الفصل السادس

934 85 132
                                    


شكّل عدد من الطلاب دائرة حولي وحول ليال.. أما العدد الآخر فاكتفى بالمشاهدة بقلق.. ما بين خوف من التدخل وخوف ممّا على وشك أن يحصل.. تصلّب جسدي ونظرتُ من حولي إلى الوجوه التي كان بعضها مستمتعاً والبعض الآخر حاقداً.. أتساءل ما الذي فعلته لأستحق كل هذا الكره والعداوة؟.. تحدثت الفتاة التي هددتني في درس يوم أمس وقالت:

ـ ما رأيكِ أن نخمد بعضاً من غروركِ علّك تتصرفين بتواضعٍ مع الطلاب والأساتذة؟

قال الشاب الذي يقف بجانبها:

ـ إن لم يستطع الأساتذة وضع حدٍّ لكِ فيمكننا القيام بالأمر بدلاً عنهم.

تدخلت ليال لتقول بنبرة مهتزة:

ـ ما الذي تحاولون فعله؟ ألا تخشون العقوبة؟

ضحكت الفتاة الحقودة:

ـ بالله عليكِ، أي عقوبة التي قد تخيفنا؟ كلّ ما سنضطر لفعله هو تنظيف بعض المباني أو ترتيب كتب المكتبة.

نظرتُ إلى ليال وقلتُ لها:

ـ ابتعدي من هنا.

قال الشاب:

ـ لن تخرج أيّ منكما من الدائرة.

حدقتُ به لأقول بين صكّ أسناني:

ـ ليس لها علاقة بما يحدث.

ـ بل كلّ من يقف في ظهركِ يستحق أن يذوق المرّ معك.

كرّرتُ بحدّة وقد بدأت حرارة تنتشر في صدري:

ـ دعوها وشأنها.

مالت الفتاة برأسها مع ابتسامة متلذذة:

ـ وإلا ماذا؟ ستخبئينها معكِ داخل الصندوق ثم يغمى عليك؟

فجأة بدأت الأرض تحتي وتحت ليال تهتز.. نظرتُ إلى الأسفل بأنفاسٍ محبوسة.. اهدئي أيتها الأرض.. لكنها لم تهدأ.. فلقد وحدوا قوتهم ضدي.. طاقتي لا فائدة منها أمام توحد طاقاتهم.. أمسكت بذراع ليال وحاولت جرّها معي إلى خارج الدائرة.. لكن سرعان ما ارتفع جدار أمامنا.. حاولتُ اتخاذ الجهة الأخرى لكن حصل الأمر ذاته.. وهكذا مع كل محاولة يظهر جدار آخر يمنعنا من مغادرة دائرة العقاب.. حتى أصبحنا محتجزات بين الجدران الصلبة.. لكنهم لم يكتفوا.. بل بدأت المسافة بين الجدران تتقلّص.. تضيّق علينا المساحة.. تخطط لتحطيمنا.. صرختُ بهم وأنا أثور غضباً:

ـ توقفوا أيها السفلة! 

سمعتُ ضحكتها وهي تقول:

ـ ماذا؟ هل اكتشفتِ أن الصندوق لن يكون خلاصكِ هذه المرة؟ بل على العكس سيكون هلاككِ؟

نظرت إلى ليال.. وتعابيرها المرتعبة لم تزد صدري إلا اشتعالا.. لقد أصبح المكان ضيق للحدّ الذي يجعل الجدران تدقّ في ظهورنا.. تسير نحو خطواتها الأخيرة لتحطيمنا.. شعرتُ بالرعشة تصيب جسدي.. لكنها لم تكن رعشة الخوف كما الظاهر على ليال.. بل رعشة الغضب.. أغمضتُ عينَي متجاهلةً ضيق المكان الذي بدأ يؤذينا.. فتحتُ كفَيّ وأخفضتُ رأسي إلى الأسفل.. صرتُ أسمع بكاء ليال.. ثم صراخها وهي تتوسل إليهم أن يتوقفوا.. أمرتُ الأرض بالتحرك.. بإبعاد الجدران عنا.. لكنها كانت تجد صعوبة بمقاومة طاقاتهم.. كنتُ أشعر بها تحاول.. فتخفق.. ثم تحاول.. وتخفق مجدداً.. ومع صرخة ليال المتألمة حرّرتُ صرخة غضب رجّت بين الجدران وشعرتُ بها تنزاح عني بشكلٍ سريع.. لكني لم أتوقف عن الصراخ.. لم أتوقف عن رغبتي القاتلة بالانتقام.. تناغمت صرختي مع صرخات أخرى.. أحسست بهزّات في الأرض.. لكن لم يكن لشيء أن يوقفني.. سوى نداء ليال حين هتفت:

جامعة نايلوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن