لم تتحمل برودة أعصابه وتعامله مع ما يحصل لهما كأنه أمر عادي ومنطقي، بعد ان اخذا من البلدية الأوراق المطلوبة ها قد بدأ يجهزها كأنه يقوم بأمر روتيني، لا حدث سيقلب حياتيهما رأسا على عقب ..
وقفت وسط الشارع وقالت بصوت عالي
" لماذا تفعل كل هذا ؟"
التفت اليها ثم أمسك بيدها وتوجها الى الحديقة القريبة بعدما رأى بعض المارّة قد توقفت لتتابع بفضول مايحدث معهما، بينما أجهشت هي بالبكاء ما ان جلسا، لم تعد تستطيع تحمل الضغوطات التي تعيشها منذ ثلاث أسابيع، نظرت اليه مجددا بعينيها الباكيتين وأعادت السؤال، سؤال طرحه على نفسه أربع وثمانين مرة وفي كل مرة لا يحصل على جواب، لكنه مجبر على ايجاد جواب الآن
قال بسرعة
" لأن أمك طلبت ذلك !"
نظرت اليه بتهكم ففهم انه عليه ان يكون جادا أكثر
" لأنني أوقعتك في موقف صعب أمام عائلتك، مرّتين !"
تبيّن أن جوابه أقنعها، لكن بعد دقيقتين من التفكير بعمق نظرت اليه بتوجس وسألت
" هكذا من باب الشهامة! لا مصلحة لك !"
اعتدل في جلسته على الكرسي العمومي وقال ساخرا
" لماذا لا مصلحة لي ؟ سأحصل على زوجة جميلة، طعام ساخن آخر النهار، ثياب نظيفة وبيت مرتب .. "
نظر اليها ثم قال غامزا
" ومن يدري ليالي مؤنسة .. "
إحمرت خجلا ونهضت غاضبة وقالت
" لا خجل ! ماذا أتوقع من رجل مثلك !"
" لندع السخرية جانبا، هل يوجد حل آخر ؟ كل أقاربك وجيرانك قد نسجوا قصصا وحكايات عليك، ربما أمامنا يسردون الوردي منها لكن نعرف كلينا ما يقال خلف ظهورنا "
عادت لتجلس بجانبه اشارة منها ليكمل ويقنعها
" وأمك التي ضيقت عليك حياتك، كيف ستستحملينها، تخيلي ان انا انسحبتُ، لسنوات ستعايرك بتضييعك زوج حسب نظرها جوهرة بسببي !"
فكرت هازان قليلا ثم قالت
" لنقل أنا لدي اسباب مقنعة لأتزوج ومع ذلك لستَ من حلمت ان اتزوج به دوما "
رفع يديه معتذرا
" آسف لان ليس لي كرش واسناني مرتبة وبيضاء وشعري لم يتساقط بعد !"
ضحكت لأول مرة من سخرية ما تعيشه وقالت بجدية
" ولكنك لست غنيّ، وقبل ان تغضب او تتضايق من كلامي او تنظر الي تلك النظرة القاسية فهذه أنا، كل طموحي ان اتزوج من رجل غني يدللني "
" وأنا حلمتُ دوما من الزواج من طبيبة جراحة أنبهر كل يوم بذكاءها، ومع ذلك رضيت بك "
" وهل سترضى الجراحة بالزواج من عامل في فندق !"
ابتسم ساخرا يتسائل داخله لماذا الجميع يكرر أنه عامل بفندق لكنه لم يسئلها ..
اتفتت اليه مرة ثانية وسألته " لم تُخبرني بعد عن اسبابك لاتمام هذا الزواج!"
نظر الي عينيها عينيها السوداوين العميقين وقال
" بلى، أجبتك ! أريد أن أتزوج وأستقر ! "
" لكنك لا تعرفني ! "
نهض وأمسك بيدها ليجعلها تنهض ايضا واكمل وهما يسيران لاكمال اجراءات الزواج
" أعرف انك مغرورة وطماعة صغيرة ! "
كانت جالسة على سريرها تفكر فيما حصل معها هذا اليوم، كم حصلت احداث في هذه المدة القصيرة لم تحدث في حياتها اطلاقا، دخلت أختها امينة وبيدها مجلة واخبرتها ان امها طلبت منها ان تختار تصميما لفستان ابيض لتخيطه لها
" اذن هي لا تتحدث معي !"
قالت هازان بحزن فربتت أختها على كتفها وقالت مواسية
" ستنسى، اصبري قليلا ! ولا تلومي نفسك لأنك اخترت الزواج عن حب !"
رفعت حاجبيها بملل، كم ستتحمل بعد سماع هذه الجملة، هي فقط تفكر كيف ستتخلص من هذا المأزق، ان بدا لها الغاء الزواج مستحيلا، فستحاول ان تقنعه بالانفصال بعد أشهر من الزواج، فهي لا تستطيع ان تقتنع انه الشخص الذي ستقضي معه بقية حياتها، ورغم الفضول الذي يتملكها ورغم هالة الغموض التي يحيط بها نفسه فان احساسا داخلها يجعلها تُقدم على زواج بشخص لا تعرفه، شعور غريب يجعلها تمشي نحوه، في نهاية الامر هي لا تفعل شيئا غريبا فما اختلاف زيجتها عن زواج الصالونات، أخويها تزوجا بهذه الطريقة وهي كادت تتزوج بهذه الطريقة، الفرق الوحيد ان ليست امها من خططت لكل هذا، ليست أمها من اختارت العريس..
سخرت من التفكير في أخذ قرار، متى أخذت قرارها، لطالما كانت مستسلمة تاركة أمها تُسيّرُ حياتها، الفرق الوحيد انّ شخصا جديدا افتكّ الحبل من فضيلة وقرر ان يكمل هو تسيير حياة هازان ..
هكذا اذن، هناك أشخاص يأتون الى الحياة ليكونون تابعا، وهازان واحدة منهم ..
أخذها ياغيز هي وأمينة بعد يومين الى البيت الذي استأجره، لم تفهم لماذا استأجر بيتا ولم ينتقلا للبيت الذي يقطنه حاليا، لكن ارتاحت لأن البيت يبعد شارعين عن منزل والدتها، لسبب ما أحست بالأمان لأنها لن تبتعد كثيرا عنهم، كان قد وضع بعض الأثاث وسألها ان أرادت تغييرهم لكنها أخبرته انها لا تهتم، لقد كانت تكذب، هي تهتم، شعور غريب شعرت به ما ان دخلت البيت، مكان ستعمره هي بذوقها، هي الآمرة الناهية، هي من ستلقي الامر بأيّ لون سيُدهن الجدار، واين ستوضع الاريكة وأي غرفة ستكون غرفة النوم، أخفت هذا الشعور عن ياغيز وأظهرت أمامه اللامبالاة حتى تركهم وخرج بعد ان جاءه اتصال عاجل، حينها تحولت هازان وبدأت هي وأُختها تفرشان البيت وتضعان كل شيء مكانه، عادتا لبيت والدهم واخذتا جهاز هازان ووضعتا كل شيء مكانه ثم أغلقت هازان الباب واحتفظت بالمفتاح وشعورٌ جديد قد نما داخلها، ربما انتماء لمكان جديد ..
في الاعراس، توجد حوريات خفيات تنشرن البهجة والسرور، فترى العروسين تشع من اعينهما وقلبيهما السعادة، سعادة معدية تعدي الفتاة فتنظر الى حبيبها وتتسائل متى سيجلسان ايضا على طاولة النكاح وتعدي الزوجة الوقور فتنظر الى زوجها بحنين الى ذلك اليوم الذي قالا فيه نعم، حتى الزوجة الحزينة تطبع الحوريات على قلبها الامل والعزيمة لتتغير حياتها للأحسن والعزباء تتسائل اين ستلتقي بحب حياتها ..
تمر الفكرة في عقولهم لكنهم سرعان ما يعودون للنظر الى العروسين، يحتفلون بنصر حب جديد ويدعون لهما بالسعادة ..
فالزواج ليس عبارة عن سعادة دائمة، لكن منحنيات الحياة ومنعرجاتها هي ما تجعلنا نعرف قيمة رفيق الدرب ..
تساءلت هازان وهي ترفع دفتر الزواج بيسارها وتمسك بيمينها يد ياغيز وجميع المدعوين يضحكون ويصفقون من اين اتت كل هذه السعادة التي تشعر بها، كيف تنظر لياغيز بفرح، طبعا هي لا تعلم شيئا عن حوريات الاعراس ..
لقد قالت نعم منذ قليل لشخص لا تعرف عنه سوى اسمه، يتهرب من كل أسئلتها، أخبرها مرة أنه لا يعمل بالفندق كما اعتقدت، فرحت لكن فرحتها سرعان ما تلاشت حين اخبرها انه عاطل عن العمل حاليا ولم تستطع بعد ذلك ان تعرف عما ينوي فعله، بالنسبة لعائلته، حصل الامر نفسه غموض تام، مرة فقط سمعته يقول باقتضاب انه لا عائلة له، ولأنها تريد ان يعرف انها لا تهتم لأمره، كانت لا تصر على الاسئلة ولا على التغلغل الى حياته، ستخبره في الوقت المناسب انها لا تنوي الاستمرار في هذا الزواج، سخرت من جرأة افكارها، كأنها ستستطيع الطلاق، ان لم تستطع ان تقول لا للزواج هل ستستطيع يوما ان تفعل ما تريده ! لو تسمح امها بالطلاق لسمحت لجوهكان التعيس، نظرت الى ياغيز الذي كان يتحدث مع جيرين، مدعوته الوحيدة وشاهدة عقد زواجهم، هذا الشخص الذي قابلته اربع او خمس مرات في حياتها اصبح زوجها وسيتحتّم عليها ان تعيش معه الى آخر يوم في حياتها، سيشاركها كل تفاصيلها، البيت، الاكل، الفراش ..
ابتلعت ريقها بصعوبة عندما وصلت بتفكيرها الى ما ينتظرها، هي هي مستعدة لتعطيه جسمها وروحها، شعرت بضغط على صدرها، حاولت التنفس لكنها كانت تجد صعوبة كبيرة جعلتها تصدر صيحة صغيرة، تملكها خوف شديد واصبحت لا ترى شيئا حولها، تحول كل شيء الى سواد، حتى الاصوات التي كانت تسمعها بوضوح ابتعدت وكأن وضع بينهما حاجز ثم فجأة سقطت مغميا عليها وسط صياح لم تستطع سماعه ..
أنت تقرأ
فتاة بطعم العُليق
Roman d'amourهازان الفتاة المغرورة، تتغير حياتها بسبب صدفة غريبة جداً، حيث تلتقي في فندق فخم برجلٍ لا تطيقه، لكن الأقدار تجمعهما دائماً.
