Chapter Five II

71 17 2
                                    

العدد الخامس .. الجزء الثاني
أسطورة غير المرئيين .. الهايلاندرز

( 2 )

في الظلام الدامس الذي لا يعكره الا ضوء القمر مع انارة كشافاتنا الخافتة، تحركنا نحن الخمسة نتحسس خطانا في الغابة الغربية، ذلك المشهد الذي يحبه كتاب ومخرجين افلام الرعب، ظلام يبعث الريبة مع قمر مكتمل يروق للمستذئبين وخمسة من المخابيل اعمار مختلفة داخل غابه الجميع يحذر من دخولها نهارا ولكن رغم ذلك قد دخلناها ليلا، احدنا رجلا قد تخطي السبعين من عمره والذي ان فتح باب شقته ووجد قطة تقفز امامه فجأة لن تستطيع روحه المقاومة والصمود وسيموت فزعا بتوقف في القلب، اما انا وصالح فحدث ولا حرج نحن نخاف من ظلنا وبرغم التجارب المرعبة التي قد مررت بها الا انني ما زلت احتفظ ببعض من الخوف الداخلي، اما عن الشخص الثلاثيني والذي يدعي باتريك فأعتقد انه اكثرنا جرأه فهو يتقدمنا ولا يبالي شيء، وبالنسبة للشاب المدعو ستيف فهو فتي مراهق يحاول دائما ان يثبت للجميع بانه قد اصبح رجلا يعتمد عليه حتي وان كان ذلك يحمله المزيد من التعب والمشقة التي تزيد عن حدها احيانا

راودني سؤالا وانا اتحرك في الغابة ويتسلل الخوف روحي شيئا فشيء، هل الخوف فطري ام مكتسب ؟
لا اعرف لماذا تأتي هذه الاسئلة في رأسي في مثل هذه الاماكن المرعبة ولكن اعتقد ان الخوف معظمه مكتسب وقليلا منه فطري، اعتقد ايضا ان الانسان يستطيع ان يجعل نفسه خائفا من شيء ما ويستطيع ان يعالج نفسه من هذا الخوف، فان قلت لك سأتركك في غرفه مظلمة لمدة ساعة وحيدا فتستطيع ان تقاوم خوفك بسهولة ولكن ان اخبرتك بعد ربع ساعه مضت انه كان معك ثعبان سام في نفس الغرفة وانت لا تعرف وقتها لن تستطيع ان تقاوم الخوف فستصيح وقتها ان تخرج من الغرفة حتي لو اقسمت لك انها مجرد مزحه ولم يوجد شيء، يوجد الكثير من الامثلة ولكن اراك تقول في سرك ( يا لك من عجوز ثرثار، هل حسبت نفسك طبيبا نفسيا وتحدثنا عن مخاوف النفس البشرية ) حسنا معك حق يجب ان التزم بأحداث القصة والا اراك قد تهشم رأسي غيظا

مازلنا نتحرك في الغابة ولا شيء غريب قد حدث، حتي اننا مع الوقت صرنا نتحرك دون ريبة من المكان، هل تريدني ان اصفها لك حسنا انها غابه كأي غابة قد رأيتها يوما، حين تدخلها ستري جمال الطبيعة الذي يجعلك تقول سبحان الله وانت تمشي بين الأشجار المتشابكة أغصانها وحشائشها الخضراء والدمي المعلقة علي اغصان الشجر والمناظر الخلابة والطحالب والفطريات و ....

لحظة !
هل قلت الدمي المعلقة علي اغصان الشجر؟ هل تري ما انا اراه ؟
ان كنت لا تري فحمد الله  انك لم تقف مكاني الان برغم انني لم ادخل غابه من قبل ولكن اعتقد أن ليس من الطبيعي وجود شيء كهذا انا اعي ما اقول، ان اغصان الاشجار في الغابة عليها المئات من الدمي المعلقة، والأدهى انها معلقة بحبال تنزل من الاشجار تلف حول رقبة الدمي لتصبح كالمشنوقة، هذه المرة لم يتسلل الخوف داخلي بل اصبح يهرول ويريدني ان اطلق عنان ساقي للريح واركض مبتعدا عن هذا المكان ولكن لاحظت ان لم يتحرك احد منهم وان فعلت سأصبح انا الجبان الذي وسطهم والذي ارسل اخيه له ان يأتي علي وجه السرعة من مصر الي رومانيا لكي ينقذ ابنته ولكن حين رأي مجرد دمي مشنوقة علي الشجر ركض كالأطفال لذلك اعتقد انني يجب ان لا اتحرك حتي لا يقولوا هذا

تحركنا تحت هذه الدمي والتي لاحظت انها دمي لشيوخ كبار ولأطفال صغار ولسيدات ورجال لاحظت ايضا ان وجوههم اقرب للحقيقية ان دققت بها وما يختلف لنعرف انهم ليسوا حقيقيون ان حجم طولهم واحد لا يتعدوا العشرون سنتي متر كحجم الدمي الطبيعي، وجدت ايضا ان اعينهم ينزل منها الكحل كالدموع وكان هذا الكحل قد وضع حديثا حيث انه رطبا وكأن احدا ما يريد اخافتنا وهو من علق هذه الدمي بهذه الطريقة ووضع الكحل تحت اعينهم، بالتأكيد اشكالهم مرعبه ولكن ليس لدرجه ان تقف قلوبنا من الرعب

قلت ما استنتجته بصوت عالي وطبعا بإنجليزية حازمه : اعتقد ان فيه حد هنا بيحاول يرعبنا وهو الي علق الدمي دي علي الاشجار وحط في عنيهم الكحل علشان يخليهم يبكوا بالشكل دا

رد السيد فيكتور جد لاسي وقال : لا دي مش محاولة لإرعابنا، اعتقد دي رساله لينا، ان الي يقرب اكتر ويتخطى المكان دا هيبقي مصيره زي مصير الدمي المعلقة

قلت له في قلق : تقصد ان دا تهديد ؟

قال لي بغضب شديد : وانت شايف حاجه تانيه غير كده

تبا لعصبيه هذا الرجل، انه دائما يصيح كالغراب في اي وقت ومكان ودون سابق انذار

قال وهو يمسك هذه الدمي : الدمي دي وجوهها تشبه بشكل كبير شكل المفقودين الي دخلوا الغابة ومخرجوش من وقتها

قلت له بسخريه : تقصد ان في كيان ما في الغابة بيشنق الي يدخلها ويحوله لدمية بحجمها الطبيعي

صاح بنفس حدة كلماته وقال : انت بتسأل كتير ليه ؟ اكيد مش دا الي اقصده، بس اعتقد اننا لو قربنا اكتر هيبقي مصيرنا زي مصير الدمي دي

هنا وجدت اخي صالح يصيح ويقول بحزن : يا جماعه ارجوكم دا مش وقت استنتاجات، انا بنتي بتضيع مني ولازم ننقذها من المكان الملعون دا في اسرع وقت

قلت له مطمئنا : متخفش يا صالح، احنا كلنا هنا علشان ننقذ علياء، واوعدك مش هخرج من هنا الا وهي معانا

قال البرت وهو يوافقني الرأي : معك حق يا رجل، يا ننقذ لاسي ننال نفس مصيرها

صرخ الفتي ستيف وقال بحزن وهو يشير علي احد الدمي : شوفوا كده

نظرنا كلنا الي الدمية وتصلبت نظرتنا لفترة، ثم ساد الصمت في ارجاء المكان ونحن غارقين من اثر الصدمة، لم يقطعها سوي شيء واحد وهو انفجار  اخي صالح من البكاء ونزوله علي الارض وصراخه بحرقه، ان هذه الدمية والتي اشار عليها ستيف كان وجهها يشبه والي حد كبير وجه لاسي .

★ ★ ★

ما هذا الهراء، اخي صالح يحتضن دمية من البلاستيك  ويبكي بحرقة شديدة، الجميع يقف حوله يحاولون مواساته وكأنهم يقفون في سرادق عزاء لدمية، لا أنكر ان وجه هذه الدمية يشبه وجه ابنة اخي الي حد الجنون، وكأنها صنعت خصيصا لها، نعم لقد صدمت مثلهم في البداية ولكن حين عاد لي صوابي تداركت ان كل هذا هراء ورائه صانع دمي محترف يريد تهديدنا حتي لا ندخل الغابة اكثر من ذلك

قلت لهم ساخرا وكأنني لم اكترث بما يحدث ولو قليلا : خلاص خلصتم واجب العزاء ( ثم وجهت كلامي لأخي بالعربية وقلت ) صالح اسمعني كويس، الاداء الدرامي الي أنا شايفه قدامي دا ميتعملش في مسرحيه فاشله للأطفال، الي في حضنك دي مش بنتك دي لعبة ولو الي عمل كده كان قاصد يحول الي يدخل الغابة لمجنون يصدق الخرافات دي فأعتقد انه نجح في دا، ولو الحيوان دا موجود بنا هنا ياريت يواجهني حالا

هنا دوى صوت من خلف الاشجار، صوت زئير مرعب أجش منخفض التردد عالي الطبقة مثلة كمثل صوت السباع ولكن اشد غلظة يبعث الرهبة في قلوب الفرائس، ثم هو ليس زئير لكائن واحد، يهيئ لي انهم الكثير من الاصوات تختلط ببعضهم، لم اسمع في حياتي كلها صوت مفزع كهذا الصوت، يبدو ان كلامي اثار غضب الكثير من الكائنات في هذه الغابة إن كانوا يفهمون العربية.

ننظر حولنا في رعب وفزع، لا نقدر علي الحركة وحتي وان تحركنا اين سنذهب ؟
اعتقد اننا حوصرنا في مكاننا لان الاصوات تأتي من كل مكان في هذه الغابة، نظرت حولي لأجد اخي صالح والبقية يرتعشون من الرعب، تبا لي حين رأيت هذه الدمي في بداية الامر كنت سأكون انا اول الفارين فزعا لولا انني تماسكت قليلا ثم أخذتني الشجاعة بالإثم فقلت ما اثار غيظ هؤلاء الكائنات التي لا أعرف عنها شيء غير ان صوتها يستطيع ان يقتل اي بشريا رعبا

حتي الان لم نري اي كائن اتي من بين الاحراش لكي يبتلعنا جميعا، فقط صوت زئير متواصل عالي متردد مفزع غليظ، استمر بضع دقائق حتي قل تدريجيا ثم تلاشي وعم السكون مره اخري ارجاء المكان

ابتلعت ريقي الجاف وقلت لهم : واضح ان كلامي مجاش علي هواهم

هنا تكلم العجوز ذو الطريقة العصبية المتحذلقة التي تخلو من الظرف والكياسة وقال موجها كل اللوم علي : انت يا بني آدم لو استمريت علي طريقتك دي كلنا هنموت بسببك

قال البرت وهو يشهر بندقيته في الهواء ويبدو انه يوجه ماسورتها نحوي : ان قرب كائن واحد منهم هو الي هيكون مصيره الموت

تبا لهذا الاحمق الاخر احسبني من سلاسة هذه الكائنات لكي يشهر بندقيته علي جسدي

قلت في خجل : اعتقد ان الكائنات دي زئرت لما سمعت صوتي العالي ولما فضلنا ساكتين لفتره الزئير هدي وكأننا قلقنا نومتهم

قال ستيف : انا مش خايف من الكائنات دي وممكن اتقدمكم لو انتم خايفين

انه سن المرهقة مره اخري والذي يعتقد الشاب فيه انه يستطيع فعل كل شيء الي ان تثبت له الحقيقة عكس ذلك

بدأنا نتحرك مره اخري الي الداخل في حذر شديد، صالح بدأ يهدأ نسبيا ويتدارك الامر ويأخذ بعين الامل ان ابنته لازالت حية
أما السيد فيكتور كان يتحدث طيلة الوقت بينه وبين نفسه بعجرفة وعصبية ويبثق علي العشب من آن لأخر
أما عن البرت فمازال يتقدمنا وكأنه يقود كتيبة استطلاع في الحرب، يحمل سلاحه في وضع الاستعداد ويمشي زجزاجا ويحني كتفيه للأسفل ويشير لنا بالوقوف بعد ذلك يشير لنا بالتحرك، كلها أمور كانت ستصبح جيدة لو انه كان في الجيش ولكن ليس في غابة ومن يطارده كائنات غريبة
أما ستيف فكان يمشي بوضعية الهجوم علي دجاجة، يجري من آن لأخر ثم يقف قليلا وينظر حوله ثم يتحرك في تؤدة وحذر
أكاد اجزم لك بأن هذه الكائنات إن رأتنا ونحن نتحرك بهذا الشكل ستنفجر ضاحكا علي اشكالنا وستتركنا دون ان تمسنا

★ ★ ★


صرنا نتحرك خائفين ننتظر ان تخرج تلك الكائنات في اي وقت وتأكلنا جميعا، حتي وجدنا شجرة كبيرة منقوش علي اخشابها ويبدو ان النقش قديم جدا، قربت كشاف الاضاءة من النقش وامعنت النظر لأجد نقوش غريبة تشبه طلاسم السحر ثم رأيت جملة منقوشة تحتهم كتبت بالإنجليزية (لا تدع الفضول يجعلك تقترب اكثر من ذلك فبالداخل يوجد كائنات مرعبة تشتهي طعم اللحم البشري عن اي اطعمة اخري، لقد وضع هذا الطلسم هنا لكي يمنعهم من التحرك خارج الغابة وحين يريدون ان يخرجوا يبعدوا بقوة السحر فلا تتجرأ وتدخل لهم)

تحرك ستيف الشاب المندفع يحس الخطي الي الداخل وهو يغمغم ويقول : انا مش خايف من الكائنات دي وهدخل وانقذ لاس...

ما إن تخطي ذلك الفتي الشجرة الا وسمعنا صراخه وسحبه للداخل وكأن يوجد من كان يقف وينتظر فريسته حتي تأتي له

ركضنا متراجعين نحتمي خلف الاشجار وكل شخص منا مسك سلاحه بعناية، كان البرت وحده هو من معه بندقية اما انا كنت احمل فأس من الفضة وصالح كان يحمل ساطورا اما السيد فيكتور لا ادري اي سلاح معه، ما زلنا نسمع صراخ الفتي المسكين المذعور يعلو و يمتزج مع صوت زئيرهم
أخيرا ذهب البرت ووقف امام الشجرة التي بها الطلسم وأطلق عيارا من بندقيته في الظلام ليجد الزئير يعلو من الداخل ليظن انه نجح في قتل احدهم فتبسم وكاد ان يطلق عيارا آخر، ولكن سرعان ما ادرك ان حبلا ما قد لف علي اسفل قدمه ويشد اتجاه هذه المخلوقات فيسقط ارضا ويسحب هو الاخر ثم سمعنا صراخه

نظرت الي صالح الذي نظر بحزن لي وقال في ضيق : لازم اروح لبنتي مش هسيبها يا أنور

نظرت له ويدي تشير له محاولا منعه وانا اصرخ به قائلا : صالح ارجع يا مجنون !

وما إن أنهيت الجملة حتي وجدته قد تخطي الشجرة وبدأ هو الآخر في الصراخ .


يتبع ...

حكايات أنور مختارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن