في تلك الغابة الموحشة التي غاب ضوء الشمس عنها، و بين اشجارها الكثيفة التي تلوّنت باللون الأخضر القاتم وقد تداخلت أغصانها لكأنّما تحتمي من قسوة البرد ، و تحت ضوء القمر السرمديّ الخلّاب الذي تخلل الغابة ، كان ذلك الشاب الذي لم يتجاوز ربيعه السابع عشر يركض بأقصى سرعته متجاهلا تعبه وارهاقه، وقلبه الذي يكاد يتوقف من القلق والخوف الذي يخوضه، ظل يركض ويركض بقدميه التي كانت بالكاد تحمله حتى تعثر في احد الصخور التي امتلأت بها أرض الغابة ، فسقط من فوره على الارض حيث نبتت الحشائش والنباتات الخضراء. أخذ يتنفس بصعوبة شديدة وكأن الهواء قد نفذ ، اعتدل في جلسته ليستند بظهره على شجرة ليستجمع قواه ويأخذ انفاسه. وما كادت تنقضي لحظات حتى نهض من فوره رغم تعبه وأكمل ركضه متغلغلا في الغابة حتى وصل الى حافة الوادي، توقفت قدماه وبدأ ينظر يمينا ويسارا كما لو كان يبحث عن شيء فقده.
« أين هو؟! لقد اخبرني اننا سنتقابل هنا! لا.. لا... لا.. ما الذي حدث له؟!»
صرخ ذلك الشاب بفزع بينما يحوّط رأسه بكفيه.
« لا تقلق عليه... اظن انه من الأنسب ان تقلق على ما سيحل بك.. يا... عمر!»
رد عليه ذاك الصوت الأجش الذي حمل معه كل ذرة حقد وغضب.
التفت عمر خلفه بهلع ليبصر بعينيه شخص ضخم الجثة عريض المنكبين لم يظهر من وجهه غير عينيه السوداويتين التي تطاير منها الغضب، بينما استقر ذلك المسدس الحالك بين يديه ، وقف خلفه ثلاثة رجال مسلحين بأجساد عريضة وقوية. اتسعت مقلتي ذاك الشاب بفزع في حين تراجع بقدميه للوراء إلا انه توقف عندما وصل الى حافة الوادي العميق.
-« مـ.. ماذا.. فعلتم بأبي؟ اين هو؟!» سأل عمر بإجهاد، فقد كان بالكاد يلتقط أنفاسه.
ضحكة قوية، مخيفة ومُجلجلة خرجت من فم ذاك الشخص الضخم ليقول بعدها بغضب : « يبدو بأنك لا تفهم!.. أتريد حقا ان تعلم ما حل به؟ » ثم اتبعها بضحكة عالية تردد صداها في تلك الغابة ليزداد خوف عمر.
بدأ القلق ينهش في صدر عمر. ما الذي حدث لأبي؟ ماذا فعلوا به؟.
لم يُرد عمر ان يسأل حتّى لا يقضي على ذلك الأمل الضئيل الذي كان في فؤاده. أمل بأنهم لم يقتلوه.
سأل عمر بخوف : « مـ.... ما الذي تريدونه منا؟ فقط اتركونا وشأننا !!»
ابتسم ذاك الرجل ابتسامة خبيثة ونظر مباشرة في عيني عمر ليقول له
- « ليكن في علمك انني لن يهدأ لي جفن حتى أنتقم من كل من كان سببا في موته... سأجعلكم جميعا تتمنون الموت... وبالأخص انت يا.. عمر أظن انك الاقرب لقلب أبيك كما كان هو لفؤادي !»
اعتلت ملامح الغضب وجه عمر الذي يزداد شحوبا كل ثانيه ليصيح في وجهه قائلا :« ألا يكفيكم ما فعلتموه حتى الآن؟!» سكت قليلا ثم أردف بنبرة حزينة :
« وليكن في علمك ايضا أنني لن اتركك تسلب مني من احب مرة اخرى !».
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الرجل ليقول باستهزاء : « لقد فعلت
بالفعل !».
انتفض قلب عمر بين أضلُعه وبدأ يخفق بشدة، وتنفسه اصبح اثقل و اصعب.
- « لا.. لا... لا...لا....لمَ؟!...أبي! أبي!» صرخ عمر بقهر وألم ليقطعه صوت سيارات الشرطة الذي تخلل ارجاء الغابة الكثيفة ، ولم يعد يُسمع فيها غيرها. التفت الرجل الى اتباعه وقال آمرا :«تفرقوا!» .
وبالفعل تفرق الرجال في أنحاء الغابة، ثم وجّه الرجل فوهة المسدس نحو عمر وقال مبتسما : « لا تقلق.. هذا فقط جزء صغير مّما سيحل بك وبكل احبابك في المستقبل... والآن وداعا، أم يجدر بي القول.. إلى اللقاء القريب؟»
واطلق النار لتنطلق تلك الرصاصة سالكة طريقها الى ذراع عمر مستقرة فيه ، و فرّ ذلك الرجل هاربا تاركا عمر الذي سقط على الأرض يأنُّ بألم بعد أن اطلق صرخة متألمة دوت في أرجاء الغابة وهو يمسك ذراعه قابضا عليها بألم علّه يوقف النزيف. بدأت أنفاسه تتقطع و حطّت على عينيه غشاوة سوداء وثقلت أجفانه حتى ارتخت على عينيه. شعر برجال الشرطة الذين علا صوتهم يقتربون منه وينادون عليه، لكنه كان قد فقد وعيه بالفعل..يتبع....
انتهى الفصل الأول اتمنى ان تخبروني برأيكم في التعليقات ❤️
ما رأيكم في البداية؟
الفكرة؟ 😊( تم التعديل عليه)
أنت تقرأ
ستظلّ في ذاكرتي
Mystery / Thrillerالرواية حاصلة على الأول في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🥇✨ « روحي باتت مشتتة، مشاعري أمست ممزقة وفؤادي قد تهالك وانكسر ، تبدد الوئام واندثر الأمان وتوارت السعادة خلف الأيام ولم يعد يغمرني غير الحزن والآلام من بعد رحيلك يا أبي... لكن من يدري؟ ربم...