الفصل الثالث

833 70 88
                                    


بدأ جيوم حديثه وهو يخاطب الطلّاب قائلاً:

ـ قد يظنّ البعض أن الأرض هي أقل الطاقات إثارة وعظمة، لكن الحقيقة هي العكس تماماً.

نظر إليّ بعينيه المحاطتين برموش كثيفة تفسّر بعضاً من سبب إعجاب رفل به وقال:

ـ نحن لا نشقّ الأرض فقط، يا آنسة.. شمس..

نطق إسمي وكأنه يتقزز منه.. رفعتُ ذقني ببرود وقلت:

ـ تغلقونها أيضاً.

لاحت ابتسامة جافّة على شفتيه.. وكأنه مستعد لإذاقتي أشدّ العقاب على تعجرفي..

ـ نغلقها.. ونرفعها.. ونخسفها.. ونشكلها حسبما نشاء..

عاد ليخاطب الطلبة موضحاً بجدية:

ـ تتميز طاقة الأرض بشيء يفتقده سائر الطاقات، وهي أنك تستطيع حماية نفسك من جميع الطاقات الأخرى، وليس فيهم من يستطيع ذلك.. فمثلاً لو رماك أحدهم بشعلة من النار..

حرّك يده سريعاً وإذا بالأرض أمام قدمَي ترتفع كجدارٍ صخري.. شهقتُ وأنا أتراجع إلى الوراء وأنظر إلى طوله الذي يتجاوز المترين.. أما جيوم فتابع شرحه للطلّاب:

ـ فيمكنك صدّها بسهولة.. ولو أراد أحدهم مهاجمتكم بإعصار فما لكم إلا أن تحيطوا أنفسكم بالحماية..

ارتفع جدار تلو الآخر من حولي وكدتُ أضغط على أحدهم فأطير معه في الهواء.. أصبحتُ الآن بين أربع جدران متلاصقة الجوانب.. لا أرى سوى السماء فوقي.. سمعتُ صوت جيوم وهو يقول:

ـ ولو أراد أحدهم اغراقكم بالماء فيمكنكم سدّ السقف..

ولفزعي رأيت أطراف الجدران العليا تتمدد نحو بعضها وتغلق الفتحة الوحيدة الموجودة في الصندوق الحجري.. أصبتُ بالاختناق بشكل فوري.. حاولتُ دفع الجدران من حولي وأنا أشهق الهواء بهستيرية رغم أنه لم ينفد بعد.. لكنني أكره الأماكن الضيقة.. أكرهها منذ أن صنع بعض السفلة الكمين لي في الابتدائية وحبسوني في الخزانة.. أكرهها لما مررتُ به من رعب وقلّة الهواء.. من الخوف من الموت الذي شعرتُ به يقترب مني مع كل نفس مختنق.. ضربتُ الجدران الحجرية وأنا أصرخ:

ـ أخرجني من هنا!

لا أعرف إن كان يسمعني.. فأنا لم أعد أسمع شيئاً من الخارج بفضل الجدران السميكة.. ضربتها بقبضتَي بكلّ قوتي وصرخت:

ـ أخرجني! سأختنق!!

انطبقت ساقاي تحتي وأخذ جسدي يرتعش بشدة أثناء محاولتي للتنفس.. لكن شعور الاختناق لم يتوقف عن التفاقم.. وحين ظننتُ بأن نهايتي قد اقتربت انفتح السقف من جديد وهبطت الجدران إلى الأرض.. لكني لم أعد إلى طبيعتي.. بل ظلّ الهلع مسيطراً عليّ والأنفاس بالكاد تنسحب.. سمعتُ همهمات وشهقات خافتة من مكان.. لكني ما زلتُ في ظُلمتي.. أصارع انفعالات جسدي.. ثم شعرتُ بيد تمسك بذراعي وبصوت جيوم يتساءل:

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن