الفصل السابع عشر

5.9K 139 37
                                    

(الفصل السابع عشر)

عيني عيني على العاشقين
حيارى مظلومين
عالصبر مش قادرين
ما أقدرتش أصبر يوم على بعده
ده الصبر عايز صبر لوحده
ما أقدرش على بعد حبيبي...

رؤية
كمن سرق شيئاً ويخشى القبض عليه تسللت رؤية على أطراف أصابعها لداخل المنزل الهادئ، صباحاً فرت منه بشكل مغزي أمام المقابر وقد رفضت عرضه أن يوصلها للمطعم بعدما تحججت بخطبة سو كي تهرب.
ويبدو أن خطتها نجحت لليوم..
أخيراً عندما ظنت أن المكان خالي من وجود يعقوب أخرجت الصعداء من صدرها، لكن حدسها جعلها تلتفت للخلف وقد أحست بعين منصبة عليها، وبالفعل وجدته يقف خلفها تماما بوجهه المغلق، فصرخت وهي تضرب على صدرها المفزوع:
-بسم الله.
لم يهتم أنه كاد يميتها من الفزع وبدلاً من ذلك دمدم يسألها بحدة:
-أين كنتِ حتى الآن؟
لهثت وما زالت تشعر بدقات قلبها تعدو كعدو الخيل، فصرخت:
-أفزعتني.
ثم نفضت عنها الفزع وبدلاً من هذا صاحت بحنق من عدم ندمه عن فعلته:
-ألن تترك عادتك تلك في التسلل من خلفي وأخافتي؟
لكنه لم يزعن لمحاولاتها العقيمة لتبديل الموضوع كعادتها، بل قال بإصرار رجولي مقيت لا يتزحرح:
-لم تجيبي.
زفرت بغضب ثم رمقته وهي تهدر مجيبة على مضض:
-لقد أخبرتك صباحاً، لقد كنت في المطعم.
رفع حاجبيه تعجباً من أسفل نظارته السوداء:
-حتى الآن؟
أنه محق، فهي لا تتأخر عادة في المطعم حتى هذا الوقت لأن ليس لهم حاجة بها إلا صباحاً، لكن يمكن القول أنها ماطلت اليوم بعد الاحتفال بسو حتى .. حتى ... حتى ..
تتهرب منه!
نطقت روحها بالحقيقة التي حاولت مدارتها منذ الأمس، لكنها لأول مرة تخشى مواجهة أحد، بل التعبير الأصح هو "تخجل"، أشاحت بعينها المرتبكة بعيداً عن وجهه وقد تصاعدت السخونة على وجهها هي بينما تهتف لتداري شتاتها الداخلي:
-أنه عمل ليس لعب.
تسلل نحوها بخطوات رشيقة جعلت رؤية تشعر كأنها فأر تم رصده من قبل قط جائع فأتت الكلمات متلعثمة متعثرة على طرف فمها بينما رأسها تلتف يمنة ويسرة:
-سـ.. سأذهب لأعد العشاء.. لابد أنك جائع.. هل غادر معاذ؟
تقبل فيضانها المرتبك بابتسامة متسعة وقد وصل أمامها أخيراً ليأسر خصرها بكفه وبالثاني أغلق عليها معبر الهروب من الاتجاه الآخر وهو يهمس لها بحميمية:
-أتركك من الطعام.. وأتركك من معاذ وانتبهي لوالد معاذ.
مفزوعة .. متصلبة الجسد .. متسعة العينين وهي تنظر نحوه ولمسته على خصرها وأنفاسه الساخنة فوقها أعادت لها تلك الموجة من الحرارة الممتزجة بمشاعر جديدة عليها:
-هناك حديث هربتي قبل أن نتحدثه صباحاً.
همس بالقرب من وجهها فحاولت التحدث بطريقة طبيعية صلبة لكن صوتها خانها في آخر خطوة وخرج مع نفس مرتعش:
-أي حديث؟ ومتى هربت؟
تسلل بأصبعه نحو حافة شعرها ليخرج خصلة من خصلاتها الثقيلة ومررها حول سبابته
-سأذكرك.. لكن يجب أولاً أن نتتبع ذات الخطوات مرة أخرى.
ودون مقدمات جذبها نحوه بقوة كاتماً أي اعتراض لفظي أو جسدي قد تبديه.
....
سو....
في مطعم بنات السعد، كانت سو تجلس على طاولتها المعتادة في الحديقة المشمسة وقد كانت شبه مكتب رسمي لها تعقد عليه الحسابات والمراجعات المالية مع الفتيات كل يوم، لكن هذه المرة لم تكن أمامها كشوف حسابات، وبدلاً من ذلك كانت تفتح مفكرتها الخاصة وقد امتلأت بطلاسم وخربشات بينما يبدو على العذاب وهي تضع سماعات الأذن لتشاهد فيديو ما بعين مرتعبة ويدها المرتجفة تحاول أن تدون الملاحظات والخطوات الصعبة جدا بالنسبة لها، بينما جانبها هاتفها يصدر أصوات متتالية تدل على رسائل متتابعة.
زفرت بقوة وهي تنزع سماعاتها وتطلع على هاتفها الذي لم يصمت منذ الأمس، والمرسل شخص واحد.. خطيبها .. حكيم الآسر..
-يكفي.. يكفي.
هتفت زافرة بينما تضغط على الشاشة بعصبية لتعرض لها الرسائل، ركضت عيناها بسرعة على المحتوى قبل أن ترفع وجهها المعذب نحو رواء التي تخدم إحدى الطاولات جوارها وهتفت:
-بحق الله ماذا يكون الفريك؟
بصعوبة كتمت ابتسامتها المتسلية احتراماً لمعضلة سو، ثم أخبرتها بشقاوة وهي تهز كتفها:
-أنتِ من جنيتي على نفسك بيديك.
بسخط أجابتها:
-لقد أغاظني!
ثم أوقعت رأسها على الطاولة مدمدمة بمحنة:
-اللعنة عليّ أنا من تفاخرت وأخبرته أن يطلب ما يشاء.
أتت ياقوت من داخل المطعم وقد حملت رضيعتها النائمة بعدما أنهت رضاعتها وجاورت سو قائلة بسعادة:
-في الحقيقة لم أرى عمي من قبل سعيد هكذا.
ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي سو وهي تداعب صورته التي تملأ شاشة هاتفها وقد ألتقطتها له خلسة:
-ليس بمفرده.
انضمت لهم رواء في استراحة قصيرة من العمل وهي تسألها بجدية:
-هل أنتِ حقا تريدين أن تستمر الخطبة عاماً؟
هتفت سو بسرعة:
-بالطبع لا (ثم ابتسمت هذه المرة بمكر) لكن يمكنك القول أنني أتسلى قليلا.
حذرتها ياقوت وهي تتقبل عرض رواء لطبق من البسكويت:
-لا أظن الأمر كذلك معه، فعمي يأخذ الموضوع على محمل الجد، كان متكدراً طوال سهرتنا بالأمس حتى سليمان لاحظ ذلك.
سألتها سو باهتمام:
-هل بات بالأمس عندك؟
أجابت ياقوت وهي تُعدل جسد ابنتها على كتفها بينما تتلذذ بطعم بسكويت رواء:
-أجل، لم يحب أن يبيت في المنزل مع أعمال البناء هناك، أصررت أن يأتي عمي صفوان أيضاً لكنه رفض لأن حجرته كما هي.
تدخلت رواء متسائلة بفضول:
-قررتم تحويل الطابق العلوي لجناح واحد، أليس كذلك؟
استسلمت سو وأبعدت مفكرتها وسمعاتها جانباً وبدلاً من هذا اختارت التمتع بالسكويت معهم وهي تجيب بهمهمة صغيرة:
-أجل، اتفقت مع حكيم أن يبقى الدور السفلي كما هو من أجل صفوان، سنعيد تصميم الدور العلوي فقط.
-لا أظن أن عمي صفوان سيرضى بهذا، بالتأكيد سيصر على الانتقال لمنزله.
بفضول واهتمام لم تستطع منعه سألتها رواء بصدمة من هذه المعلومة الجديدة:
-يملك صفوان منزلاً؟
-أجل، كان قد أشتراه حينما خطب خالتي منذ سنوات طويلة، ومازال يدفع أقساطه منذ ذلك الحين.
تهدلت ملامح رواء عند ذكر تلك المرأة التي نجحت فيما فشلت فيه هي .. جذب اهتمام صفوان.. أخرجت تنهيدة ناعمة بينما ياقوت لكزت سو مشيرة للفاصل الزجاجي بين الحديقة وداخل المطعم:
-ها هي منقذتك قد أتت.
ولم تكن تلك سوى رؤية التي أخذت تبحث عنهم، فصاحت سو بابتهاج:
-رؤية.
اتجهت تلك الأخيرة نحوه مستغربة من ذلك الاستقبال الغير معتاد فقالت بتوجس:
-ما هذا؟ أنها المرة الأولى التي تحفلون بقدومي هكذا.
أمسكت سو بكفها كأنها قشة الغريق وسألتها بأمل:
-هل تعرفين شيء يدعى الفريك؟
أومأت بخفة وقالت متفاخرة:
-أها، الفريكة.. طبعاً.. من لم يذق فريكة رؤية لم يذق فريكة.
أسرعت سو تهز كفها مترجية:
-أرجوكِ أنقذيني
..........
مساءاً في بيت سو..
لم تعلم سو أنها ستندم على الاستنجاد برؤية، فقد اكتشفت أن تلك الأخيرة معلمة صارمة، أقرب للأم الحانقة لفشل ابنتها، وقد بقيت تصرخ فوق رأسها صباحاً عندما أيقنت أن أُسس أساسيات الطبخ معدومة عند سو، وتطلب منها خلال ساعات قليلة تحقيق المستحيل وجعلها تطبخ كل تلك الأصناف الصعبة ببراعة.
في النهاية صرخت عليها رؤية وأخبرتها أنها حالة مستعصية مستحيل أن تنجح يوماً، وبذلك وجدت سو نفسها مضطرة أن تعتمد على ذاتها اعتماد شبه كلي بالاستعانة بجهود أمها التي لم تكن بأحسن منها، وبعد نهار شاق استطاعت طبخ صنف واحد فقط والباقي طلبته جاهزاً.. وجاءت الآن لحظة النتيجة.
تعلقت عيناها بحكيم الذي جلس الآن جانبها حول المائدة مع والديها ورفع أول ملعقة من الطعام لفمه، بدأ يستغيثها ببطء ثم ابتلعها ببطء أكثر وكحة صغيرة تخرج منه، سألته بتلهف:
-ها؟.. هل طعمه جيد؟
ازدرد حكيم ريقه وهو يجيبها باختناق:
-ممتاز.
هتفت بعدم تصديق:
-حقاً؟
أومأ بخفة وقال بحذر كي لا يؤذي مشاعرها:
-أجل، فقط قللي الملح قليلاً المرة القادمة.
بعدم تصديق وتوجس نظر أباها للطبق أمامها ليتشجع ويتذوق هو أيضا، لكن بمجرد أن استغاث الطعام بصقه هادراً:
-ليست هذه النصيحة التي يجب أن تخبرها بها، يجب أن تخبرها أن لا تكرر التجربة مرة أخرى.
هتفت سو بحنق:
-أبي!
بالتأكيد أباها يبالغ في ردة فعله، فكرت وهي تتحداه لتتذوق هي أيضا، حسنا هو لم يكن مالح فقط بل أكثر من ذلك، بصقته سريعاً ثم نظرت بحرج لحكيم الذي حاول تخفيف حرجها:
-لا بأس، أنا طباخ فاشل أيضا.
هتفت أمها وهي تصفق بيديها:
-لحسن الحظ قد أخذت احتياطاتي.
ثم أسرعت نحو المطبخ وأتت ببعض الأصناف التي طلبتها احتياطاً والذي كان بالطبع طعام طبيعي مقارنة بما طهته، وأثناء أنشغال والديها بالطعام انحنى نحوها وهمس بتشفي:
-لقد خسرتي التحدي.
رفضت الاعتراف بتكبر:
-لا أحب أن أسميها خسارة، أممم ربما كبوة.
ابتسم بلمعة مكر في عينه جعلته أصغر سناً بالنسبة لها بينما يغيظها:
-قولي وداعاً لفكرة سنة للخطبة.
ترفعت عن الإجابة عليه وقد اتخذت الصمت المتكبر إجابة على تنمره هو والدها عليها طوال المتبقي من الأمسية حتى أخيراً بدلت أمها الموضوع لآخر وهم يحتسون الشاي:
-متى من المفترض أن تنتهي أعمال البناء؟
-خلال أقل من أسبوع بإذن الله.
هتفت شاهيناز بفرحة وهي تغيب في إحدى نوباتها الجنونية فيما يخص الأمور النسائية:
-جيد، أعرف عدة مهندسي ديكور عملهم رائع ، لدي بالفعل أفكار عظيمة للبيت.
أرسلت سو نظرة اعتذار له حول تصرفات أمها، فأومأ لها أن لا تقلق وأنه متفهم، بينما أمها تتابع سرد قرارتها:
-أفكر أن توسع الصالة بالأسفل لتكون مفتوحة على الحديقة.. هذا الأسلوب رائج الآن في فرنسا.
هنا تصلب وجه حكيم ووضع عنه فنجانه بينما يخبرها بصلابة:
-لا يوجد لدي أي مشكلة في فعل ما تريدين في الدور العلوي سيدتي، لكن السفلي سيبقى كما هو، فيوجد حجرة أخي صفوان، والحجرات الباقية ستكون لأجل مبيت من سيأتي من أخوتي.
هتفت شاهيناز بصدمة:
-هل أخاك سيسكن معكم؟
نظر حكيم لسو المرتبكة بينما يجيب أمها بنبرة عدم قابلية للنقاش:
-أجل، ولم يكن هناك اعتراض عند سو سيدة شاهيناز.
رمقتها أمها بقوة معنفة أنها وافقت على أمر كهذا، ثم قالت بترفع:
-أظن أن رأينا مهم بقدر رأيها سيد حكيم.
حاول والدها التدخل ليلطف الأمر:
-شاهيناز.. لنترك هذا الأمر لهما.
هتفت رافضة بعنادها المعروف:
-لا، لن أقبل أبداً بوضع كهذا، يجب أن يكون لابنتي بيتها الخاص.
أسود وجه حكيم تماماً وأدركت سو بخبرتها معه معنى هذا، لذا تجنباً لصدام حاد سيقلب الختام الجيد لليلة هتفت سو توقف النقاش:
-أمي.. لمَ لا نأجل الحديث في هذا الأمر لما بعد؟
..........
لهثت نورهان وهي تنقل صندوق آخر ثقيل بصعوبة، اللعنة كانت قد نسيت مصاعب الانتقال من بيت لآخر بمفردها..
مسحت العرق الغزير عن جبينها وهي تتأمل الأشياء المبعثرة حولها والتي ما تزال تحتاج عمل كثير وشاق.
-"يا إلهي"
هتفت وهي تجلس على إحدى الصناديق لبعض الراحة لكن رنين الجرس معلناً وصول دفعة أخرى من الأشياء مع حارس المبنى جعلها تتنهد بقوة قبل أن تنهض متثاقلة لهناك.
لكن من كان أمام بابها لم يكن الحارس بكل تأكيد:
-علاء!
هتفت بصدمة، فقال بتصميم بالغ لم تره فيه من قبل:
-يجب أن نتحدث.
نظرت خلفه بتعجب، فبعدما حدث بقيت طوال الليل تبكي وتندب سوء حظها ثم بمجرد أن أشرقت الشمس كانت قد عزمت أمرها، توجهت مباشرة للشركة حيث قدمت استقالتها دون ذكر أي سبب ثم تحدثت مع سمسار ما لأجل بيت آخر .. باعت كل شيء.. وتخلت عن كل ما تملك.. فقط أرادت أن تبتعد قدر الإمكان عن علاء فيكفي ما أفسدته في حياته.
-كيف عرفت مكاني؟
سألته بصدمة، فابتسم بلا معنى وهو يجيبها:
-خدمة صغيرة من سو.
قاطعهما صوت الحارس الغليظ من خلف كتف علاء:
-ها هي أشيائك يا سيدتي.
التف كلاهما له ليرمقهما بتلك النظرات المتشككة التي شعرت بها نورهان وكأنه شوك مؤلم يضرب جلدها، تلك النظرة اللعينة من الأحكام المسبقة :
-حسنا شكراً لك.
وضع الصندوق قبل أن يبتعد وما زال يرمقهم بتوجس، وعندما غادرت قالت نورهان بقلق:
-لا يمكننا الحديث هنا.. لا أريد أن أكرر خطئي.
أومأ موافقاً على قولها ثم اتفقا أن يتقابلا في مقهى قريب، وبعد أقل من عشرة دقائق لحقت به لهناك حيث جلساً متقابلان وأمام كل منهما مشروب مهمل:
-لقد عرفت أنك خطبت ندى، مبارك.
قالت بنبرة ظهر الضيق واضحاً فيها رغم أنها كانت تحارب نفسها كي لا تظهر مدى غيرتها، فأخبرها علاء وهو يعدل نظارته:
-أنا لم أخطب ندى.. لقد خطبت امرأة واحدة فقط في حياتي.
عبست من المعنى المخفي وراء كلماته ولم يخفي عنها تلك الحلقة الفضية التي تزين كفه، لذا سألته بروح منهكة:
-ماذا تريد علاء؟
دس يده في جيبه ليخرج علبة حمراء وهو يخبرها:
-لا أريد شيء، لكن الحاجة فايزة أرسلتني لهنا وأخبرتني ألا أعود إلا وهذا الخاتم حول أصبعك.
وفتح العلبة ليكشف عن خاتم ذهبي رقيق، نقلت نورهان نظرة ضياع بين وجه علاء المصمم وبين الذهب المصمت، لتسأله بتقطع:
-الحاجة فايزة قالت هذا؟
ترك علاء العلبة جانباً واستبدلها بكفها ليخبرها بصدق:
-أنا آسف..
وعندما ظهر عدم الفهم على ملامحها غمغم:
-آسف لكل ما جعلتك تمري به، واضطرارك أن تشعري أنك أقل من المطلوب.
اتسعت عيني نورهان بعدم تصديق أنها الآن تسمع تلك الكلمات التي حلمت أن تسمعها طويلاً، بل زادها علاء من الشعر بيتاً وهو يخرج الخاتم الرائع ويرفعه نحوها:
-أتيت اليوم وأنا آمل أنكِ حقاً ما زالتِ تملكين بعض من الشفقة والطيبة كي تمنحي جباناً مثلي فرصة أخرى.
-هل تمزح معي؟
هتفت وهي لا تصدق أنه الآن يترجاها لأجل فرصة ثانية وظن علاء أنها تسأل بجدية فهز رأسه نافياً أي مزاح عن كلامه:
-لا أبداً..
تمتمت بتردد:
-لكنك.. كنت تتمنى الانفصال عني .
فهتف بحرارة نادمة:
-أحمق.. أنا أحمق كبير.
التقطت منه الخاتم الرفيع وتأملته للحظة كانت دهراً بالنسبه له، مررته عبر أصبعها لاتابع تأمله كأن الإجابة ليست واضحة من كل جوانب روحها.. وأخيراً أراحت روحه المتلهفة وهي تقول مدعية عدم الاهتمام:
-أحب هذا الخاتم حقاً.
ناظرها بعدم تصديق بينما هي غردت بسعادة رافعة كفها المزين بصك ملكيته فقال بافتنان مغلوب على أمره:
-وأنا أحبك أنتِ.
صدمتها وهي تنهض لتسرع مرتمية على احضانه في حركة جذبت أنظار من حولهم فهمس بتحرج:
-نورهان الناس ينظرون.
هزت كتفها بعدم اهتمام:
-لينظروا.
ومرمغت وجهها في صلابة صدره تتمتع بشعور من الأمان والحب الذي حلمت به لسنوات طويلة.
.......
حكيم...
بعد عدة شهور...
تخبط الموظفين في بعضهم مثل الدجاج الهارب من أمام ثور غاضب، وهذا الثور لم يكن سوى حكيم، الذي منذ بدء يوم العمل وهو يتصيد الأخطاء للجميع، مما جعلهم يتحاشونه لليوم.
بعيداً عن هذا كانت نورهان غارقة في عالمها الخاص، مع تغير جديد في هيئتها بداية من شعرها، الذي تركت دون قص فاستطال حتى خصرها، ونهاية بملبسها المتصف بالحشمة، جلست على مكتبها بينما عيناها تتهادى نحو الفاصل الزجاجي لتتبع بوله تحركات علاء الغافل عن كل هذا.
أخرجت تنهيدة حارة هامسة لنفسها:
-أليس وسيماً؟
-أستاذة نورهان.
انتفضت من حالتها على الصوت الصارم من خلفها والذي لم يكن سوى لحكيم، ووقف الأخير بملامح صارمة متجهمة عكس عادته، فازدردت ريقها وهي تهمس بذعر:
-سيد حكيم.
سألها بضيق وعدم صبر:
-أين حسابات الأمس؟
اتسعت عيناها وشعرت بخيط من العرق يداعب ظهرها بينما نظراتها الهلعة تدور في المكان:
-حسابات.. أنا.. ألم أسلمـ.. ها؟
هدر فيها بشكل جعلها تتفزز:
-أريد الملفات الآن.. على مكتبي!
ثم التف دون أن ينتظر منها إجابة وتابع سيره نحو ضحية جديدة من موظفيه، أنهارت على الكرسي زافرة بقوة.
لم تلاحظ خروج علاء وقد استغل سلطتها لينهر الجميع بنظرة كي يلتفتوا لعملهم بينما يقترب لينحني على مكتبها متسائلاً:
-هل صرخ حكيم في وجهك للتو؟
أومأت بذهول، فتنهد بحنق:
-يبدو أن الأمر جاد فقد صرخ في وجهي قبلك.
نظرت له نظرة تآمر بينما تخرج هاتفها:
-سأتصل بسو لأستفسر عن الأمر.
-رجاءاً، فأشك أن اليوم لن ينتهي قبل أن يطرد حكيم الآسر نصف العمال لدينا.
مد يده لها بتصميم رجل على مهمة انتحارية:
-أعطيني الملفات سأسلمها له بنفسي.
بعزيمة طرق علاء على باب حكيم قبل أن يدلف فوجد هذا الأخير يجلس باكتئاب بذقن مهملة وشعر مبعثر، اقترب يخبره:
-هذه الحسابات التي طلبتها من نورهان.
أشار حكيم بطرف ذقنه بعدم اهتمام:
-ضعها هنا.
وضع علاء الملفات جانباً ليتخذ له مقعداً بينما يسأل بحذر يخمن سبب تلك الحالة:
-إذا مشكلة مع سو؟
دمدم:
-أمها.
أجاب الإجابة التي توقعها علاء، وقد عرف لمحات عن مشاكل صديقه المتتالية مع حماته التي تصر على التدخل في كل شيء بطريقة مقيتة، وكان حكيم يتجاوز عن تلك الأمور بصدر رحب وصبر إلا أمر واحد:
-بخصوص المنزل؟
أومأ حكيم فتنهد علاء بضيق من تلك المعضلة:
-ألم تخبر صفوان بذلك بعد؟
اعتدل حكيم في جلسته ليجذب شعره الأشيب بقوة بينما يهمس:
-بما أخبره؟.. هل أطرد أخي من بيته؟
-ليس طرد، لقد قلت مسبقاً أنه سينتقل لشقته.
هتف بحساسية مفرطة بخصوص هذا الأمر:
-أجل، لكن عندما يريد هو ذلك، وليس إجباراً مني، حينما أشتريت هذا البيت اشتريته من أجلي أنا وأخوتي وياقوت، لهم فيه ذات الحق الذي ليّ.
-أليست سو موافقة؟.. إذا دع إقناع أمها لها.
لوى حكيم فمه متهكماً:
-أنت حقاً لا تعلم شاهيناز هانم.
ظهر الكرب على وجه حكيم بينما ظهر الضيق على وجه صاحبه المتآزر معه، لذا حاول أن يعرض حلاً:
-ما رأيك أن تدعني ألمح بالأمر لصفوان؟ أو من الأحسن أن يقوم سلطان بذلك.
هز رأسه رافضاً هذا الأمر تماماً:
-لا، أخبرتك من قبل لن يغادر صفوان البيت إلا بكامل رغبته.
ارتفع رنين هاتف حكيم الخاص باسم سلطان، فرفعه نحو صديقه بملامح متهكمة لأنهما ذكرا سيرته للتو، فأشار له علاء أن سيغادر ليعطيه خصوصيته.
رفع حكيم الهاتف مجيباً على أخيه مخفياً ضيقه:
-مرحباً بالأب المستقبلي.
........
أغلق المكالمة مع أخيه سلطان بتنهيد حار، وقد أنهكته محاولاته لإخفاء مشاكله مع سو عن إخوته، تلك عادته الدائمة، يحمل هم الجميع لكن لا يحب أن يحمل أحداً همه.
استدار بكرسيه ليواجه النافذة الكبيرة من خلفه بينما يداعب الخاتم الفضي في بنصره وعقله مهموم بمعضلته الأبدية مع حماته، سمع الباب يفتح من خلفه وبالتأكيد هو كان شارداً فل يسمع لطرق مساعدتها، فهدر بعصبية بينما يلتف لها بالكرسي:
-أخبرتك لا أريد..
قطع جملته وهو يرى هيئة سو بدلاً من مساعدته ورغم ذهاب عبوسه لكن فمه اشتد في خط عصبي، لم يستطع منع عينه من التمتع بهيئتها الجميلة وقد ارتدت بنطال جينز واسع مع قميص أخضر وتركت شعرها الذهبي منسدل على كتفيها فبدت أصغر عمراً، كأنها ما تزال مراهقة.
سألت بدلال امرأة تعرف حُظوتها عند حبيبها:
-هل يمكنني الدخول؟
تنهد مستسلماً لنظرتها الحنونة ومد يده يدعوها:
-تعالي.
أسرعت كظبية مدللة تتجه نحوه لتمسك بكفه لتتخذ من طرف مكتبه مقعداً لها وهي تواجه، شعرت ببعض الضيق الحزين لهيئته التي تدل ما يمر به بسبب أمها.
خلال الأشهر الماضية من خطبتهما التي يجاهد كلاهما لانهائها بالزواج، كانت أمها هي المنغص الوحيد لفرحتهما بتدخلاتها التي لا تنتهي، ولا تعرف كيف تكافئه على صبر القديسين الذي يملكه، حتى أنها في أوقات كثيرة تتملكها الرغبة في احتضانه لكي تذهب من بعض تعبه.
شاكسته وهي تشير لمقدمة قميصه المفتوحة بلا ربطة عنق:
-ألم أقل لك مسبقاً أن رئيس الشركة يجب أن يرتدي ربطة عنقه؟
لوى فمه متهكماً:
-أخبرتك، مساعدتي التي كانت تعقدها ليّ استقالت، ولا أستطيع أن أجعلها حتى زوجتي لتعقدها كل صباح.
تسيبت متنهدة بحزن من حالهما لكنها أسرعت تترك ذلك عنها فقد أتت اليوم بغرض الترفيه عنه بعد المشادة الحادة بالأمس بينه وبين أمها حول ميعاد الزفاف الوشيك، فابتسمت له وهي تطمئنه:
-لا تشغل بالك بأمي، سوف أحل الأمر معها.
سألها بجدية بينما أصابعه الممسكة بيدها تتحس نبضها برقة:
-هل أنتِ حقاً غير معترضة على سكن صفوان معنا؟
ضيقت عيناها وسألته بمزاح:
-لو أجبت بأجل، ماذا ستفعل؟
لم يأخذ السؤال على سبيل الدعابة، بل أعتدل محتداً في جلسته حتى أن أصابعه اشتدت حول رسغها وهو يجيبها بقوة:
-سأحاول أن أجد حلاً يرضيكي لكن لن أطرد أخي أيضا من بيتنا.
اتسعت ابتسامتها مأسورة بحميته على أخوته، فانحنت نحوه تداعب شيب فوديه بأصابعها:
-ويلومونني على حبيّ لك، أنك مثل البطل الخارق الذي يحل مشاكل الجميع.
أغلق عينه مستسلما لحركاتها اللطيفة على صدغه المتألم بالصداع وغمغم:
-لم أحصل على أي ما أردته في حياتي، وما حصلت عليه جاء بعض مشقة وعناء.
تنهد:
-لم ترحم الدنيا شيبتي حتى لتسهل عليّ أمر جمعناً سوياً.
عبست وهي تنهره:
-لا أسمح لك، تلك الشيبة تجعلك وسيماً بشكل مغيظ.
ابتسم بامتنان لها وقد حولت ضيقه بسحر لراحة وهدوء، لذا رفع كفها الرقيق ليطبع قبلة حارة شاكرة على النبض في رسغها وتمتع بردة فعلها المتمثلة في احمرارها بخجل لعيناه.
تذكرت أمراً هاماً فهتفت له:
-بالمناسبة ذكرى أم السعد بعد يومين.
كان يتذكر بالفعل، خاصة مع عصبية صفوان المتزايدة هذه الفترة، فابتسم هامساً:
-ألا يوجد شيء في حياتي لا تعلمينه؟
أصدرت صوت نهي متدلل وهي تهز كتفها له بينما أصابعها تداعب حافة قميصه بتحذير أنثوي متملك:
-أنا لا أسمح بوجود تفصيل لا أعرفه عنك سيد حكيم.
ثم عرضت عليه وهي تدرك أهمية الأمر له:
-ما رأيك أن نزورها لاحقاً سوياً؟
أخرج ضحكة قصيرة:
-المقابر مكان رائع ومليء بالرومانسية لأجل موعدنا.
قاطع خلوتهما صوت طرق خفيف على الباب فضحكت تشاكسه:
-أنا متأكدة أن المسكين الذي عند الباب يقف منذ نصف ساعة خائفاً من الطرق.
حك أنفه شاعراً بالذنب:
-أعتقد أنني زدت من غضبي اليوم قليلاً.
.....
يعقوب...
-مرحباً بك مرة أخرى سيد يعقوب سعيدة أنك تكرر زيارتك مرة أخرى بعد كل تلك السنوات.
قالت الطبيبة بابتسامة هادئة من خلف نظارتها فأومأ لها يعقوب بعصبية ظهرت واضحة في هزه لقدمه، بصوتها ذو النبرة المريحة سألته وهي تدون أمر ما في الأوراق أمامها:
-إذا أيمكننا القول أن هذه المرة أتيت برغبتك الكاملة؟
بصعوبة كأنه يكره نفسه على الإجابة أجاب:
-أجل.
-وهل يمكنك اخباري سبب هذا التحول؟
صمت واحترمت صمته بصبر، ثم أخيراً أعترف:
-الكوابيس.. أنها تراودني كثيراً.
نظرت للأوراق قبل أن تسأله مجدداً:
-علاما أتذكر فعندما أتيت ليّ منذ سنوات كانت تروادك الكوابيس أيضا، ما الذي تغير الآن؟
ومرة أخرى صمت لكن هذه المرة كان الصمت أطول.. حقاً لمَ أتى لهنا؟.. بزغت الإجابة واضحة بداخله لكنه رفض حتى أن يعطي لعقله الفرصة كي يتمادى في التفكير.
ببساطة يريد أن يعيش تلك الحياة الطبيعية التي منحه القدر طلة عليها خلال الأشهر الماضية، فقد كان مجرد رجل، يذهب صباحاً للعمل ثم يعود ليجد زوجته الثرثارة قد أعدت الطعام ليتشاركا فيه ثم يقضيا المتبقي من الأمسية في حديث أحادي الأطراف، ويأتي الليل حيث تغلب كفته هو أخيرا عن كفتها، فقط شيء واحد ينغص تلك الحياة الطبيعة التي تناديه..
تلك الكوابيس اللعينة التي لا تتركه، فينتهي كل ليلة في حضن رؤية التي تتلو عليه القرآن والمعوذات.
-لا أعلم، ربما مجرد فكرة خطرت بجنون على خاطري.
أجاب سؤالها متعمداً إخفاء الحقيقة، ولكن عيني طبيبته الفطنة لم تغفل عن تعبيرات وجهه لذا قالت:
-إذا سأقترح عليك أنا سبباً.
ثم تابعت ببعض المكر:
-ربما شخص.. دخل حياتك مؤخراً، زوجة على ما أعتقد؟
عبس في وجهها بقوة من معرفتها أمر كهذا فابتسمت بينما تشير ليده اليسرى:
-لقد رأيت الخاتم، مبارك.
تلمس خاتمه وغمغم:
-شكراً.
سألت بحذر بينما تكتب في صفحة ملاحظاتها كلمة "زوجة" بجوارها علامة هام:
-إذا، أتحب أن تحدثني قليلاً عنها؟
دمدم بوجه مغلق:
-لا، لا أريد.
تراجعت الطبيبة بحذر مدركة أن هذا خط أحمر يحتاج بعض الوقت لاجتيازه، وبدلاً من ذلك سألته في موضوع آخر:
-حسنا، ما رأيك إذا أن تخبرني عن السبب الذي لأجله تعتقد أنه يجب أن تكون هنا الآن؟
ابنه... عمته... رؤية.. تهادت شخوصهم لتفكيره بينما يجيبها وشعور الذنب ينضح من كلماته:
-لأنني أفقت مما كنت فيه، وأدركت أنني أؤذي أشخاص كثيرة باكتئابي، أشعر أنني ..
همس معترفاً:
- أناني.
حافظت الطبيبة على وجهها الحيادي كما تتطلبه مهنتها رغم عدم الحاجة لذلك مع حالة يعقوب لكن الدهشة قفزت من عيناها، فقد تطور وضعه للأفضل مقارنة بحالته منذ سنوات حين كان غارقاً في ذاته وحزنه منعزلاً عن الجميع، لذا سألته باهتمام:
-لماذا أنت أناني باعتقادك؟
تنهد وهو يتذكر كيف كانت حالته، وكيف أبعد ابنه عنه بدعوى أنه يتألم بتذكر ما حدث عندما يراه، وبمحاربة لنفسه المعتادة على عدم البوح فضفض أخيراً:
-لأنني التفت لأحزاني وآلامي فقط وانتظرت من الجميع أن يتفهم ويبرر ليّ، لكن أدركت أنني لست الوحيد الذي يعاني، وليس كل من يعاني من الحزن والمصائب يلجأ للتوحد بعيداً عن الباقين.
مرة أخرى دونت شيء قبل أن تسأله:
-أخبرني سيد يعقوب، هل ما زالت كوابيسك نفسها أم تغيرت؟
-لا، ما زالت أحلم بما حدث وكيف فقدت..
صمت مستصعباً قولها فرفع يده يتلمس عينه المصابة ثم تابع بذات النبرة الهامسة متذكرا ذلك الألم المزلزل:
-أنتفض من النوم وأشعر بألم شديد فيها.
بأذنه المرهفة سمعها تكتب شيء فقال بينما يحرك كفيه معا:
-أنا فقط أريد دواء أو أي شيء يجعلني أتحسن وأكف عن رؤية تلك الكوابيس.
أومأت تجيبه:
-أنا بالفعل سأكتب لك دواء لكن سيد يعقوب الدواء ليس هو العلاج الوحيد هو فقط سيساعدك على النوم بشكل أفضل.
-حسنا هذا جيد.
لتغلق عليه فرص التهرب كما فعل قبل سنوات سألته في نهاية جلستهما:
-إذا متى تريد أن يكون موعدنا القادم؟
تململ في مقعد وهو يغلق المكالمة الرابعة من رؤية منذ أتى لهنا، بالتأكيد ستحقق معه عن سبب رفضه مكالماتها، فكر بينما يخبر الطبيبة:
-في الحقيقة أنا سأسافر لإيطاليا لمدة وجيزة بسبب العمل، أيمكن أن نتابع جلساتنا عن بُعد؟
ابتسمت الطبيبة تخبره:
-لدي أقتراح أفضل لك، لا أعلم ما هذه المصادفة العجيبة لكن يوجد طبيب بارع في إيطاليا، في الحقيقة هو متخصص في حالات اضطراب ما بعد صدمات الحروب، ما رأيك أن تجرب معه حتى عودتك؟
ظهر التردد جلياً عليه كأنه يريد وضع العقبات كي لا يأتي كرة أخرى فشجعته:
-أظن أن الأشخاص الذين تهتم بأمرهم يستحقون منك الصبر والمحاولة.
لذا أذعن لها:
-حسنا، سأرغب أن أراه.
اتسعت ابتسامة الطبيبة بشعور من الانتصار:
-إذا سأتواصل معه لأرى إذا كان متفرغاً.
وعندما كان عند باب المغادرة أوقفته:
-سيد يعقوب..
التف لها فقالت بنبرة صادقة:
-أنا سعيدة حقاً أنك قررت القدوم، وسأنتظر لقائنا التالي بشوق.
هز رأسه متقبلاً حفاوتها ببعض التحرج قبل أن يتابع طريقه للخارج.
.....
بعدما تحجج لرؤية على الهاتف باجتماع منعه من الرد على اتصالاتها السابقة هدأت أخيراً وتقبلت الأمر بسذاجة، لوى فمه بابتسامة فرؤية تتقبل هذه الأمور بسهولة لعدم خبرتها فيها.
فتح الباب متوقعا استقبال حافل كالمعتاد ولم تخب ظنه، ففي لحظة عندما سمعت صوت مفتاحه كانت أمامه برائحتها العابقة بالفانيليا وخطواتها الصاخبة ولم تمهله بينما تدفن شيء طري في فمه قائلة بحماس:
-خذ .. خذ تذوق هذه.
متفاجئاً بما تحاول إطعامه إياه هتف:
-ما هذا؟
تذوقه على مهل بينما هي تقفز بجواره بتشوف لرأيه:
-هل أعجبك طعمها؟
أومأ مستمتعاً بلذوعة الليمون:
-أجل، لذيذة.
صفقت فرحة برأيه ثم جذبته للداخل مما جعله يتعثر في حذائه وهو ينزعه:
-أنها حلوى جديدة، تلك التي أحاول صنعها منذ مدة، هل تتذكر؟
وعالجته بقطعة أخرى داخل فمه ليجيبها بإذعان:
-لذيذة للغاية.
هتفت وهي ما تزال تدفعه نحو الحجرة ليبدل ملابسه.
-انتظر حتى تتذوق طعام اليوم.
وقد صدقت بالفعل، فقد كان الطعام لذيذا وامتلئ به حد التخمة، ثم بعد ذلك تبعته بطبق كبير من تلك الحلوى اللذيذة، وفي النهاية اضطر أن يرفض الفاكهة التي مدتها له وقد تجاورا أمام التلفاز بعدما اختار هو فيلم الليلة.
ودون أن يعطيها أي مقدمات رفع ذراعها ليضجع على جانبه مريحا رأسه في حجرها، حاول أن يخفي ابتسامته الفطنة وقد شعر بتصلب قدميها وارتجافها الخفيف التأثر من قربه، وكالعادة حاولت إخفاء ذلك بأن ثرثرت:
-هل أنت أكيد أنك لا تريد تفاح؟ طعمه لذيذ للغاية.
وحاولت أن تنهض فوأد محاولتها الخرقاء ليدفن رأسه أكثر في حجرها الدافئ بينما يغمغم:
-لا لقد امتلأت.
ولم تكن رؤية بالفعل اعتادت بعد ذلك القرب الذكوري من مباسم أنوثتها خاصة أنها قد تناست تلك الاحتياجات العاطفية ودفنتها عميقا منذ زمن، ولهذا تشتت انتباهها عن الفيلم ولم تستطع التفكير في أي شيء سوى في هذا الرأس الصلب الأسود المستريح على حجرها بحميمية، سألته محاولة أن تملئ الصمت المزعج لها:
-هل حقا لا تحتاج لرؤية الترجمة حتى تفهم ما يقولون؟
هز رأسه بغرور كأن الأمر شديد السهولة، فضيقت عيناها وهي تسأله:
-إذا ماذا كان يقول الآن؟
لوى فمه وقال بسلاسة:
-"بمجرد أن تعتاد على الحياة سترى معناها الكامل وجمالها المذهل" .
اتسعت عيناها بدهشة فقد ترجمها بشكل صحيح لذا هتفت وهي تربت على صدره:
-أنت محق.. أنت تعرف الإيطالية فعلا، أنت ابن ذوات.
أمسك يدها فوق قلبه قائلا بتهكم:
-لقب جديد رؤية.
هتفت وسيل من الأسئلة ينهمر بفضول من فمها:
-متى تعلمت الإيطالية؟ ولماذا؟ هل تتحدث لغات أخرى؟
ضيق عيناه وأغاظها بتلك الطريقة التي يعرف جيدا ردة فعلها عليها:
-أن لم تخني ذاكرتي ففي أول يوم لكِ هنا أعطتك خالتي لائحة ببعض الأمور التي يجب أن تلتزمي بها، أراك تضربين بها عرض الحائط.
دارت عيناها في المكان وأنكرت:
-لا أتذكر شيء كهذا.
قهقه ضاحكا قبل أن ينتصب من رقدته ثم فاجئها وهو يأخذها على حين غرة ليمسك بعنقها مقرباً وجهه منه وهمس بإيطالية بارعة:
-"Spero che tu stia zitta donna, ho mal di testa"
لهثت بحيرة:
-ما الذي قلته؟ .. ماذا يعني؟
زادت ابتسامته واقترب ليقول لها بإغاظة:
-لن أخبرك.
ثم نهض ليتجه الحجرة فأسرعت خلفه وهي تترجاه:
-هيا أخبرني.. أخبرني.. ماذا يعني.
التف لها وخفض من قامته نحوها فشبت على أصابعها وعينها تتعلق بشفتيه بانتظار ما سيقول.. وكاد ينطق.. وعينها تتسع... ثم في النهاية ضربها بطرف أصبعه على جبينها قائلاً:
-لا.
ثم تركها والتف مغادرا عالماً أنها بالتأكيد ستتبعه، وقد كان، فرؤية أسرعت خلفه وهي تصر:
-لن أتركك حتى...
صرخت وقدمها تتعثر وفزعت من سقوطها المحتوم على الأرض الصلبة لكن في رفة عين كان يعقوب يتلقفها بين ذراعيه وضمها لصدره يخبرها بخبث:
-حسنا وقعتي بين يدي الآن ولن ينقذك لسانك حتى.
حاولت إبعاده بارتباك فزاد من قربها منه وهو يهمس جوار اذنها حيث داعبها بأنفاسه:
-ألا تريدين أن تعرفي معنى ما قلت؟
تشنج جسدها وهي تهز رأسها بوجل:
-لا لا أريد أن أعرف... هيا كف يدك عني.
ضربته بقوة حقيقة على صدره ليبتعد فكتم تأوه وهو يمسكها بحدة ليمنعها من الهرب، وكي ينتقم منها رفعها بسهولة لكن بصعوبة منعها من الإفلات وهو يضعها على الأريكة وأشرف عليها بصدر لاهث من مناورتها، وأخيراً استطاع وأد حركتها وهو يأسر كفيها فوق رأسها ليأمرها وشفتاه ترسم طريقاً مثيرا من أذنها حتى طرف فكها:
-اثبتي.
تأوهت معترضة لكنه لم يبالي وهو يتابع لمساته المداعبة لجانب عنقها وشفتيه تمارس تعذيب حلو لشفتيها، لم يكن ليبالي بتمنعها لكنه عضت على شفته بقوة أوجعته، ليفلتها أخيراً وسأل بغضب لاهث:
-ماذا حدث؟
أسرعت تدفعه عنها وهي تلملم ملابسها المتناثرة على جيدها العاري وأخبرته:
-لقد نسيت إغلاق صمام الغاز.
واستغلت تحسسه لجرح شفته لتفر منه وتركته عاري الجذع يهسهس بحنق وطعم دمه يملأ فمه:
-هذه المرأة تملك قدرة عجيبة على تدمير كل اللحظات.
بعد وقت طويل تعمدت هي أن تتأخره دلفت أخيراً الحجرة المظلمة لتجده مضجع على جانبه بالفعل، تسللت بجواره بحذر وهي تحمد الله أنه خلد للنوم، لكن ماتت فرحتها فبمجرد أن أولته ظهرها شهقت عندما سحبها بذراع صلبه نحوه:
ما زلت مستيقظا؟
سألته بتوتر، همس بصوت متحشرج من النعاس:
صوت خطواتك المزعج منعني من ذلك.
قبلت إجابته دون شك، بينما صوت داخلي لئيم تهكم عليه لأن تلك لم تكن الحقيقة، الحقيقة أنه كان ينتظرها... وفقط بعد وقت طويل استطاعت السقوط في النوم بين ذراعيه وشعر بانتظام أنفاسها ليغلق عينه هانئا بنوم قرير.
......
-يعقوب.
نادت عليه رؤية من الحجرة وهي تنهي إغلاق أزرار فستانها، فأصدر صوت يدل على الانتباه بينما يركز مع مباراة إطلاق النار التي يتابعها التلفاز:
-هيا أسرع وارتدي ملابسك.
أخبرته بصوتها الصادح فأغلق صوت التلفاز والتف يخبرها:
-لا أتذكر أن لدي ميعاد اليوم.
أخيراً خرجت من الحجرة لتقترب منه وهي تتحدث بنبرة طبيعية غير مرتفعة:
-بل لدينا، سنذهب لاصطحاب معاذ من النادي، قد دعوته ليبيت اليوم هنا.
أغلق عينه بقوة محاولاً كبح غضبه، فهذا هو نهج رؤية طوال الأشهر الماضية ..
تضعه .. أمام.. الأمر... الواقع..
وخاصة فيما يخص ابنه، فتارة تفاجئه أن معاذ سيزوره اليوم في الشركة وقد كذبت وأخبرته أنه هو من طلبه ليريه الشركة، ومرة يعود ليجد ابنه موجود بالفعل ليشاركهم الطعام.
غمغم لها بحدة:
-أيمكنك في المرة القادمة مشاركتي في مخططك مسبقاً؟
هتفت بحنق غير مهتمة باعتراضه:
-حسنا حسنا.. لكن تعجل فقد هاتفته للتو وأخبرني أنه يوشك على إنهاء تمرينه.
بتثاقل أجابها:
-يمكنك الذهاب بمفردك.
وقفت في الطريق نحو الحجرة ويراهن أنها تخصرت بينما تأمره بصرامة:
-لا ستأتي معي، لقد أخبرت الفتى بالفعل.
صمت دون رد فتوترت رؤية لأنه في المعتاد يصرخ في وجهه بسبب كذبها لكن صمته هذا مقلق، لذا بدلت نهجها معه واقتربت تخبره بمهادنة:
-يعقوب رجاءاً لقد تحسنت علاقتك بمعاذ أخيراً لا تخرب الأمر الآن.
دمدم بوجه مبتئس:
-لا أظن أن الأمر هام لهذا الحد، مجيئي لن يفرق معه.
كنوع من أنواع التشجيع أسرعت تدلك له كتفاه وهي تخبره:
-بالعكس.. لقد تحمس عندما أخبرته أنك أنت من ستصحبه بعد النادي ونأكل المثلجات.
عبس مستغرباً:
-لحظة واحدة... مثلجات؟
كمن أُمسك بالجرم المشهود أدارت عيناها في محجرها وهي تجيبه:
-أجل الفترة متعب بعد التمرين لابد أن يتناول شيء بارد رطب.
بنبرة العارف ببواطن الأمور غمغم:
-هو من يجب أن يتناول شيء شيء بارد؟ تجاهلت سؤاله وبدلاً من ذلك جذبت ذراعه لينهض:
-هيا أسرع.
ولم يجد حلاً سوى أن يطيعها صاغر اليد.
وهكذا أقلتهما السيارة حتى ذلك النادي الضخم والذي بدا على بوابته معنى الفخامة التي يحتضنها خلف أسواره، بحماس أخرجت رؤية نصف جسدها من السيارة لتلوح لمعاذ الذي خرج من البوابة وأسرع لهما تاركاً أصحابه.
وأخذت رؤية تثرثر لتجذب كلاهما حتى يجدا موضوع مشترك يتفاعلان فيه سوياً وبالفعل نجحت عندما علم يعقوب أن ابنه لم يكن يلعب سوى لعبة التصويب، وبحماس منقطع النظير أخذ كُلاً من الأب والابن يتجاذبان الحديث الشيق حول استراتيجيات الرماية والتصويب حتى وصلوا للبيت وقرطاس مثلجات ضخم في يد معاذ ورؤية.
وتلك الأخيرة عرضت بتهور وهم يهبطون من السيارة:
-معاذ ما رأيك أن تبقى معنا هنا؟
تصلب كل من الأب والابن وكادت رؤية تضحك على التشابه العجيب في ردات فعلهما:
-ماذا تعنين؟
سأل معاذ بأمل متخوف، فأكدت له قصدها:
-أعني أن لا تعود لذلك القصر الكبير وأسكن هنا.
بذهول نظر الفتى لأبيه المتجهم فأسرعت رؤية تخبره
-لقد كان اقتراح والدك.
الكاذبة اللعينة
هتف يعقوب بداخله وهو يتخيل كافة أنواع العقاب المؤلمة التي يجب أن ينزلها بها، أن تلك المرأة تتمادى فعلاً لأنه يصمت على ما تفعله، لكن لا.. حتى هنا ويكفي..
-أحقا تريد أن انتقل للسكن معكما؟
سؤال ابنه المتردد أخذه من أفكاره القاتلة حول رؤية، وذلك التردد المؤلم في نبرة ابنه جعله يقول بقوة مؤيداً كلامها:
-بالطبع، فيما سبق وضعي لم يسمح بذلك لكن الآن الأمر تغير.. فقط لو أردت.
نقل الفتى نظراته بين كلاهما ثم همس بدلالة على طفولته التي لم تتركه بعد:
-لا أظن أن جدي سيوافق.
لأول مرة مد يعقوب يده ولمس كتف معاذ ليخبره بقوة أب يحقق أي طلب لابنه:
-لا تفكر في جدك سأتكفل أنا به، فقط أخبرني بما ترغب به.
ورغم أن الرغبة ظهرت واضحة في عيني الفتى لكنه قال بتكبر:
-سوف أفكر في الأمر.
هزت رؤية رأسها فاقدة الأمل من الرجل وابنه.. ذات الكبرياء المقيت الذي بلا داعي..
تخطتهم نحو باب المنزل وهي تحثهم:
-أسرعا .. لقد جعت.
توقفت خطواتها المتعجلة وهي ترى تلك الطلة الطويلة الشبيهة بخاصة زوجها، ولم يكن هذا سوى وائل:
-مرحبا زوجة أخي.
حياها بإحدى ابتسامته العابثة فعبست في وجهه بقوة، لا تعلم لمَ لكنها لم تستغث هذا المدعو وائل، ربما لأنه يبدي عبثاً لكن عيناه تخفي شخصية صعبة وحادة، كما أن "خفة دمه" تفوق مقدار تحملها.
حيته بمضض:
-أهلا.
ثم فتحت الباب لتدخل وتركت يعقوب بالخارج يستقبل أخاه بتخوف:
-هل حدث شيء ما؟
أجاب وائل وهو يضرب إحدى الأحجار الصغيرة بحذائه:
-لا كنت أتصل بك لأمر هام لكنك لم تجب.
-أجل، لقد نسيت هاتفي.
التف وائل لمعاذ بالخلف وابتسم ابتسامة واسعة بينما يرفع كفه ليستقبله:
-مرحبا بالبطل..
أسرع الفتى يستقبل عمه بمصافحة متحمسة:
-مرحباً عمي.
داعب شعره وهو يسأله:
-هل كنت في النادي؟
أومأ معاذ بتحمس وهو يخطو معه للداخل متبعاً يعقوب:
-أجل لقد كان لدي تدريب من أجل البطولة.
أتت رؤية من الداخل بعدما وضعت مثلجاتها الثمينة في المبرد ووضعت يدها على خصرها لتسأله بعدم ترحيب واضح:
-ماذا تشرب؟
جلس وائل بأريحية على أحد المقاعد بينما يطلب بابتسامة كانت سمجة بالنسبة لها:
-أحب أن أحتسي قهوتك، يبدو أنك بارعة فيها.
لم ترد على مجاملته والتفت وهي تحدث نفسها فيما هو بالتأكيد كلام نابي عنه، فاتسعت ابتسامته بتمتع، لم تغب طويلاً إلا وقد عادت ومعها كوب عصير وضعته بحدة أمامه ثم عادت للمطبخ مع معاذ وتركت الرجال لحديث الرجال، أو هكذا أدعت وهي تتنصت على حديثهما من خلف حائط المطبخ.
وكان مجمل الحديث عن العمل لكن ليس عمل هنا، بل في إيطاليا:
-إذا سأحجز تذاكر الطيران للأسبوع القادم؟
سأله وائل وقبل أن يجيب أتت حمحمة قوية من اتجاه المطبخ:
-إحم.. إحم.
نظر وائل لهناك فوجد طرف ثوب رؤية واضح لكن كلاهما تجاهلها وتابع حكيم مجيباً:
-لا مشكلة.. أو يمكن..
تكرر الصوت مرة أخرى لكن هذه المرة بصورة أكثر حدة، فغمغم وائل:
-لمَ لا تنهض وترى ما تريد زوجتك.
ثم رفع كأس العصير وضيق عينه بشك:
-أشعر أنها وضعت سماً في عصيري.
تنهد يعقوب بقوة وهو ينهض ليتجه نحو المطبخ وسألها بحدة:
-ماذا هناك؟
-هل ستسافر لإيطاليا؟
-أجل، هناك صفقة ما لن يستغرق الأمر سوى أسبوعين.
هتفت وهي تصفق بيدها بحماس:
-إذا سأركب طائرة؟ لقد كانت أمنية حياتي.
عقد حاجبيه بعدم فهم:
-أي طائرة رؤية؟ سوف أذهب بمفردي.
صاحت بعدم تصديق لجحوده:
-بمفردك؟... لا يمكنك.
وهنا تحولت العقدة لرفع شديد لكلا حاجبيه بينما هي تنظر لابنه خلفها ثم هتفت:
-كما أن معاذ أخبرني أنه يتمنى أن يسافر لإيطاليا.
أشار معاذ لنفسه بتعجب:
-أنا؟
شنفته بنظرة حادة كي يجاريها ثم التفت ليعقوب وأخذت تهز ذراعه:
-رجاءاً رجاءاً.
هتف بصرامة لا تهادن فيها:
-أبداً مستحيل.
نهاية الفصل السابع عشر

لائحة الأوامر العشرة الخاصة بالسيد حكيم:
البند الأول: يجب إعداد ثلاث وجبات في اليوم؛ في السادسة صباحاً، وفي الواحدة ظهراً، وفي السادسة مساءاً، على أن تُوضع طاولة الطعام "بهدوء" أمام باب الحجرة مع الدق ثلاث مرات على الباب.
البند الثاني: ممنوع تبديل مكان أي شيء من أثاث وأشياء خاصة من مكانها.
البند الثالث: يجب عدم دخول الحجرة إلا مرة في الصباح، ويمنع تماماً فتح النوافذ أو نزع الستائر من مكانها.
البند الرابع: ممنوع الإزعاج أو أي صوت مرتفع في حالة وجود يعقوب في البيت.
البند الخامس: عند الخروج يفضل السير وفقاً لأوامر يعقوب وعدم تبديل أي شيء في خطة السير الموضوعة.
البند السادس: ممنوع دخول أي حيوان لداخل البيت.
البند السابع: ممنوع تماما طرح الأسئلة عن أي شيء سوى بخصوص الطعام أو شيء يخص البيت.
البند الثامن: ممنوع الدخول للغرفة الخاصة.
البند التاسع: من غير المستحب الاقتراب أو اللمس لما يتجاوز ما مقداره قدمين.
البند العاشر: ممنوع تكوين أي مشاعر من شفقة أو إعجاب اتجاه يعقوب، وخاصة الشفقة.

قلبه الأعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن