من جديد أعود إليكم
أنا العجوز أنور مختار أعود لكم لأقصص عليكم القصص التي تحبوها
ولكني بدأت أنسي الكثير ، لماذا ؟ إنه العمر يا صديقي
السارق المحترف الذي يجيد السرقة ويحسن التخفي
ها أنا قد بلغت الثانية والأربعين ، ليس كثيرا ولكن ما مررت به من تجارب تتوجب عمر آخر فوق عمري هذا ، اليوم نظرت إلي مرآتي لأجد الشعيرات البيضاء بدأت تأخذ المساحة الأكبر في راسي ، اليوم أيضاً أحسست بآلام المفاصل والظهر وآلام القرحة اللعينة التي لم أعد اتحملها كالسابق ، اليوم بدأت أشعر بضيق التنفس وارتفاع صوت النهجان المستمر عند المجهود البسيط ، إنني قد بلغت أعلي مرتفع في جبل الشباب والآن بدأت أنزل المنحدر من جديد
في الحقيقة إن السنين تمر كلمح البصر ، كعابر سبيل وحلم جميل لم يكتمل ...
ولكني مستمر حتي النهاية ، حتي تنتهي صلاحيتي وتنزل الستار على قصتي ، تسألني أي قصة ؟ لا هذه هي سري الوحيد الذي لا أستطيع أن ابوح به حتي في أفكاري ، إنها القصة التي ستدفن معي في قبري ، أنا الشاهد الوحيد عليها لأنني وحدي أعرف صراعاتي ومعاناتي وانكساراتي ، أنا الشاهد الوحيد علي كل اللحظات التي كادت أن تهزمني ولم تفعل ، لذا دعني احتفظ بها في صمت وخذ مني ما أود أن اعطيه اليك فأنا ما زال لدي المزيد ...
حسنا دعونا من كل ذلك ، فاليوم هو الخميس وكما عودتكم فإنه اليوم المميز والذي استضيف في بيتي المتواضع بطل قصة جديد واضيف إلي تجاربي وابحاثي تجربة جديدة شيقة لشخص آخر يأتي ويجلس أمامي ويخرج ما في جعبته
الساعة الآن أصبحت التاسعة مساءً ، وكما عودتكم فإن هذا هو الوقت المحدد لسماع طرقات باب شقتي وإن لم يأتي أحد فسأذهب إلي الخطابات المرسلة لي واقص قصة جديدة منه
(( انتظرت حتي انتهت دقات الساعة المعلقة في شقتي ))
حسنا هل سمعتم أي طرقات علي الباب ، أنا لم أسمع دعونا إذا نختار خطاب بطريقة عشوائية من ضمن كومة الخطابات والرسائل الموجودة في خزانتي
مسكت خطاب بيدي وقلت : حسنا أعتقد أن ذلك الخطاب ذو اللون الأزرق هو المناسب فأنا افضل هذا اللون وأحبه
فتحت الخطاب ونظرت إلي اسم المرسل وقلت : ياللمفاجأة إنها امرأه ، الإسم هدي السيد من سكان الشرقية عمرها 25 سنة متزوجة حديثا وربة أسرة
تعجبت من كم هذه المعلومات التي هي في غني عن كتابتها ، فأنا لا أعمل موظف في مصلحة حكومية حتي أعرف كل هذه البيانات ، يكفي فقط إسمها إن أرادت قوله وإن لم تريد فلا بأس من الممكن وقتها أن القبها بالسيدة ( س ) مثلاً أو ما شابه ولكن هذا لا يهم
أكملت ....
عزيزي دكتور أنور مختار ، أنا حقيقي من أشد المعجبين بقصصك ودا إلي شجعني إني احكيلك تجربتي إلي اسيت منها سنين ، خليني أدخل في الموضوع علطول ، أنا زي ما قولت علي الخطاب إني عمري 25 سنة ، اتخرجت من كلية تجارة وبعدها اتجوزت علطول ، خليني في البداية اشرحلك معاناتي الوحيدة من يوم ولادتي ، أنا جميلة يا دكتور أنور ، جميلة جداً وجمال مهما سرحت بخيالك وانت بتقرأ كلامي مش هقدر تتخيله ، تقدر تقول إني أخدت رزقي كله في الجمال
ودي هي مأساتي ، أيوه يا دكتور الجمال مأساة ومعاناة كل ما زاد كل ما المعاناة زادت معاه ، ودا إلي خلي الكل يحاول يقرب مني وفي نفس الوقت يغيروا مني ، أنا مش متكبرة ولا مغرورة بالعكس أنا ديما بشوف إن جمالي دا بلاء ابتليت بيه ، نقمة اكتر من إنه نعمة ، وديما بحس إني أقل من الجميع ، عارف يا دكتور المانيكان إلي بيكون في فاترين ومحدش يقدر يقرب منه ، أو فتاة الأحلام إلي بيتمناها كل الشباب أنا كنت واحدة منهم ودا مكنش بيحسسني بالسعادة بالعكس دا كان بيخلي الناس تبعد عني وكأن أنا مش بشر زيهم ، هما كانوا بيبعدوا لأنهم شايفين إني صعبة المنال وكانوا بيحكموا عليا باني مغرورة وشايفة نفسي قبل حتي ما يتكلموا معايا ويعرفوني ، غير البنات إلي في عمري إلي كانت ديما بتغير مني وغيرتهم بتبان في عنيهم ، بس مش هما بس إلي كانوا كده ، كان فيه إنسانة كمان كانت آخر واحدة ممكن اتخيل إنها تغير مني ومن جمالي لأنها ببساطة تبقي اختي ، أيوة أختي الكبيرة إلي أكبر مني بخمس سنين وإلي كانت ديما غيرتها بتبان يوم بعد يوم ، هي كانت جمالها مقبول لكن كنت أنا ديما بالنسبة ليها العقبة الوحيدة في كل حاجه من أول ما اتولدت وحتي لما كنا بنلعب مع الأطفال إلي في عمرنا زمان كانوا بيحبوا يلعبوا معايا أنا وهي لأ ، لما وصلت سن 16 سنة بقي يجي ليا عرسان كتير تقريباً كل أسبوع عريس وطبعا والدي وولدتي كانوا بيرفضوا بحجة إني لسه صغيرة وفي الدراسة لكن السبب كان معروف وواضح للجميع ، السبب إن اختي عندها 21 سنة ومكنش بيجي ليها أي عريس ، أنا وقتها كنت بتضايق وبحس إنها زعلانة مني وبتلومني بنظرتها وكلامها في بعض الأوقات
لحد ما في يوم وأنا في السنة الأخيرة في الكلية انفجرت فيا وقالت بكل صراحة إنها بتكرهني وإني بالنسبة ليها مش أختها أنا عدوتها وإنها لو طالت تشوه وشي هتعمل كده ، شوفت يا دكتور أنور وصلت لايه ، عرفت قد إيه أنا كرهت جمالي لأنه كان سبب في إن أختي الكبيرة تثور عليا بالشكل دا ، وقتها أنا اتصدمت ودخلت في فترة اكتئاب حاد ، أنا عارفه إنها مكنتش تقصد كلامها دا وكنت متأكدة إن لسه فيه في قلبها حب ليا حتي لو هي مش بتبين دا
وقتها والدي ووالدتي استسلموا ووافقوا يجوزوني قبل اختي ، وشوفوا إن دا علاجي الوحيد وإن أي حد هيجي يتقدم ليا يوافقوا عليه حتي لو مبحبوش ما طبعا الحب بيجي بعد الجواز بالنسبة لهم ، ودا فعلاً إلي حصل جوزوني لأول واحد اتقدم ليا وكان أكبر مني بعشر سنين أنا كنت مصدومة ، مش أنا بس كل الناس كانوا مصدومين إزاي دا العريس بعد كل إلي رفضتهم ، كان مش مناسب لا تعليم ولا شكل ولا حتي ماديا ، وقتها أختي جات تصالحني وتقولي مينفعش أفضل زعلانة منها وأنها مش زعلانه إني اتجوزت قبلها وفرحانه من كل قلبها ليا حتي جبتلي هدية ازازة ريحة ، ساعتها اتأكدت إن خطتها نجحت مش هي بس دي كانت خطة والدي وولدتي كمان إنهم يجوزوني لأي شخص ويكون مش مناسب خالص علشان يرضوا اختي إلي متأكدة إن لو كان العريس دا اتقدم ليها هي كانت رفضت
للدرجة دي كلهم كانوا عايزين يخلصوا مني ، جمالي بالنسبة ليهم كان لعنة واتلعنت بيها ، بصراحة زوجي ( صبري ) طلع أخلاقه كويسه جداً ، شخص هادي ومحترم وكان بيحبني ومش بيخليني عايزه حاجه ودا إلي خلاني احبه زي ما هو وأحب عيوبه قبل مميزاته ، بعدها اختي الكبيرة اتجوزت برده راجل غني قريب من عمرها وشكله وسيم بس كان معاملته وحشه معاها وبعد فترة بسيطة أطلقت منه
كل دا مش مهم وأنا عارفه إني طولت عليك بس انت عارف الواحدة مننا لما بتفتح في موضوع بتحب تقول كل إلي عندها ، خلينا نيجي في الحاجة المهمة وهي الحاجة إلي انا بعت الجواب دا من البداية علشانها ، انا بقيت بشوف نفسي واحده تانيه يا دكتور أنور
لما ببص في المراية بشوف حد تاني غيري ، حد مشوه وجسمه ضئيل والتجاعيد في كل وشي ، في البداية كان بيجيلي كوابيس بالشكل دا كنت بقوم مفزوعة من النوم بس كنت عارفه إنه في النهاية مجرد كابوس وكنت بنسي وبتعامل عادي بعدها
لكن مع الوقت بقيت بشوف نفسي كده في الحقيقة ، في المراية وفي الصور الفوتوغرافية حتي في زجاج العربيات أو أي حاجة ينعكس فيها شكلي
حكيت لصبري جوزي بس ديما كان يبالغ في جمالي ويفضل يقول كلام مناقض تماما للي شيفاه قصاد عيني ، كلام كان بيدايقني جداً بنفس القدر إلي ممكن يعجب أي بنت تانيه غيري أول ما تسمعه ، ودا إلي بيخلي صبري محتار انا ليه بقول علي نفسي وحشه
بقيت بخاف اقف قدام المراية ، بقيت بخاف اتصور بأي كاميرا ، نظرات الإعجاب إلي كنت بشوفها في عيون كل الناس من صغري كانت هي نفس النظرات بس بقيت بحسها بتتحول بنظرات شفقة ، عايزه اقول للناس كلها اني بقيت شايفه نفسي مشوهه واني مش حلوه اوي زي ما كلكم فاكرين
بقيت عصبية جدا وببعد عن الناس كلهم تدريجياً لحد ما بقيت منعزلة تماماً ، حتي جوزي بقي يخاف مني ويتهمني إني مجنونة وبقيت بحاول أنسي شكلي سواء الحلو أو الوحش ، افتكرت اختي لما قالت إنها لو طالت تشوه وشي مش هتتردد لحظه ، فكرت إني اعمل كده فعلاً وجيبت حاجة تساعد علي كده لكن جوزي لحقني في الوقت المناسب
وقتها وداني لدكتور نفسي شخص حالتي اني عندي مرض BDD ودا اختصار لكلمة كبيرة بتعني اضطراب التشوه الجسم ، ودا فيه المريض بيكون في نفس حالتي ، بيتوهم نفسه في المرايا أو الصور مشوه تماما وإنه قبيح المظهر والصورة الخارجية بتكون عكس كده تماماً لكن حالتي كانت متقدمة وكتب ليا علاجات كتيره فضلت فترة اخدها باستمرار بس كان الأهم من دا كله إني أقف قدام المراية بدون خوف من شكلي بل بالعكس ، إني اتقبله وأحبه زي ما هو حتي لو شايفه نفسي مش حلوه في البداية
بقيت بعمل كده كل يوم ومع الوقت اخدت علي شكلي وتقبلته فعلا ، بقي عادي اني أشوف نفسي كده بس بعد كام شهر ظهرت الكارثة إلي مكنتش تخطر علي بالي أو علي بال اي حد
صبري جوزي بقي هو كمان يشوفني بنفس الشكل دا !..
الغريبة إن هو بس الي كان بيشوفني كده ، في البداية خاف مني واتصدم ، وأنا بقيت مش عارفه إيه إلي بيحصل دا ، ولأنه كان بيعرف يرسم كويس رسم إلي شايفه قدام عينه ، والرسمة طلعت بالظبط هي إلي أنا كنت يشوفه في المراية
كده الموضوع ملوش دعوة بالطب النفسي ، وعدني إنه يفضل سر بنا إحنا الاتنين ، وإنه عادي الموضوع دا مش هيأثر علي حياتنا نهائي وإنه شايفني جميله من جوايا ودا الاهم بالنسبة ليه ، لكن الحقيقة مكنتش كده أبدا ، صبري كان بيتجنب عينه تيجي عليا ومع الوقت اسلوبه اتغير معايا وبقي يبعد عني ويتأخر في الشغل ولما بيقعد معايا بيمسك تليفونه بالساعات
لحد ما في مره لقيت تليفونه قدامي ، فتحته وأنا حاسه إنه بيخوني ، بس كنت متقلبة فكره زي كده ومكنتش هزعل منه لأني مبقتش حلوه في نظره زي الأول ، لكن الصدمة كان أكبر من كده ، صبري مكنش بيخوني ولا حاجه ، صبري كان بيكلم أختي في محادثة طويلة بيترجاها فيها إنها تقبل تتجوزه بعد ما يطلقني ، وإنه بيحبها من البداية وميقدرش يستغني عنها ، وقتها جيه في دماغي نفس إلي جيه في دماغك يا دكتور أنور وهو برده نفس إلي هيجي في دماغ أي حد بيقرأ الرسالة دي
الحاجة إلي عقلي من البداية كان رافض يصدقها ، وإلي عمري ما تخيلت إنها تحصل وحتي وأنا رايحه للشيخ عرفه مكنتش مقتنعة
مش معقول اختي إلي من لحمي ودمي تعمل ليا سحر !..
كل حاجه اتضحت لما الشيخ عرفه قالي إنها عملت ليا سحر إني اشوف نفسي وحشه وإنها قررت السحر دا مع جوزي لما شافتني أنا بتحسن وإني بقيت بتقبل شكلي ، وبعد كده عملت سحر لجوزي تاني إنه يحبها هي ويكرهني
الغريبة إني لما واجهتها بالموضوع دا اعترفت بسهولة وهي بتضحك إن الريحة إلي كانت جيباها ليا من وقت جوازي كانت سحر مرشوش كل ما ارش منها السحر يبقي اقوي ، وطبعا السحر إني أشوف نفسي مشوهه وإنها كانت عايزه تعذبني لحد ما انا إلي اعمل كده بنفسي ، كل دي غيره وكره ليا ومن مين ؟ من أختي
أختي إلي فضلت وقتها تقولي إنها بتكرهني ومش بتحبني وبتتمني ليا الموت ، فضلت تقول ليه هي تتطلق وانا إلي أفضل متجوزة وسعيدة في بيتي وبرغم إنها كانت فرحانه إني اتجوزت شخص محدش يتمناه من وجهة نظرها إلا إنها هي إلي أتمنته لنفسها لما لقتني بحبه وهو كمان بيحبني
عرفت ليه يا دكتور أنور انا كرهت جمالي
طبعاً هتبقي عايز تعرف إيه إلي حصل بعد كده ، طبعا فضولك إنك تعرف القصة كاملة لحد كلمة النهاية هيبقي اقوي منك
تمام يا دكتور ، هكمل ليك القصة ..
جبعد ما عرفت إن اختي عملت كده اتصدمت صدمة عمري رحت للشيخ عرفه انا وجوزي بعد ما عرف أنه كان مسحور والحمدلله قدرنا نبطل السحر إلي هي عملته
أما هي فأبويا دخلها مصحة نفسية علشان تتعالج هناك بعد ما ظهر كرهها وغيرتها مني ، بس يا دكتور أنور هي دي قصتي ومعاناتي مع حاجة الناس كلها بتتمناها ، أتمني تكون القصة نالت اعجابك واعجاب كل من يستمع ليها من مستمعيك
★ ★ ★
أغلقت المظروف وأنا اشعر بالضيق وعدم الراحة ، إن هذه القصة مرعبة جدا ومخيفة جدا ، ليس فقط لأنها كان تري وجها غير وجهها فب انعكاس المرآة ، وليس فقط لما اقترفته اختها من جرائم تلو الأخري في حقها
إن الشر الذي بداخل النفس البشرية حين تعطي له الاشارة بأن يخرج فهذا هو الأشد رعباً ، لا يستطيع أي كيان علي وجه الأرض أن يمنعه
الحقد والغيرة والكراهية والنفاق والتفاخر والكبرياء ، كل هذه المظاهر هي ما تنعكس في وقت ما في المرايا والتي نعتقد أنها ليست بداخلنا
كل هذه الأمور التي جعلت قابيل يقتل أخيه هابيل ، وجعلت من اخت هدي افعي تريد أن تبث وتنفس السم في وجهها لكي تشوهه ، كل هذه الأمور تجعلني اشعر بعد الراحة بعد قراءة هذه القصة
وحين نتقابل في قصة أخري لكم مني خالص التحية
كان معكم دكتور أنور مختار ...
تمت .

أنت تقرأ
حكايات أنور مختار
Terrorدكتور أنور مختار ، باحث في تراث الرعب القديم مثله الاعلي دكتور رفعت اسماعيل وعشقه أن يصبح مثله وفي سن الأربعين تتحول حياته رأساً علي عقب فيتوعد له الشيطان يونليس بأربعين لعنة ليواجه أشياء كثيرة بين الواقع والخيال ** أحداث الرواية متسلسلة **