الفصل الثامن والعشرون

43 3 0
                                    

أراد كمال أخرجها من حالة الكأبة التي لازمتها فقال :- عندما اشعر بالضيق اذهب الى مكاني المفضل اعدته بنفسي اشرب كوب شاي واتأمل فى الطبيعة ما رأيكِ ان نذهب الى هناك؟ 
التقطت منديلا من العلبة الموجودة على تابلو السيارة تجفف به دمعاتها وقالت :- يكون أفضل لن استطيع تفسير حالتي هذه لعمي  
أوقف سيارته بعد ان وصل لوجهته فترجلت منها نور تتطلع لحسن بديع خلق الله شجرة توت كبيرة ذات اغصان وارفة اسفلها ثلاث كنبات صنعت من الطين تطل على نهر النيل الذى تسبح به بعض المراكب الصغيرة ذات الاشرعة البيضاء الخاصة بالصيد واسراب العصافير العائدة الى أعشاشها تحت أشعة الشمس الهادئة تودع النهار وسط سمفونية تعزفها نسمات الهواء بمداعبة أوراق الشجر أخذت نفسا عميقا تملء به رئتاها وتمتع ناظريها وقالت :- سبحان الله معك حق المكان فعلا ساحر
رد عليها :- بلدنا جميلة جدا يابنة عمي
مد يده لها بكوب شاي انهى صنعه لتو اخرجها من خواطرها المؤلمة يسأل :- انتِ متأكدة ان عمار هو نفس الطفل ؟
اجابته :- منصور أخبرني بذلك على الهاتف
صمت قليلا يفكر ثم قال :- هذا يعني ان منصور يعلم تفاصيل القصة هل تمانعي ان اتصلت به ادعه للحضور؟ 
هزت رأسها نافيه :- لا أمانع ربما يمانع هو بسبب العداوة بين العائلتين
أخرج هاتفه وقال :- ليس هناك عداوة بيننا وبينه، منصور لديه عذره لأنه لم يكن يعلم بحقيقة والده وبعد ما حدث بينكما علم كل شيء وندم عما فعله بكِ حتى انه كان يحزرنا عندما يخطط ابوه لشيء ضدنا
تجمعت تلك الدموع بعيناها لكنها مسحتها سريعا قبل نزولها وهمست بيأس :- أخشي ان اتعلق بأمل كاذب
أبتسم وقال بود :- ما يحدث معنا بقدر كتبه الله لنا او علينا، تناولي الشاي قبل ان يبرد 
أكمل مازحا بعد ان رأى دمعاتها تسيل :- اعجبني ذلك العرق الصعيدي الذى اظهرته لسليم السعيد ابنة عمي صحيح رفعتي السلاح فى وجهه بقلب ميت 
كفكفت دموعها تبادله المزاح :- أمال انا أعجبك جوى جوي يواد عمي 
علت ضحكاته وقال :- فى المرة القادمة تأكدي من تعمير الطبنجة 
أنفرج ثغرها عن ابتسامة حزينة وقالت :- هذا سلاح عمار أخذته من الخزنة ولم احمل سلاح من قبل يأسي شل عقلي عن التفكير وفعلت ما خطر ببالي حينها.
تبدلت ملامحه للحزن وقال :- العشق صعب يابنة عمي بالأخص ان كان مفقود فيه الامل 
مازحته :- كنك غرقان بالعشق يا واد عمي  
أجابها دون تفكير :- واي عشق ، عشق سنين يذبح القلب فى صمت ولا تقدر تصرخ ولا تقول اا.ااه.
أتا منصور وقص القصة كاملة التى علمها من والداه فهتف كمال :- لا دليل على ان عمار هو الطفل، ربما يكون ابو العز كفل الطفل في اي ملجئ او سلمه لشرطة بما ان ابوك كان متعجلا فى العودة للقرية .
فقال منصور :- هذا ما فهمته من حديثهما.
قاطع حديثهم حضور سلطان موجها كلماته الاذعه لشقيقه وهو يرمق كمال بنظراته السامة :- كيف تجلس وتتسامر معهم بعدما اقتحموا دارنا واشهروا سلاحهم فى وجه ابيك
قال منصور ينهاه :- لا تتهور قبل ان تعلم الحقيقة ابوك هو ......
أشار سلطان اليه بسبابته ليصمت وقد بلغ منه الغضب مبلغه يقول :- قبل ان تنطق بكلمة تذكر ان هذا ابوك ام ان عروقك تسري بها ماء بدلا من الدم.
تجمع بعض الرجال لفك العراك الدائر بين قضبي اكبر عائلتين فى القرية وكان قد احتدم على اشده واصاب كل منهما الاخر بعدد لا بئس به من اللكمات التى تركت اثارها على وجوههم صاح سلطان يقفذ ويتوعد من وسط الرجال الذين حملوه بعيدا عن كمال :- والله لن اترك ما حدث فى منزلي مع ابي دون حساب لكل عائلتكم.
بحث كمال عنها وجدها تجلس ملتصقه بجزع شجرة التوت الضخمة تضم ركبتاها الى صدرها وينتفض سائر جسدها من شدة الخوف والهلع تلوم نفسها هى السبب فى كل هذا اندفعت تنفذ ما خطر ببالها دون حساب لأي تبعات اعطت سليم السعيد سببا لينتقم من عمها واولاده همست نور وسط شهقاتها عندما اقترب منها كمال :- اسفه لم اريد حدوث كل هذا ليتني لم أتي الى هنا 
مسح جانب فمه بأبهمه يزيل الدماء عنه وقال :- حدث ما حدث فكري بما سنخبر به عمي 
همست :- الحقيقة لان الامر خرج عن السيطرة 
نهاها يقول بأصرار :- لا اعلم العواقب ان علم عمي بما فعله سليم
قالت :- ان اخفينا الحقيقة ربما لن يخفيها هو
اجابها :- من مصلحته الا يتحدث عنها والا يثير المشاكل هيا نعود للمنزل اقترب وقت صلاة العشاء ولم نصلي المغرب.
....................
سحب عمار تلك الورقة الموجودة اسفل هاتفها المغلق بجوار الاباجورة على الطاولة الصغيرة الملاصقة للفراش وقراء ما فيها “ أعلم أني خرجت من أمان أحضانك لمجهولا أخشاه وهذا قدري مؤمنة بأن كل شيء سوف يمضى أحزاننا .. أفراحنا .. وأعمارنا بقدر فلا تقف طويلا عند كل مرحلة “ بتركها لهاتفها علم أنها تقطع عليه أمل محادثتها ولقائها القه بحنق جواره وهمس بحزن :- فالتهانئ أينما ذهبتِ لم أكن لأبحث عنكِ ابدا
ما ان تمدد مغمض عيناه استمع لطرقات خفيفة تبعها فتح الباب فأشار الى كريم الباكي بالاقتراب يسأله :- لما يبكي البطل الصغير ؟
قفز كريم يرتمى بحضن والده يسأله :- ابي هل ستتركني أنت أيضا ؟
تصنع الابتسام لصغيرة نافيا :- لا حبيبي ولما أتركك أنت قطعة من قلبي 
أرتشف ما بأنفه وقال :- هل انا سيء ابي لذلك تركاني 
شدد عمار على عناق صغيرة يحملق في اللاشيء بأعين قاتمة تظهر مدا غضبه يقول :- لا بل هن السيئات لأنهن يهربن من واجبهن
قال الطفل ببكاء :- اسمح لي ابي أن ابقي معك اعدك لن أصدر صوتا وسأظل صامتا حتى لا تتركني
أحس عمار بغصة في قلبه لعلمه بمعاناة صغيرة والم الفقد داخله حاوط وجنتيه بكفيه يطمئنه :- اعدك لن أتركك ما حييت.  
دثر صغيره جيدا وأغمض عيناه عله ينام هروبا من دوامة أفكاره لكن عقله أبا وتمرد عليه رائحة عطرها تفوح في أرجاء الغرفة نهضا الى الشرفة لينعم بهواء لا يحمل أنفاسها ، أتكئ بكفه على سور الشرفة  يفرك مؤخرة رأسه بيده الاخرى يتنفس بعمق ، رفع بصره لسماء مستغيثا بالله لمح تلك النجمة البعيدة فهمس :- ما أشبه اليوم بالأمس
مر بكل هذه التفاصيل في اول يوما لهما عندما خرج لشرفة يعطيها فرصة لتبدل ثوب زفافها هي ظنت ذلك لكنه أبتعد ليكبل جماح مشاعره الماجنة ويروضها، حتى هذا الصمت تحت جنح الليل يذكره بها تعلقت عيناه بذاك الركن الفارغ من الشرفة والذى كان يحوى قفص عصافيرها وبدون أراده منه أخفض بصره على الأرض مكان مكوسها تبكي حسرة على موتهم ضرب السور بيده عدت مرات يصك على اسنانه غضبا وهتف بحنق :- تبا لكي لما لم تأخذي كل شيء معكي اللعنة عليكِ وعلى قلبي.
دلف الى الغرفة التقط هاتفه واتصل بأحد حراسه يأمره :- احضر لي سجائر الان 
حاول الحارس تذكيره انه أقلع عن التدخين منذ مدة لكن عمار صرخ فيه :- أتعلمني ماذا أفعل نفذ الامر وحسب ثم انهي الاتصال
قطع الغرفة ذهابا وأيابا بوجها عابس ثوانا وتحول عبوسه لغضبا عارم أتجه الى طاولة الزينة واطاح بكل ما عليها أرضا فلم تهدئ ثورته وقف على اول الدرج يصيح يوقظ الخادمة يأمرها بعد أن امتثلت أمامه بثيابها المبعثرة أشار على أحدي الغرف الفارغة وقال :- أبدئي الان في نقل جميع اشيائي الى هذه الغرفة لا أريد أن يبقي غرضا يخصني وسط هذه النفايات 
أطاعت الخادمة :- امرك سيدي 
حمل صغيره واعاده لغرفته وأخذ هاتفه يجرى أتصالا برئيس شؤون العاملين بالشركة يأمره بعد ان ايقظه من نومه :- لا أريد ان أرى أنثي تعمل في شركتي من الغد استبدلهن بموظفين جدد رجال .
من الاقوال المأثورة “ لا تأخذ القرارات وانت في قمة غضبك ولا تعطي وعدا وانت في قمة السعادة “
اتسعت أعين نهى من الدهشة عندما خطت اول خطوة تتجول في الشركة تدقق بالموظفين من خلف الزجاج الى ان وصلت لمكتبه قيمت ذلك الشاب الوسيم الجالس على مكتب السكرتارية بنظراتها الفاحصة وسألته :- المهندس عمار موجود؟
أجابها :- اجل موجود هل هناك موعد سابق؟
تخطته وامسكت بمقبض الباب تفتحه افتعلت ضجه كعادتها عندما حاول منعها رمقها عمار بسخط وسألها بحده :- من سمح لكي بالدخول ؟
دنت منه وجلست على الكرسي المقابل لمكتبه ببرود وقالت تصفق بكفيها :- احيي نور فعلت مالم استطع فعله استطاعت تغير عمار ابو العز لدرجة انه استبدل الموظفات بموظفين رجال  
ضغط على قبضة يده أكثر حتى بدت عروقه كأنها ستنفجر وصك على اسنانه يقول :- الم أحزركِ من الاقتراب ممن يخصني ؟ على ما يبدو لم تعي الدرس جيدا
أردفت شامته :- من حزرتني من اجلها هجرتك 
أبتسم ساخرا :- لذلك أراكي أمامي لكن للأسف محاولة فاشلة.
نهضت تقترب منه بدلال ذائد تعبث بخصلات شعره وتقول :- لن تجد من يحبك أكثر مني 
قبض على يدها ووقف يدفعها نحو الباب أفزعها بصراخه الذى لم تتوقعه :- أختفى من أمامي لا أريد رؤيتكِ مرة أخرى تصنعي هذا الدلال على غيري انا رجل متزوج
دمعت عيناها تصيح بعصبية :- اتسمي هذا زواج !! هجرتك زوجتك هجرتك استوعب هذا هي لن تعود اوصلتها بنفسي لمحطة القطار انها تكرهك يا عمار لذلك فرت منك لأنك تضربها
غلى الدم في عروقه يكاد ينفجر من عينيه المحمرتين فلم يشعر بها الا وهو يصفعها صفعة قوية ترنحت بسببها وكادت ان تسقط على الأرض اهتزت عيناها بدموع  الصدمة وهول المفاجئة لم تصدق ما فعله هل صفعها لأول مرة، من قبل كان ينفعل ويصرخ عليها لكنه ابدا لم يضربها من قبل!!
ضحكت بألم وهمست :- أرى الألم في عينك كيف لها ان تتركك وانت من تهجر وتترك وقتما تجد البديل 
فتح الباب والقى بها لخارج مكتبه وصرخ في سكرتيره :- أتصل بالأمن يلقى بها خارج الشركة
صاحت متشنجة بعصبيه :- لن انسى ما فعلت اقسم لك سوف تندم ياعمار.
وقف بلا حراك لدقائق كان يختنق وأنفاسه تلتهب غضبا ودون أراده منه فتح ازرار قميصه الثلاث بالأعلى عائدا للوراء بخطوات بطيئة والقى بجسده على اقرب مقعد تتزاحم الصور برأسه اشعرته اكثر بالاختناق واخذ يشعل سيجارة تلو الاخرى حتى نفذت فحمل سترته وغادر الشركة.
.................
كاد أن يصعد الدرج يترنح كعادته بعد سهر الليل بطوله حتى بزوغ الفجر مع رفقاء السوء أوقفه منصور الثائر أيقظ كل من بالسرايا :- قف مكانك يا سلطان
وضع سلطان سبابته على فمه يهمس:- هس حتى لا يستيقظ والداك  
صاح منصور :- فليستيقظوا ليعلموا بمصائبك  
أشاح له بيده وأستدار ليصعد الدرج وهو يقول :- ليس هذا وقته بعدين. بعدين 
جذبه منصور من كتفه ليلتفت اليه يقول وقد ارتفع صوته اكثر :- افق واخبرني انت من قتل كمال الطوخي؟
حاول فتح عيناه وقال متعجبا :- ولما اقتله ؟
صاح سليم وهو يهبط الدرج :- منصور. اترك اخوك يصعد الى غرفته الان 
صاح :- لن اتركه ابنك مجرم قتل كمال الطوخي  
أدار سلطان رأسه يشيح بوجهه بعيدا بنفاذ صبر يقول :- قلت لك لم اقتله  
التقط منصور دورق الماء من على الطاولة وسكبه فوق رأس اخيه وهزه بعنف عله يفيق
دلف الغفير يقول بارتباك :- حمدي وكل رجال عائلة الطوخي فى طريقهم الى هنا  
لطمت زينب على صدرها تندب :- يا حرقت قلبك على اولادك يا زينب 
هتف منصور بانزعاج :- اصعدي يأمى مع الحريم فى الاعلى. 
اطل سليم من اعلي الدرج على الجمع المحتشد بفناء سرايته وابتلع ريقه في جزع وقال بثبات مفتعل :- منذ يومين جاء كمال ليقتلني واليوم اتيت تقتحم داري ياحمدي اصبحنا لعبة تتسلون بها !!
صاح حمدي مناديا بكل ما يحمل من غضب على سلطان :- اين ابنك سلطان ياسليم ثأرنا معه وليس معك 
هتف منصور :- أنتظر يا حمدي نتأكد اولا انه هو من فعلها 
رد عليه حمدي مهددا :- لم يفعلها غيره اخرجه الان حتى لا تجبرنا على حرق السرايا بكل من فيها  
في اقل من ربع الساعة عج الفناء برجال العائلتين بأيديهم جنازير وعصى مستعدين في انتظار اصدار الامر من كبيرهم
صاح منصور لعله يثنيه :- انظر خلفك يا حمدي ستتأذى اناس كثر   
ارتفع صوت حمدي :- الحق معنا يا بن السعيد ولن يستطيع احد منعنا من اخذا ثأر ابن عمي من اخيك
صاح منصور يبادله الصراخ :- هل انت مجنون تريد ان اسلمك اخي لتقتله؟ 
قال حمدي :- اخيك قتل ابن عمي ويستحق القتل 
رد عليه منصور :- ليس مؤكد انه فعلها وان كان فعلها سأسلمه الى الشرطة بيدي 
اشتعلت عيني حمدي غضبا اكثر من ذي قبل وهتف :- منذ متي ننتظر ان تأخذ الشرطة بثأرنا يأبن السعيد ؟ ثأرنا نأخذه بأيدينا  
قاطع حديثهم صوت الضابط الموكل بالمهمة الأصعب وهى القبض على سلطان وأخرجه من وسط تلك الجموع سالما :- وظيفتنا نحن ان نعيد الحقوق لأصحابها يا حمدي 
رد حمدي :- اسمح لي حضرت الضابط حقنا نأخذه بأيدنا وان موتنا فى سبيله والا سنكون سبه فى الافواه لأجيال قادمة.
قال الضابط :- اتيت من المستشفى الى هنا كمال الطوخي لم يمت سنأخذ اقواله عندما يستطيع الحديث معنا، نحن لسنا فى غابة لنترك كل شخص يأخذ حقه بيده. 
شق الضابط طريقه لدرج السرايا موجها حديثه لسليم :- اين ابنك سلطان يا سيد؟
انكر سليم :- لا اعلم لم يعد منذ الامس
حاول الضابط أقناعه :- هل تدرك عواقب التستر عليه ؟ اتعلم النتيجة ان وقع فى ايديهم؟
هز الضابط راسه بيأس بعد ان انكر سليم وجود ولده مرة أخرى :- لم تدع لدينا خيار سندخل للبحث عنه بأنفسنا    
وقبل ان يلتفت الضابط لجنوده ليأمرهم بتفتيش السرايا خرج منصور ممسكا بيد شقيقه لتسليمه بعد أقناعه أن هذا لضمان سلامته الى ان تظهر الحقيقة . 
فربت الضابط على كتف منصور مستحسننا فعله وقال :- ان كان اخيك لم يفعلها سأثبت ذلك وابحث الجاني.
لم يسلم سلطان المكبل اليدين من الهجوم عليه اذ أصيب بضربه قوية شجت رأسه وساد الهرج مما دفع الضابط لأطلاق عيارا ناري في الهواء صارخا بحمدي يحزره :- أصرف رجالك يا حمدي والا اعتقلتك بتهمة أثارت الشغب وتعطيل رجال الشرطة عن تأدية عملهم.
جلست تراقب باب غرفة العمليات المغلق بقلب منشطر نصفين حدقتاها جامدتان وكأنها حجر من كرستال لا تستطع البكاء يجول بذهنها سؤالا واحد :- ماذا أن مات بسببها ؟
اخبرت عمار من قبل انها لعنه على كل من حولها وها هي الان تثبت صحت ما قالت تنهدت بألم من أعماق قلبها المتقطع ورفعت بصرها للسماء تردد في سرها يارب .. يارب كن معنا لا علينا استمعت لدعاء زوجة عمها الجالسة على الأرض تربع ساقاها تكفكف دمعاتها بطرف شالها الأسود ذو الطراز القديم وتضرب بيدها الأخرى على ركبتها :- يارب اشفيه يكفي انه ذاق مرارة اليتم منذ صغره  
هنا انفتح باب الغرفة المغلق واطل منه الطبيب متعجلا يقول :- نحتاج لمتبرع بالدم الفصيلة (..) هبت نور مسرعة تهتف :- انا نفس الفصيلة 
أكمل الطبيب :- جيد لكننا نحتاج لأكثر من المسموح به التبرع منكي المريض فقد الكثير من دمه قبل ان نوقف النزيف. 
اسرع بلال لخارج المستشفى بعد ان قال :- انا سأبحث فى كل منازل القرية حتى وان اضطررت لشرائه بأغلى ثمن. 
بينما كان عثمان الطوخي جالسا واضع كفيه معا على رأس عصاه متكأ بذقنه عليها جامد بلا حراك لا يصدر اي صوت أنفاسه لا تسمع كمال ابنه الذى لم ينجبه احسن رعايته وتربيته حتى انه دائما ما يقول عنه هو من سيصبح كبير العائلة من بعده لحكمته ورجاحة عقله .
صاح احد رجال الامن المرابطين امام بوابة المستشفى في الجموع التي أتت وراء حمدي بعد مغادرتهم سرايا سليم السعيد :- هذه مستشفى للمرضي وليست ميدان التحرير لتتجمعوا فيه نرجوكم ان ترحلوا الان.
فلم يستمع لهم احد مما جعلهم يستعينوا برجال الشرطة لفض التجمع.
يومان . يومان من اصعب الأيام التي مرت على عائلة الطوخي قضاها كمال في غرفة العناية الفائقة الى ان تماثل جسده لشفاء ومن ثم انتقل الى غرفة عادية وضعت نور يدها على كتف عمها تقول :- اذا سمحت لي عمي اريد الحديث معك في امرا هام .
ربت على كفها يقول :- انتظري حتى ينتهي الضابط من اخذ اقوال ابن عمك ونطمأن عليه.
في الداخل أجاب كمال على سؤال الضابط المعنى بالتحقيق :- كان الوقت  متأخر ليلا لم اري من اعتدا علي
سأله الضابط :- هل تتهم احد بمحاولة قتلك ؟
اجابه مبتسما :- ليس لدي عداوة مع احد ليحاول قتلي 
قال الضابط :- لدي شهود ذكروا ان هناك مشاجرة نشبت بينك وبين سلطان سليم السعيد بسبب ابنة عمك هل هذا صحيح؟
اجابه كمال :- سوء فهم لم يمر عليه الليل وتصالحنا ولا اظنه يستدعي ان يقتلني بسببه اما عن ابنة عمي فليس لها دخل فى ذلك.
قال الضابط :- حمايتك لمن حاول قتلك خطاء كبير ربما يحاول تكررها مرة اخري. 
رد عليه كمال :- ومن قال انها محاولة قتل لما لم تكن محاولة سرقة بالإكراه.
ابتسم الضابط وقال ساخرا :- طعناتنا بسكين حاد وعدت ضربات على رأسك وتقول سرقة !!
وضع الضابط امامه كيس يحتوي على سلاح ومحفظة جلد ومبلغ كبير من المال وسأله :- اليست هذه اشيائك ؟
اوماء كمال مؤكدا فأضاف الضابط :- ان كان الهدف محاولة سرقة كما تقول لما وجدنا هذه الاشياء فى جيب جلبابك ؟
اجابه كمال :- لا اعلم ربما خشي ان يراه احد فلذا بالفرار بعد ان تطور الامر. 
دفعت باب الغرفة بقلبا ملتاع بعد خروج الضابط ضمته بين ذراعيها بلهفه وبكاء تقول :- اوجعت قلبي عليك بني كيف حالك ؟
قبل كمال هامت زوجة عمه يطمأنها :- بخير امي لا تخافي ولدك اسد قل لها شيئا ياعمى . 
لكزته على كتفه بخفه تبادله المزاح :- اتعلم؟ عمك الواقف امامك هذا لم تغمض عيناه طوال الليل ولم يذق جسده طعما للراحة منذ ان اُصبت  
بادلهم عثمان المزاح :- لم انم بسبب كثرة نواحك ابني ضاع فى شربة ماء. ابني ضاع فى شربة ماء طوال الليل على نفس الحالة. 
أبتسم وقال بود :- الله لا يحرمني منكم ، جئتم وحدكم ؟ اين حمدي وبلال ؟ 
اجابته فاطمة :- عندما علمت دلال زوجة اخيك بانك خرجت من العناية اصرت ان تعد لك طعاما لتسترد عافيتك ودمك الذى فقدته اما بلال فعاد لجيش تعلم لن يستطع التأخير. 
أوماء مبتسما ثم قال :- هل عادت ابنة عمي لزوجها ؟ 
تلفت عثمان حوله وقال متعجبا :- كانت معنا لما لم تدخل ؟ 
قالت فاطمة :- والله ياعثمان ابنة اخيك هذه غريبة الاطوار تبكي طوال الليل والنهار دائما ارها حزينة تلوم نفسها وتقول انا السبب وعندما اسألها لا تجيب لو لم تكن متزوجة لظننت انها تعشق كمال من كثرة سؤالها عنه والدعاء له اتذكر عندما طلب الطبيب متبرع بالدم ؟ قفزت فى وجهه كالفزاعة تصيح انا اتبرع له بكل دمي.
نهرها عثمان بحده :- ماذا بكِ يحرمه ابنة اخي زينة البنات لا يمكن ان تقع فى الخطاء
قاطعهم كمال :- ربما تكن خجله نادها يامي واتركوني معها قليلا.

**** ان اعجبك الفصل اترك تعليقا ****

أتعدني بالبقاء؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن