الفصل الاول

4.4K 109 2
                                    

الفصل الاول

كان يقطن رجل الأعمال الكبير شمس الدين الناجي –الذي لم يرزقه الله سوى بابنتين، أسماهم "رحمة" و"نغم"، توفيت زوجته مريم أثناء ولادتها لنغم، لقد كان من ذوي الشأن والهيبة الطاغية- بحي الزمالك أحد أرقى الأحياء، حيث الڤيلات تتراصّ إلى جوار بعضها.
قام بصفّ سيارته أمام الڤيلا الخاصة به، وترجّل من سيارته متجها بخطوات سريعة إلى داخل الڤيلا –ذات الطراز المعماري العتيق المكونة من طابقين ومؤثثة بأجود أنواع الأثاث_، دلف إلى مكتبه وهو قلق للغاية ونظراته زائغة يلتفت كل ثانية وأخرى خلفه، وضع الحقيبة التي كان يحملها فوق مكتبه، ثم قام بفتح الخزنة الخاصّة به، وأخذ كلّ شيء موجود بها، ووضعه في الحقيبة، ثم خرج مسرعا، وقام بقيادة سيارته متجها لملاقاة أحد أصدقائه بعد أن أوصى مربّية أطفاله أن تعتنى بهم جيدًا لحين عودته..
حين وصل أمام منزل صديقه ترجّل من السيارة، وقام بمهاتفته؛ ليقوم بملاقاته سريعا.
بعد قليل.. جاء صديقه المدعو حسين العامري -كان رجلا في الخمسين من عمره، ذا بشرة برونزيّة وعينين بلون السماء، وذا طول مهيب- صافح صديقه، ثم تحدّث إليه بريبة قائلا:
- خير يا شمس! مالك شكلك قلقان، وطول ما  انت واقف بتتلفّت حواليك!
قال شمس هامسًا بقلق وتوجُّس وهو يلتفت حوله كل برهة:
- الشريط دا فيه كل حاجه.. انا معنديش وقت كثير، مش هقدر اشرحلك..
مدّ يده بالحقيبة قائلا:
- الشنطه دي فيها كل فلوسي ومستندات ملكيّة كل أملاكي..
ثم أكمل بنبرة حزينة -وهو يتوسّل إلى صديقه ويحاول أن يكبت عبراته التي يجاهد حتى لا تسيل بغزارة دون توقُّف-:
- أرجوك يا حسين.. خد بالك من ولادي! دول ملهمش حد غيرى! لازم تروح عندي الڤيلا دلوقت تاخدهم..
حسين بتعجُّب وحيرة متسائلا:
- طب انت هتعمل ايه؟! وهتروح فين؟!
قال شمس -بحزن شديد حتى كادت عبراته تخونه-:
- مش عارف! لو اتكتبلي عمر جديد هاجيلك اخد ولادي وفلوسي..
بس انا مهدّد بالقتل في أي لحظه! فأرجوك.. روح دلوقت حالا خد بناتي..!
تركه شمس، واستقلّ سيارته مغادرا لا يعلم إلى أين، ولا ما الذي ينتظره.
استقلّ حسين سيارته، وتوجّه إلى ڤيلا شمس، وبرفقته اثنان من الحرس الخاصّ به، ثم ترجّل من سيارته، ودلف إلى داخل الڤيلا، وأخذ يبحث عن الفتاتين؛ فلم يجد سوى نغم، فقام بأخذها، وأمر رجاله بالبحث حول الڤيلا عن رحمة؛ لكنهم لم يعثروا لها على أيّ أثر!
في الطريق قام حسين بسؤال الطفلة ذات التسع سنوات قائلا بتساؤل وقلق:
- نغم حبيبتي.. فين اختك رحمة؟! راحت فين؟!
نغم ببراءة شديدة:-
- مش عارفة يا عمّو.. هي كانت بتلعب في الجنينه، وانا كنت معاها.. بس دخلت اشرب، وارجع تاني، وبعدين حضرتك جيت..
ثم أكملت بنبرتها البريئة وهي تنظر إليه بكل براءة:
- هو بابا راح فين ياعمّو؟! واحنا هنروح فين؟!، وفين أختي رحمة؟! أنا عايزاها! وعايزه بابا! انت هاتودّيني لبابا يا عمو؟!
لم يستطع أن يمنع دموعه من الانسياب على خدّيه من شدّة تأثره بحديث الطفلة الصغيرة؛ فما كان منه إلا أن ضمّها لصدره، وقبّلها، وهمس لها بحنوّ ودفئ:
- من النهارده تقوليلي: "بابا حسين".. مفيش "عمّو" تاني!
وأثناء ما كان يقود السيارة عائدا بابنة شقيقه إلى منزله جاءه اتصال من صديقه شمس؛ فأجاب على الهاتف بلهفة شديدة قائلا:
- ألو.. أيوه يا شمس.. انت فين؟! طمّني عليك.. بنتك معايا، مش عايزك تقلق عليها، والتانيه اوعدك اني هلاقيها فـ اقرب وقت...
جاءه صوت صديقه يتحدث بصعوبة شديدة وهو يسعل بين لحظه وأخرى، تابع شمس حديثه قائلا:
- انا مش هوصّيك تاني على بناتي!
ثم أكمل حديثه بصوت ضعيف يجاهد بشدة؛ ليستطيع التحدث:
- أنا خلاص وصلت للنهاية! اخواتي طاردوني لحد ما عربيتي اتقلبت، وضربوني بالنار؛ عشان يتأكدوا اني مش هطلع من الحادثه سليم! انا أول حاجه فكرت فيها اني اجمع كل قوتي عشان اكلمك لأخر مرة! وياريت تخلي بالك من نغم ورحمة اعتبرهم بناتك!
قال كلمته هذه، وانقطع الخط..
تماسك حسين؛ حتى لا يبكى أمام الصغيرة، وحين وصل أمام المنزل ترجّل من السيارة، واصطحب الطفلة، ودلف إلى منزله –الذى كان منزلا فخما على الطراز الحديث مكونا من طابقين، وأمامه حديقة كبيرة غنية بشتى أنواع الزهور، وبه مسبح كبير_، دلف إلى الداخل وهو ممسك بيد نغم، ثم حين أصبح بداخل المنزل وجد جميع أبنائه بانتظاره، ومعهم زوجته، استقبلتهما زوجته –وهى سيدة في الرابع والخمسين من عمرها، ذات بشرة بيضاء، وشعرها قد مسّه الشيب، وذات طول متوسط تبدو من هيئتها امرأة ودود-، وعلى الفور اقتربت من نغم؛ لتعانقها بلهفة شديدة؛ كأنها ابنتها؛ فهي لطالما تمنت أن يكون لديها فتاة؛ لكن إرادة الله فوق كل شيء، فلم ترزق سوى بثلاث أولاد..
أخذت يد نغم؛ لتُعرّفها على أبنائها؛ بدأت بيزيد الكبير، فصافحها يزيد بودّ شديد، وبعد ذلك قامت بتقديمها لإياد الذي رحب بها هو الأخر بشدّة، وعندما جاءت لتُعرّفها بزين؛ مدّت يدها لتصافحه؛ فما كان من زين إلا أن نظر لها شزرًا، ودفعها غاضبًا لتسقط على الأرض..

المشاكسه والمستبد الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن