الفصل الثاني

952 75 82
                                    

حين وصلت إلى الشاطئ لم أرَ أثراً لا للسفينة ولا للقبطان.. لم يكن أي بشر على الشاطئ الذي كان يعجّ بالناس قبل قليل.. وجهتُ نظري للأفق بحثاً عن المدينة، لكن كل ما كنت أراه هو الماء.. والمزيد من الماء.. لا شيء آخر.. ليس حتى سفينة أو قارب.. هل قطعنا مسافة طويلة؟.. كيف نكون منعزلين بهذا الشكل الموحش؟.. 

ـ لقد غادرت السفينة.. انتهت مهمتها.

استدرتُ إلى الوراء بجفلة حين جائني صوت هيلانة الذي زاد من ثورة صدري.. تقدمت بهدوء بحذائها الأسود الأنيق إلى أن وقفت بجانبي تتأمل البحر باستمتاع..

ـ أتظنين بأننا قد نترك جامعة مميزة كجامعتنا عرضة لعامّة البشر؟ أن نسمح لهم باكتشاف قوانا العظيمة فيجنّ جنونهم؟ كلّا.. ليس بعد..

ـ هل هذا سجن؟

التفتت إليّ باستغراب..

ـ سجن؟

ـ نعم، وإلا ما معناه أن تجبرونا على الإقامة هنا؟ 

ـ نحن نحميكم ونصنع منكم أشخاص متكاملين، إن كنتِ تعتبريه سجن فهو لصالحكِ، إلى أن تتقبلي الحقيقة.

قلتُ بين صكّ أسناني:

ـ لن أتقبل هذا الجنون أبداً.

ابتسمت بلطف مقزز لتقول:

ـ بل ستفعلين، الكثير من طلاب المرحة الثانية والثالثة كانت بدايتهم كبدايتك، هل ترين أي اعتراض منهم الآن؟ بل أن أحدهم لا يرغب بالعودة إلى ماضيه، فهنا وجدوا حقيقة هويتهم.

قلتُ باستنكار:

ـ وهل تشكو هوياتنا الحالية من شيء؟

ـ تشكو من نقص.. وهذا النقص لا يسدّ إلا بإحياء وتطوير طاقاتكم المدفونة.

ـ هل تتوقعين مني أن أصدق هراء الطاقات؟

رفعت حاجبيها بتساؤل:

ـ وهل ما رأيته ليس بكافٍ؟

ـ لم يكن سوى سحر.

ـ هل كانت بعض الحبال موصولة بكِ حين رفعكِ بيبرس عن الأرض؟

عبستُ في وجهها وأنا أفهم استهزائها.. ثم سألت بجدية:

ـ ربما كان جيوم حذر بعرضه، ما رأيكِ برؤية المزيد؟

تراجعتُ بخطوة وأنا أقول بتجهم:

ـ لا أريد سوى مغادرة هذا المكان.

ـ إذاً أنتِ تعترفين بأنه ليس سحراً؟

ـ سيبقى سحراً مهما بدا حقيقياً.

ـ لمَ هذا الإصرار على السحر؟

ـ لأننا بشر.. والبشر لا يفعلون هذه الأمور.. يستحيل.

أومأت برأسها ببطء.. ثم قالت وهي تطبق يد فوق يد:

ـ حسناً يا شمس، مهما كنتِ رافضة للأمر الآن فإن لا خيار أمامكِ سوى المثول لقوانين هذا المكان، ستذهبين إلى صالة الطعام وستتناولين عشائكِ، ثم ستنامين في غرفتكِ وتستيقظين صباحاً لتتلقي دروسكِ الأولى كسائر زملائك.

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن