الفصل الأول

2.9K 111 110
                                    


ألقيتُ نظرة أخيرة على تفاصيل غرفتي.. سريري الكبير بملائته التي تشكّل لوحةً للفضاء والتي تتناسق مع الوسادة.. سقفي الذي ألصق والدي فيه النجوم والكواكب التي تضيء في الظلام.. ما زلت أذكر فرحتي بهم حين جلبهم لي قبل إثنى عشر عاماً.. كانت هدية عيد ميلادي السابع.. كبحتُ حسرة وأنا أخفض نظري إلى خزانة ثيابي التي لم يظهر الكثير من خشبها الأبيض بسبب أعداد الصور التي ألصقتها عليه خلال سنوات حياتي.. لم تكن جميعها للفضاء والنجوم.. بل كان بعضها لشخصيات كارتونية أحببتها في صغري ولم يطاوعني قلبي على رفعها بعدما كبرت.. فكيف لي أن أزيل صورة فادي الوسيم؟ أو سامي وأخاه وسيم الذي أشتهي عض خدَيه كلّما رأيته؟ أم ريمي التي حاولتُ مرّة صبغ شعري بالالوان المائية ليصبح بلون شعرها؟ ما زالت تلك الذكريات جزءٌ مني.. وستبقى كذلك حتى مع رحلتي الجديدة..

- شمس، سنتأخر على السفينة إن لم تتعجلي!

أجبتُ والدي وأنا أحمل حقيبة سفري:
- قادمة!

أغلقت باب غرفتي ونزلت السلم إلى الطابق الأرضي حيث كان والدَيّ وأختي الصغيرة قمر بإنتظاري.. أخذ والدي الحقيبة عني وقال بأنه سينتظرني في السيارة.. رغم أنني لستُ ممن تسيل دمعتها بسهولة إلا أنني شعرتُ بالعبرة تخنقني وأنا أنظر إلى الوجهين الحزينين اللذين كان يتوجب عليّ توديعهما.. أمي وقمر.. قلتُ بدعابة بعد أن ابتعلت غصّتي:

- سيخلو لكِ البيت يا قمر ولن تسمعي تذمراً مني بعد الآن، ستلعبين وتصدرين الضجة قدرما تشائين، أليس ذلك رائعا؟

أشاحت بعينيها اللامتعين وهي ترفع ذقنها بثقة:
- بالطبع رائع.

ابتسمت واقتربت لأعانق جسدها الصغير رغم أعوامها العشرة.
- لا تتعبي والدينا أيتها المدللة.

حوّطت خصري بذراعيها وتمتمت بصوت مختنق:
- وأنتِ لا تتعبي الأساتذة بغرورك.

ابعدتها عني وأنا أهتف:
- هَي! لستُ مغرورة!

- بلى، لكن المغرور لا يرى نفسه مغرورا.

أخرجتُ لساني لها وقلت:
- أنتِ تغارين مني ليس إلا، لأنني سأسكن مع فتيات من عمري ونستمتع سوياً.

قالت باستهزاء:

- نعم بالطبع، متأكدة من إنك ستكونين صداقات وستستمتعين معهن.

قاطعتنا والدتي معاتبة:
- حتى في وداعكما شجار.

ثم سمعنا صوت زمور السيارة فاستعجلتُ بمعانقة والدتي وأنا أهمس في أذنها:
- لقد تركتُ لها هدية ورسالة تحت سريري، اعطها إياها بعد ذهابي ليخفّ حزنها.

اشتدّ عناق أمي وهمست:
- اعتني بنفسك، وكلي جيداً، وإن لم يعجبك الأكل فسأحاول...

- سيعجبني، لا تشغلي بالك.

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن