الفصل الاول

358 17 11
                                    

ارادت ان تلقى بألمها وكل ما عانته خلف ظهرها وتنتقل ببارقة امل لمكانا جديد القاها حظها في مدينة الاسكندرية لتباشر عملها الذى رشحت له من قبل مدير الشركة التي كانت تعمل بها منذ أيام قليلة .
هي فتاة عادية نالت من الرعاية والاهتمام والدلال نصيبها لما لا! فهي الفتاة الوحيدة في عائلتها رباها والداها على انها جوهرة مكنونة وان القوامة لرجل واحترام شقيقها الأكبر .
كم نسجت احلاما مع من يختاره قلبه والدتها مثلها الاعلى في الحياة زوجة وام صالحة تنتظر عودة زوجها من العمل لتغدقه بحبها وحنانها وبدوره يرعاها ويدللها كملكة تزين حياته . 
دلفت الى شرفة شقتها الجديدة بعد عودتها من عملها تتطلع الى البحر الواسع مستبشرة الخير. اخذت نفسا عميقا مستحضرة لمحات من ماضيها الاليم كيف وصمت بالمطلقة رغم حداثة عمرها  صبيحة اول يوم لها بعد زواجها لأسباب لم يكن لها دخلا بها دون اي رحمة في مجتمع يحمل المرأة دائما سبب خراب بيتها. تلاشت احلامها كسراب في ظهيرة يوما صيفي شديد الحرارة.
  ساعدها زوجها في احتلال المقعد الأمامي من السيارة بفستان زفافها المتلألئ بعد ان ودعت نور اهلها وصديقاتها جلس منصور خلف عجلة القيادة وبداء في السير لأحدى الفنادق هكذا اخبر اهلها حتى لا يتبعه احد لتوصيل العروس لاحظت ان هذا الطريق ليس نفسه المؤدى الى بيت الزوجية الذى اعده لها تطلعت اليه سائلة:- الى اين هذا ليس طريق الفندق ؟
أجابها دون أن يلتفت إليها بملامح جدية تحولت إلى عكس ما كانت عليه في الحفلة:- القرية عند أبي
اصابتها صدمة ألم يخبرها أن والديه يعيشان خارج مصر فلا يستطيعان حضور حفل الزفاف!
سألته ببراءة، مفترضًا حسن نواياه:- متى عادوا من الخارج ؟
اجابها منهيا الحديث :- ستعرفِ كل شيء عندما نصل إلى هناك
أومأت برأسها واقتربت منه تحتضن ذراعه ثم اراحت رأسها على كتفه حينا، انقبض قلبها عندما رأت الاضواء الملونة على مرمى البصر واستماعها لأصوات اطلق الاعيرة النارية تعلن عن وصولهم وفور نزولهم علق منصور ذراعها بذراعه متجها بها الى حيث الجلوس وسط الضيوف فسارت معه ذاهلة تستكشف الوجوه من حولها فى ذهول غير مدركه لما حولها من حركة وضجيج وعجيج، ولم يكن العريس افضل منها حالا فكانت عيناه تتعلقان بتلك المرأة الواقفة في شرفة الدور الثاني من منزل والده تزرف الدموع حسرة. يتطلع اليها غير ملقى بالا لمن يصافحه من المهنئين. توقفت اصوات الطبول والمزامير بعد اقتراب الحاج عثمان الطوخي كبير القرية ليبارك لمنصور زواجه يخرج من جيب جلبابه حزمة من المال كطقس لتهنئة العريس كما هي العادة السائدة اوقفه منصور قبل مغادرته ليهنئ العروس فهي كابنته فالتفت اليها الرجل الكهل بابتسامة مجاملة وهنئها فاقترب منه سليم السعيد والد العريس يهتف بمكر :- بالطبع يا عثمان ابنت أخيك محمد كابنتك أيضا
اعاد عثمان النظر الى العروس مرة أخرى يهمس متعجبا :- ابنت اخي!
لم تكن حالة العروس مختلفة كثيراً عن حالة عمها الذي فوجئ بها فمنذ ان وطأة قدماها سيارة زوجها تنهال عليها الصدمات والمفاجآت تشاهد كالغائبة وتستمع ولا تنطق حدقت به لتتبين أوجه التشابه مع والدها واصل سليم حديثه بخبث فانتبهوا له :- دارت الايام واصبح بيننا نسب ياعثمان 
ثم اقترب من اذنه هامسا كفحيح الأفاعي :- هل كنت تعتقد أنني لن أصل إلى مكان أخيك وزوجته؟ ها هي ابنتهم في منزلي وستدفع ثمن ما فعلوه فى الماضي
نظر إليه عثمان مشمئزا وقال:- ما زلت متمسكًا بكراهيتك القديمة!!
قال سليم بتحد :- لن أنسى ما حدث في ذاك الوقت
هز عثمان رأسه استيئسا منه :- لقد قلت الكذبة وصدقتها وزرعت الحقد والكراهية في نفوس أبنائك وليس لهم ذنب
رد عليه سليم مهددًا أكثر :- أن زواج ابني من ابنتكم ما هو إلا بداية لما سيأتي.
وأشار إلى استمرار الفرقة في العزف، منهيا الحديث بينهما .
انسحاب الضيوف الواحد تلو الآخر معلنين انتهاء الحفل، فاصطحب منصور عروسه إلى الغرفة التي كانت قد أعدت لهم مسبقًا، ثم تركها ودخل الى الحمام.
وبعد بضع دقائق، سمعت نور قرعًا ناعمًا على باب الغرفة، ففتحته ووجدت فتاة تكبرها ببضع سنوات، تحمل صينية طعام فيها ما لذ وطاب للعروسين اتجه اليها منصور سريعا بعد ان خرج من الحمام صائحا :- لما أحضرتِ الطعام بنفسك حبيبتي أين الخدم !!
تطلعت أليه روقيه مقهورة تحبس دمعتها فانزل عنها صنية الطعام واحتضن وجهها بكفيه وقبل جبهتها معاتبا:- لا أريد ان أرى تلك النظرة فى عينك حبيبتي فهذا كله كذب
ثم مسح بإبهامه دموعها مكملا:- أنا لكِ وحدكِ يا قلب وعقل منصور دموعك هذه غالية عندي
سحبت نور ذراعه ليلتفت إليها بعد أن فاجأها ما سمعته :- انا لا أفهم شيء!!
أجابها بجمود :- ليس لدى وقت لأشرح لكِ غير أن روقيه هي زوجتي 
صدمت من تصريحه وأنقبض قلبها ودارت برأسها العديد من الأسئلة فألقتهم عليه دفعتا واحدة :- لما أخفيت زواجك عني؟ ولما أتيت بي إلى هنا؟ لماذا خدعتني؟
نزع ذراعه من يدها بملامح جامدة واستدار مغادرا الغرفة دون ان يعطيها رد يطفئ ثورتها مغلقا الباب خلفه، جلست على حافة السرير بمفردها في هذا المكان الغريب، حائرة مضطربة الانفاس يتسلل القلق أليها خوف مما هو قادم تجولت بعيونها الدامعة فى جميع انحاء الغرفة متحسرة على حالها وما الت اليه امورها هل هذه اول ليلة لها مع زوجها الذى تمسكت به رغم اعتراض والدها! زادت شهقاتها عندما تذكرت كذبه وخداعه لها كم كانت بلهاء تصدقه في كل ما يقوله نهضت تتطلع الى هيئتها بالمرآة ثم اقتربت من انعكاس صورتها فيها تتسأل لما خدعها ما هدفه من ذلك وهل هذا الرجل الستينى الذى تجهمت ملامحه استياء لوجودها هو شقيق والدها ولما لم تعرفه من قبل أسئلة كثيرة اجتاح عقلها بكت خائفة يأسه فعلى ما يبدو سماء حياتها ملبدة بالغيوم ولا تبشر بالخير شرعت في تمزيق ثوب زفافها ودت لو لم تترك بيت ابيها ولتذهب جميع الرجال الى الجحيم استلقت على الارض تنتحب واضعه يدها على وجهها، لفت انتباهها صوت فتح الباب فحولت بصرها تجاهه وجدت رجل ضخم البنية اسمر لون بشرته غليظ الشفتان كثيفا شاربه فحمي اللون لا تعرفه لكنها رأته في الحفل ارتعدت اوصالها من هيئته وزاد ارتجافها عندما دلف الغرفة مغلقا بابها خلفه مقتربا منها بخطوات بطيئة عادت للخلف تستند بظهرها على حافة السرير وجمعت حاشية ثوبها، ابعدت يده بعيدا عنها عندما مال محاولا لمس وجنتها، تنحى قليلا وعيناه لا تزالان تفحصان جسدها وقرب صينية الطعام أمامها، وجلس مقابلها على الأرض وبدأ يأكل شراهة، ثم مد يده اليها بقطعة دجاج قائلا :- لما لا تأكلي معي حتى يضبح بيننا عيش وملح ، لا.لا عيش وفراخ . ثم أطلق إحدى ضحكاته الصاخبة
حركت راسها رافضة تضم ركبتاها الى صدرها وتمسح دموعها كلما سالت على خديها تنظراليه في صمت مشمئزة من طريقته المنفرة في تناول الطعام متحفزة لأى حركة تصدر عنه استجمعت قواها الواهنة تسأله متلعثم :- لما.. أأنت.. هنا ومن تكون؟
اجابها مبتسما بسخرية :- انا سلطان شقيق زوجك
ثم نحى صنية الطعام جانبا وأقترب منها هامسا بعبث:- اما لما انا هنا! فجئت لأكمل ما رفض اخي اكماله
حدق به مذعورة وانكمشت اكثر على نفسها فنهاها بكلماته اللعوبة :- لا تخافي عروس جميلة مثلك لا تترك ليلة زفافها أين ذهبت عيون أخي!!
دفعته للخلف مدعية القوة التي لا تملكها ونهضت مسرعة لتبتعد فزفر بحنق هاتفا:- لا تغضبيني يا حلوة.
بمجرد أن وقف واقترب منها اهتز قلبها بين ضلوعها خوفًا واندفعت إلى صينية الطعام سحبت منها سكينًا كانت موضوعة في طبق الفاكهة مهددة:- اياك والاقتراب مني 
ابتسم ساخرا من جديد يمدحها:- حلوة وشرسة 
قبض على يدها الممسكة بالسكين فتردد صراخها مداوية في ارجاء المنزل جاءت والدته زينب على اثارها دفعت بالباب لتنقذ تلك البائسة من براسن ولدها البكر العربيد حيث رأت ولدها منصور يصعد الى شقته مع زوجته روقيه هبطت يدها على خده بصفعة حادة تنهرة :- ألا تكفينا فضائحك كل يوم لتحاول الاعتداء على زوجة أخيك؟
صاح في والدته غاضبا:- هل نسيتى ابنت من تكون ولما هي هنا!! 
دفعته خارج الغرفة تهتف الكراهية الموجودة بداخلكم لا دخل لي بها .
كما انهارت نور على الارض تصطك أسنانها مرتعشة بعد دخول زينب وانقاذها من مصير كان وشيك، ربتت زينب فوق كتفها تحثها على النهوض من موضعها على الارض :- انهضِ حبيبتي بدليِ ثوبكِ هذا واغلقي باب الغرفة عليكِ من الداخل.
نظرت في جميع انحاء الغرفة تشهق من شدة الخوف تحبس انفاسها وتكتم صرخة تجاهد للخروج من اعماق فؤادها المقهور متى تستيقظ من هذا الكابوس! وكيف ستمر هذه الليلة التي لن تنساها ما دمت حيا؟.
مرت ليلة عصيبة على جميع أفراد عائلة الطوخي، لقد نجح سليم في تعكير صفوهم، نجح فيما فشل فى القيام به لأكثر من ثلاثين عاما، لم يكل أو يمل من محاولة الانتقام منهم.
ظهرت في السماء اشراقة شمس يوما جديد ملئ بالأحداث لم يغمض لها جفن كيف تنام عيناها وهناك مجهول ينتظرها قام بتدبيره من اختاره قلبها و يا لاه من سوء اختيار ، منهكة خسرت قواها لم يدخل جوفها ما يعينها على الصمود منذ صبيحة اليوم الذى تركت فيه بيت ابيها.
وقع اختيار منصور على الساعة الثامنة صباحا ليحقق انتقامه ففي هذه الساعة تزداد حركة أهالي القرية هناك من يتجه الى عمله ومنهم العائد من حقله بعد ان اصطحب بهائمه ليرعاهم ، هناك ايضا من يتجه الى السوق اما ليتبضع او ليبيع ما منا الله عليه به من رزق. سمعت نور قرعا على الباب فسألت بوجل :- من؟
اجابها بصوته الصارم :- منصور افتحي
تأكدت من هندمت عباءتها التي اعطتها لها والدته وعدلت من وضعية حجابها على راسها قبل ان تفتح له الباب شعرت أنه غريبا عنها بعد أن خدعها. سحبها من ذراعها بقوة المتها دون أن ينبس ببنت شفة أخرجها من الغرفة بل من المنزل بأكمله سارت خلفه كالتائه كادت تنكب على وجهها أكثر من مرة تحاول مجارات خطواته وما زاد الطين بلة هو قياس العباءة غير المناسب لها حاولت بيدها اليسرى فك اثر يدها اليمنى من قبضة كفه القوية فلم تفلح ألتفتت حولها وجدت الانظار موجهة نحوها يتساءلون بهمهمات تصل الى مسامعها:
- أليست هذه عروس الامس ؟
- لما يجرها زوجها هكذا ؟
- ألي أين يأخذها !
أسئلة كثيرة من زاوية الفضول الذين تجمعوا خلفها ، يسيرون معها وكأنهم يأخذونها إلى حيث كانت ذاهبة. حاولت جذبه للخلف عله يبطئ من خطواته لكنه لم يلتفت اليها وظل على عبوسه يجراها الى ان وصل لوجهته وهى منزل كبير القرية وعمها عثمان الطوخي والتي فتحت ابوابها على مصراعيها له، دفعها منصور بقوة على اعتاب درجاتها الأولى يزمجر بصرامة الواثق من افعاله يوجه كلماته اللاذعة لعثمان ونجله حمدي اللذين خرج من منزلهم على اثر الضجيج الصادر خارجها :- ها هي أبنت أخيك يا حاج عثمان لم تعد تلزمني بعدما تأكدت أنها فرطت في نفسها ودنست شرفكم مع رجلا قبل ان اتزوجها.
اتسعت حدقتيها عن اخرهما تنظر اليه بذهول من هول ما سمعت القا بكلمات يستحق عليها القتل هو لم يقربها ليقذفها بهذه التهمة المشينة والتي سوف تتسبب بإذلال اهلها، ثار حمدي معلنا عن كم غضبه الكامن بداخله اتجها نحو منصور جذبه من ياقة جلبابه محزرا من التمادي في خطئه :- أعد ما قلته لتو وسأدفنك حيا بمكانك يأبن السعيد
فصل بينهم صوت والده عثمان الصارم  يتطلع بأعين اهل القرية المتجمعين كما لو كانوا فى سوق :- توقف يا حمدي لا تحل الامور هكذا
صاح حمدي :- ألم تسمع ما قاله يأبى !!
قال عثمان لمنصور بهدوء :- أهدئ ابني تعال لنتحدث بالداخل
فرفض منهيا اللقاء :- أنتهى الحديث بيننا أبنتكم معكم لا أريد أن تتضرر سمعة عائلتي بسبب نسبكم .
ثم غادر بعد ان افسح أهل القرية طريق له والذين بدئوا في الرحيل أيضا يتهامسوا ويتلمذوا بعد هذه القنبلة التي فجرها منصور معلنا عن فضيحة مدوية لكل عائلة الطوخي، تجمدت الدموع فى عينيها ، بداخلها بركان من الظلم والقهر لم يشعر به احدا من قبل ألقى كلماته بكل حقد وقسوة، اقتربت منها خادمة تعاونها على النهوض تتجه بها داخل منزل عمها تحت نظرات حمدي الحارقة سائلا والده :- ماذا نفعل يأبى في هذه المصيبة ؟
جلس عثمان على احدى الكنبات الموجودة في بهو منزله ضرب بعصاه الارض يجيب ولده :- هاتفت عمك محمد ليلة أمس بعدما علمت بالأمر ربما هو فى الطريق الان.
ارتجفت نور خوفا ورعبا تحبس أنفاسها لمجرد النظر لحمدي وملامح وجهه الغاضب كان الدم يغلى في عروقه ويكاد ينفجر من عينيه المحمرتين أقترب منها يرمقها بنظرات تحمل الشر والوعيد ، وأمسك ذراعها يهزها بعنف سائلا :- هل ما قاله أبن السعيد صحيح ؟
لو نطق ذراعها لصرخ مستغيثا من فرط معانته اليوم. الجم لسانها من الخوف لم تستطع الرد وهى ترى هلاكها في عينيه الدامية من شدد غضبه علا صياحه وأرتفع صوته يعنفها اكثر :- لما أنتِ صامته اجبيني ؟
كانت تحدق به مذعورة تبتلع ريقها لتبلل حلقها الذى جف من شدت الهلع تلقت اقوى صفعة و أول صفعة في حياتها اوقعتها على الارض جذبها من شعرها بعد ان سقط حجابها لتقف امامه ونهال عليها بالصفعات صائحا بعصبيه اكبر:- مثلك لا تستحق أن تعيش ستنحني رأسنا لأجيال بسبب فعلتك.
شعر حمدي بقبضه قوية أمسكت بيده شلت حركته كانت يد عبدالله شقيقها صارخا بشراسة:- باي حق تضربها!! 
أجابه حمدي بانفعال عاصف :- وما دخلك انت ابنت عمى واعيد تربيتها بل سأقتلها
لكمه عبد الله صائحا بنفس شراسته :- انت من سيموت بيدي الان 
اسرع في الفصل بينهم الاخوين محمد وعثمان مستنكرين ما يحدث بين ابناء العمومة .
عانق محمد ابنته وفلذت كبده فتعال صوت نحيبها وما ان أطمئنت انها في حضن ابيها استكانت مغمضة عيناها بعد ان قرر عقلها الاستسلام معلنا عدم قدرته على تحمل المزيد من الضغوطات والاحداث التي قلبت حياتها راسا على عقب ، انخلع قلب والدها عليها بعد أن توقفت عن البكاء وثقل جسدها بين يديه مردد اسمها يربت برفق على وجنتها المتورمة محاولا ايقاظها دون جدوى:- نور . أفيقي حبيبتي، نوور ردى علي اجيبيني صغيرتي.
تسارعت ضربات قلبه نظر إلى أخيه عثمان بقلب مكسور على وحيدته سألا :- ماذا أصابها ؟
التقفها عبد الله من بين ذراعي أبيه وحملها إلى احدى الكنبات مددها عليها وفرك كفيها علها تفيق دون جدوى فأسرعت الخادمة بأحضار كوب من الماء بينما احضرت زوجة حمدي زجاجة عطر نثر اخيها بعضا من العطر على كفه يقربه من انفها حتى بدئت في استرداد وعيها ،حركت اهدابها بضعف كانت بالكاد تستطيع الرؤيا من تورم اجفانها اثر البكاء والصفعات التي تلقتها، اعتدلت في جلستها محاوله الوقوف لكن خانتها قدماها و لم تستطع حملها فما مرت به ليس هينا. مرت دقائق متثاقلة كأنها ساعات على الاب الملتاع حتى استعدت طفلته ومدللته وعيها ضمها بذراعيه ليطمئنها تلمع عيناه بدمعه يحبسها عن الجميع. صدرت عنها شهقات متقطعة تحاول قول شيء لأبيها:- خ.ذن.ي م.ن هن.ا أع.دن.ي ال.ى من.زل.نا
صاح عبد الله يرمق حمدي بنظرات نارية :- ماذا فعلت بها لتصبح بهذه الحالة !! 
اشار اليه والده يسكته :- أنتظر يا بنى حتى نفهم ماذا حدث لها
مسح محمد بحنان اب على ظهرها يسالها :- أخبريني عزيزتي ماذا حدث وأين زوجك؟
أجهشت ببكاء مرير تروي لوالدها بنحيب متقطع ما حدث معها منذ ان استقلت السيارة مع منصور كعروس لينتهي بها الحال في بلد لا تعرفه واناسا لم تراهم من قبل.
امتثل محمد لرغبة اخيه عثمان في الحديث معه بعيدا عنها بعد ان اشار إليه الاخير، فكافح محمد في رسم ابتسامة على فمه لطمأنت أبنته مبتعدا، فتبعته عينها تشعر بالخطر لمجرد ابتعاده عنها لبضع خطوات . همس عثمان في أذن أخيه ببعض الكلمات التي فهمتها نور بعد أن ارتفع صوت والدها ردًا عليه بحدة مستنكرًا ما خطر بباله، وكيف يشك في طهارة ابنته وعفتها؟ :- أتشكك في أخلاق أبنتي وتصدق هذا المعتوه .
دافعت عن نفسها بعدما ادركت مقصد عمها :- اطمئن يا عمي لم يمسني أحد ، حتى منصور نفسه لم يقترب مني ليتهمني بهذا التهمة المشينة .
فتنحنح عثمان محرجا محاولا تبرير موقفه ورغبته في التأكد من نقائها :- لا تحزني بنيتي أردت التأكد فقط لأخذ حقك منه
خرج عبدالله شقيقها عن صمته:- سأخذ حقها بيدي ولن أرضى الا بقتله 
نطق حمدي مؤكدا دعمه لابن عمه وتعاونه معه :- لست وحدك يا أبن عمي من يريد الانتقام
هزا عثمان راسه يائسا يحثهم على التمهل وتحكيم العقل لا بطيش الشباب واندفاعه وقتها لن يستطيع احد وقف إراقة الدماء بين العائلتان :- أنتم لا تعلمون شيء السعيد أورث أبنائه حقدا وكرهيه على عائلتنا منذ أكثر من ثلاثون عاما وما فعله منصور ما هو الا محاولة للانتقام وإرضاء والده وعلينا ان نحكم العقل حتى نتجنب أراقة الدم بيننا . 
أشار الى أبنة أخيه قائلا موجها حديثه لدلال زوجة حمدي :- أصطحب نور الى غرفة كمال لتستريح بها.
بعد وقت دلفت دلال الى الغرفة تحمل بيدها صنية عليها طعاما وجدت نور جالسة على السرير تضم ركبتاها الى صدرها وتضع جبهتها على ساعديها المكتفان فوقهم تشهق بوتيرة ثابتة اقتربت منها تمسح على راسها قائلة :- أحضرت لكِ الطعام هيا لتأكلي
هزت راسها رافضة فعاودت دلال الرجاء :- تناولي بعض الطعام حتى لا تمرضي انت لم تأكلي شيء منذ وصولك
امالت جسدها على الفراش متصنعة رغبتها في النوم فربتت دلال على كتفها واحكمت الغطاء عليها قبل مغادرتها الغرفة مشفقة على حالها وما وصلت اليه يمذق نياط القلب.
جلس كلا في مكانه حول طاولة الطعام الكبيرة ما ان هموا بتناول الغداء حتى اتاهم صوت محتد جذب انظار الجميع :- هل ما يقال في القرية صحيح يا عمي؟
قاطعه عثمان مؤشرا على احد الكراسي :- تعاله يا كمال القي السلام على عمك محمد وابنه عبدالله وتناول طعامك اولا
صاح بلال الابن الثانى لعثمان :- اوشكت أن أقتل أحدهم منذ قليل وانت هادئ يأبي
هتف حمدي :- مصيبه وحلت على رؤوسنا اجلس
أضاف عثمان :- لقد خططا سليم وأبنه بشكل صحيح هذه المرة ولا أعلم أن كنا سنجد حلا يثبت كذبهم ام لا
قاطعتهم فاطمه زوجته :- لا يوجد مشكلة دون حل انتهوا من تناول طعامكم وسأعطيكم الحل
لوى بلال فمه قائلا :- أين هي من جلبت لنا البلاء ؟
ضغط عبد الله على اسنانه غيظا متحفز لأى خطأ يصدر في حق شقيقته فهو كان صامتا احترامنا لولده. كما رمق عثمان ولده بحدة ليسكته فاعتذر بلال :- انا اسف عمي لكن العار قد طال الجميع 
ثار عثمان في وجه ولده الاصغر :- بلال قل خيرا او اصمت
سأل محمد زوجة اخيه :- ما هو الحل من وجهة نظركِ
اجابته :- أنتهى من غدائك اولا
صاح محتدا من تمهلها:- أبنتي مقهورة وتطلبين منى الانتظار !
تنهد عثمان قائلا:- اخبرينا بما لديك يا فاطمة.

أتعدني بالبقاء؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن