آن الأوان لتعود الى بيتك

827 38 11
                                        

مر اسبوع على رحيله، كانت جالسة تقلّب بهاتفها بينما تتناقش  امها واختها مالذي ستطبخان اليوم، منذ ان عرفت عن قصة السفر مر كل شيء بسرعة بعدها، يومان وذهب، لم ينفصلا عن بعضهما في ذينك اليومين، ارادا ان يعوضا البعد الذي ينتظرهما، اما هازان فأرادت ان ترسخ كل لمسة وكل قبلة في ذاكرتها، تجاهلت الأصوات التي تصرخ في عقلها عن ماضي زوجها، وعم يخبئه عنها، كما تجاهلت ذلك الاحساس الغريب الذي سيطر عليها ويضيق صدرها، هذه الرحلة ستغير حياتها الى الابد، ومع ذلك ازاحت كل الافكار الشكوك والهواجس واستسلمت لنعيم قربه ..

لم يكلمها الا ثلاث مرات في الأسبوع الأوّل، اما يكون منشغلا طوال اليوم، او القرية التي هو فيها لا تلتقط اشارة، ولا علم لها متى ستنتهي هذه الرحلة ويعود اليها زوجها ..
كم تبيّن لها في هذه الايام القليلة انه اصبح اساسيّا في حياتها وانها لا تتخيل ان تعيش يوما بدونه، يمر يومها بالتفكير فيه وانتظار رسالة او اتصال منه ..
هزتها امها لتجيبهما فلما رأت الام حالة ابنتها قالت بانزعاج
" هذه فقدت عقلها عندما سافر ذلك المتكبر !"
ثم التفت لابنتها الكبرى وقالت
" ما حركات المثقفين هذه، تطوع ومساعدة الفقراء ! ساعد نفسك اولا واشتري بيتا وسيارة ثم فكر في الاخرين !"
لم تعلق ابنتاها، فمهما فعل ياغيز، لن ترضى عنه فضيلة

كان قد أنهى معاينة كل مرضاه، خرج من الخيمة الطبية التي نصبوها في ارض خالية من  أجل تطوّعهم فوجد جيرين مع بعض الأطباء المتطوعون يدخنون سجائر ويشربون القهوة، ما ان اقترب منهم ياغيز حتى قالت جيرين موعظته الشهيرة عن أضرار التدخين، تحدث معهم قليلا عن الاوضاع الصحية المتردية في هذه الأماكن النائية ثم ابتعد قليلا ليتصل بهازان، يشتاق اليها بجنون، لو يستطيع لبقي معها على اتصال اربع وعشرين ساعة، يريد فقط ان ينهي عمله ليعود ويضمّها ويشم رائحتها التي لا تذهب من عقله، تحدثا قرابة النصف ساعة، عن كل شيء ولا شيء، احيانا يصمتا ويسمعا فقط صوت انفاسهما، كقصة حب بريئة تنشأ بين مراهقين، واحيانا يتحول لمنحرف ويسألها مالذي ترتديه فتخجل ولا تجيبه ثم يقول لها كم اشتاق اليها وكم يتمنى ان يغمض عينيه ويفتحهما لتكون بجانبه وبين ذراعيه ..
ما ان انهى اتصاله حتى لاحظ انه لم يكن لوحده، رجل يلبس بدلة سوداء يعرفه حيدا واقفا قريبا منه ينتظر بصمت أن ينتهي ياغيز من اتصاله، تبادلا النظرات دون ان يتكلما، أخيرا قال ياغيز وهو يستعد للعودة الى الخيمة
" عد من حيث أتيت سيّد حليم ! "
قال الرجل الخمسيني
" يجب ان تأتي معي ! والدك يطلبك !"
نظر ياغيز الى المروحية من ورائه ثم عاد لينظر الى هذا الرجل بانزعاج لم يُحاول اخفاءه، ابتسامته الهازئة  كانت رده على طلب الرجل 
" تعرض والدك لسكتة قلبية، ولا يريد غيرك لتتدخل وتنقذه، طلبك قبل ان يغمى عليه، ياغيز لقد توقف قلبه لثواني، علينا ان نذهب لأنقرة الآن وفورا ! "
ظل جامدا يُولّي الرجل ظهره، لم يعد يوجد بينه وبين والده رابط يربطهما، قطع والده اخر ما يجمعهما عندما صدّق الاتهام اللعين الذي لُفِّق له، ليترك ياغيز يومها كل شيء، طفولته، بيته، حقه ويرحل دون عتاب ولا لوم ..

فتاة بطعم العُليقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن