'23' مرحباً بوسان..

441 44 46
                                    


" على جميع الرُكّاب ربط أحزمة الأمان استعداداً لهبوط الطائرة"

اوه، مرحباً بوسان..

تكرّر نداء الكابتن لما يقارب الخمس مرات، مؤكداً على ضرورة ربطنا لأحزمة الأمان؛ مخافة ماذا؟

أن نقع مثلاً..؟

أظن بأن روحي قد وقعت منذ زمن، منذ لحظة جفاء تشا يون وو لي، عندما أخبرني بأن عائلته كانت على حق عندما أخبروه بأن لا يرتبط بفتاةٍ قد هجرها والدها قبل أن توضع على المهد، وصفني في ذلك اليوم باللقيطة و أهان والدتي عن قصد قائلاً بأنها ربما حبلت بي من رجلٍ آخر غير أبي؛ لذلك أستحبّ أبي هجرنا بتلك الطريقة.

لقد رمى في ذلك اليوم كلاماً انغرس في مشجب الذاكرة، و مهما مرت السنوات و تفانى بي العمر ستظل كلماته تلك كالمسامير التي انغرزت حتى النخاع، كليلةٍ بائسة، وقعُ كمانٍ قُطّعت أوتاره لفرط حُزن صاحبه، أو كعبدٍ سجين حُكم عليه بالإعدام لرفعهِ لمقام رأسه.

على جانبي في المقعد المجاور كانت تقطُن امرأةٌ مُسنّة، ربما تجاوزت الستين من عمرها، فرنسية الأصل، تقول بأنها جاءت إلى كوريا من أجل حفيدتها المهووسة بفنانيّ الكيبوب من الشباب، أظنها حضرت من أجل عرضٍ ما برفقة صديقتها و ربما تكون قد تأخرت في العودة، من يعلم!

لا أقول بأننا انسجمنا كلياً منذ بداية الرحلة، لكن حديثها المتواصل عن أذية الناس لها بعث فيني شعوراً بأنني لستُ الوحيدة التي تعرضت للأذى، و أنني ربما أكون قد بالغت في إتخاذ موقفي. لكن ما أدركتُه حرفياً هو أن من يتكلم كثيراً عن أذيه الناس، هو فقط يُناديكُم خفيةً أن لا تؤذوني.

كان مظهرها لطيفٌ جداً، لايوحي بأي عواصف تُقام داخلها.

زفرتُ مطولاً أحاول استجماع شتات ذاتي، و تلطيف اليوم قبل أن يبدأ، كذلك التخلص من الصداع الذي يكاد يقسم رأسي إلى نصفين.

شربتُ ثلاثة أكوابٍ من القهوة منذ إقلاع الطائرة و ها أنا ارتشف الكأس الرابع، لم تعُد القهوة تُفيد لقد وصل الصداع إلى القلب.

هبطت الطائرة بسلام، لينخرط الركاب من جوفها كالنمل الجائع، كنت أنا آخر الركاب في النزول؛ لم تكُن لديّ الهمّة للعودة إلى البلد الذي طُعِنتُ فيه و هلِكت روحي قبل أن تتشرّب إكسيرها العبِق.

عيد ميلادي في الغد، و لا أمتلك ذرةً من الحماس لأجله... ربما مشاعري قد تبلّدت و ربما أصبحتُ مُسِنّةً و فقدتُ رونقي في تذوق مثل هذه الأشياء، أظنها أصبحت من الماضي... للمراهقين فقط!

 The Lustful Killer || قَاتِل شَهوَانِيّ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن