جرح لن يبرأ

626 69 152
                                    

انطلق مروان خارجًا من المكتب بأقصى سرعته عبر تلك الممرات الواسعة، تجاهل الفوضى التي حلّت في المكان وكأنه لا يرى أمامه، لم يستعمل المصعد لفرط تعجّله و نزل من الدّرج إلى الأسفل. وقبل أن يخرج اصطدم بصُهيب.

« مروان ! » صاح صهيب بقلق

لمْ يلقَ صُهيب ردًّا؛ لأن مروان كان قد خطا مُسرعا خارج المبنى. وأطلق العنان لساقيه ، ظلّ قلبه يخفق بقوة كأنّما سيخرج من بين أضلعه، و القلق ينهش فيه يدعو الله في سرّه أن يكون عمُّه بخير.

ظلّ مروان يعدو بكلّ طاقته حتى توقفت قدماه فجأة وكاد فؤاده يتوقف من هول المشهد. كانت النيران تستعر في ذلك البناء وما حوله. ولم تترك ألسنة اللهب شيئا إلا وأحرقته. صوت سيارات الإطفاء والإسعاف الذي يدوّي في المكان ورجال الشرطة الذين أحاطوا بالمكان محاولين إبعاد عامة الناس وتهدئة الأوضاع، كلّ ذلك لم يكن كافيا لطمأنة مروان. حدّق بضياع في ذلك البناء الذي يعرفه جيدا إنه " المبنى الخاص بالمحقق باسل قدير" .

بقي مُتسمّرًا في مكانه غير آبه بما حوله ولهيب النيران يلفح وجهه. لقد أصبح البناء أثرًا بعد عين، لم يبق منه شيء. تهاوى مروان على ركبتيه، فلم تعد قدماه تقوى على حمله بعد الآن، صرخ بلوعة وأسى و بكلّ ما تبقى من طاقته :

« عمي ! »

ولم يُجبه سوى أجيج النيران المُشتعلة.

***************

كان عمر جالسًا على أحد مقاعد المدرسة يُحدّق من بعيد في صديقه الجالس على أحد المقاعد البعيدة يقرأ ويذاكر في كتبه وكأنّه لا يرى عمر. يبدو أنًه غاضبٌ حقًا.

زفر عمر الهواء بضيق ثم نهض وتوجّه نحو صفوان وقد اتخذ قراره. وقف أمام صديقه الذي لمْ يُحرّك ساكنًا.

« لقد بدأت أغير من تلك الكتب حقاً ! أنت تقضي الوقت معها أكثر مني ! » قال عمر بصوت هادئ

لم يرفع صفوان بصره عن الكتب ممّا أجبر عمر على التحدّث ثانية ليقول :« صفوان، أنا آسف، لم أكن أقصد تجاهلك وإغضابك...آسف »

رفع صفوان رأسه أخيرا ونظر إلى عمر بوجه عابس قائلا :« لا داعي لذلك؛ فأنا لست صديقك حقا...»

عبس عمر وقد فهم ما يقصده وجلس بجانبه ليتحدّث :

« صفوان، حقا صدقّني ستعلم لمَ فعلتُ ذلك لاحقا، أعدك سأُخبرك بالأمر لكن في الوقت المناسب... هيا.. هل تسامحنا ؟ »

« لقد اتصلت عليك عدة مرات وأنت لم تُجب، لقد.. كنت تتجاهلني... لمَ ؟ » سأل صفوان بحزن

تنهد عمر وقال : « حين... حين رأيتك تتأذى ذلك اليوم... لقد أحيى ذلك في قلبي ذكرى موجعة و مؤلمة، لم أستطع تجاوزها حتى الآن وعندما رأيتك تذكّرته.. تذكّرت كيف لم أستطع إنقاذه »

ستظلّ في ذاكرتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن