اذهب

831 45 8
                                        

كان واقفا أمام غرفة مكتبه ينظر الى الأريكة عندما أتت ووقفت بجانبه
" سأرميها حتما ! لقد كانت سجني ليالٍ !"
ضحكت هازان وتركته لترد على هاتفها، منذ ثلاث أيام وهما في عُزلة عن العالم، أغلقا هاتفيهما وتفرّغا لبعضهما البعض، وكما توقعت، فقد كانت أمّها المتصلة، لم تخف الأم عندما لم تتحصل على ابنتها لثلاث أيّام، فقد كانت متأكدة مما سيحصل، فابنتها لا تكسر لها كلمة، أخبرتها ان الجميع سيجتمع عند خالتها ليتمنوا لها الشفاء ويحاولوا ايجاد حل لمصيبة قدير، لكن هازان اعتذرت عن القدوم لانها هي وياغيز ينتظران ضيفا ..

ليعتذر عمّ بدر منه من تصرف وقح عندما لم يذهب الى موعده مع جيرين، اقترحت هازان ان يدعوها للبيت، فهي ترغب في التعرف على صديقة زوجها الوحيدة ..

جهزت هازان الضيافة على اتم وجه، فجيرين هي اول ضيفة في بيتها، وهازان ارادت ان يكون كل شيء متقن وبلا عيوب، البيت مرتب والطعام جاهز، وصلت جيرين في معادها ولم تنس ان تذكر ياغيز بأهمية القدوم في الموعد ثم سلّمت على هازان وقدمت لها هدية البيت، جلسوا قليلا يتبادلون مختلف اطراف الحديث عن البلد، السياسة والصحة ثم انتقلوا الى المائدة ، مر كل شيء على ما يُرام، فقد كانت جيرين لطيفة سهلة التعامل، استطاعت هازان ان تتخلى قليلا عن خجلها وتندمج في الحديث فلا يمكننا ان نقول ان هازان شخص اجتماعي، ولكنها لم تستطع ان تجاريهما في نقاشاتهما، فياغيز وجيرين كانا كقط وفأر، لم يتفقا مرة واحدة منذ جلسا، ان قالت شيء يعارضها ياغيز فورا وان مدح ياغيز امرا ذمّته جيرين ..
كانت هازان تراقبهما اغلب الوقت مستغربة كيف استطاعا ان يكونا صديقين وهما لا يتفقان، وكأن جيرين سمعت ما يدور في عقلها فقالت لها
" لطالما كنا هكذا ! إنّه لا يُحتمل !"
ضحك ياغيز بسخرية مكتفي ب " ايه " كإجابة فأكملت جيرين
" لو لم يكن التركي الوحيد بالجامعة لما تحدث معه دقيقتين ! لكنني كنت مضطرة ! ففي بلاد الغربة تعانقين ذئبا لو كان ابن بلدك !"
نظرت اليها هازان بدون فهم بينما نظر ياغيز الى جيرين بلوم فيعرفها جيدا لدرجة يعلم انها تدرك تماما نيتها ولكن جيرين تجاهلته واكملت وهي ترسم ابتسامة على وجهها
" لم يخبرك ياغيز أنه متخرج من جامعة هافارد ؟ تعرفين الجامعة المرموقة، تكونين قد رأيتها في فيلم ما ! كما أنه كان الأول على دفعته ! ولكنه لا يحب التباهي ! انه متواضع ! لهذا لا يُخبر أحد لا تأخذي الامر بشكل شخصي !"
فجرت المعلومة عن قصد، فهي تعلم ان ياغيز لم يخبر هازان عن من يكون، ارتباك هازان واحمرار وجهها دليل على جهلها الكثير عن زوجها، همهمت بكلام غير مفهوم ثم دخلت المطبخ بينما التفت ياغيز الى جيرين ونظر اليها بعتاب، لكنها قالت له بصوت خافت
" لتحمد الله انني لم اقل لها ابن من تكون !"
تحول العتاب الى غضب وقال بصوت خافت ولكن متوعّد
" احذري جيرين ! لو قلت كلمة اخرى ستخسرينني الى الابد ! تعرفين انني امحي الشخص من حياتي كأنه لم يكن فيها يوما ! فان فعلت ذلك مع ابي لن يصعب عليّ فعله معك ! "
عادت هازان وهي تحمل الحلويات، وقد بان من ملامح وجهها ان ما قالته جيرين لم يمر مرور الكرام ولا يزال يشغل عقلها، بينما خافت جيرين من تحذير ياغيز وحاولت ان تبدد التوتر الذي كانت هي سببه وقالت
" أنا متوترة لان ياغيز اخبرني انه لن يأتي معي ! كان قد أكد لي الاسبوع الفارط انه سيأتي معي لكن عندما أخبرني اليوم انه غيّر رأيه جعلني اغضب ! "
لم تفهم هازان مجددا فشرحت لها جيرين انهما قررا منذ مدة ان ينظما لجمعية اطباء يزورون القرى النائية للبلد لمعاينة كل من يحتاج، لقد كان متحمسا للفكرة وقام بكل الخطوات، واليوم عندما اقترب الموعد رفض الذهاب، اوقفها ياغيز وقال
" هل تحاولين جعل هازان تقنعني ! "
سألته هازان لماذا غيّر رأيه مع انها قد خمّنت السبب، فمنذ أسبوع وصلا لمرحلة لا يستطيعان البقاء في مكان واحد معا، ربما فكر ياغيز الان الابتعاد قليلا قد يزيل توترهما، ولكن بعد ان تحسّنت علاقتهما ربما اصبح يخاف من ردة فعلها ان تركها لمدة من الزمن لكنه قال وهو ينظر الى جيرين
" أفضل ان نتناقش في هذا الموضوع على انفراد حبيبتي ! "
نهضت جيرين من على الطاولة وخرجت وهي تأخذ علبة سجائرها بينما اعاد ياغيز الملاحظة التي يقولها دوما لها عن خطر التدخين !
أنّبته هازان على تصرفه معها فخرج ليراضيها بينما اهتمت هازان بأخذ الصحون الفارغة وترتيب الطاولة وعقلها لا يكاد يستوعب كل ما عرفته عن زوجها في عشرين دقيقة، كم تبيّن انها لا تعرفه ..
اتكأ هلى سور البيت بجانبها ولم يتحدثا ولكن جيرين لم تتحمل وقالت
" متى ستنهي هذه اللعبة ؟ "
لم يجبها لكنها أكملت
" أنت تضر نفسك وتضر الفتاة ! هل فكرت فيها عندما ستمل منها وتتركها ! الن تكون قد وقعت في حبك ! "
" لن أملّ "
ضحكت جيرين باستفزاز جعله يغضب ثم قالت
" ماذا سيحدث عندما تعود بعد ان قمت بعملية لمدة سبعة عشر ساعة متحمسا لتخبر زوجتك عنها ماذا ستجيبك ؟ هل ستفهمك ؟ هل ستفهم حماسك ؟"
نظر اليها وقال بلؤم
" هل كان علي ان اتزوج بطببيبة ؟ "
رفعت حاجبيها وقد تلقت الرسالة الخفية وقالت بسخرية
" لا تزوج بربة بيت تصنع الاكل وتتابع المسلسلات، وتقوم بالنميمة على الجيران ! "
" أنتِ خبيثة ! "
اعترفت جيرين انها قاسية بعض الشي فقالت
" الفتاة طيبة ! انها جميلة ورقيقة ! أعجبتك ! انا اتفهمك ! لكن لو تصاحبتما وخرجت معها كنت سارى هذا عادي ! لكنك تزوجتها ! انت لا تدرك ما جدية الموقف ! "
نظر اليها ياغيز وقد بدأ صبره ينفذ فأكملت
" قد نحتاج لسنوات لنختار شريك الحياة الذي سنعيش معه الى اخر يوم في عمرنا، من ستربي معها اولادك، أنتَ اقحمت نفسك لتعيش معها طوال حياتك ! ياغيز انا وانت نعرف كلينا ان هذا زواج فاشل ! لطالما كنت عاقلا ! لكنك تهوّرتَ عليك ان تعترف انت ايضا ! ما قمت به هو ردة فعل لما حصل بينك وبين والدك ! أنت تنتقم منه ! "
نظر اليها بغضب، فهي تعلم جيدا انه ما كان عليها ان تتحدث عن والده لكنها قالت
" انك تفكر مثلي ! سينتهي هذا الشغف وستجد نفسك عالقا مع امرأة لا يوجد بينكما اي نقطة مشتركة  ! "
صمتا بعد ذلك وكلام جيرين يدور في عقله، وعقل هازان التي كانت واقفة وراءهما وقد سمعت كل شيء ..

استطاعت هازان بقوة التماسك المدة القليلة الي بقيتها معهما جيرين وما ان رحلت حتى دخلت غرفتها، يتصرف ياغيز معها بطريقة طبيعية كأنه لم يتحدث منذ قليل مع صديقته عن امكانية تسرعه في هذا الزواج، فتحت النافذة تحاول ان تتنفس وكأن صدرها قد اقفل كل مكان يجعل الهواء يدخل او يخرج، اختناق تشعر به، اختناق هواء وسيلان الدموع، دموع لا تستطيع ان توقفها، كلما وثقت به، كلما تقدمت نحوه خطوة يحدث أمر يجعلها تستيقظ من هذا الحلم، صفعة تذكرها انها ليست بطلة قصة خيالية ..

سيطرت على نفسها ومسحت دموعها، ستثير شكوكه، وآخر شيء تريد ان تراه هي نظرات الشفقة، خرجت من الغرفة فوجدته رتب كل شيء وما ان تقابلا حتى قال بدون مقدمات
" لا تكترثي لجيرين، انها تحاول ان تظهر للناس انها سيئة لكنها طيبة ! - ثم اضاف وهو يضحك - لم تتخطى بعد فترة المراهقة ! "
رسمت هازان ابتسامة على وجهها وحاولت تعيير الموضوع فسأل
" هل انتِ منزعجة لانني لم أخبرك انني درست في أمريكا ؟"
اجابته دون ان تلتفت اليه
" أنا لم اسألك ! "
توقع ان تغضب، انتظر ثورة وعتابا لكنه لم يتوقع برودا، أكملت حديثها بطريقة لا يشعر بتأثرها
" اذهب معها، لقد وعدتها ، أعتقد، أن هذا شيء تريده كثيرا !"
نظر اليها ياغيز دون ان يجيب، يحاول ان يقرأ ما في عقلها، مالذي تريده حقيقة لا مالذي تجعله يراه، لكنه لم يستطع ، فكر في كلامها لا يُنكر انه كان متحمسا جدا لتلك الفكرة، بعد ان ترك بيته واباه ووظيفته، أحس انه أخيرا سيفعل ما يريد، سيكون طبيبا لكل المحتاجين الذي يستحقون، لا لمن يدفع أكثر، عندما أخبر جيرين تحمست بدورها وقامت بكل الابحاث ليتقدما وينظما لهذه الجمعية، ربما هي محقة في أن تغضب قليلا عندما اخبرها اليوم انه لن يذهب معها
اقتربت منه هازان وقالت، رغم تماسكها فقد رأى ألما في عينيها
" اذهب، لا أريد ان أكون عائقا لأحلامك ! "

فتاة بطعم العُليقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن