كانت جالسة في السيارة البيجو التي استأجرها البارحة بعد أن تحمس لفكرة العطلة، ثم حجز الغرفة الوحيدة المتبقية بالنزل الجبلي ..
لم توافق في بادئ الامر، فالأمر يتحول رويدا رويدا الى سيناريو فيلم رومانسي سيّء، ضحك من مزحتها وقال
" أنتِ تقرئين أفكاري !"
كان الطريق رائعا، راقبت الشمس الخجلة التي لا تزال تواصل طريقها لعنان السماء والعشب الاخضر ينفضّ عنه ندى الليل والجبال الثابتة الصماء من ورائهم، اختارت الصمت لأنها تعرف ان الصمت يزيدها هيبة وعظمة..
ارادت ان تبدو غير مهتمة، لكن لم تستطع اخفاء انبهارها بهذه اللوحة الالاهية البديعة، ورغم برد الصباح فتحت النافذة واخرجت رأسها للتنفس الهواء النقي، ثم التفتت لتنظر اليه، كان تركيزه منصبا على الطريق،لا يبدو عليه التوتر، لم يُخفي سعادته بتصالحهما، بل هاهو يخرج في رحلة مع زوجته كأي زوج عادي ..
لماذا تشعر أنها كذبت عليه عندما أخبرته انها سامحته، بأنها لم تهتم اطلاقا بكل ما قاله، لماذا لا تزال متألمة من كل كلمة قالها لها ..
كيف تتخطى هذا الوجع في قلبها، خيبة امل لا تفهم لماذا تشعر بها، فهي لم تحلم احلاما لمستقبل وردي يجمعهما ولم تعلق آمالا لحب قد يولد بينهما ..
عليها ألا تهتم، أن تُصدّق كذبتها، عليها ان تكرر انها لا تهتم أربعين مرة حتى تصبح حقيقة ..
وصلا أخيرا الى وجهتهما ، بيت كبير خشبي تبيّن أنه المبنى الرئيسي للنزل ويتضمن الاستقبال، المطعم وقاعة مخصصة للحفلات، سجلا قدومهما وأخذا مفتاح غرفتهما ليخرجا من المبنى الرئيسي ويمشيان عشر او عشرين مترا في وسط الغابة حتى وصلا الى غرفتهما ..
لم تكن غرفة صغيرة بسرير واحد، بل كانت مكونة من غرفتين وحمام كما وصفها ياغيز، بل كانت متكونة من مدخل صغير يؤدي الى غرفتين يجمعهما حمام مشترك، نظرت اليه بغضب محبب وضحك هو مستمتعا بردة فعلها ولم يرد ان يفوّت فرصة لملاحظاته الساخرة
" هل خربتُ مخططاتك !"
نظرت اليه بتعجب وفضلت ان لا تجيبه، ففي هذه المواضيع هو الذي يكسب دائما ! ولكنها صرخت فجأة
" لا يوجد تلفاز !"
نظرت الى هاتفها بسرعة واكملت والخوف متجلي على وجهها
" ولا يوجد تغطية ايضا !"
كان يفرغ حقيبته الصغيرة عندما دخلت غرفته لتسأله
" ماذا سأفعل طوال ثلاثة أيّام بلا تلفاز او هاتف ؟"
مد من حقيبته كتابا وأشار اليه مبتسما، لكنها كشرت ودخلت غرفتها واغلقت الباب بقوّة، عليه ان يتعامل طوال ثلاثة ايام مع مزاجها الذي يتغير كل دقيقتين ..
ظل واقفا يطرق بابها بصبر
" هيا هازان، سنفطر فطور الصباح ثم نتجول في الغابة، يوجد الكثير من الانشطة، يوجد رحلة (randonée) ستنطلق بعد ساعة، سينفعنا الهواء النقي و سيجعلك تسترخين، ثم يوجد ملحق أضافوه به السونا ومنتجع صحي ويوجد حمام سباحة داخلي ! "
فتحت الباب فجأة وقالت
" لن أقوم بأي نشاط معك ! سأفطر ثم أعود الى الغرفة !"
نظر اليها بعدم فهم ثم تبعها، لم يتحدثا طوال الأكل، استطاعت ان تغير مزاجه من البهجة الى التوتر، بعد أن انهى اكله، لم يقترح عليها ان تأتي معه واتجه نحو الاستقبال ليسأل اين ستبدأ الرحلة وكيف ينظم، تركت المضيفة الجميلة تشرح له بكل رحابة صدر وعادت الو غرفتها بعد ان القت عليها نظرة غاضبة ..
لم يتقابلا طوال اليوم، استمتع بالمشي لمدة ساعتين مع مدرب وبعض النزلاء الذي تعرف على أغلبهم، واتفقوا بعد عودتهم ان يلاقوا في المسبح بعد ساعة، عاد الى الغرفة فلم يجدها، استحم وجلس في الشرفة يقرأ قليلا وقد عادت له بهجته وحماسه بهذه العطلة، مع قليل من الاسترخاء في المسبح لن تستطيع هازان ان تفسد مزاجه بنزواتها ..
اما هازان، فبعد الفطور عادت مباشرة الى غرفتها غاضبة منه و من نفسها، لا تفهم لماذا لا تتخطى ما حصل بينهما وتنسى، ولكن فكرة الانتقام الغبية جعلتها لم تفرغ ما في جعبتها، بعد ان اصبحت الجدران تخنقها خرجت لتجلس في الشرفة، كانت ترى الأشجار النضرة، والأغصان والأزهار المفتّحة، وأنواع النباتات المختلفة، وقد زادها الندى روعة وجمالا حتى أنّ الناظر يَخَالها فراديس الجنان ليكتمل المشهد مع زقزقة العصافير و صوت انسياب المياه من الوادي القريب فيصبح أجمل سنفونية طبيعية تشعر بها، تخلى عليها غضبها وتركها مع افكارها وتساؤلاتها، عليها ان تعترف لنفسها بالحقيقة، تدين بهذا المكان الرائع بالحقيقة، انها لوحدها لا مانع ان تعترف للحظة، قد يمحي عنها الاعتراف الغضب والتوتر، انها تتغيّر، تخاف من هذا التغيير الذي يحصل لها، بل ترتعب منه، تخاف ان تتحول الى امرأة هشّة، امرأة حياتها تتمثل في انتظار حب رجل، حياة مرتبطة به، كلمة تسعدها، او كلمة تقتلها، ولكن هازان تدرك ان الاوان قد فات، وانها في منتصف الطريق، تخاف ان تتقدم، وترتعب من فكرة ان تعود الى الخلف ..
أنت تقرأ
فتاة بطعم العُليق
Romanceهازان الفتاة المغرورة، تتغير حياتها بسبب صدفة غريبة جداً، حيث تلتقي في فندق فخم برجلٍ لا تطيقه، لكن الأقدار تجمعهما دائماً.
