أمل حياتي ٣

111 4 0
                                    

#أمل_حياتي_٣

في شرفة بإحدي البنايات المطلة علي شارع منشية البكري من احد شوارعه الجانبية جلس اللواء فريد كعادته بعد صلاة المغرب يتناول فنجان قهوته اليومي وهو يقرأ كتابا ويتطلع الي الشارع بين الحين والآخر شاردا ينتظر ظهورها حتي يطمئن لعودتها ويهدأ قلبه لقربها.

فريد الغزالي، لواء سابق بالقوات المسلحة، ولد لأسرة متوسطة الحال لأب وأم قدما من احدي مدن الصعيد ليسكنا القاهرة حيث فرص العمل الكثيرة. نشأ فريد نشأة تتميز بالصرامة والحزم وقد التحق بالكلية الحربية تلبية لرغبة أبيه كما تزوج من ابنة خالته فور تخرجه تلبية لرغبته ايضا.

تزوج فريد من ناهد، ابنة خالته ذات الجمال المتوسط طالبة الحقوق بعد محاولات مضنية منه في رفض تلك الزيجة ولكنه رضخ اخيرا بعد أن هدده أباه بمقاطعته والغضب عليه إن لم ينفذ رغبته. تزوجها فريد وهو لا يشعر تجاهها بأية مشاعر مميزة لا حب ولا كره، فقط يشعر بظلم أبيه لها وله فقد حكم عليه أن يحيا مع امرأة لا يستطيع منحها ما تحتاجه من حب وهو ما كانت هي تعيه جيدا منذ ليلتهما الأولي معا ولكنه ظل حريصا علي بقاء المودة والرحمة بينهما تنفيذا لتعاليم ربه.

حملت ناهد في مولودهما الأول والوحيد بعد عام من زواجهما وقد ظن فريد أن وجود طفلا قد يقرب المسافات بينه وبين زوجته ولكن بولادة عادل اكتشف فريد خطأ ما ظنه، بعدت زوجته عنه أكثر وكأنها بوجود عادل قد وجدت عذرا لتجاهله.  شعرت ناهد انها كزوجة لرجل صعيدي الأصل قد أدت واجبها الاهم في تلك الزيجة وهو ولادة ذكر يخلد اسم أبيه، خاصة وأن فريد لا يكن لها أية مشاعر تشعرها انها زوجته حقا، فقررت أن تهب للمولود كل ايامها التالية وكأن لا وجود لأبيه بحياتها.

مرت أيام فريد مابين عمله صباحا ومنزله وعادل مساء حتي ذلك اليوم الذي استيقظ فيه صباحا ليجد ناهد علي عكس المعتاد نائمة بجواره لم تستيقظ قبله ولا استيقظ عادل استعدادا للذهاب لمدرسته. نهض فريد فزعا ينادي ناهد حتي تسرع لايقاظ عادل ولكنها لم تجبه لأول مرة منذ تزوجها، اقترب منها فريد وكرر النداء ولكن لا مجيب ليقترب أكثر ويدفعها برفق علها تستيقظ ولكنها كانت قد غادرت دنياه إلي الأبد إثر سكتة قلبية وفق ما أخبره به طبيب المستشفي التي حملها اليها بعد أن باءت كل محاولاته لايقاظها بالفشل.

بكي فريد لأول مرة بحياته يوم رحلت ناهد، بكي بين ذراعي عادل وكأنه يعتذر له عن عدم قدرته منح امه مشاعر تتوق لها كل إناث الأرض. بكي حرمانها ما حرم هو ذاته منه ولم يستطع ابدا الشعور به، بكي ظلم والده لهما يوم قرر زواجه منها. بكاها كثيرا ولكن لأن القلوب لا تسير وفق هوي أصحابها فلم يشعر قط أنه ظلمها فهو وهي ضحايا قرار والده واصراره علي تنفيذه.

استمر الحال بفريد وعادل بعد رحيل ناهد كما اعتادا دائما، عادل في مدرسته وفريد في عمله صباحا وفي المساء في المنزل أو في النادي لمتابعة تدريبات عادل بالسباحة. كان عادل متفوقا في دراسته وموهوبا في رياضته فكان مصدر فخر دائم لوالده الذي حرص أن يتركه دائما يسلك الطريق الذي يختاره لحياته.
حرص فريد ألا يكرر ما فعله والده به مع وحيده، كان دائم الحوار معه حتي أنه لم يكن ليخجل من تغير رأيه في أمر ما وفق رأي أو نصيحة من عادل الذي لم يتجاوز عمره الرابعة عشر. كان يريده دائما أن يحيا حياة من اختياره هو حتي لا يقع لومه علي أحد سواه إن أخطأ يوما ما.

ظلت حياة فريد خاوية لا يوجد بها سوي عادل وعمله فقط حتي ظهرت تلك الجارة الجميلة الغامضة منذ أكثر من عشر سنوات لتسكن احدي شقق الدور الثالث بنفس العقار. لم ينس فريد يوم رآها للمرة الاولي وهي واقفة تنتظر المصعد مع صغيرتها وهو عائد من عمله

- سلام عليكم
- عليكم السلام ورحمة الله

ردت عليه أمل التحية وهي تلتفتت لتجد ذلك الرجل المهيب ذو البدلة العسكرية صارم الملامح يقف خلفها مبتسما بوقار وقد خفض عينيه فور التفاتها له احتراما لها. وصل المصعد ليفتح فريد بابه قائلا

- اتفضلي
- ميرسي

ابتسمت أمل ابتسامة شكر وهي تمسك بيد ابنتها لتدخل المصعد قبل أن يغلق فريد الباب خلفها فمازال رغم نشأته بالقاهرة يحمل بداخله حدود الرجل الصعيدي ولذلك فليس من الاحترام أن يصعد معها بنفس المصعد وحدهما. ضغطت أمل علي الزر الذي يحمل رقم ٣ ووقف فريد مبتسما يتابع لوحة المفاتيح أمام المصعد ليعرف الي اين صعدت ذات العيون الزرقاء والوجه الملائكي قبل أن ينادي حارس العقار ليسأله من تكون تلك التي سكنت قلبه واستحوذت علي تركيزه من اول نظرة...

#يسرا_عمر

أمل حياتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن