الفصل السابع عشر:"رُؤيَةٌ شرعِية"

777 69 5
                                    

صوت قلبي المتحطم مثل الزجاج يغطي على باقية الأصوات التي تحوم حولي كنت أظن بأنني سأنول جائزتي في الصبر ولكن..مازلت في نصف الطريق وحيدًا!

هذا هو حال "مراد" بعد سماعه لخبر وفاة جدته وهو ينظر لها بتيهٍ ولكن لم يصرخ بحزن بل قال بكل هدوءٍ:
" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"

نظرت له"هبة"بتعجبٍ على ثباته الإنفعالي بينما "سيف" أُدمعت عنيه وذهب يسحبه من حضنها مهدئًا له فنظر"مراد"لجدته ولصديقه قائلًا بإنفعال:
"بتبعدني ليه؟ سيبني مش هعمل حاجة والله، هحضنها بس"

بكى"سيف"على صديقه الذي مغيب عن الوعي ولا يدرك بعد أنها توفيت، بينما "مراد" أبعد يده وذهب لجدته عانقها مرة أخرى ومال على أذنها هامسًا لها:
"حبيبتي أنتِ، موفتيش بوعدك يا زوزو قولتيلي هتبقي معايا وسندي ضهري إتقطم مجدش حنين عليا قدك"

سقطت دموعه وهو يحدثها بينما"سيف"مد يده يكتم بكاءه وخرج مسرعًا من الغرفة ومن ثم خرجت وراءه زوجته وعانقته بمواساةٍ وهي تبكي عليه:
'إهدى هو كويس أهوه ربنا يقويه ويعينه انا أول مرة أشوف حد كدا ربنا يصبره'

رد عليها بصوتٍ مختنق أثر البكاء:
"ما علشان احنا كنا قدامه هتلاقيه لما خرجنا عيط، ربنا يرحمها"

أمنت وراءه وهي تربت على ظهره لتهدئه.

بينما "مراد" ألتقط. هاتفه ليتصل بجده وأقاربه ليصدمهم بذلك الخبر، ومرت عدة ساعات حتى أزدحم البيت بالمعارف فكانت طيبة القلب تساعد من يأتي لبابها، وبعدما تم غسلها وتكفينها وقف أمام غرفتها يستنشق تلك الرائحة الطيبة التي تنبعث من غرفتها ولكن لم يقدر على الصمود أكثر بعدما وجد تلك القماشة البيضاء تغطي جميع جسدها حتى وجهها فذهب وجلس أمام سريرها يبكي بشدة وهو يحدثها وكأنها تسمعه:
"لفوكِ في الأبيض يا أم قلب أبيض؟!"

لم يأته الرد بالتأكيد فحدثها بإنهيار وصوتٍ مختنق فإنه لم يصدق بعد بأنها ذهبت للأبد:
"تيتة! بالله عليكِ تردي قلبي واجعني أوي محتاج حضنك والله هموت من بعدك، طب بصي! هعمل كل إللي نفسك فيه أي حاجة تطلبيها هاكل كويس وآخد بالي من صحتي ونفسي بس قومي! أنتِ إللي كنتي باقيالي في الدنيا دي هروح أترمي في حضن مين يا تيتة؟! سايباني لمين؟ مين هيعوضني عنك؟!"

ظل يحدث تلك الجثة لهامدة بلا روح بإنهيارٍ وعندما لم يجد الرد دفن وجهه بين كفيه يبكي بشدة.

بعد أذان العصر حمل بعض أقاربها نعشها ومن بينهم "مراد" ويمشي معهم كالتائه بينما جده لا يدري أين يذهب وهو يرى زوجته تُحمل على أيدي أبنائه وأحفاده وتذهب إلى مثواها الأخير وكان يبكي في صمتٍ.

وضعوها في المسجد لكي تتم الصلاة عليها بينما خاله الأصغر"محمد"كان يقف ولا حول له يبكي بشدة على والدته التي كان يستند عليها وتزيل همه بعناقها الدافئ ولكن أين عناقها الآن؟ التراب؟! أصطفوا جميعًا لكي تتم الصلاة فكان هناك الكثير والكثير ليصلوا عليها ومن كثرة التزاحم بعضهم يصلي خارج المسجد، رفع الإمام يده بادئًا للصلاة ويردد:
"الـلـه أكـبـر"

"حِينَ إلتقِيتُكَ" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن