تَعَوُّدٌ .. أم توتر

903 44 17
                                        

مرت الأيام وتعوّدت هازان بسُرعة على ياغيز، استغربت من هذه الفكرة بينما كانت تطبخ العشاء ذات يوم وهو بجانبها يجهز السلطة التي يرفض ان يأكل غيرها مساءا، ويكرر يوميا على هازان خطورة الزيوت والعجين على جسمها خصوصا وقد لاحظ انها لا تقوم برياضة، لكنها تربح في الأخير عندما يتذوق طعامها ويريد مزيدا ..
تذكرت اول يوم تذوق فيه أكلها، لم يُصدق ان يكون بهذه اللذة وبعد ايام من المعجنات والمكارنة والحلويات قرر ان لا يأكل مساءا الا سلطة او خضر مسلوقة ..
فتح الثلاجة ورأى كعكة الشوكولا التي تنتظرهما في السهرة، ابتسمت ساخرة وقد خمّنت الصراع في عقله حاليا وقالت له
" هل تعد السعرات الحرارية ؟"
التفت اليها مبتسما واجابها
" اكتفيت من اكل الحلويات ومتابعة المسلسلات، لقد اخذت حصّتي، لقد تابعت برامج  في هذه المدة ما يعادل حياة كاملة ! "
ضحكت هازان واخبرته ان المتابعة معه لم تكن ممتعة كما يعتقد خصوصا مع الكم الهائل من الملاحظات والنقد لاحداث المسلسل او حركات الممثلين او الاخراج او الاضاءة ..
شردت في هذه السهولة في التعامل بينهما، كيف تحولا بسرعة الى شريكين يطبخان ويشاهدان التلفاز معا، بل واحيانا يشاركها النميمة على الجيران الذي يتعرف عليهم رويدا رويدا، متى اصبح كل يومها يتمحور حوله وحول ما سيفعلاه معا، خرجا بضع مرات للتجول على البوسفور ولكنهما يقضيان معظم اليوم في البيت، هو في غرفة المكتبة يلتهم الكتب أحيانا او يبحر في حاسوبه أحيانا أخرى، بينما هي لا تخرج من المطبخ، تضع مسلسلا في التابلات وتتفرج وهي تصنع اشهى المأكولات من حلويات ومعجنات ووصفات تقليدية تعلمتها من أمها التي لم تكلمها منذ ذلك اليوم، لكنها لم تُعكر صفو أيّامها بالتفكير فيما حصل، امضت ايامها بسعادة وبهجة في كل مرة يتذوق فيها ياغيز اكلها وينبهر، في مرة عاتبت أختها التي لا تتصل بها ولكن الاخيرة اخبرتها انها لا تريد ازعاج العروسين فآخر شيء يفكر فيه الحبيبين الذين اجتمعا أخيرا تحت سقف واحد هو الرد على المكالمات ..
وقالت هازان بلا فهم
" لماذا ؟ ماذا يفعلان طوال الوقت ؟" ولعنت غباءها على تفوهها بما قالته بصوت عالي، فضحكت اختها وقالت لها اسئلي زوجك سيخبرك، كشرت بقرف بعد ان فهمت متأخرا تلميحات أختها، على عقلها أن يشتغل قبل لسانها !
تذكرت غباءها وتكلمها دون تفكير أيضا عندما حدثها ياغيز عن أمه، عوض ان تقول كلمات تواسيه قالت تلك التراهات، هو لا يكشف عما في قلبه بسهولة، عرفت الان ذلك، يُخفي وراء مزحه وسخريته آلاما ولا يريد مشاركتها معها، لا تلومه، فالمرة الوحيدة التي شاركها آلامه تصرفت بغباء، كان يقف بجانبها يضع الملح والفلفل الأسود في سلطته، عندما نظرت اليه واحتضنته بدون سابق انذار، مرت ثانيتين كان مندهشا من تصرفها قبل أن يحتضنها بدوره، لم يتركها وعوض ذلك اقترب منها اكثر ليقبّلها، كانت تبتعد كلما اقترب منها، توقف فجأة وسألها
" ماذا تفعلين ؟"
" أنت ماذا تفعل ؟"
" لقد احتضنتني !"
" وأنتَ استغليت الموقف فورا ! ماذا انتظر من رجل يقبّل الغرباء في الفنادق !"
احمرّ خجلا من الموقف الذي وضع فيه وعاد ينهي تجهيز سلطته بينما واصلت
" وأنا من اعتقد أنّك رجل نبيل ومحترم لا يفكر في ما يُفكر فيه الرجال ! تبيّن انك تنتظر فرصة !"
تمتم " لماذا لا أُفكر فيم يفكر فيه الرّجال ! ألستُ رجلا !"
وضعت الصحن الى الطاولة وعادت
" لا أصدق ! أُقسم أنني لا اصدق ! ماذا توقعت ! ان يتحول الحضن الى .. هنا في المطبخ .."
كان يريدها ان تسكت، ان لا تجعله يُفكر اكثر في ذلك الموضوع ! أو ان تنشق الأرض وتبتلعه ..
" توبة توبة ! أنا أتعامل معه كصديق وانظر الى ماذا يوجد في عقله ! هل لديك تخيلات مريضة أم .. "
" نحن متزوجان ! لماذا اكون مقرفا ان فكرت في زوجتي ! "
" اه ! ولا تُنكر ايضا ! لا أصدق ! "
وضعت كلتا يديها امام صدرها كأنها تستر نفسها وقالت وهي تدفعه
" توقف عن تخيلي بوضعيات مخزية ! لكن كيف ألومك ! تعيش مع امرأة فاتنة الجمال ! من الصعب عليك ان تسيطر على نفسك ! ولكن لا تقلق سأحاول ان اكون اقل جمالا ! سأرتدي ثيابا واسعة ولن اضع مكياجا على وجهي، علما انه لا فرق، انا أجمل حتى بدون مكياج !"
جلس وبدأ يأكل ولم تنتهي هي من مدح نفسها
" يكفي ! يكفي ! لن أفكر فيك بعد الآن ! لقد جعلتني اندم ! "
" لن تستطيع ! انا فاتنة جدا وامامك طوال الوقت ! لن تستحمل ! "
نظر اليها يحاول كبت رغباته وقال لها متحديا
" سنرى هازان هانم ! سترين مني برودا لم تريه في حياتك ! ستتوسلين الي لكي آتي الى فراشك ! "
" هكذا اذن ! انا سأتوسلك وانت لن تقبل ! "
" لماذا لن اقبل ! سأقبل طبعا وسآتي ركضا ! "
وغمزها فاحمرت خجلا وعادت الى المطبخ لكي تحاول السيطرة على الحرارة التي طغت على جسمها وعرفت لحظتها ان الراحة التي ولدت بينهما في الايّام الفارطة قد تلاشت الآن، والى الابد ..

كانت الساعة العاشرة عندما رن هاتفها باصرار، رفضت المكالمة الاولى والثانية ولكنها أجابت في الثالثة، كانت المتصلة أمينة أختها، بعد عشر دقائق من الثرثرة التي لم تعي منها هازان كلمة واحدة، قالت أختها بسماجة
" اه هازان اظنك لم تنامي جيدا هذه الليلة !"
كم ستستحمل هازان هذه التعليقات بعد ! بعد ما حدث بينها وبين ياغيز البارحة لم تعد تخرج تلك الفكرة اللعينة من عقلها ! اعتقدت انها ان قالت بعض النكت السخيفة سينتهي التوتر وعندما لم تنجح اختبأت في غرفتها، ولكن لا يكفي ان عكرت يومها بل اتت تلك الافكار الى منامها لتحلم طوال الليل بمختلف السيناريوات الحميمة التي قد تحصل بينها وبين ياغيز وبكل مرة تصحى مرعوبة كأنها رأت كابوس !
كانت لا تزال تسمع ثرثرة اختها عندما فتحت باب الحمام لتجد ياغيز يلف منشفة حول خصره وقد انهى لتوّه حمامه، لا ينقصها سوى هذا الموقف، ولكن عوض ان تخرج ظلت تراقب جسمه النصف عاري والمبلل أمامها وقد عادت بعض السيناريوات لتتجلى بعقلها !
" هازان ! هازان ! أجيبي هل ستأتين معنا ؟"
لا تعرف كيف تمالكت أعصابها وخرجت من الحمام، اخبرتها أمينة ان بنات العائلة مدعوات عند سارّة وان امها طلبت منها ان تسأل هازان ان كانت تريد القدوم
" هل أمّي تريدني ان آتي ! ألم تعد غاضبة !"
" عن أيّ غضب تتحدثين! لم أرى يوما أمّي خجلة او نادمة من تصرف فعلته ! زوجك دافع عنك بشراسة ! حلال عليه ! "
ألا يستطيعون ألّا يحشروا ياغيز بكل موضوع !
انهت المكاملة مخبرة أختها أنها ستفكر لكن لا تظن أنّها ستأتي، كان ياغيز قد أنهى ارتداء ثيابه، نظرت اليه بغضب فقال لها ساخرا وهو يجهز قهوته
" هل أنت غاضبة لانني ارتديتُ ثيابي ؟ ان أردتِ سأخلعها وتستطيعين تأمّلي كما شئتِ ! "
" اه ! البقاء معك اصبح غير محتملا ! أفضل زيارة سارة القصيرة والاستماع الى حديثها المزعج على البقاء معك !"
" اذن لماذا لا تريدين الذّهاب ؟ هل تخافين أن يتهموك بالحمل مرة أخرى ؟ "
هزت هازان رأسها نفيا وقالت
" لا أهتم لكلامهم، هل تعتقد أنها اول افتراء يختلقنه ! انا لم أتأثّر يوما بكلامهن ولن أتأثّر ! "
مدح ثقتها في نفسها ثم جلس يشرب قهوته وفكر قليلا وسألها
"أم أنك لا تريدين الذهاب لأن سارة ستسخر من زوجك بفقير "
وضحك بعد آخر كلمة قالها، فهاهو أصبح يتكلم مثلها
" من سارّة ! لن تتجرأ أن تقارن بينك وبين زوجها ! والله ستخجل هي ان فعلت ! ولكنك محق أنت لم ترى زوجها ! "
ذهبت الى القاعة الجلوس لكنه لحق بها، لم يكف عن طرح نفس السؤال
" لماذا تتصرّف كالأطفال! لا أريد الذهاب وفقط! بلا أسباب "
كشر وتظاهر بالحزن كطفل يبلغ اربع سنوات، ونجح في جعلها تصدّق اذ التفتت اليه وقالت
" ان اخبرتُك ستحزن !"
وعدها مهما كان هذا السبب فلن يُحزنه، وبعد تردد أخبرته هازان انها تعودت ان تلبس في كل زيارة ثوبا جديدا تخيطه أمّها، ولانهما متخاصمتان فلا تستطيع هازان الذهاب الى الضيافة بفستان سبق ان ارتدته امامهم ..
نظر اليها مطولا منتظرا ان تقول انها مزحة، كان قد توقع أن يكون السبب تافها، لكن ليس الى هذا القدر ..
" رأيت! حزنت لأنك لا تستطيع ان تشتريَ لي فستانا، لانك فقير .."
لا يفهم لماذا يشعر بحنان كبير تجاهها، لا يتحمل ان يرى حزنها ومستعد ان يواصل في تدليلها فقط لكي لا يرى هذه التكشيرة على وجهها الجميل، متى تعلّق بها الى هذا الحد ..
ابتسم وغمزها قائلا
" هيّا سنشتري لك أجمل فستان "

فتاة بطعم العُليقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن