد مزقت شبكية عينه و أصبحت فارغة ، ابتعد إيكون قليلاً في توتر بينما بدأت تطير تلك الذبابة في ذلك المكان حتي دخلت في أذن شخص آخر بدأ يتألم ويركض في ذهول وصوتها يعلو بداخله وتتحرك داخل جسده وتظهر جيداً تحت جلد رأسه حتي ذهبت إلي المخ وبدأ ذلك الرجل يصرخ بشدة ويضع يده علي رأسه ثم .. ثم انفجرت مؤخرة رأسه وخرجت الذبابة والرجل سقط قتيلاً  ...

وقتها ابتعد الجميع عنها إلا إيكون ، بدأ ينظر لها جيداً ، إنها كانت أكبر من الذباب الطبيعي قليلا وكان لونها أحمر كحمرة الدماء وعينيها كبيره وبارزه للإمام ، أما عن صوتها فكان أوضح وأكثر إزعاجا من الذباب الآخر ..

وجه الضابط إيكون سلاحه علي الذبابة واطلق رصاصة بجانب الذبابة فلم تصيبها ولكن نجحت في إبعادها عن ذلك المكان ، ظلت تطير للأعلى في السماء حتي اختفت نهائيا ..

★ ★ ★

جاء صديقي أشرف في زيارته الاعتيادية التي أحبها واتمناها تطول ، حين يأتي أحاول طوال الوقت أن لا أكون بذلك الحمق الذي أنا عليه دائماً ، أحاول أن أكون أقل تشاءم أقل اكتئابا أقل حزنا ، فأنا علي أي حال لا أريد أن أقطع قدمه عن زيارتي بثقل دمي المعهود ، هذه المرة جاء متحمساً ومعه عدة أوراق وطلب مني أن أعد له كوب قهوة حتي يحدثني لما وصل إليه ، قال لي وأنا أعد القهوة

- عارف يا أنور ، المقال إلي هينزل في الجريدة بعد يومين دا هيفضح كام رجل أعمال فاسد ، مالك نعمان ومنصور الكاشف وعلي خليل ، دا غير إني بدأت أجمع معلومات تدخلهم السجن مدي الحياة

هل لو قلت له أنني لم أعرف هؤلاء الأشخاص من الأساس سيكتب عني مقال في فن اللا مبالاة ؟ حسنا لن أخبره فأنا كعادتي أحاول أن اسايره في الحديث حتي لو لم أعرف أبطاله

قلت له وأنا أضع كوب القهوة علي المنضدة : قولي يا أشرف إنت بتعمل كده ليه ؟ بتحاول تشهر الجريدة بتاعتك ولا فاكر إنهم هيدخلوا السجن بالسهولة دي

قال لي بصدمة : أنا عمري ما فكرت في شهرة الجريدة ، إنت عارف إن الناس دي فاسدة ولازم وتتحاسب علي جرائمها ، لازم القانون ياخد مجراه

- طيب مفكرتش ممكن يعملوا إيه لو اكتشفوا إنك جمعت المعلومات دي عنهم وبتعرضها علي الملأ في جريدتك ، مفكرتش في نفسك وفي هيام مراتك ومريم بنتك

نظر لي وقال : وكأنك أول مره تتكلم معايا يا أنور ، إنت عارف كويس إني مش فارق معايا غير القضية إلي عايش من أجلها ، المدينة الفاضلة نسيتها ..

ضحكت بسخرية وقلت له : كفاياك ثورية يا اشرف ، حاول تكتب في حاجه تانية حاجه الناس الفاضية بتحبها ، اكتب عن آخر فستان للممثلة الفولانية وإلي تمنه لوحده كفيل إنه يجهز تلت عرايس ، ولا عن لاعب كورة لسه شاري عربية جديدة آخر موديل وفيلا في الساحل الشمالي وهو عنده 18 سنة ، ومتنساش تكتب عن عامل النظافة إلي عدي السبعين سنه وبيروح آخر اليوم معهوش إلي يأكل عياله وأحفاده إلي بالمناسبة عايشين كلهم في اوضة واحده ، مدينة فاضلة إيه إلي بتتكلم عنها ، المشكلة مش في المدينة ، المشكلة فينا إحنا ، قلة العدل والمساواة بين الناس مهدت للظلم إنه يبقي مباح ومتفشي في كل مكان

قال لي بتعجب : اتغيرت أوي يا أنور ، مكنتش دي نظرتك للحياة

في حزن نظرت له وقلت : إلي أنا شوفته مكنش شويا ، إنت عارف كويس إلي أنا مريت بيه ، أنا متغيرتش ولا حاجه أنا بس بقيت  واقعي زيادة عن اللزوم

نظر لي بحماس وهو يقوم من مقامه وقال لي : برده القانون هو إلي هيكسب وهفضل ورا المفسدين دول لحد ما ياخدوا جزائهم

خرج أشرف وكانت زيارته هذه المرة سريعة للغاية ، ربما لأنني صددته في الحديث وعجرفتي في الكلام غير التشاؤم الواضح لوصفي لكل شيء ، لقد بدأت أكره هذه الأمور لا أريد أن أصبح وحيداً مكتئبا صامتا وشارد الذهن طوال الوقت ...

★ ★ ★

كان أشرف فهمي يقود سيارته بعد أن ترك بيتي متجهاً إلي مكتبه ، هو عملي جدا ، مثل الذين يفضلون عملهم علي حياتهم الشخصية ، كما اخبرتكم من قبل زوجته تسمي هيام تزوجها بعد قصة حب دامت لسبعة سنوات وكنت أنا شاهدا عليها ولكنه الآن دائماً مشغول عن بيته لدرجة أنه يبيت في المكتب ، ابنته اسمها مريم والتي اصبح عمرها الان ثمانية سنوات وبالرغم من قصة حبه الطويلة هو وهيام زوجته إلا أنها أرادت الانفصال أكثر من مرة بداعي انشغاله عنها بالعمل وقلة اهتمامه وكانت ابنتهم مريم هي صمام الأمان في إكتمال هذه الزيجة دائماً

كان الهواء شديد وأشرف يقود السيارة بسرعة كبيرة حتي يصل إلي مكتبه بينما كان يضع الأوراق بجانبه طارت ورقة منهم من نافذة السيارة التي أوقفها بجانب السكة الحديدية التي يتحرك عليها القطارات ، نزل مسرعاً من السيارة وأحضر الورقة التي طارت ثم عاد وجلس في سيارته وحرص أن يغلق زجاج الباب حتي لا تطير ورقة أخري ولكن سرعان ما وجد ذبابة داخل السيارة ...

الذباب عادة يأتي بالنهار ويختفي مع الظلام ولا يأتي إلا علي مصدر ضوء أو كما يضرب المثل الإسباني " لا يدخل الذباب الفم المغلق " وهذا المثل يضرب علي كثير الكلام والذي في بلادنا ما يشابهه وهو " خير الكلام ما قل ودل " ولكن لو أخذنا المعني الحرفي للمثل الإسباني فإن الذباب لا يدخل إلا إن كان مسموحاً له بالدخول  لذلك من الطبيعي أن تدخل ذبابة السيارة لأن أشرف كان ينيرها من الداخل ويفتح لها زجاج السيارة ولكن ثمة أمور أخري غير طبيعية ، كانت الذبابة كبيرة الحجم بشكل ملحوظ ، غير أن صوتها كان عالي جداً ومزعج جدا وكانت تدور حول أشرف بسرعة شديدة ما جعله يحاول أن يفتح الزجاج مره أخري لكي تخرج وقتها وقفت الذبابة علي يده من أعلي الكف فحاول إبعادها عن يده ولكنها كانت ثابتة ، ثم ....

ألم شديد يأتي من تحت هذه الذبابة في يده ، وكأنها غرست في يده شيء صلب مثل مسمار أو ما شابه ، حاول أشرف إبعادها بقوه ، حاول أن يمسكها بيده الأخري وينزعها من يده ولكنها لا تتحرك ، بدأ صوت نهجاته يتزايد ويتعرق وجهه وهو يكاد أن يجزم أن الذبابة تدخل تمزق الجلد وتدخل في يده ، ثم .. ثم يتحول لونها إلي اللون الأحمر شيئاً فشيء ، ما الذي يحدث ؟! إنها مجرد ذبابة

ولكنها أصبحت كأنها جزء من يده لا يقدر علي إبعادها ، بدأ يغمض عينه تدريجياً ويهتز جسده بشدة وينتفض كأنه يأخذ جلسة كهربائية ، شهقاته ترتفع وكأنه يحتضر ، ثم ...

القطار يأتي من بعيد مصدراً صوته الاعتيادي وهو عبارة عن صفارة صوتها عالي جداً تصدر ضجيجاً مزعجاً ، وقتها الذبابة بدأت تتحرك في يد أشرف ، كأنها تريد أن تخرج من يده ، الصوت يثير ازعاجها بشكل ملحوظ ، بدأت تخرج من يده شيئاً فشيء ، صوت القطار يعلو مع اقترابه والذبابة تحاول أن تطير بعيداً عن مصدر الصوت وتحاول أن تخرج من يد أشرف الذي استسلم وظل يتألم في صدمة ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ، حتي خرجت الذبابة من يده ليتنفس الصعداء أما الذبابة ظلت تطير في حركات غير مستقرة ، تريد أن تخرج من السيارة ولكن كان أشرف قد أغلق زجاجها ، القطار أصبح بجانب السيارة وصوت احتكاكه بالقضبان وصفارته المزعجة أصبح أكثر إزعاجا ما ادي إلي أن الذبابة كانت تصدم نفسها بقوة في زجاج السيارة حتي تخرج وتطير بعيداً ، أما أشرف فكان لا يقدر علي الحركة ولا علي أن يفتح الزجاج مره أخري ، ظلت الذبابة تصدم نفسها في الزجاج حتي .. حتي هشمته وطارت بعيداً عن ذلك الصوت الذي بدأ يبتعد تدريجياً حتي اختفي ....

★ ★ ★


مرت ثلاثة أيام بطيئة مملة وكئيبة ولكنها مرت علي كل حال ، لم يتصل بي أشرف منذ آخر مره تركني أعتقد أنه أصبح يبتعد تدريجياً هو الآخر ، هل هذا منطقيا ؟! ابتعاد الناس عني بهذا الشكل ، هل أصبحت لعنة علي الجميع ، العمر ينفذ وأنا ما زلت أسير نحو الهلاك ، هل هذا هو نفس الاكتئاب الذي صاحب زوجتي ميرفت حتي انتحرت ؟ أم أنه احساس بالحزن علي دلال بنت محسن صديقي ، هل من الممكن أن يصاحبني الحزن طيلة عامين كاملين لهذه الدرجة ؟ أم أن هذه مكيدة جديدة من مكائد الشيطان ( يونليس ) ؟ لما لا ! فهو توعد لي أن يكون عدوي الأبدي طوال حياتي ولا يتركني حتي الموت ، برغم أنني انتصرت عليه في معركتنا السابقة إلا أنه انتصر علي نفسيتي وقتلها ...

قاطع شرد ذهني جرس الباب ، حسنا لقد عاد أشرف لضالته وعاد يزور العجوز المكتئب من جديد

سارعت لأفتح الباب ، ولكنه لم يكن أشرف ، كان آخر شخص أظنه يأتي إلي بيتي الآن

قلت له والفرحة تعلو جبيني : أهلا يا محسن ، اتفضل عاش من شافك

قال لي في تعجل : مش وقت مضايفه يا أنور ، البس هدومك وتعالي بسرعة علشان نشوف أشرف ماله

عقدت حاجبي وقلت له : أشرف ! ماله أشرف حصل ليه حاجه

- أنا رجعت من شغلي لقيت هيام مراته وبنته عندي في البيت وكانوا منهارين من البكاء ، هيام بتقولي إن في خلال تلت أيام أشرف أتغير لشخص تاني ، بقي عصبي لدرجة تخوف وأقل حاجه بتخليه يغضب عليهم ، دا غير إنه كان هينشر في الجريدة حاجات تدين رجال أعمال فاسدين وكان متحمس جداً ، لكن منصب كبير في البلد أمر إن المعلومات دي مفيش أي جريدة تنشرها ومن وقتها وهو حالته أصعب وغضبه بقي واضح جداً والعصبية زادت عنده علي أتفه الأسباب

قلت له في صدمة : ياااه كل دا حصل ، دا كان لسه عندي من تلت أيام وكان متحمس جداً

قال لي محسن في ضيق وهو يتجنب النظر لي : لازم نروح نتكلم معاه ، أنا جيتلك علشان إنت الوحيد إلي بتعرف تأثر عليه ، وياريت فريده مراتي متعرفش إني جيتلك وقابلتك

نظرت له بحزن شديد وقلت له : فهمتك يا محسن ، هروح اغير هدومي واجي معاك

★ ★ ★

في بيت أشرف جلسنا أنا ومحسن واثقين تماماً أننا غير مرحب بنا في هذا المكان لما يرسمه أشرف علي وجهه من ضيق ، البيت غير منظم تماما علي عكس طبيعة أشرف فأنا أعرفه جيداً ، إنه يضع كل شيء في مكانه علي عكسي تماماً ، ضف علي ذلك أن أشرف يرتدي ملابس صوفيه ذو أكمام طويلة ونحن في شهر يوليو وهذا هو الشهر الذي إن سمحت لنا الفرصة أن نجلس دون أية ملابس سنفعل

ولذلك بادرت أن أفتح الحديث وقلت ساخرا : إيه يا أشرف ، الجو برد عندك للدرجة دي

نظر لي وعلي عكس ما توقعت منه ، كانت نظرته قاسيه وقوية وتملأها العصبية ثم قال لي بغضب شديد لم اعهده منه من قبل : جيت ليه يا أنور ؟ جاي تتشفي فيا بعد ما طلع كلامك هو الصح ، وتوقعاتك سليمة زي كل مره

خرج كلامه كأسهم تمزق في جسدي الهذيل النحيل ، ما الذي أسمعه منه هذا ؟ قلت له : أشرف إنت بتقول إيه ؟ أنا عمري ما اتشفي فيك ، إنت صاحبي

صرخ في وجهي قائلاً :  مفيش حد اتسجن برغم المعلومات الي كنت بدأت أنشرها وكانت كفيلة تعيشهم سنين عمرهم كلها في السجن ، بل بالعكس دول هددوني إن ممكن إلي يدخل السجن أنا مش هما وإني لازم أوقف نشر المعلومات دي واعدمها قدامهم وإلا يقتلوني أنا ومراتي وبنتي مش دا كان كلامك ليا ودي نصيحتك ، نصيحة الأخ الأكبر إلي ديما عارف مصلحة أخوه اكتر منه ولو كان مكانه كان هيختار نفس الطريق

لم أتمالك نفسي ولم استطيع أن أتكلم كلمه واحده فبادر محسن وقال : اهدي يا أشرف ، أنور يهمه مصلحتك

ضحك بقوة وقال : محسن إلي بيقول كده ، مش أنور دا إلي إنت بقيت تكره سيرته وفاكر إنت ومراتك إنه سبب في موت بنتك ، بنتك إلي فضلت أكتر من سنتين بتعاني من المرض ومحدش يعرف إيه سببه ولما ماتت بقي أنور هو السبب وبقيت تبعد عنه وتتجنب الكلام عليه

وقف محسن غاضباً وقال : كفاية لحد كده يا أشرف ، أنا خارج ومراتك وبنتك عندي في بيتي

خرج محسن من البيت بينما نظرت أنا له وقلت : ليه كده يا أشرف ؟

تحولت نظرته الغاضبة إلي حزن شديد وقال لي : من يوم ما خرجت من عندك وأنا حاسس بيها جوا مخي

نظرت له وأنا عاقد حاجباي لا أفهم كلامه فقلت : حاسس بمين ؟

ضحك بشده ثم قال : حاسس بحركتها و بصوتها المزعج ، مش بعرف أنام ولا أركز وبقيت سريع النسيان وعصبي لدرجة ترعب ، حاسس إنها بقت جزء مني ، إنها دخلت جسمي وتمكنت منه

قلت له مشفقا : إنت محتاج ترتاح يا أشرف ، حاول ترتاح

خرجت أنا الآخر من بيته ، لا اعرف ما حدث له ، تغيير جذري في ثلاثة أيام فقط ، كل ذلك لأن جريدته تم منعها من عرض مقالات عن هؤلاء الأشخاص الفاسدين ، ولكنه اعتاد علي ذلك لما رد الفعل المبالغ هذه المرة ، إنه لا يعطينا فرصة لنتحدث معه

نزلت من البيت لأجد محسن يقف أمامه ينتظرني ، قال لي بضيق : أنور أنا هرجع بيتي لوحدي علشان ...

قاطعته وقلت بحزن : مفهوم مفهوم ، علشان فريدة مراتك متعرفش إنك عديت عليا

تحرك ساكنا ثم عاد من جديد وقال بتردد : أنور ، أنا .. أنا عمري ما كرهتك ، إنت صديقي الوحيد إلي بحب صداقته ، حتي أشرف مكنش قريب ليا زيك ، أنا بس موت دلال بنتي مأثر علي ردود افعالي مع كل الناس ، وعمري ما قلت إنك سبب في موتها ، دي كانت بتحبك زي باباها بالظبط

بكي محسن واحتضنني وأنا أقف لا أستطيع التكلم ، كنت سعيدا جدا بداخلي لما أسمعه منه ،  الصديق الحقيقي يعود يوما مهما طالت المسافات ...

★ ★ ★

كان علي خليل رجل الأعمال المشهور يعود إلي بيته في ساعة متأخرة ، بينما الحرس يملأ بيته من كل جانب والذي كان مثل قصر كبير ، الغريب في الأمر أن ملياردير مثله لم يتزوج بل كان يسكن وحده في ذلك البيت الكبير ..

دخل إلي غرفة مكتبه ومعه حقيبة مملوءة بالأموال ثم فتح الخزينة وإذا به يجد أمامه شخص يجلس علي كرسي المكتب ويعطي له ظهره ، ينير الغرفة مسرعاً وبخوف يقول : إنت .. إنت مين ؟

يقول ذلك الشخص الذي ما زال يعطيه ظهره : علي خليل ، رجل أعمال كبير وبيساعد في اقتصاد البلد ، لكنه شغال في غسيل الأموال وتجارة المخدرات والسلاح وأمواله كلها مشبوهة

أخرج ( علي ) من بذلته سلاح ناري وبدأ يقترب من المكتب ليضغط علي جهاز الإنذار ، بينما يقول : إنت دخلت هنا إزاي ؟ الحرس موجود في كل مكان

كان قد أوشك علي الوصول لجهاز الإنذار بينما وجه مسدسه إتجاه رأس ذلك الشخص في نفس الوقت الذي استدار به ، وهنا ....

دقق ( علي ) في ملامح ذلك الشخص ، تراجع للوراء في رهبة شديدة ، وقع منه المسدس من هول ما يراه ، إنه شخص آدمي ولكن وجهه متحول لوحش غريب جداً ومرعب ، وعينه اختفت حدقتها تماماً ، شكله بشع كفاية ليثير رعبه ..

اقترب من ( علي ) وكاد أن يقتله ولكن استطاع أن يفلت منه ونجح هذه المرة في الضغط علي زر الإنذار ...

صوت جرس الإنذار يعمل في كل مكان ما جعل ذلك الوحش ينزعج ويضع يده علي أذنه بضيق ...

بينما الحرس يتحركون في كل مكان سمعوا صوت إطلاق الرصاص في غرفة المكتب وبعدها صوت تهشم زجاج ، فدخل بعضهم إلي الغرفة ليجدوا ( علي خليل ) مقتولاً برصاصة في أعلي رأسه والدماء تخرج منها وتملئ المكان ، بينما وجدوا زجاج الشرفة قد تم كسره فنظروا في كل مكان ولكن لم يجدوا شيئاً ، من قتل علي خليل قد اختفي تماماً ...


يتبع

إن كنت تريد الاطلاع علي قصص وحكايات جديدة لدكتور أنور مختار تابع جروب د. أنور مختار

https://www.facebook.com/groups/2168403466658362/?ref=share

حكايات أنور مختارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن