جامعة نايلو

الفصل الحادي عشر

كنتُ قد تحسنتُ بما فيه الكفاية لحضور درس جيوم في اليوم التالي.. لم يكن قد تبقى من نزلة البرد سوى صداع خفيف وحرقة في العينين.. لكن لم يشكلان مشكلة في التدريب.. ما شكل مشكلة كان أمر مختلف تماماً.. تصرف جسدي الغريب.. أو لأقول تصرفاتي الغريبة.. بينما كان جيوم طبيعي ويتصرف كعادته مع طلبته ومعي كطالبة، كنتُ أشعر بالاضطراب كلّما تلاقت أعيننا أو خاطبني أو علّمني شيئاً.. وكان الاضطراب يتنوع.. أحياناً خفقات قلبٍ سريعة.. وأحياناً أخرى أنفاس مضطربة.. وغيرها كانت الحرارة التي تقتحم وجهي فجأة لتجعلني أرغب بإخفائه بأي طريقة ممكنة.. في النهاية سألتني ليال بقلق:

ـ هل الحمى سبب إحمرار وجهك؟ بدأتِ تقلقينني..

وضعتُ يدي على جبيني وقلت بتلعثم:

ـ أ..أعتقد..لكن لا تشغلي بالكِ.. فأنا أفضل بكثير اليوم.

عقدة جبينها مؤكدة لي بأنها لا تصدقني تماماً.. وأنها ما زالت قلقة.. حين انتهى الدرس أمسكتُ بذراعها وأسرعتُ قبل الجميع نحو المطعم.. سألتني باستغراب:

ـ لمَ العجلة؟

ـ سيقتلني الجوع.

ضحكت ليال وأسرعت من خطواتها معي.. لم أستطع منع نفسي من إلقاء نظرة أخيرة إلى الخلف.. فالتقت عيناي بعينيه التي راقبتني من بعيد.. ولمحتُ ابتسامة خفيفة على شفتيه قبل أن يعيد تركيزه إلى طالب طرح عليه سؤالاً.. وضعتُ يدي على صدري.. أتحسس نبضي المجنون.. حسناً.. لا يمكن التساهل مع ما يجري.. عليّ تجنب جيوم قدر المستطاع من اليوم وصاعداً.. 

*****

كانت محاضرة هيلانة عن بلاد جديدة وكوارث إنسانية جديدة.. حدثتنا عمّا يعانيه الأطفال من استغلال بسبب جشع أهلهم المادي.. فكانت تعرض علينا صوراً للضحايا الأبرياء والذي وصل الأمر ببعضهم للإنتحار بسبب بشاعة ما عانوه من استغلال البشر لهم.. كان الموضوع مؤلم.. ولم أفهم لمَ قد تسلط هيلانة الضوء على هذه الكوارث لكني وجدتُ نفسي أغلي غضباً حين خرجت من القاعة برفقة أصدقائي.. قالت رفل بانفعال:

ـ أشتهي إغراق جميع السفلة ليتطهر هذا العالم من قذارتهم ووحشيتهم.

قالت سالي بحقد:

ـ لأحرقهم.. ثم اغرقيهم..

أما همام فقال شيئاً جعلني أتوقف عن المسير:

ـ أيكون الهدف من تدريبنا هو معاقبة البشر السيئين؟

توقف الآخرون وقد جعلهم السؤال يدرسونه بحَيرة.. لمَ يبدو تفسيره منطقياً ومقنعاً؟.. فهذا يفسر سبب تسليط هيلانة الأضواء على وحشية البشر وما يفعله.. قال آسر بتفكّر:

ـ إذن.. نحن أشبه بالجيش السري.. مهمته تطهير العالم من البشر المؤذين؟

سألته: