الفصل الرابع

874 78 99
                                    

حين بلغتُ الغابة رأيتُ قمة لبناية من الطين والحجار.. نوافذها المربعة تفتقد الزجاج.. اقتربتُ أكثر حتى وصلتُ إلى الساحة الدائرية واكتشفتُ أن جيوم هو من شكّل تلك البناية بسحره.. كانت عيناه تشع بلونٍ أخضر عميق.. وكأنه لون الغابة.. رأيتُ وجوه المتواجدين واستنتجتُ من تعابيرهم المبهورة أنهم تمنوا لو أنهم ينالون عظمة هذه الطاقة.. بسلاسة وحركة من يد جيوم بدأت البناية تدور وتتحول إلى بناءٍ ملتوي.. إلى أن أنتهت بتصميم يتطابق مع تصميم الملوية في سامراء.. شهقات خافتة في الأرجاء ذكّرتني بأنه ليس وهم تماماً.. بل إنه يتحكم بالأرض فعلاً.. كيف احترفوا السحر هكذا؟.. هتفت رفل:

ـ والآن حوّله إلى برج إيفل!

سرعان ما أيد بعض الطلبة اقتراحها.. ولم يخيّب جيوم أملهم.. بل حوّل ملوية سامراء إلى برج إيفل.. ثم وبهدوءٍ أنزل يده وجعل كتل الطين والحجار تتهاوى وتنسحب حتى عادت الأرض سوية وطبيعية..  عادت عيناه إلى لونيهما الطبيعي والتفت إلينا.. ثم لم ينطق حتى استقرّ بعينيه عليّ: 

- كما ترين عزيزتي، فإن طاقتنا للإعمار أكثر من كونها للخراب، يعتمد الأمر على غاية حامل الطاقة.

كم كرهت تركيزه على كلمة عزيزتي.. ولو لا وجود الحاضرين لأخرجت له لساني..
لكن بدل ذلك قلت:

- كيف نعرف إن كنا من حاملي هذه الطاقة؟

مرّت ثانيتَي صمت.. وكأنه يتأكد من جدية سؤالي قبل أن يجيب.. ثم قال بصوته العميق وهو يخاطب الجميع:

- الشرط الأول، الإيمان المطلق بوجود طاقة الأرض. الشرط الثاني، البحث في أعماقك عن هذه الطاقة، هل تجد رابطاً بينك وبين الأرض؟ بعد تحقيق الشرط الأول لن يكون الشرط الثاني صعباً كما قد يبدو. الشرط الثالث، الصبر والتأني. بعد عثورك على الرابط فإن مرحلة إظهار الطاقة يتطلب الكثير من الجهد وقد تراودك الشكوك واهتزاز إيمانك بالطاقة خلال هذه المرحلة.. وعادةً تكون أول خطوة لنجاحك هو انجاز بسيط كتحريك حبة تراب من الأرض.. ثم مع التدريب تكبر قدراتك.. وهذه الشروط تنطبق على جميع الطاقات.

همست رفل بهيام وهي تكاد تذوب به:

- أنا أؤمن بأي شيء تقوله.. لقد آمنت.. آمنت بأنك أوسم رجل رأته عيني.

قلتُ باشمئزاز:
- توقفي قبل أن أستفرغ.

تجاهلتني وهتفت بحماس:

ـ أنا أؤمن بها، كيف أبحث عن الرابط؟

ـ سأترككم تتحركون بحرية داخل الغابة.. تبحثون عن صلة تربطكم بها.. إحساس في أقصى أعماكم لا يجده إلا صاحب هذه الطاقة.. لديكم ساعة قبل أن يحين موعد الغداء.. حال سماعكم لصوت الجرس عليكم العودة إلى هذه الساحة، واضح؟

وافق الجميع على شرطه ثم بدؤوا يتفرقون بهمّة ليدخلوا في أعماق الغابة.. أمسكت رفل بذراعي وهي تقول:

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن