كان متكأ على أريكته، لم يغمض له جفن، لم يتوقع أن يحدث كل هذا الليلة الماضية، لطالما كان يعتبره هدوءه موهبة، لم يكن ياغيز ضعيفا أو غير قادر على الحديث لكنه كان هادئا، كان يملك وعيا ومقدرة ليتحدّث في الوقت المناسب ، لذلك، عندما تكلم البارحة وهو غاضب، فقد قال أعظم حديث ندم عليه ...
كانت قد عادت البارحة من جمعتها وهي سعيدة، لم يسألها عمّ حدث، ولم يهتم، لا يستطيع التغاضي عن ذلك الجانب من شخصيتها الذي لا يُعجبه، والذي تجلى واضحا أمامه، أن تسعى لتكون محل أنظار الجميع، عكسه تماما، قضّى حياته كلها في الظل، أما هي فيشعر أنها تتغذى من المجاملات، حتى الانتقادات تجعلها تشعر انها افضل منهم وما انتقدنها الّا لغيرتهن منها ..
أراد أن يُسعدها، أن تشتري كل ما تريده من ثياب، ألا يرى النّساء حوله وفرحتهن وبريقهن وهن يشترين الثياب والفساتين، أراد أن يرى تلك اللمعة في عينيها، ولكنها، بدل أن تستمتع ظلت تقارن كل فستان وكل حقيبة وكل حذاء بما يمتلكنه بنات خالاتها، هذا ارتدته آسيا في الشهر الماضي وهذا تمتلكه دينيز، وهذا اشترته سارّة، ولأنه لا يمتلك دكتوراه في فهم عقل المرأة قال ببراءة " وماذا سيحصل إن اشتريت نفس الفستان الذي اشترته ابنة خالتك ؟"
ليسمع بعد ذلك محاظرة عن كل حركة وخطوة تفعلها البنت وتفسيرها عند الآخرين واعترف أخيرا أنه من الجيد أنه رجل، ولا يعيش في عالم مليء بالمنافسات التي لا تنفعهن ..
وبعد ساعة من التجول اختارت ثوبا أزرق سمراي وقالت
" سأشتري هذا فقط لترى آسيا أن كل الألوان تليق بي، ولست مثلها مضطرة ان ارتدي لونين او ثلاث طوال حياتي !"
لقد دفع أربعة آلاف ليرة لتشعر آسيا التي لا يتذكر وجهها أنها وُلدت بلون بشرة لا يسمح لها بارتداء كل ما تريده ..
عندما عادت، كانت في أوج سعادتها،كم تختلف السعادة من شخص الى آخر، فما يجعل هازان في كامل ثقتها ورضاها عادة ما يجعل ياغيز متوترا، ان تكون محط اهتمام الجميع تبيّن انه ليس حلم الجميع، لكن الواضح انه حلم هازان وقد تحقق اليوم، فقد استطاعت جذب فضول من حولها بفضل زوجها الوسيم ولم تنل فضولهن فقط بل نالت ايضا مدحنّ ..
قال لها
" كيف تستمتعين الآن بمدحن ومجاملاتهن وهنّ نفسهن اللاتي نعتنك بكل الصفات منذ شهر، لعوب، على علاقة مع شاب، حامل بدون زواج ! الا تعتقدين ان مجاملاتهن رياء ؟"
لم يكن كلامه بعيدا عن الصواب، ولم تكن هي بالغباء ليلا يخطر ما قاله على بالها، لكنها تعودت، هكذا عاشت، لم تُفكر ان كان ما يحصل منطقيا او حتى انسانيّا، كانت تتبع القطيع ، تتلقى اللوم والانتقادات والاتهامات في مصائبها ، وتتلقى المجاملات والمديح في رخاءها وفرحها ، ما مدى مصداقية هذا المدح، لم تفكر فيه سابقا !
هي فقط عليها أن تغتنم اي فرصة لتلقي المجاملات، وان كانت مجاملات بحظور سارة فيا مرحبا بها، لن تمل يوما من ان تثبت لسارّة انها الافضل في كل شيء، حتى الزوج الفقير الوسيم تغلب على الزوج الغني الأصلع ..
قالت له ببراءة مصطنعة
" وانا لم اتوقع مجاملات، لم اعتقد انهن يفضلن الزوج الحنون الوسيم والمرح- حاولت تذكر الصفات التي استعملنها في وصف زوجها - ذو العينين الزرقاوين والجسم الرياضي على زوج سارة الغني !"
"وكيف عرفن أنني مرح ؟ و .. حنون ؟ "
غمزت له قالت " أنا أخبرتهن !"
رفع حاجبيه بتعب وقال لها
" سأصدق فعلا أنّ هذا تفكيرك !"
نظرت اليه باستغراب، لم تشعر أنها تكذب، لم تشعر بالغيرة عندما رأت شقة ابنة خالتها الرائعة ولا الأثاث الأنيق، ولم تخجل عندما وُصف ياغيز بالفقير عدة مرات، لم يكن عيبا بالنسبة لها، لم تكن تعيسة طوال الثلاث اسابيع، على العكس تماما، كانت في قمة سعادتها، أيُعقل انها اصبحت لا تهتمّ للمال، وهوسها بأن تكون زوجة رجل غني قد بدأ يتلاشى لتأتي احلام اخرى مكانه ..
رفرفت بأهدابها بخوف، تحاول منع عقلها من استنتاج سبب تغيّرها، متى تغيّرت أهدافها، متى تغيّر مفهوم السعادة بالنسبة لها ..
نظرت اليه بخوف ونظر اليها باستغراب من تغيرها المفاجئ، ثم ركضت الى غرفتها واغلقت الباب خلفها، شهقت ووضعت يديها المرتعشتين على فمها، هي ليست مستعدة، هذا أكيد ليس حبا، لا يُعقل ان نحب بسرعة، هذا انجذاب، اعجاب تعوّد، لكن الأكيد هو ليس حبا، ألا يقول القدماء { من عاشر قوما أربعين يوما أصبح منهم } هذا ما يحصل مع هازان، ستُثبت لياغيز انها لم تتغير وانها لا تزال تحلم ان تكون غنية يوما، وبما أنه ليس الزوج الغني، فلن يكون زوجها الى آخر يوم في حياتها، ستُذكره أنه لم يكن يوما حلمها ولن يكون، ستتخطى هذا الألم الطفيف في قلبها وتُقنعه وتُقنع نفسها أنه لم ولن يكون شخصا مهما في حياتها ..
أنت تقرأ
فتاة بطعم العُليق
Romanceهازان الفتاة المغرورة، تتغير حياتها بسبب صدفة غريبة جداً، حيث تلتقي في فندق فخم برجلٍ لا تطيقه، لكن الأقدار تجمعهما دائماً.
