ستتزوجان

1K 41 7
                                        

كان جالسا في حديقة الشاي ينتظرها، اتصلت به أخيرا بعد ان دس ليلة الخطبة في يدها ورقة عليها رقمه، كان يعرف أنهما لن يستطيعا التحدث أمام الجميع، خصوصا بعد الفكرة المتهورة التي خطرت له عندما رأى أفراد عائلتها قد لحقوا بهما خارجا ليراقبوا بأعينهم ماذا يحدث ..
أرادوا مشهدا فأعطاهم ما أرادوا ..
لكنها فاجأته، مفاجأة كلما فكر فيها تجعله يشعر بفرشات في بطنه، سخر من حماسه وخجله كأنه يُقبل فتاة لأول مرة ..
غريبة هذه الفتاة، وغريب تأثيرها عليه، فتاة بطعم العليق كما يناديها ..
تذكر لقاءهما الأول، رغم أنه افرغ قارورتي خمر لكن وعيه وأفكاره لم تتخلى عنه، اصبح فقط يُلاقي صعوبة في المشي وفي الكلام، أما عقله الذي لا يتعب ولا ينام كان يلتقط كل ما يدور حوله ثم يذكره بمشاكله مع والده وفي عمله ..
كان جالسا على مقعد في الطابق الذي حجز فيها غرفته، الغرفة التي اصبحت بيته منذ اسابيع بعد ان طُرد من بيت والده بطريقة غير مباشرة، عندما رأى فتاة تخرج من المصعد وتمر أمامه بفستانها الأزرق المرصع بالاحجار وشعرها الاسود المربوط بطريقة جميلة فوق رأسها وشفتين ملونتين بأحمر شفاهي نبيذي، تبعها بعينيه وهي تتوجه نحو غرفتها، أراد رؤيتها مرة اخرى، اراد ان يُطبع وجهها الفاتن في عقله ليستحظره كلما اراد الهروب من بشاعة حياته، لا يذكر كيف استطاع الوقوف والمشي حتى الباب الذي اختفت وراءه، لا يذكر سوى عندما فتحت الباب ودهشة رقيقة ارتسمت على وجهها وهي تراه كجثة ملقاة على بابها، لم يكن عقله يستوعب ما تقول وكم كره سُكره لانه حرمه من سماع صوت متأكد أنه شجيّ وعذب لكنه كان يراقب شفتيها الجميلتان وهما تتحركان، في كل ثانية تثيرانه وتستفزانه ليتذوق هذا الخمر عله ينجح أخيرا بإذهاب عقله ..

صياح الفتيات جعله يصحو من سُكره، وفي ظرف ثانية تضاعف عدد المشاهدين الذين وقفوا يراقبانهما، فهم بعد ذلك انهم عائلتها، وان الرجل ذو الشارب الكثيف الابيض والعينين الغائرتين هو أبوها، والسيدة ذات الفستان الأحمر والنظرات النارية الغاضبة هي أمها، ثم عرف ان الشاب الذي انقض عليه يضربه هو أخوها ..
ما لم يفهمه كيف اصبح من غريب لاحق فتاة اعجبته الى عاشق ولهان ..
ثم فجأة ولا يعرف كيف وجد نفسه بغرفته ونسي بعد ذلك ما حدث له حتى انه اعتقد أنه حلم ..

عندما رآها بعد أسابيع تحرك شعور غريب داخله، وشعر بخيبة أمل لانها لم تتعرف عليه، لذلك اراد ان يعرفها اكثر، تمسك بالقشة التي اُرسلت له: أختها أمينة وأراد ان يعرف المزيد والمزيد عن هذه الهازان ..

هاهي أخيرا تنازلت واتصلت به بعد ليلة الخطبة، ثلاث أيام يمسك بهاتفه كطالب ثانوية يتمنى ان يكون كل متصل هي ..
لمحته جالسا يشرب شايه، اقترح ان يتقابلا بحديقة شاي، تأففت، أين ستلتقي بعامل بسيط، طبعا لن يقترح ان يراها بمطعم على البوسفور ..
بسببه ضاع ممدوح من يدها، أمها اصبحت لا تنظر في وجهها وسكان الحي يتهامسون حولها بشتى الحكايات والقصص، منهم من يستنكر تصرفها ومنهم من يثني عليها ..
في اليوم الموالي للخطبة، بعد أن خابت مل محاولات فضيلة في اصلاح العلاقة بينهم وبين عائلة ممدوح، دخلت عليها الغرفة وكادت تضربها ..
لم تترك ما لم تقله وصفتها بالغبية والكاذبة والساقطة ..
ثم عددت عليها ندمها على كل ما قدمته لها بدأ من رحمها وحليبها وصولا الى وقتها ومالها ..
وأخيرا، اساقطت على الارض وبدأت تضرب على فخذيها وتبكي وتنتحب على حظها في ابنتها ..
ولكن هذا كان فقط مقدمة لما جهزته لها فضيلة، فبعد ان خرجت الام للسوق وسمعت باذنيها سواءا همسا او كلاما مباشرا عما حدث مع هازان وعن معظم الحكايات المستنتجة عن فعلتها، عادت كغول جائع ..
طوال اليوم تصرخ على الجميع، أعلنت الحرب وقررت ان الكل عدوّها !
زوجها وابناءها وحتى احفادها !
وبعد ان رأت ان الصياح لا يجدي نفعا، انتقلت الى الخطة ب، أعلنت اضراب جوع مصاحب لبكاء متواصل طوال اليوم ..
فكرت هازان ان تخبر أمها بحقيقة ما يحدث، ان ذلك الشاب غريبا لا تعرفه ولا تكن له سوى الغضب لكنها لم تترك لها مجالا، لم تسمح لها بمخاطبتها ولا الاقتراب منها ..
وهكذا، مرت ثلاث ايام كالحداد في بيت شمكران، الام تبكي من جهة والابنة تبكي من جهة اخرى ولا حل سوى الانتظار، انتظار المرحلة القادمة التي ستعلنها فضيلة ..
ولم تتأخر كثيرا، فبعد محاورات مع أختيها في الهاتف دامتا ساعات، فتحت عليها الباب عنوة هذا الصباح وقالت لها آمرة
" قولي لذلك الخسيس أنني أريد مقابلته "
احتاجت دقيقة كاملة لتفهم عمن تتحدث امها قبل ان تكتشف المصيبة الكبرى ولكنه تسبب في ذلك وهو من سيعترف لأمها بكل شيء ..
بحثت عن رقمه في سلة المهملات بعد أن رمتها تلك الليلة واتصلت به، واقترح ان يتقابلا بحديقة الشاي!

فتاة بطعم العُليقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن