أمل حياتي ٢

98 4 0
                                    

#أمل_حياتي_٢

انهمرت دموع أمل كموج البحر عند استعادتها لتلك الذكريات المؤلمة فما كان منها إلا أن نهضت من مكانها لتقترب أكثر منه حتي لمست قدماها مياهه ووقفت شاردة تنظر للموج أمامها وكأنها تري فيه وجه صغيرها الذي أدمي فراقه قلبها، وقفت تتطلع للبحر أمامها وكأنها تتوسل له أن يعيد إليها ملاكها ونصف قلبها الذي خطفه منها منذ أكثر من عشر سنوات.

جلست أمل علي الشاطئ تبكي وهي تتذكر كيف قررت أن تأخذ وحيدتها وتهرب من حياتها وذكرياتها في المنصورة لتستقر في القاهرة بعيدا عن كل ما يمكن أن يعيد إليها ذكري ذلك اليوم المشئوم. هربت وتركت خلفها كل ما يحمل رائحة مروان وخاصة عزيز الذي تركته وحيدا في منزلهما بالمنصورة رافضة أن يجمعها به مكان بعد ما تسبب به.

انتقلت أمل للعيش في القاهرة ونجحت في الحصول علي فرصة عمل كمدرسة للغة الفرنسية بإحدي المدارس العريقة التي ألحقت رغدة بها ليستقر بهما الحال بالمدينة الجديدة بعد أن قررت ألا تسعي للطلاق من عزيز خوفا علي استقرار صغيرتها النفسي و حرصا منها علي عدم حرمانها  منه مثل ما حرمت هي من أبيها في طفولتها خاصة وأنه لايزال علي قيد الحياة والقرار بيدها وحدها. اختارت أمل أن تبقي زوجة لعزيز ولو علي الورق فقط من أجل ابنتها لعل الله يغير ما بالقلوب يوما ما فأخبرت كل من حولها في مسكنها الجديد وعملها أن زوجها يعمل بالخارج ويأتي في إجازات سنوية وقد حصلت علي فرصة عمل بالقاهرة فتركت المنصورة، ولهذا السبب تقيم وحدها مع ابنتها حتي عودة زوجها.

كفكفت أمل دموعها قبل أن تنهض لتلقي نظرة وداع علي مثوي ابنها الأخير، وقفت تنظر للبحر وهي تتمني لو تستطيع اللحاق به أو أن تحدث المعجزة وتراه قادما لتدرك وقتها أن كل ما مر بها لم يكن إلا كابوسا مزعجا. لم تنس أن تخبره بكل جديد في حياتها هي وابنتها كعادتها كل عام، أخبرته أن رغدة علي وشك أن تبدأ عامها الأخير بالجامعة وأنها تنتظر يوم تخرجها بفارغ الصبر، بكت وهي تتذكر كم كانت تتمني أن يلتحق بكلية الشرطة وتراه ببدلته العسكرية في أول إجازة له لكن القدر كان له خططا أخري. وضعت أمل يدها علي وجهها لتقرأ الفاتحة علي روح مروان قبل أن ترسل له قبلة أخيرة وتستدير لتعود من حيث أتت.

وصل قطار الساعة السادسة والنصف القادم من الإسكندرية محطة مصر لتجد أمل رغدة في انتظارها لتبتسم ابتسامتها الحنون قبل أن تسيل دموعها ثانية لتضمها رغدة قائلة

- لسه متعودتيش علي غيابه يا ماما؟
- ولا عمري هتعود يا رغدة، ده حتة من قلبي وراحت. أنا من يوم ما خلفتكم بقيت نصين، نص انتي ونص هو ولما هو راح مني راح مني نص قلبي ونص روحي ونص اتزاني. الضنا غالي اوي يا حبيبتي، اوي ربنا ما يحكم عليكي.

ضمتها رغدة بقوة وهي تجاهد لتمنع دموعها وتبدو متماسكة أمام امها التي تعرف جيدا كم عانت بعد فراق أخيها و كم تبكيه حتي الآن. ربتت رغدة علي كتف أمها قائلة

- طيب يلا بينا يا ماما
- يلا يا حبيبتي

رغدة، تلك الجميلة التي ورثت عن أمها جمالها الملائكي ولون عيناها وحزنهما. تخرجت رغدة من احدي أعرق مدارس الراهبات والتحقت بكلية الصيدلة لتتفوق بها ويصبح بينها وبين التعيين بها خطوة، خطوة هي تلك السنة النهائية التي كانت علي وشك البداية.

ما أن جلست رغدة بجانب أمها في سيارتهما الصغيرة حتي نظرت لها بعينين دامعتين قائلة

- ماما
- أيوة يا رغدة
- بابا كلمني النهاردة
- طيب كويس، هو عامل ايه؟
- كويس الحمد لله وسأل عليكي
- خير، عايز حاجة؟
- لا كان بيطمن عادي وكان بيقولي ماما راحت اسكندرية قولتله أيوة بس صوته تعبان
- تعبان ازاي يا رغدة؟
- مش عارفة بس سألته قال مفيش حاجة
- حاضر يا رغدة، هكلم كاميليا بكرة تعدي عليه وتطمن عليه وتكلمنا. مش ده اللي كنتي هتقوليه؟
- تسلميلي يا ماما، ربنا ما يحرمني منك
- ولا يحرمني منك يا حبيبة ماما ولو عايزة تسافري بنفسك معنديش  مانع انتي عارفة
- معنديش وقت للاسف عشان الكلية علي الابواب فهستني اشوف طنط كاميليا هتقول ايه.
- خلاص زي ما تحبي.

نظرت أمل من نافذة سيارتها وهي شاردة قبل أن تسمع رغدة تناديها

- ماما
- أيوة يا روحي
- علي فكرة مروان وحشني اوي انا كمان،كان نفسي يكون معايا كانت حاجات كتير هتتغير وحياتنا كانت هتبقي أحلي انا وانتي وبابا.

لم تستطع رغدة أن تمنع دموعها اكثر من ذلك لتطلق لها العنان وهي تجاهد لتقول من بينها

- الله يرحمك يا مروان، الله يرحمك.
#يسرا_عمر

أمل حياتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن