الفصل التاسع (الجزء الأول)

3K 127 17
                                    

الفصل التاسع

(الجزء الأول)

نسيت النوم وأحلامه نسيت لياليه وأيامه

بعيد عنك حياتي عذاب ما تبعدنيش بعيد عنك

ماليش غير الدموع أحباب معاها بعيش بعيد عنك

غَلبني الشوق وغلبّنى وليل البعد ذوّبنى

ومهما البعد حيّرني ومهما السهد سهّرني

لا طول بعدك يغيرني ولا الأيام بتبعدنى

كنت بشتاق لك وأنا وأنت هنا..بيني وبينك خطوتين

شوف بقينا ازاى أنا فين يا حبيبي و انت فين

والعمل إيه العمل ماتقوللى اعمل إيه

والأمل إنت الأمل تحرمني منك ليه

يعقوب..

شعر وكأن يد ضخمة تسحبه بعنف داخل دوامة من السواد، سواد الماضي والذكريات المؤلمة التي حاربها طويلاً...

كان رجلاً يحاول الهروب من أشباح الألم والفراق في بلده، فألقى نفسه في التهلكة مباشرة، اتصل بذلك اللواء الذي رغب في انضمامه لمشروع قوات حفظ السلام، وهناك تعرف على رجال مثله باختلاف الغايات، منهم من كان يهرب من أشباح في بلده ومنهم من كان غايته أسمى من ذلك ورغب في مساعدة الغير في مناطق الحرب.

كان في فرقة صغيرة من عشرة رجال مهمتهم الحفاظ على أمن المنشآت المدنية في مناطق الحرب، وأغلبها كان مستشفيات وبعضها كان مدارس، وسرعان ما ذاع صيته بين جميع الفرق المختلفة لحدة بصره الغريبة وقناصته التي قتلت الكثير من أهم رجال المجرمين، حتى أطلقوا عليه لقب اليمام، وأصبح مطلوباً من جميع الجهات، بعضها يريد استعمال قوته والبعض يريد إنهاء حياته.

يتذكر جيداً المهمة الأخيرة التي وكلوا بها، كانت في قرية حدودية أثخنتها الجراح والقنابل حتى فر معظم أهلها، وكانت مسؤوليتهم مدرسة صغيرة عبارة عن مبنى متهالك وهناك قابله للمرة الأولى...

الأستاذ عبدالله السالم الحويني.

رجل رائع يعد عملة نادرة في هذا الزمن .. ظل متماسكا ورفض أن يترك بيته وأرضه

كان متوسط الطول وأشيب الرأس مع نظارة سوداء عريضة وملامح تعكس طيبة بالغة وابتسامة راضية لا تنمحي عن وجهه، ورغم أن القرية لم يبقى فيها سوى عدد أُسر يدرك باليد الواحدة، لكنه ظل يفتح باب المدرسة الصغيرة كل يوم.. يأتيه طفلين أو ثلاثة ولا يتعدون الخمسة، فيقف بصلابة يشرح لهم ويعلمهم، وقد كان رجل عبارة عن بحر من العلم، ولا يضنى على أحد قط بعلمه حتى هم، فقد كان يسامرهم ليلاً حول النار مع كؤوس الشاي ويقص عليهم القصص والعلوم المختلفة، وأهداهم كتاباً عزيزة على قلبه، ورغم فقره إلا أنه كان رجلاً كريماً أصر يوماً أن يدعوهم جميعا لطعام أعدته ابنته، وتفاخر لهم أن ابنته بارعة في الطبخ وخاصة "البامية"، وأدرك يعقوب فيما بعد أن الرجل لا يكذب فعلاً.

قلبه الأعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن