أوّل أيّام الزواج

991 41 21
                                        

مرّت ثلاثة أيام على زواجهما، في اليوم الأول لم ترد الخروج من الغرفة لكن عندما أحست بالجوع فهمت أنها لن تستطيع البقاء طويلا بدون مواجهة، لم يطرح ياغيز عليها أسئلة عن ليلة البارحة وكأنها لم يغمى عليها وسط الجميع، أمر من المستحيل ان يحدث في العادة لكنه يحصل مع هازان ..
دخلت المطبخ وجهزت فطورها ولم تسأله ان كان يريد أن يأكل معها، قررت ان تتجاهله ولكن تبين بعد ذلك أنه لم يُلاحظ أو لم يهتم، شرب قهوته أمام التلفاز ثم تصفح هاتفه قليلا قبل ان يتلقى اتصالا ويخرج، دون ان يوجه اليها كلمة واحدة وشعرت هازان بالغيظ لأنه تجاهلها ..

لرُبع ساعة كانت تتجول في البيت مغتاظة من تصرفه، كيف لا يهتم لحالها او يسأل عن صحتها بعد ما حدث لها البارحة، ثم قررت ان تتصل بأختها لتخبرها بما حدث بعد ان فقدت هازان الوعي، أخبرتها أمينة ان الجميع خاف جدا خصوصا ياغيز، الذي تفقد نبضها ثم تحدث بكلمات غير مفهومة مع جيرين قبل أن يحملها ويُخبر الجميع انه سيأخذها للمشفى
" اه هازان كم كان واثقا، لقد كان مثل االطبيب فرمان بمسلسل الطبيب المعجزة !"
كشرت هازان وجهها وفكرت انه فعل هذا عمدا ليُظهر للجميع انه زوج محب والا لما خرج دون ان يسأل عن حالها ..
واصلت أمينة حديثها عن المدعوين، طبعا حدث كهذا لن يمر بدون نميمة، لقد سمعت جارة لهم تقول ان هازان حامل وهذا سبب زواجهم السريع..
تملك هازان الغضب وبدأت بالصراخ والشتم، لقد ملت من هؤلاء الأقارب والمعارف الذين يضعونها طوال الوقت تحت مجهر ليراقبوا تصرفاتها، كفأر تجارب في قفص، ولولا حماسها بالاثاث الجديد لكسرت كل شيء لتُنفس عن غضبها ..

أرسلت اليها أمها غداء العروسين، لكن ياغيز لم يعد، أكلت وغسلت المواعين، ثم دخلت الغرفة الثانية التي نام فيها ياغيز، لم تكن مؤثثةً بعد حين زارت هازان البيت، وضع فيها أريكة تتحول الى سرير ومكتب و مكتبة مُلئت كتبا باللغة الانجليزية، فتحت كتابا ولم تفهم منه شيء وبعد تقليب الصور عرفت انه كتاب عن التشريح، أيُعقل أنه قاتل متسلسل ويتعلم كيف يُخفي الجثة حتى لا يُكشف، ربما هو يتزوج ثم يقتل زوجاته والا لماذا ليتزوج بها !
" ماذا تفعلين؟ "
قفزت مكانها مرتعبة وسقط الكتاب من بين يديها، نظرت اليه برعب ثم خرجت مسرعة ودخلت غرفتها وأقفلت الباب من الداخل ..
استغرب من تصرفها الغريب ثم أخذ الكتاب ووضعه مكانه ثم اتكأ على الأريكة ونظر الى السقف ..
احس بها تراقبه، ابتسم ولم يتكلم ولكنه انفجر ضاحكا عندما سألته
" هل أنت قاتل متسلسل ؟"
بعد ان انتهت نوبة الضحك قال لها
" لديك افكار غريبة، كيف تفكرين بهذه الطريقة ؟"
" رأيت كتابا عن التشريح!"
" وخطر لك انني اقرأ كتبا لأتعلم طرقا جديدة أقتل بها ؟"
" لماذا ستملكها اذن ! لتدرس الطب ! "
ابتسم ساخرا وقال
" ان اكون قاتلا منطقي اكثر من ان أكون طبيبا، أنت محقة !"
خرج من الغرفة متوجها لقاعة الجلوس وهو لا يزال يضحك، تبعته وقالت
" يجب ان نجد طريقة حضارية لنتعامل بها مع بعض! لماذا تتجاهلني ؟"
" أفعل كما تفعلين، لا أريد اجبارك على شيء، فهمت هذا الصباح انك لا تريدين الحديث معي فاحترمت ذلك ! "
جلست امامه وقالت
" لكنك لم تسأل عن حالي ! لقد أغمي علي!"
" اخبرنا الطبيب أنك تعرضت لنوبة هلع لكنه اعطاك مهدئا ونمت حتى الصباح "
كادت ان تتكلم ولكن طرقا على الباب اوقفها، فتحت الباب فاذا هي امها وأختها أمينة وزوجة أخيها ياسمين ..
دخلت فضيلة تنظر الي المنزل الصغير المكون من غرفتين وقاعة جلوس بعين ناقدة ثم وقفت أمام ياغيز ومدت يدها ليقبلها قائلة
" من العادات ان تزور عائلة العروس ابنتهم ليطمئنوا عليها ! "
امسك ياغيز يدها واكتفى بالمصافحة مع ابتسامة باردة، كان قد فهم من نظراتهن انهن يردن البقاء بمفردهن لكن طفل مشاغب داخله جعله يجلس معهم ويدعي عدم الفهم ..
هازان اعتقدت ان امها سامحتها وستعودان كما كانتا لا تفترقان، فكانت تركض من مكان لآخر سعيا لراحة امها، قدمت الشاي مع الكعك، ثم قدمت الغلال وهاهي تسأل للمرة الرابعة ان كانت أمها تريد قهوة ..
لكن فضيلة لم ترى سعي ابنتها وجهودها وقالت عندما فقدت الامل في ان يخرج ياغيز
" فضيحة اخرى سنتحملها بسببك هازان ! عِوض ان اتلقى مباركات بزواجك اتلقى مباركات عن حملك ! "
لم يفهم ياغيز لماذا تتحدث فضيلة عن الحمل لكن ياسمين شرحت له ان الجميع ربط اغماء هازان البارحة بالحمل ..
ضحك ساخرا وقال
" هل خطر على بالهم ان تكون حامل، هناك اسباب كثيرة تجعل الانسان يفقد وعيه كنقص في الحديد او الفيتامين دي او نوبة هلع كما حصل مع هازان بكل بساطة ! هل سوء الظن مادة تدرسونها في المدرسة ! "
لا يكفيه انه فقير لتكرهه فضيلة لكن سخريته وتهكماته تجعلها تتمنى لو ان القتل مباح لقتلته عشرين مرة عل غضبها ينقص، لكنها اكتفت بأن رمقته بنظرة غاضبة قبل ان تمد شيئا من حقيبتها وتعطيه لهازان ..
لم تفهم هازان ماهذا الشي واضطرت لتقرأ الاسم على العلبتين مرتين لتدرك مالذي تطلبه منها أمها، اصطبغ وجهها باللون الاحمر وشعرت بجسمها كله يشتعل من الخجل، نظرت الى امها نظرات متوسلة وعندما لم تستجب لها وقفت وتوجهت الى الحمام
"توقفي!"
صرخ ياغيز وعقله يحاول ان يفهم ماذا حصل للتو، اخذ العلبة من يدها والتفت الى فضيلة غاضبا وقال
" لا أصدق انك تفكرين مثل جيرانك واقاربك! كيف تُحضرين لها اختبار حمل ! الم تُربّي انتِ هذه الفتاة ! ألا تعرفين أخلاقها ! "
وهل تخجل فضيلة ! وقفت مواجهة له قائلة
" كنتُ أعرفها ! قبل ان اجدها في غرف الفنادق تتبادل القبل معك او تُفسد خطبة انا اخترت عريسها لتتزوجك انتَ ! أصبحتُ أتوقع منها كل شيء ! "
" توقعي اذن انها لن تطيعك في كل شيء ! ولن تقوم باختبار الحمل هذا ! ليس لديها ما تثبته لأحد هل تفهمين !"
نظرت فضيلة الى هازان منتظرة منها ان تنصاع لأمرها وعندما لم تتحرك هازان صاحت فضيلة في ابنتها وكنتها ان يتبعاها ..

بعد ان خرجن ارتمت على الأريكة غير مصدقة ما خدث منذ قليل، ثم أجهشت في بكاء هستيري لم يتوقف ..
ليومين لم تترك هازان سريرها، تبكي طوال الوقت، ولم يستطع ياغيز جعلها تتكلم او حتى تأكل، هذه المرة جرحتها أمها جرحا من الصعب أن يندمل، وحتى في هذه الحالة لم تقدر على المواجهة او الدفاع عن نفسها وتركت شخصا آخر يدافع عنها، الى متى ستظل ضعيفة هكذا، تُجرح من اقرب الناس منها ..

كان ياغيز يقف امام سريرها وقد أصر هذه المرة على جعلها تأكل، أحضر صينية الاكل وجلس يراقبها، كانت جائعة فلم تعارض وبينما هي تأكل قالت فجأة بحزن
" كيف تستطيع الأم ان تجرح ابنتها؟ "
بادلها النظرات الحزينة ولكنه لا يملك جوابا يقنعه او يقنعها
واصلت كلامها دون ان تنظر اليه
" هل كانت أمك تجرحك ؟"
اندهش من السؤال وارتبك، امه، لقد مر وقت طويل لم يذكر أمه ولم يذكرها له أحد ، نظرت اليه منتظرة اجابته فقال بصوت مبحوح
" ماتت أني عندما كنت في عمر العاشرة .. "
اعتقد ان الموضوع انتهى لكنها قالت بصوت حزين
" أنا آسفة، أتشتاق لها ؟"
نظر الى هازان بصدمة، سؤال لم يطرحه على نفسه حتى، امه في زمن بعيد عنه، لا يتذكر حتى متى آخر مرة تذكرها، كيف تحولت امه من اهم شخص في حياته الى ذكرى في طي النسيان ..
امتلأت عينيه بالدموع وأجابها وهو يبحث في ذاكرته عن أمه
" أعتقد أنه لم يُسمح لي بأن أشتاق اليها! لطالما كانت مريضة طريحة الفراش قليلا ما كانت صاحية، كان مسموحا لي أن اراها عشر دقائق فقط في اليوم، وتكون في هذه اللحظات متعبة، أحيانا أعتذر واخرج من الغرفة قبل انتهاء الوقت المحدد لي ! انا لم ادرك انني لن احصل من امي الا على تلك الدقائق التي كنت انتظر ان تنتهي بسرعة لأعود لغرفتي ! لا اعرف عن الامومة سوى العشر دقائق المملة التي لا يحدث فيها شيء سوى سعال أمي !"
كانت هازان تنظر اليه بحزن، تنظر الى الطفل ذي العشر سنوات الذي لم يعرف يوما حضن الأم ولا حنانها ولم تعرف ماذا عليها ان تقول، نسيت فجأة مشكلتها مع أمها، ارادت ان تقول كلمة تواسيه فكرت كثيرا ثم قالت
" من يسمعك تتحدث سيعتقد أنك بُرجوازي، يأخذ اذنا ليرى أمه ! ام هل كانت امك في السجن ؟ هل قتلت أمك أباك وهي حامل بك وولدت انت في السجن ؟ "
نظر اليها غير مصدقا ثم انفجر ضاحكا وقال وهو يأخذ الصينية جانبا
" ماذا تفعلين عادة في هذا الوقت ؟ هل نخرج ؟"
" أتابع مسلسلا مع اختي !"
" هيا ضعيه، سأتابعه معك !"
نظرت اليه باستغراب كيف تحول مزاجه من الحزن الى المرح فجأة ثم فكرت قليلا وقالت
" حسنا، اشتري انت المكسرات وأنا سأجهز الشاي !"

فتاة بطعم العُليقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن