الفصل الثاني عشر

831 98 145
                                    

حاولتُ إشغال نفسي مع رفاقي وبالتركيز في محاضرة هيلانة لأمنع عقلي من التفكير بالموقف المزعج.. لكن حين جاء الليل كان إلهاء نفسي صعباً للغاية.. والنوم رفض زيارتي وإراحتي.. لذا استسلمتُ للأمر في النهاية وانتعلتُ حذائي وخرجت ببيجامة النوم مع إضافة سترة خفيفة.. لم يكن الجو بارداً، بل كانت نسمات الليل منعشة ومريحة للجسد.. تحركتُ بلا وجهة معينة في الطرق الشبه مظلمة.. ثم وجدتُ نفسي أقف أمام نافورة الكوكب.. مددتُ يدي إليها حتى لامست أصابعي مياهها التي كانت تتدفق من الأعلى وكأنها تشكل نخلة.. ثم حرّرتُ حسرة من صدري المثقل.. من قد يستطيع مساعدتي لمعالجة نفسي؟.. هل يعالج كيران هذا النوع من الأمراض؟.. أم الجسدية فقط؟.. 

ـ هل تعانين من الأرق؟

التفتُ بجفلة إلى الصوت المألوف.. رأيتُ آسر يتقدم نحوي وهو يخفي يديه في جيوب بيجامة نومه.. أعدتُ نظري إلى النافورة وقلت:

ـ نعم.. وأنت تراقب من النافذة كالعادة؟

ـ لا أراقب.. بل أعتدتُ على قضاء الوقت أمام النافذة.. فأنا دوماً ما أعاني من الأرق.. وليس اليوم فقط.

نظرتُ إليه بحَيرة:

ـ لمَ؟

هزّ بكتفيه وصار يراقب مياه النافورة معي:

ـ أفكر في عائلتي..

ـ ألم تتصل بهم حتى الآن؟

ـ فعلت.. لكن ذلك لا يلغي القلق.. فلستُ متأكداً من أن أقاربنا يقومون بالواجب مع أمي وأخوتي في غيابي..

تنهدت وقلت:

ـ إذن كلينا تراودنا أفكار مزعجة..

ـ ما نوع أفكارك؟

تعجلت بالإجابة:

ـ سيئة، ما رأيك بأن نشغل أنفسنا بشيء؟

ضيق عينيه مستفسراً:

ـ مثل ماذا؟

تلفتُ من حولي قبل أن أهمس:

ـ نعود إلى البناء الممتلئ بالحواسيب.

رفع حاجبيه مستغرباً:

ـ في هذا الوقت؟ لمَ؟

ـ أريد رؤية ما يفعلونه ليلاً..

ـ لن أستطيع رفعك كل تلك المسافة.

ـ أنسيت بأنني أستطيع رفع نفسي بالأرض؟

ـ إذن لمَ لم تقومي بالأمر يوم أمس؟

قلتُ بإحراج:

ـ لأنني.. لم أكن واثقة من نجاحي في الأمر.

ـ والآن أنتِ واثقة؟

ـ لا.. لكن الفشل أمامك لا يزعجني..

فاجأني بابتسامة.. ثم مرر يده على شعره المبعثر وقال:

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن