الفصل الثاني والثلاثين

49 5 0
                                    

نهض كريم بعد ان تأكد من ذهاب ابيه الى غرفته وسار متسللا على اطراف أصابعه حتى لا يشعر به احد فتح الباب ببطيء واخرج رأسه يسترق النظر في الممر ثم اكمل السير الى غرفتها ودلف سريعا واغلق الباب خلفه بحث عنها في الغرفة لم يجدها جلس على الفراش ينتظرها الى ان خرجت من الحمام وجدته امامها وضعت يدها بخصرها وضيقت عيناها تسأله :- ماذا تفعل هنا ؟
اجابها بهمس طفولي :- اريد الاستماع لحكاية 
اقتربت منه وقالت بهمس مماثل :- لو علم اباك انك تعصى اوامره سيغضب منك كثيرا
وقف على ركبتاه وقال برجاء :- لن افعلها مرة اخري فقط هذه المرة.
تقلب عمار في الفراش كثيرا يراوضه الارق تطارده نظراتها المسيئة هو ليس سيء كما تظن فنهض وبداخله رغبة ملحه في تبرير موقفه وان اضطر لإرغامها على سماعه تردد كثيرا في طرق باب غرفتها وعندما التفت حاسما امره بتأجيل حديثه لأجل مسمي استمع لأصوات وضحكات ازداد فضوله فطرق الباب فاتسعت عين الصغير خوفا يقول بارتباك :- خبئيني انه ابي سيغضب علي 
ارتفعت ضحكاتها اكثر على افعاله وهو يحاول الاختباء اسفل الغطاء فدفع عمار الباب وطالعها بشك زمت شفتها لتمنع ضحكاتها البادية على ملامحها فهتف :- من معكِ هنا ؟
نظرت الى جوارها وتصنعت ضبط الغطاء على ساقها تقول :- لا احد 
ارتفع صوته قائلا :- لكنني استمعت لأصوات ضحكات عالية 
استرعي انتباهه اهتزاز الغطاء بجانبها فاقترب منها ثم مال يتكئ على يد وباليد الأخرى رفع طرف الغطاء ليظهر كريم ملتصقا بها يختبئ مرر كفه على شاربه وذقنه يواري ضحكاته وسأل بحزم مفتعل:- كريم ماذا تفعل هنا ؟
عبثت ملامح الطفل خوفا فرك يده ببعضها يجيب وهو على حافة البكاء :- اتيت لتقص امي لي حكاية 
ضمته نور لتطمئنه فقال عمار مستسلما بعد ان لمح الخوف من العقاب في عيون صغيرة :- حسنا هذه المرة فقط 
أراد الذهاب بعد ان لمح ابتسامته سعيدة على وجه الصغير الذى اوقفه راجيا :- ابقي معنا ابي امي تقص حكايات جميلة 
التفت اليها يسألها :- ما هو اسم القصة؟ 
حدقت بعينه وقالت:- الفتاة ذات العيون الزرقاء
بادلها النظرات يتصنع التفكير ثم دفع بنفسه جانبها وتمدد لتصبح هي محاصرة في المنتصف قال :- حسنا ابدئ 
جلس الصغير مقابلها مربع قدميه واضعا كفيه اسفل ذقنه مستندا على ركبتاه بانتباه فربتت بيدها جوارها وقالت :- تعاله هنا حبيبي هكذا لن تستطيع النوم 
امتثل الصغير لطلبها سريعا استلقي على ظهره ووضع رأسه على فخذها ينظر اليها فداعبت خصلات شعره بأناملها وشرعت في سرد حكايتها 
" كان ياما كان في وقتا ليس ببعيد عن الان فتاة يطلقون عليها ذات العيون الزرقاء لجمال عيناها كانت عائدة ذات يوما من المدرسة فقابلها فارسا يمتطي حصانا اسود واختطفها الى قرية بعيده وسط أناسا لم تعرفهم من قبل حزنت ذات العيون الزرقاء لفعلته وبكت كثيرا ورفضت الطعام والشراب حتي شعرت بالإعياء الشديد وكادت ان تموت الا ان الفارس صاحب الحصان الأسود تدارك خطئه في حقها وتركها ترحل بعد ان اعتذر لها.
عادة الفتاة لبلدتها وأنهت عامها الأخير في المدرسة وقع في حبها وحش شرير حد الجنون لكنها كانت ترتعب منه وتخشاه لأنه يريد خطفها وسجنها في قصره المرصود ليكون هو فقط من يراها فظلت تركض هربا منه الى ان صادفت رجل عجوز طيب القلب ارد مساعدتها فخبئها في منزله الا ان الوحش الشرير علم بمكانها وقتل ذلك الرجل الطيب لكن الفتاة كانت قوية استطاعت الهرب منه مرة اخري الى بلده بعيده بها بحرا كبير وسماءً صافية وهناك صادفت اميرها الوسيم .
انتبها عمار الى الحكاية عند هذه النقطة وازداد تركيزه وبتلقائية تمدد على ظهره ووضع رأسه على فخذها يطالعها باهتمام 
ثبتت نظراتها في عينه تكمل سرد حكايتها :- عندما رأته لأول مرة انجذبت اليه شيء ما اعجبها به لا تعلمه اما هو فكان كلما راها يعاملها بقسوة وكانت دائما تسامحه وفى يوما من الأيام علم الوحش الشرير بمكانها واصر على خطفها هذه المرة وهذا لم يعجب الأمير الوسيم ولكي يحميها طلب يدها لزواج لكنها رفضت بشده خشيت ان يفعل معها كما فعل الفارس صاحب الحصان الأسود وذلك الوحش الشرير كانت تشعر بالخوف من كل الرجال لأنها تأذت كثيرا بسببهم. 
لم يستسلم الأمير الوسيم لرفضها واصر على الزواج منها ربما لأنه كان يعلم بحبها له او ربما احبها بصدق الله وحده يعلم وقبل إقامة حفل زفافهم الكبير ارسل الوحش الشرير رجاله واخذوها اليه رغما عنها وهددها ان لم يتركها الامير الوسيم وتبتعد عنه خلال شهرين سيضطر لقتله وقتل ابيه السلطان ومن ثما يقتل الطفل الصغير ابن الأمير حتي انه احتجز اخاها في سجنا تحت الأرض ليجبرها على تنفيذ ما طلب دون ان تخبر احد. 
ارتجفت الفتاة خوفا حاولت جاهده الابتعاد عن حب حياتها الأمير الوسيم لكنه تمسك بها اكثر واكثر فمرضت ذات العيون الزرقاء وامتنعت عن الكلام لأيام حتي لا يغضب منها الأمير ويحاصرها بأسالته الكثيرة الى ان علم عن طريق الصدفة ما يحدث معها ودافع عنها بكل قوته واستطاع الأمير الوسيم القضاء على الوحش الشرير للابد.
صفق الصغير بسعادة يقول :- يستحق ذلك 
اردف عمار :- تمني الأمير لو استطاع تمزيق ذاك الشرير بأسنانه 
همست :- لذلك كانت الفتاة تشعر بالأمان بين احضانه لأنه يمثل الامان الذى لطالما بحثت عنه.
نهض عمار وقال لصغيره :- هيا يا بطل الى غرفتك
اوقفته قائلة:- لم تنتهي قصتها بعد
تنفس عمار بعمق ثم زفر وقال :- اعلم نهايتها ستهرب الفتاة من الأمير وتتركه حزينا يعانى طفله الصغير الم فقد الام للمرة الثانية.
دمعت عيناها تقول :- وما ادراك ربما كان هناك سبب قوي اجبرها على الابتعاد 
وضع كريم كفه الصغير اسفل ذقنها لتنتبه اليه وقال :- اكملي سرد الحكاية امي
ابتسمت تمسح دمعاتها وهى تقول :- سأكمل ان ارد ابوك ذلك 
قفز الصغير امام والده وامسك بكفه راجيا :- دعها تكمل ابي ولن اطلب منك شيء اخر 
تنهد عمار وجلس على طرف الفراش يتنقل بصره بين عينيها وقال بعد صمت دام لدقيقتين :- حسنا اكملي من اجل الصغير.
استرسلت تقول :- بعد القضاء على الوحش الشرير شعرت الفتاة بان الحياة ابتسمت لها أخيرا وستعيش بسلام مع اميرها الوسيم في قصره وتحت رعايته حضرت لحفلا صغير خاصا جدا يكفيهم هما الاثنان فقط وقطعت وعدا على نفسها بانها ستخبره بمدي عشقها له وقبل وصول الأمير للحفل اخبرها الفارس ذو الحصان الأسود عبر الهاتف بسر خطير سرا يجبرها ان تترك اميرها الوسيم جلست على الأرض تبكي منهارة تهدم عالمها بات وصالها مع اميرها مستحيل ظلت طوال الليل تفكر ماذا تفعل هل تخبره بالسر وتدمر عالمه الذى عاشا به لثلاثين عاما ام تخفيه.
قاطعها عمار بحنق :- كان الاولي ان تخبره ربما لديه الحل 
ابتسمت بأسى تقول :- ان ثبت صحة السر ففراقهما محتوم 
قاطعهم الصغير مستاء :- اكملي امي ماذا فعلت
فأكملت تقول :- شعرت الفتاة بضياع لم تستطع التفكير سوى بالانتقام ممن سعي لتفريق بينهما او ترك العالم استعدت صباحا بعد ليلة طويلة لم تذق اجفانها النوم وقد حسمت امرها اما قاتلة او مقتولة فتحت خزانة الأمير وسرقت منها العصا السحرية وسافرت الى حيث يسكن الرجل السيئ . 
اتسعت اعين عمار عن اخرهما فاغرا فاه بذهول عندما فهم كلماتها.
فتابعت :- لوحت بالعصا السحرية في وجهه وقبل ان تهمس بكلماتها التي ستقضي بها على الرجل السيئ حاول الفارس صاحب الحصان الأسود منعها لكن لم يستطع اثنائها عن رغبتها فتسلل ابن عمها دون ان تشعر وقبض على يدها الممسكة بالعصى والذى كان يراقبها منذ ان راها تخرج من محطة القطار وبسبب اندفاعها وتهورها كادت ان تودي بحياة ابن عمها الذى أراد مساعدتها وحمايتها .
ظهرت علامات الضجر على وجه عمار وصرخ :- لأنها حمقاء تتصرف من تلقاء نفسها 
اومأت دامعة وقالت :- اجل الفتاة تعترف انها حمقاء كانت يأسه تعبت من كثرت الالام كرهت الحياة التي تصفعها دائما ارادت القضاء على الشر وان كان هذا فيه نهايتها فذلك الرجل السيئ تسبب في موت ابيها حسرتا عليها واختطف اخيها صغيرا بعد ولادته ثم أعطاه الى السلطان والد الأمير الوسيم ليرعاه 
هب عمار واقفا كالملسوع هز رأسه مستنكرا :- لا مستحيل 
أكملت :- هذا ايضا ما شعرت بيه الفتاة الى ان علم السلطان بمكانها وذهب اليها ليعيدها لأميرها حتى ينقذ المملكة من الضياع علمت وقتها من السلطان ان الأمير الوسيم ليس هو شقيقها فعادت اليه امله ان يسامحها وتقدي باقي عمرها معه لكنه غليظ القلب لم يشعر بمعانتها لم يستطع نسيان انها تركته هو وصغيره ظننا منه انها تكرهه ولاذت بالفرار عندما واتتها الفرصة ورغم محاولتها الدائمة في طلب الصفح الا انه لم يسامحها او يستمع اليها.
سألها الصغير متأثرا :- الن يسامحها 
كففت دموعها وقالت بمكر :- ما رأيك لو اباك هو من يجيب على سؤالك هذا؟
سألها عمار :- هل تحبه ؟ 
اجابته :- لا.. بل تعشقه 
تابع بسؤال اخر :- ماذا تفعل ان لم يسامحها ؟
اجابته بحزن :- ستعلم حينها انه بات يكرهها او ربما لم يحبها يوما وسترحل بعيدا للابد حتى لا تزعجه هو وصغيره 
هتف الصغير تلقائيا :- لا اريد لها ان ترحل
رد عمار :- اعتقد يجب ان تحظي قصص الأطفال بنهاية سعيدة حتى لا تنكسر قلوبهم البريئة 
قالت :- حسنا فالتضع انت النهاية.
صاح الصغير :- عندما اكبر سأتزوج بذات العيون الزرقاء واحميها من الاشرار
هتف عمار :- ابحث عن غيرها لان هذه الفتاة ملكا للأمير الوسيم
قالت :- على الامير الوسيم ان يفكر مليا
سألها :- يفكر فى ماذا؟
اجابت :- ان قبل بالفتاة فى حياته ربما تقتله ذات يوم ان حاول استبدالها بفتاة اخري.
امعن النظر بعينها وقال مبتسما :- الامير الوسيم يعشق ذات العيون الزرقاء ولن يجرء على النظر لغيرها.
سأل الصغير:- ابي هل سامحها الأمير؟
نهض وحمل صغيره يقول :- فى الغد سأخبرك والان يجب ان تذهب الى غرفتك تأخر الوقت
ارجح الصغير قدماه فى الهواء محتجا :- اريد ان انام مع امي الليلة
قال عمار:- لا ليس الليلة 
ثم خطي بعض خطوات نحو باب الغرفة واستدار يغمز لها بطرف عينه وقال بهمس :- استعدي انا قادم.
قالت بارتباك وقد اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل :- ماذا تقصد؟
اجابها بعبث :- هو ما فهمته يا زوجتي لن اتأخر.
...............................
اتت الخادمة تخبرها :- هناك امرأة بالخارج تريد مقابلتك سيدتي.
وضعت نور مجلة كانت تتصفحها امامها فوق الطاولة التى تتوسط المجلس وقالت:- دعيها تدخل 
اقبلت عليها المرأة فنهضت تهمس بدهشة :- نجلاء!!
ثم مدت يدها لتصافحها بعد ان ادركت ترددها وقالت :- مرحبا نجلاء تفضلي بالجلوس 
اخفضت نجلاء بصرها الى الارض تشعر بالحرج فابتسمت لها نور تقول :- ماذا اطلب لكِ؟ شاي. قهوة ام عصير 
قالت نجلاء :- لا شيء شكرا، اتيت لاعتذر اليكِ
عاد عمار من الخارج يحمل جاكيته على ذراعه سأل الخادمة عن زوجته فأخبرته انها لديها ضيفة فصعد الى غرفته.
بعد مغادرة نجلاء صعدت نور الى غرفتهم امسكت الجاكت من فوق الفراش لتعلقه فى خزانة الملابس وقالت مبتسمة :- الحمد لله على سلامتك
دلف عمار من الشرفة ولف ذراعه حول خصرها ليقربها منه وتطلع بعينها يسأل :- من كانت الضيفة ؟
قالت :- نجلاء زوجة اخي السابقة 
تبدلت ملامحه المرحة الى عابسة فك اسر خصرها وقال :- ماذا كانت تريد منكِ شقيقة اكرم  
عضت شفتاها السفلي بارتباك لا تعلم كيف ستخبره ترددت كثيرا قبل ان تقول تخشي من رد فعله :- اتت تخبرني بان شقيقها يريد لقائي للمرة الاخيرة
هتف بحدة :- بطبع وافقتي 
قالت :- لم اعطها رد اردت الأستاذان منكِ اولا
قال وهو يخطو بعض الخطوات ليخرج من الغرفة :- وانا ارفض اخبري الخادمة ان تضع الطعام
لحقت به تعيق طريقة وتقول :- ربما يواجه اكرم عقوبة الاعدام وتكون هذه اخر رغباته
قلب عمار عيناه لأعلى ينفس بضيق يريد خنقها وصاح يقول :- بهذه السرعة نسيتين ما عايشتِه بسببه
امسكت بكف يده ترجوه :- هذه المرة فقط قالت نجلاء انه يريد أخباري عن اشياء لم اكن اعلمها
اشاح وجه للجانب وقال :- سأكون معكِ لن اجعله ينفرد بكِ
قالت معترضة :- عمار هو يطلب لقيء وحدي 
صاح باصرار :- هذا شرطي والا انسي الامر 
لوت فمها بضيق ثم قالت :- حسنا متى نذهب 
اجابها :- أنتظري ارى جدول مواعيدي واجري بعض الاتصالات التى تضمن سلامتك
شكرته واولته ظهرها لتراي امر الغداء فجذب ذراعها اعادها امامه يقول :- الم احقق لكِ رغبتك اين مكافئتي؟
قالت بخجل:- ليس هذا وقته 
ابتسم بعبث وهمس بأذنها :- بخصوص مكافئتي فأي وقت اره مناسب لأخذها
دفعته للخلف ثم هرولت على الدرج فصاح بأعلى صوت يصل اليها :- لا مجال للهروب لن اتنازل عن مكافئتي.
 
****ان اعجبك الفصل اترك تعليقا****

أتعدني بالبقاء؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن